السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



من إعداد: عبد السلام الجوهري



1- تعريف علم التجويد


علم التجويد هو أشرف العلوم الشرعية وأفضلها لتعلقه بأفضل الكتب وهو القرآن الكريم كلام الله عز وجل.

والتجويد في اللغة، التحسين، وهو مصدر لجود الشيء أي إذا صيره جيدا.

وفي الاصطلاح: إعطاء الحروف حقوقها ومستحقها من غير إفراط ولا تكلف.

حق الحرف: هو الصفات اللازمة الثابتة التي لا تنفك عنه بأي حال من الأحوال كالجهر، والشدة، والاستعلاء، والإستفال.

ومستحق الحرف: هو الصفات العارضة التي تعرض للحرف أحيانا وتفارقه أحيانا أخرى لسبب من الأسباب كالتفخيم، والترقيق.

استمداده: من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وعلوم اللغة العربية.

واضعه: أئمة القراء المتصل سندهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

غايته: صون اللسان عن الخطأ واللحن في كلام الله عز وجل، وبلوغ الإتقان في تلاوة القرآن الكريم، ونيل الأجر والثواب.

فوائده: صيانة كتاب الله العزيز عن التحريف والتغيير، والفوز بسعادة الدنيا والآخرة.



حكم تعلمه: تعلمه فرض كفاية، أي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، أما العمل به فهو فرض عين، وثبتت فريضته بالكتاب والسنة والإجماع.

أما دليله من الكتاب: فقوله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا). المزمل / الآية: 4.

وأما دليله من السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها). رواه أبو داود والترمذي.



وأما دليله من الإجماع: فلقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب تلاوة القرآن الكريم بالتجويد من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ولم يختلف في ذلك أحد منهم.



طريقة أخذ علم التجويد:

لعلم التجويد قواعد وأحكام ذكرها العلماء في كتب خاصة، ومن حيث الإحاطة بهذه القواعد ينبغي لقارئ كتاب الله عز وجل أن يراجع أي كتاب من هذه الكتب.

وأما التجويد العملي وهو تطبيق القواعد والأحكام على كلمات القرآن الكريم فإنه يؤخذ بالتلقي والمشافهة على المتخصصين لأن هذه الأحكام لا تعرف إلا بالتلقي، فقد تلقى سلف الأمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن رب العزة تبارك وتعالى.

2- مراتب القراءة

قسم أهل الأداء القراءة على أربعة مراتب : التحقيق – الترتيل – التدوير – الحدر

التحقيق: مأخوذ من حقق الشيء تحقيقا، إذا أتى به على حقه ولامس الصواب فيه، وبالغ في الإتيان به من غير نقص منه ولا زيارة فيه.

وفي اصطلاح القراء : إعطاء كل حرف حقه من إشباع المدود وتحقيق الهمزة وإتمام الحركات، وتوفية الغنات وتفكيك الحروف.

والتحقيق مأخوذ به في مجال التعليم، لأنه يكون لرياضة الألسن وتقويم الألفاظ، وهو الذي يستحب الأخذ به على المتعلمين.

الترتيل: مصدر رتل، يقال فلان رتل كلامه إذا أتبع بعضه بعضا على مكث وتفهم من غير عجلة.

وقي اصطلاح القراء، القراءة باطمئنان وتؤدة وإخراج كل حرف من مخرجه مع إعطائه حقه ومستحقه من غير عجلة تخل بأحكام التجويد. والترتيل أفضل المراتب لأنه نزل به القرآن الكريم قال تعالى : (ورتلناه ترتيلا) الفرقان الآية 23 وجاء به الأمر في القرآن الكريم بقوله تعالى : (ورتل القرآن ترتيلا). المزمل الآية :4.

التدوير: هو التوسط بين المقامين : الترتيل والحدر ، فيقرأ القارئ بحال متوسطة بين التؤدة والسرعة ، مع تفكير في معنى ما يقرأ ومراعاة أحكام التلاوة كذلك.

الحدر: مأخوذ من حدر يحدر : إذا أسرع، واصطلاحا : هو الإسراع في القراءة مع إقامة الإعراب وتمكين الحروف، ومراعاة الأحكام، فليس معنى الإسراع في القراءة أن يبتر القارئ حرف المد، ويذهب صوت الغنة، ويختلس الحركات، فذلك تفريط لا تصح به القراءة، ولا توصف به التلاوة، بل ينبغي مع الإسراع في القراءة الحرص على مراعاة الأحكام.

والناس تتفاوت طبائعهم وكذا أنفاسهم، فمنهم من يميل إلى ترتيل القراءة وتحقيقها، ومنهم من لا يعرف سوى القراءة بالسرعة والحدر، وإن حقق أخطأ، ومنهم من اتخذ بين المرتبتين سبيلا فقرا تدويرا.

وهذا كله لا تتم معرفته وتطبيقه إلا على أيدي المتخصصين في هذا الفن. والمراتب كلها صحيحة وجائزة والأجر عليها حاصل إن شاء الله تعالى.

من إعداد: عبد السلام الجوهري



3- الاستعاذة والبسملة

الاستعاذة:


التعوذ والاستعاذة بمعنى واحد، ولا يختلف معنى الاستعاذة اللغوي عن معناه الاصطلاحي، فقد عرفها أهل اللغة بأنها : الالتجاء، يقال: عاذبه، أي لاذبه ولجأ إليه. والاستعاذة ليست من القرآن الكريم بإجماع العلماء.

حكمها:

اتفق العلماء على أن الاستعاذة مطلوبة ممن يريد القراءة لقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) النحل الآية 98.

صيغتها:

الصيغة المختارة للاستعاذة هي(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لأن هذه الصيغة أقرب مطابقة للآية الكريمة الواردة في سورة النحل قال ابن بري في أرجوزته:

وقد أتت في لفظه أخبار وغير ما في النحل لا يختار

وفي التعوذ صيغ أخرى، لأن امتثال الأمر الوارد في الآية يصح بأي لفظ وقع.

اجتماع التعوذ والبسملة:


إذا اجتمع التعوذ مع البسملة ففيهما من حيث الوصل والوقف أربعة أوجه:

أولا: الوقف على التعوذ، ثم الوقف على البسملة .

ثانيا: الوقف على التعوذ، ووصل البسملة بأول القراءة.

ثالثا: وصل التعوذ بالبسملة والوقف عليها.

رابعا: وصل التعوذ بالبسملة، ووصل البسملة بأول القراءة.

وبالوجه الثاني جرى العمل عند المغاربة، وذلك للفصل بينما لفظه قرآني وما ليس كذلك.

فإذا لم يجتمع التعوذ مع البسملة، وذلك إذا بدأ القارئ بالأجزاء ولم يبسمل ففيه وجهان هما: الوقف عليه أو وصله بأول القراءة، إلا أذا كان مبتدأ القراءة لفظ جلالة أو ضميرا يعود عليه كقوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض) وقوله (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فإنه يستحسن الوقف على التعوذ.

وقد جرى عمل المغاربة على الابتداء بالبسملة في الأجزاء المفتتحة بلفظ الجلالة أو ما يعود عليه.

البسملة:

البسملة لغة واصطلاحا: هي قول: (بسم الله الرحمن الرحيم)، يقال: بسمل بسملة: إذا قال أو كتب: بسم الله، ويقال: أكثر من البسملة، أي أكثر من قول بسم الله.

وهي مشروعة عند البدء بكل أمر مستحسن، ولا خلاف في كونها بعض آية من سورة النمل، لذا يحسن لقارئ القرآن الكريم الإتيان بها عند الابتداء بأوائل السور غير سورة التوبة، أما قراءتها في أواسط السور فالاختيار حاصل للقارئ إن شاء اكتفى بالاستعاذة. وقد أجاز العلماء قراءتها على أربعة أوجه:

أولا: الوقف على آخر السورة، وعلى البسملة.

ثانيا: الوقف على آخر السورة، ووصل البسملة بأول الثانية.

ثالثا: وصل آخر السورة بالبسملة، ووصل البسملة بأول الثانية.

رابعا: وصل آخر السورة بالبسملة، مع الوقف عليها.

وهذا الوجه غير جائز، عند بعض العلماء، لأن البسملة للابتداء بأول السورة وليست للانتهاء منها.

.

4- معنى اللحن في القرآن وأقسامه

اللحن:

هو الخطأ والميل عن الصواب في أداء القراءة، وقد قسمه العلماء إلى قسمين: جلي وخفي، ولكل واحد منهما حد يخصه وحقيقة يمتاز بها عن صاحبه.



اللحن الجلي:

هو خطأ يطرأ على الألفاظ فيخل بعرف القراءة سواء أخل بالمعنى أم لم يخل.

وسمي جليا لاشتراك علماء التجويد وعامة الناس في معرفته، ويكون هذا اللحن في مبنى الكلمة أي حروفها أو حركتها فيكون بإبدال حرف بحرف أو حركة بحركة، أو إسقاط واحد منها أو زيادته نحو تغيير أحرف (أنعمت) أو حركاتها بحيث تصبح (العمت) أو أن يقرأ الذال زايا في (الذين) وهذه الأمثلة تدل على تغيير بنية الحرف، وهذا اللحن جلي فيه إخلال بالمعنى.



اللحن الخفي:

أما اللحن الخفي فهو خطأ يطرأ على الألفاظ فيخل بعرف القراءة ولا يخل بالمعنى وسمي خفيا لأنه لا ينتبه إليه إلا العالمون بالقراءة، وذلك كتكرير الراءات، وترك الإدغام، وقصر الممدود، ومد المقصور، وترك الغنة، وغير ذلك من الأمور التي ذكرناها.

واللحن الخفي لا يمكن تجنبه إلا بضبط شرط الأداء وإتقان أحكام التجويد، وذلك لا يتسنى إلا لمن تلقى القرآن من أفواه الضابطين المتقنيين.





5- أركان القراءة الصحيحة



يشترط في كل قراءة تعزى إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم مما يرويه علماء القراءات والمختصون بهذا العلم أن يجتمع فيها ثلاثة أركان.



الركن الأول: التواتر، وهو أن يروي القراءة جماعة عدل يستحيل تواطؤهم على الكذب إلى أن ينتهي السند إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم.



الركن الثاني: أن توافق القراءة رسم المصحف العثماني ولو احتمالا أي تقديرا.

نحن نعلم أن الخليفة عثمان رضي الله عنه استنسخ مصاحف مما جمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبعث بها إلى الأمصار لتوحيد الأمة، وبعث مع كل مصحف قارنا يقرئ الناس.

والمصاحف التي كتبت في عهد عثمان لم يكن لها نقط ولا شكل، بل كانت مجردة من كل شكل سوى الحروف والكلمات، وكما نعلم فإن اللغة العربية إذا جردت من النقط والشكل فإنها تكون محتملة لنطق آخر نحو قوله تعالى: (فتبينوا) قرنت (فتتبتوا) وكذلك (ننشرها) قرنت بالراء وقرنت بالزاي، وكذلك (ملك يوم الدين) قرنت بالألف وبدون ألف.



الركن الثالث: أن توافق اللغة العربية ولو بوجه من الوجوه سواء كان هذا الوجه فصيحا أم أفصحا، مجمعا عليه أم مختلفا فيه مع قوته. فاللغة العربية لها وجوه متعددة في الإعراب منها الصحيح والأفصح ومنها الضعيف.

والقرآن عربي في لغته وتعبيره، فإذا جاءت قراءة متواترة توافق أحد الوجوه العربية ولو ضعف النحاة هذا الوجه فلا نلتفت إلى أقوالهم لأن القرآن الكريم محكوم به ومحتكم إليه ولا نحكم عليه.

فإذا تحققت هذه الضوابط تحققت صحت القراءة وإذا اختل ضابط منها اختلت القراءة وضعف العمل بها.



أحكام النون الساكنة والتنوين

أحكام جمع حكم، وهو مصدر حكم إذا قضى بينهم، قال الله تعالى:

(وأن احكم بينهم بما أنزل الله).

تعريف النون الساكنة:

هي نون ساكنة تثبت لفظا وخطا ووصلا ووقفا، وتكون في الاسم والفعل والحرف متوسطة ومتطرفة نحو: (ينهون – ينحتون – من – ان – عن) وقيدت بالسكون لتخرج المتحركة نحو: (العالمين - نستعين).

تعريف التنوين:

هو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم تثبت في اللفظ وتسقط في الخط إستغناء عنه بتكرار الشكلة عند الضبط بالقلم، وعلاقته الضمتان أو الفتحتان أو الكسرتان نحو: (عليما خبيرا – عليمٌ خَبِيرٌ – عليمٍ خبيرٍٍ).

وللتنوين حالتان: الوقف والوصل.

أ- الوقف: يقرأ في الوقف ألفا ساكنة في حال النصب فنقرأ: (عليما خبيرا) ونقرأ الحرف الذي يقع عليه التنوين ساكنا في الرفع والجر فنقول: (عليمْ خبيرْ).

ب- الوصل: يقرأ في الوصل نونا ساكنة في جميع الأحوال فيصبح في حال النصب: (عَلِيمَنْ خَبِِيرَنْ) ويصبح في حال الرفع: (عَلِيمُنْ خَبِِيرُنْ) ويصبح في حال الجر: (عَلِيمِنْ خَبِيرِِِنْ).

الفرق بين النون الساكنة والتنوين من أربعة أوجه:

الأول: أن النون الساكنة تكون في وسط الكلمة وفي آخرها والتنوين لايكون إلا في آخرها.

الثاني: أن النون الساكنة تكون في الاسم والفعل والحرف والتنوين لا يكون إلا في آخر الاسم.

الثالث: أن النون الساكنة تكون في الوصل والوقف، والتنوين لا يكون إلا في الوصل.

الرابع: أن النون الساكنة تكون في اللفظ والخط، والتنوين لا يكون إلا في اللفظ.

وللنون الساكنة والتنوين أربعة أحكام وهي:

الإظهار – الإدغام – الإقلاب – الإخفاء.

أولا: الإظهار:

الاظهار لغة: البيان والتوضيح، تقول: أظهرت الشيء أي إذا وضحته للناس، واصطلاحا: إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة ولا تشديد في الحرف المظهر.

وحروفه ستة جمعها قولهم في أوائل كلمات نصف بيت مرتبة على ترتيب المخارج بلفظ : أخي هاك علما حازه غير خاسر.

فإذا جاءت النون الساكنة أو التنوين قبل أحد هذه الحروف متصلة بها وجب إظهارها، ويكون في كلمة نحو: (وهم ينهون عنه وينئون عنه) (أنعمت) ويكون في كلمتين نحو: (من عمل صالحا) (وأما من خاف مقام ربه) (فمن حاجك) أما إذا نطقنا بكلمة: (فََََإِِنَ – امَنُُواْ – مَنَ – امَنَ) فإن ورشا في هذه الحالة ينقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها أما غيره فإنه يقرؤها (من أمن – فإن أمنوا)، ويكون في كلمتين نحو: (سميع عليم – سلام هي – عليما حكيما).

وعلامة إظهار النون الساكنة في ضبط المصحف وضع حركة النون فوقه.

وعلامة إظهار التنوين تركيب الحركتين سواء من ضمتين أو فتحتين أو كسرتين.

وسبب الاظهار هنا هو البعد بين النون الساكنة وحروف الحلق الستة، لأنه كلما بعد الحرف كان التباين أظهر، فتظهر النون الساكنة والتنوين عند الهمزة والهاء إظهارا بينا ويقال له: إظهار أعلى، وعند العين والحاء إظهار أوسط، وعند الغين والخاء إظهار أدنى.

يقول الشيخ سليمان الجمزوري في تحفته:

للـنـون إن تـسـكـن وللـتــنــويــــن **** أربــع أحـكـام فــخــذ تـبــيــيـــن

فــالأول الإظــهــار قـبــل أحـرف **** للـحـلـق سـت رتـبـت فـلـتـعـرف

هـمــز فـهــاء ثــم عــيـــن حـــــاء **** مـهـمـلـتـان ثــم غــيـــن خـــــاء



ثانيا: الإدغام:

الإدغام لغة : إدخال الشيء في الشيء.

واصطلاحا: إلتقاء حرف ساكن بحرف متحرك بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا من جنس الثاني.

وذلك إذا وقع بعد النون الساكنة أو التنوين في أوائل كلمة أخرى أحد حروف الادغام الستة وهي المجموعة في كلمة (يرملون).

وينقسم الادغام إلىقسمين وهما:

1- إدغام بغنة، وله أربعة أحرف.

2- إدغام بلا غنة، وله حرفان.

- القسم الأول (الادغام بغنة) وحروفه أربعة هي: (ي – و – م – ن) مجموعة بلفظ (ينمو) وينقسم بدوره إلى قسمين:

1- إدغام بغنة ناقص ويكون في حرفين (الواو – والياء).

2- إدغام بغنة تام ويكون في حرفين (الميم – والنون).

والإدغام لا يكون إلا من كلمتين، أما إذا جاءت النون الساكنة وأحد هذه الحروف في كلمة واحدة فلا يصح الإدغام بل يجب إظهار النون الساكنة.

والواقع من ذلك في القرآن الكريم أربع كلمات وهي:

(الدنيا – بنيان – قنوان – صنوان).

فلو أدغمنا مثلا صنوان لاشتبهت للسامع بالصوان ولهذا إمتنع الإدغام هنا.

القسم الثاني (الإدغام بلا غنة).

ويسمى هذا الادغام إدغاما كاملا وله حرفان وهما (اللام – والراء) مجموعان في كلمة (رَلَّ).

يقول الشيخ سليمان الجمزوري في تحفته:

والـثـانـي إدغــام بــســتــة أتـــت **** فـي يـرمـلـون عـنـدهـم قد ثـبتـت

لـكـنـها قـسـمـان قـســـم يـدغـمــا **** فـيـه بـغــنـة بيـنــمـــو عـلـمــــــا

إلا إذا كـان فـي كـلــمــــة فـــــلا **** تـدغـم كـدنـيـا ثـم صـنــوان تـــلا

والـثـانـي إدغــام بـغــيــر غــنــه **** فـــي الــلام والــرا ثـم كــررنـــه

ثالثا: الاقلاب:

الإقلاب لغة: قلب الشيء عن وجهه.

واصطلاحا: جعل حرف مكان حرف آخر أي قلب النون الساكنة أو التنوين ميما مع مراعاة الغنة والإخفاء.

والإقلاب هو باء متحركة جاء قبلها نون ساكنة أصلية أو تنوين، فتقلب هذه النون لفظا إلى ميم مخفاة بغنة.

وله حرف واحد وهو حرف الباء.

وقد سمي بالقلب وسمي بالاقلاب، وتسميته بالقلب أفصح لأنه مصدر من الفعل الثلاثي (قلب).

ووجه القلب عسر الإتيان بالغنة في النون والتنوين مع الاظهار وذلك لإطباق الشفتين بعدها مباشرة لأجل مخرج الباء.

وعسر الإدغام كذلك لاختلاف المخرج وقلة التناسب والتجانس فتعين الإقلاب، ويتوصل إليه بقلبهما ميما لتشارك الباء مخرجا والنون غنة وهذا الحكم بإجماع القراء.

ولكي يحدث إخفاء للميم عند الباء يجب حدوث فرجة بين الشفتين عند النطق بالميم وهذا هو المذهب المشهور.

والغنة هي صفة الميم المقلوبة لا صفة النون والتنوين، وإخفاء الميم ليس إعدام ذاتها كلية بل إضعافها وستر ذاتها بتقليل الاعتماد على مخرجها، لأنها ليست أصلية بل فرعية تفرعت من حرفين هما النون والباء، ولذلك لا وجه للإظهار هنا.

ويكون الإقلاب في كلمة نحو: (أنبأك – أنبئهم – أنباء).

ويكون في كلمتين نحو: (من بقلها – أن بورك – ومن بعد).

ويكون في التنوين نحو: (عليم بذات الصدور – وأنت حل بهذا البلد).

وعلامة قلب النون الساكنة في ضبط المصاحف وضع ميم صغيرة فوق النون بدل السكون وكذلك التنوين سواء كان التنوين بالرفع أو النصب أو الكسر، ولا يكون إلا في كلمتين.

يقول الشيخ سليمان الجمزوري في تحفته:

والـثـالـث الإقـلاب عـنــد الـبـــاء **** مـيـمـا بـغـنـة مـع الإخـفـــــــــاء

رابعا: الاخفاء:

الإخفاء لغة: الستر.

واصطلاحا: النطق بحرف ساكن عار أي خال من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول وهو النون الساكنة أو التنوين.

وللإخفاء خمسة عشرة حرفا، وهي المتبقية من الحروف الهجائية الثمانية والعشرين بعد حروف الإظهار الستة، وحروف الإدغام الستة، وحرف الإقلاب، فيكون الباقي منها خمسة عشر حرفا جمعها صاحب التحفة في أوائل هذه الكلمات:

صف ذا ثناكم جاد شخص قد سما **** دم طيبا زد في تقى ضـع ظـالمـا

وسبب إخفاء النون الساكنة والتنوين عند هذه الأحرف أنهما لم يقربا منهن كقربهما من حروف الإدغام، فيجب إدغامهما فيهن من أجل القرب، ولم يبعدا كبعدهما من حروف الإظهار، فيجب إظهارهما عندهن من أجل البعد، فلما عدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب للإظهار أعطيا حكما متوسطا بين الإدغام والإظهار وهو الإخفاء، لأن الإظهار إبقاء ذات الحرف وصفته معا، والإدغام التام إذهابهما معا، والإخفاء هنا إذهاب ذات النون والنتوين من اللفظ وإبقاء صفتها التي هي الغنة فانتقل مخرجهما من اللسان إلى الخيشوم.

ومراتب الإخفاء ثلاثة، أقربها مخرجا للنون ثلاثة أحرف: (ط – د – ت)

وأبعدها مخرجا: (ق – ك) والأحرف الباقية متوسطة في القرب والبعد.

والإخفاء يكون في كلمة نحو: (وما أنزلنا – وما ينطق عن الهوى – قم فأنذر).

ويكون في كلمتين نحو: (علم أن سيكون – من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا – من ظهير).

ويكون في التنوين نحو: (ريحا صرصرا – حلالا طيبا – سميع قريب – جنات تجري).

وليحترز القارئ عند إخفاء النون من أن يشبع الضمة قبلها أو الفتحة أو الكسرة لئلا يتولد من الضمة واوا عند النطق بكلمة (كنتم) ومن الفتحة ألف عند النطق بكلمة (عنكم) ومن الكسرة عند النطق بكلمة (منكم).

وهناك إشارة أخرى وهي أن غنة النون المخفاة تابعة لما بعدها تفخيما وترقيقا.

يقول الشيخ الجمزوري في تحفته:

والرابع الإخـفـاء عنـد الفـاضــل **** مـن الحــروف واجــب للفــاضـل

في خمسة من بعـد عشـر رمزهـا **** في كلـم هـذا البيـت قـد ضمنتـهـا

صف ذا ثناكم جاد شخص قد سما **** دم طيـبـا زد في تقى ضـع ظالما

( مقتبس من موقع صوت المغرب الاسلامي)