منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 8 من 8
  1. #1

    من عمالقة الجهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ( أبو أيّوب الأنصاري)

    مدخل :
    إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم عمالقة الهدى رضي الله عنهم وأجزل ثوابهم ورفع درجاتهم في جنان الخلد . زكاهم الله عز وجل فقال : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا . )الفتح(29) وأنعم بها من تزكية نزلت من السماء لتمنح الصحابة رضي الله عنهم قاطبة حصانة مستمرة من كيد الحاقدين إلى يوم القيامة . وزكّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم . ) وأكرم بها من تزكية أثبت أن كل صحابي عملاق هداية هكذا بلا تمييز.وأحاطهم صلى الله عليه وسلم بسياج من الحصانة
    بحيث لا يقترب من أسوارهم مغرض يريد تفريق كلمة الأمة وايقاد نار الفتنة بين أبنائها . نحب بكل إخلاص , كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , عامة بلا تمييز , فنقرّ لهم بالفضل معلنين عن احترامنا للجميع (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ) البقرة (134) أمّة خلت , ولم يبق من آثارها , إلاّ ما نقلوه للأجيال وهو تعاليم الإسلام العظيم . وتلك السير العطرة المباركة التي يهتدي بألقها البشر في كل جيل وأمة .
    آن لنا بعد أن امتلكنا المفتاح أن نستأذن عملاقاً من هؤلاء الكبار لندخل إلى عالمه الرحب ونقبس من ومضات فكره وذوقه الحضاري وسيرته الطيبة ما نستعين به في عصر اختلطت فيه الأوراق واختلت الموازين وتشتت العقول هائمة في خضم تمازج خطير بين الحقائق والنظريات والأنظمة السائدة في عالم اليوم .
    أبو أيوب الأنصاري , سيدنا وتاج نفخر بتتويج رؤوسنا به , خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي سرى شعاع النور والهدى إلى قلبه فأسلم على يد سفير رسول صلى الله عليه وسلم حامل راية الدعوة للدين الحق سيدنا مصعب بن عمير أعطر شباب مكة فيما سلف. وشهد أبو أيوب , رضي الله عنه , بيعة العقبة الثانية , والتي ضمت ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين . ونعمت عيناه برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ملك عليه عقله وقلبه . وعاد وفد البيعة إلى يثرب والقلوب معلّقة بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم,لقد دخل معظم بيوت المدينة المنورة ومنها بيت أبي أيّوب رضي الله عنه , والمسلمون يترقبون قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً إليها بعد أن أمّها الكثير من أصحابه بناء على توجيه منه كريم . كان أهل يثرب يخرجون ضحًى كل يوم إلى ظاهر المدينة منتظرين سطوع شمس الحق على يثرب ومن ثم على كل أصقاع الدنيا لتغمر القلوب بنور الهداية والتوحيد بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم , وحان الوقت المقدّر في الأزل حيث خرج أهل المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأنور , واحشدوا جموعاً , لاستقبال المهاجر العظيم حيث أطل بطلعته البهية ليزدان بها الوجود ويزداد جمالاً وألقاً ظهر النور من بين ثنيّات الوداع , طارت القلوب فرحاً وغمرتها السعادة , وأنشدت بنيّات بني النجار قوم أبي أيوب رضي الله عنه هذا النشيد الخالد يترد صداه من وراء جدار الزمن : طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع
    وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
    أيّها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
    جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع .
    إنه أعظم موكب عرفته الإنسانية عبر تاريخها الممتد في عمق الزمن , موكب العظمة والرفعة والعزة , لم يضم سوى القصواء ناقته صلى الله عليه وسلم التي دخل المدينة وهو يركبها , وبدأت تجوب أزقة يثرب وشوارعها وتتسابق الأيدي المباركة , فأيّها يمسك بخطام الناقة ليحوز الشرف العالي فينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً عنده , ولكنه صلوات الله وسلامه عليه تألقت على ثغره المبارك ابتسامة شكر , وقال : ( خلّوا سبيلها فإنّها مأمورة . ) وهنا عرف الناس أنّ الناقة تمضي إلى هدفها بتوجيه ربّاني وتابعت القصواء سيرها في شوارع يثرب إلى أن انتهى بها المطاف , فبركت أمام باب منزل أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه وحاز هذه المكرمة الجلّى , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ها هنا المنزل إن شاء الله . ) وبغبطة وفرح غامرين حمل أبو أيوب متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخله بيته , ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدور الأرضي من البيت معللاً بقوله : ( هذا أرفق بنا لما يغشانا من الناس . ) وصعد أبو أيّوب وزوجته إلى الدور الأعلى , وهذا يشير بوضوح إلى أن يثرب تشهد نهضة عمرانية راقية حسب معطيات النهوض العمراني في ذلك العصر . وفي الدور الأعلى من المنزل انكسرت جرّة ماء وأريق الماء على الأرض , فنهض أبو أيوب وزوجته أم أيوب رضي الله عنهما ينشفان الماء بقطيفة لهما هي لحافهما الّذي يلتحفان به وليس لديهما سواه خشية أن تقطر قطرة ماء واحدة على رسول الله فتؤذيه . أليست هذه رتبة عالية من الذوق الحضاري والشعور المرهف الراقي , بالحرص العالي على راحة الضيف , لاسيما إذا كان رسول الله صلى الله علية وسلم ؟ من تصرف أبي أيوب هذا يتعلم كل مسلم كيف يغزو قلب ضيفه ويحتل فيه مكاناً عبر مساحة الحب التي خصّ بها البشر بعد الله ورسوله والصحب والكرام وآل البيت النبوي صلى الله عليهم جميعاً وسلم والوالدين ويربحه أخاً في الله ولله . ونزل أبو أيوب رضي الله عنه إلى الدور الأسفل حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذ يستعطفه ومازال يفعل ذلك بروية ووقار حتى وافق الحبيب أن يصعد إلى الدور الأعلى واحتمل متاع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المكان الجديد , وهذه ومضة من ومضات ذوق أبي أيوب رضي الله عنه , فإنه أبى عليه ذوقه الرفيع أن يسكن فوق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يمتلك نظرة عميقة لمقام النبوة الّذي يأبى أن يسكن نبي كريم في الأسفل ورجل من أصحابه في الدور الأعلى . ما سلف الشطر الأول من حياة هذا الصحابي العملاق في دنيا العروبة والإسلام وازداد ألقاً وشموخاً لما انطلق كالنسر في دنيا الجهاد , فما كاد النبي صلى الله عليه وسلم يمضي في خطوات تأسيس دولة الإسلام مبتدئاً بإشادة المسجد عبر تعاون راق شهدته المدينة المنورة , كيف لا ! والمسجد قلعة الإسلام الرابضة في يثرب ومن ثم في كل بقعة من بقاع الأرض يبلغها المد الإسلامي . ولكن لم المسجد أولاً ؟ المسجد أوّلاً لأنه روح الدولة الإسلامية وحافظ كيانها وصمّام أمانها , فهو بيت الله الّذي يرفع من حناياه اسمه فيعبد فيه , هو مجلس الأمة تناقش فيه قضاياها وترعى مصالحها , هو المحكمة العليا التي تفض فيها الخصومات , وينصف فيها المظلوم ويضرب على يد الظالم وتصدر الأحكام بالدرجة القطعية مبرمة لا تقبل الطعن بالنقض ولا بالاستئناف نافذة من لحظة صدورها عن القاضي . هو قصر النبي يستقبل فيه زائريه ويكرمهم وتعقد فيه المحادثات التي تجري بين النبي صلى الله عليه وسلم وزائريه , هو مجلس الشورى التي يتداول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كبار أمور الأمة كالحرب وعقد المعاهدات . إنهّ الجامعة التي تخرّج عمالقة العلماء حيث تعقد حلقات العلم التي يرتادها طلبة العلم من كل مكان . ويمنحون الإجازات العلمية والتي تعادل الشهادة الجامعية كالإجازة والماجستير والدكتوراه , بل وأين هذه من تلك , فالبون شاسع والمقارنة صعبة . في ساحته تعقد الألوية وتسير الجيوش للجهاد . هذا هو المسجد بالأمس , فأين منه مسجد اليوم , بالأمس كان المسجد مركز الدولة , واليوم لإقامة الشعائر ليس غير بعد أن سرقت منّا رسالته . ثم آخى بين الهاجرين والأنصار ليعقد بينهم آصرة أخوة يشهد لها التاريخ , ثم يضع دستور الدولة الإسلامية على أحدث ما يكون عليه الدستور بالمصطلح السياسي الحديث ( الوثيقة ) ليمنح كل رعايا الدولة حق المواطنة كما هو عليه الحال في العصر الحديث , ولم يكد عليه الصلاة والسلام يضع أسس الدولة , حتى أحدقت بها المؤامرات داخلياً من متآمري المنافقين واليهود وخارجياً من مشركي قريش وقبائل العرب من منتصرة ومشركين . مما اسلتزم إعلان انطلاق رايات الجهاد المقدّس , ومع بدأ أول غزوة حمل أبو أيّوب الأنصاري سيفة وامتطى فرسه وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً وأحد والخندق وكل الغزوات البالغة ثمانية وعشرين غزوة , ورحل المصطفى صلى الله عليه وسلم عن دنيا البشر لاحقاً بجوار الله عزّ وجلّ وعاش أبو أيّوب رضي الله عنه عصر الراشدين مجاهداً مع الصديق والفاروق وذي النورين وعلي رضي الله عنهم جميعاً ثم تابع مسيرة الجهاد في عصر بني أمية مع معاوية بن أبي سفيان ومن بعده من الخلفاء إلى عام (52) للهجرة حيث قرر أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان فتح القسطنطينية فامتطى المجاهد العظيم فرسه وحمل سيفه منضماً إلى جيش الفتح , من دمشق خرج الجيش , بقيادة يزيد بن معاوية , والطريق طويلة والفصل شتاء والبرد شديد , ورجل الساعة الذي نتحدّث عنه تقدّمت به السن ودب الوهن في جسده , فزحف إليه المرض واشتد عليه وجاء قائد الجيش يعوده , وسأله : ما حاجتك يا أبا أيوب ؟ وجاء الجواب على قدر الهمة الراقية والسمو الإيماني ؟ فقال : إذا أنا متّ فاحملوني على فرسي وليسار بي أطول مسافة ممكنة في أرض العدو لأشهد انتصار المسلمين . ونفّذت وصية المجاهد الكبير ولقي ربّه شهيداً حيث زفّت روحه إلى الملكوت الأعلى لتنعم بالكرامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فنعم المنزلة تلك أبا أيوب ونعم الرفاق الّذين أصبحت منهم ومعهم , طوبى لك وحسن مآب , ودفن الشهيد حول أسوار القسطنطينية . وقبرة معروف هناك , وقد أطلق عليه الأوربيون لقب القدّيس .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
    وما بكم من نعمة فمن الله

  2. #2

    رد: من عمالقة الجهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ( أبو أيّوب الأنصاري)

    السلام عليكم
    هكذا نماذج ستبقى دوما منارات هدى وامثلة يستشهد بها بعزة
    جزاك الله خيرا ورضي الله عنه
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: من عمالقة الجهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ( أبو أيّوب الأنصاري)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم , تحية طيبة أختي أم فراس . أعجبني تعليقك على وجازته , فهو واف معبّر , وجميل , لكن هي يكفي أن نقف عند حدود الشاهد ولا نتقدّم خطوة إلى الأمام ؟ سؤال أما الأمة وجوابه من قلب واقعها الذي يحتاج لإعادة هيكلته من جديد . شكراً أم فراس .
    وما بكم من نعمة فمن الله

  4. #4

    رد: من عمالقة الجهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ( أبو أيّوب الأنصاري)

    إلى زوار صفحتي على الفيسبوك , السلام عليكم , أقدم لكم هذا النموذج الراقي بال الحضاري فاقرؤوا بتامل , وامضوا على الخطا الواثقة التي ترضي الله تعالى .
    وما بكم من نعمة فمن الله

  5. #5

    رد: من عمالقة الجهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ( أبو أيّوب الأنصاري)

    بارك الله فيك اخ اسعد الاطرش

    جعله في ميزان حسناتك

  6. #6

    رد: من عمالقة الجهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ( أبو أيّوب الأنصاري)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم , حياك الله أخ ظميان , تعليق راق وجميل كيف لا يكون هكذا وهو يحمل دعوات أخ طيّب لي بالبركة والقبول وحسن الجزاء , سلمت ودمت بخير .
    وما بكم من نعمة فمن الله

  7. #7
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    أولئكم منارات هُدى ، يُحتذى بهم ويُقتدى .. سلامٌ عليهم في العالمين

  8. #8
    موضوع قديم حديث , أشكركم ومنكم نستفيد , وبارك الله بهمتكم جميعاً .

المواضيع المتشابهه

  1. وجه النبي صلى الله عليه وسلم
    بواسطة راما في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-11-2012, 07:43 AM
  2. كيف لو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-21-2011, 05:50 AM
  3. سنن ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان الحديث
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-02-2011, 06:27 PM
  4. نسب النبي صلى الله عليه وسلم
    بواسطة يوســـــــف في المنتدى فرسان الحديث
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-17-2009, 06:54 AM
  5. من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
    بواسطة محمد على حسن في المنتدى فرسان الحديث
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-24-2007, 10:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •