التهدئة لا تعني النكوص
د. فايز أبو شمالة
لم تتغير العقلية اليهودية التراثية التي باتت تسيطر على القرار السياسي الإسرائيلي، والتي أساءت تفسير التوافق الفلسطيني على التهدئة، طالما التزم فيها العدو، فعمد الصهاينة في المقابل إلى تواصل قصف المدنيين، وقتل الأطفال، والتشويش على حياة المواطنين في قطاع غزة، بشكل استفز الطفل والمرأة والعجوز، ليصرخ الجميع على المقاومة بالانتقام، والرد السريع، وعدم الالتزام بالتهدئة طالما لم تكن متبادلة.قد يسعى قادة الكيان الصهيوني إلى تغيير قواعد الاحتكاك اليومي مع المقاومة، واستثمار حالة تشتت الانتباه العربي، وإمكانية صمت المجتمع الدولي على جرائمه، وقد يسيء العدو الصهيوني فهم حالة وعي المقاومة للمتغيرات في المنطقة، وإظهار حالة من التعقل الفلسطيني تحسباً لقادم الأيام، ويسعى إلى فرض شروط جديدة على المقاومة، وإلزام حركة حماس بصفتها المسئولة بشكل مباشر عن الأوضاع في قطاع غزة، إلزامها بحماية الحدود مع إسرائيل، ومنع المقاومة من مارسه حقها في الدفاع عن النفس. وهذا ما يرفضه الصغير قبل الكبير في كل أنحاء فلسطين، وفي بلاد العرب الثائرة.إن سكان قطاع غزة، ورغم ضعف إمكانياتهم، يقولون بصوت واحد: نعم للتهدئة مع دولة الكيان إذا ما استطعنا إليها سبيلا، وطالما قامت التهدئة على الندية، وعدم العدوان المتواصل والمتعمد على المواطنين، أما إذا فهم العدو الصهيوني أن التهدئة تعني النكوص على الأهداف الإستراتيجية، والتراجع عن الثوابت الوطنية، فلا عاشت التهدئة، ولا تنفس مليون يهودي يقطنون جنوب فلسطين هواء الأمن، وليكن الرد المقاوم مدوياً، وباللغة التي يفهمهما عدوٍ صلفٍ، يتخبط في تقديراته، ويخلط بين تهدئة مقتدرٍ وهدوء مستكينٍ. ولن يخسر الفلسطينيون من المواجهة المسلحة ولاسيما في هذه المرحلة من النهوض العربي، لن يخسر الفلسطينيون الذين كسبوا جولة المواجهة سنة 2008، في زمن مبارك وأبو الغيط وعمر سليمان، بل سيخرج الفلسطينيون أكثر وحدة، وأصلب عوداً، وستسهم الحرب على غزة في تسريع انتصار الثورات العربية، وستسرع في تحول باقي المجتمعات العربية من خندق الصمت، وممالأة إسرائيل، وتبادل السفراء معها، إلى خندق التحدي، ومعاداة إسرائيل بشكل علني، ومساندة المقاومة في قطاع غزة.وما أحوج المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة إلى الإعلان عن نفسها، إذا استوجب الأمر ذلك!، وما أنصع غاية المقاومة وهي تثبت وجودها في الميدان استجابة لنداء الواجب! وما أصدق مقاومة الشعب الفلسطيني وهي تعمد إلى إيصال رسائلها المغمسة بالدم الطهور إلى كل بلاد العرب! التي لن تخذل المقاومة؛ بل ستلتف حولها، وتتفاعل معها، وتحدث التحولات التي لا يتوقعها عدو تاه رأيه، وفشلت مخططاته.