أزمة رواتب، أم فشل؟
د. فايز أبو شمالة
لماذا تأخرت رواتب الموظفين الحكوميين هذا الشهر بالذات؟ وهل تأخرها يعتبر "دواوين" كما وصف ذلك عزام الأحمد، أم تأخرها إفلاس حكومة فياض، بسبب عدم تحويل إسرائيل أموال الضرائب؟ بمعاني أخرى؛ هل تأخر الرواتب جاء بسبب المصالحة، أم هل جاءت المصالحة بسبب عدم القدرة على توفر المال اللازم لصرف الرواتب؟
سأفترض أولاً: أن تأخير الرواتب "دواوين" وأن السيد فياض لديه سيولة مالية، ، وأن السياسة الاقتصادية التي اتبعها لا تدعو للخوف من المستقبل، وأن السيد فياض قد تعمد تأخير صرف الرواتب لهدف في نفس يعقوب، ومن باب الضغط على طرفي الخصومة، للتذكير بقيمته الاقتصادية والسياسية التي لا يمكن القفز عنها تحت أي ظرف من الظروف. إن صح هذا الافتراض، فمعنى ذلك أن السيد فياض يرسل رسائل سياسية غير مطمئنة عن مستقبل الموظفين في ظل حكومة وحدة وطنية، وهو في هذه ليس جديراً بثقة الشعب!
سأفترض ثانياً: أن ميزانية السيد فياض خاوية على عروشها، ولا طاقة لها حقاً في توفير الرواتب حتى قبل أن يتوجه السيد عباس إلى مصر، فمعنى ذلك؛ أن كل مشاريع الرجل، وخططه الاقتصادية فاشلة، وأن كل حديثه عن الازدهار، والتطور، والاعتماد على الذات، كل ذلك كان وهماً، وهذا دليل مادي على أن الرجل غير جدير بثقة الشعب، ويتوجب محاسبته على مخادعة الناس كل الزمن السابق عن معدلات النمو، حتى ولو كان سبب العجز يرجع إلى تأخر تحويل عائدات الضرائب من إسرائيل، لأن الاقتصاد الذي حظي بكل آيات التبجيل والثناء، كان من المفروض أن يكون قد رسم البدائل، واتخذ
الاحتياطات اللازمة، وأعد نفسه على مدار أربع سنوات لمثل هذه الحالة.
أزمة الرواتب، أو تأخر صرف الرواتب تضع علامة سؤال كبيرة على سياسة السيد فياض، وتدق جرس الإنذار أمام كل الذين صدقوا الوهم، واقتنعوا بالازدهار الاقتصادي تحت ظلال الاحتلال، وصدقوا أن الدولة الفلسطينية قاب قوسين وأدنى من السهم الذي أطلقه السيد سلام فياض قبل سنتين، وأكد من خلاله أنه يؤسس للدولة، ويبني اقتصاد دولة، وأن الدولة قائمة في أيلول شاء من شاء وأبى من أبى.
أزمة الرواتب تضع الوطن في محنة حقيقية، لأن الوطن عشرات ألاف الموظفين المتضررين، وملايين الأفواه الجائعة، وهؤلاء هم في محنة الاعتماد على الدول المانحة قبل المصالحة، وهم في محنة الاعتماد على حسن نوايا المانحين بعد المصالحة، إنهم في محنة طالما ظلت السياسة الفلسطينية معلقة من رقبتها بحبل المفاوضات فقط!.
أزمة الرواتب سياسة متعمدة، تفرض على المتصالحين الانتصار فيها، ومثلما سيرت حركة حماس أعمال الحكومة في غزة، ونجحت في توفير وتأمين رواتب موظفيها أربع سنوات دون عائدات الضرائب الإسرائيلية، ودون أموال المانحين الغربيين، فإن واجبها الآن قبول التحدي، وتوسيع دائرة عمل حكومة الوحدة الوطنية في بلاد العرب والمسلمين، بحيث تغطي الأرقام المخيفة من العجز الاقتصادي الذي خلفته حكومة سلام فياض، بل وتغطية العجز السياسي الذي قطعه السيد فياض على نفسه، وبشر فيه بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، في أيلول من هذا العام.
بعد أربعة أشهر، سيأتي أيلول وحيداً.