الرئيس
د. فايز أبو شمالة
هتفت كل عواصم العرب: الشعب يريد إسقاط النظام، والمقصود هنا هو إسقاط الرئيس شخصياً، على افتراض أن النظام في بلاد العرب هو الرئيس، ولكن في رام الله، هتف فلسطينيون: الشعب يريد تثبيت الرئيس، والسبب يعود إلى أن الرئيس الفلسطيني لا يتشابه مع رؤساء العرب، إنه يختلف عنهم كثيراً، فهو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية التي تعادي إسرائيل قبل أن يكون رئيس السلطة التي تهادن إسرائيل.الرئيس عباس منتخب ديمقراطياً قبل خمس سنوات، بينما الرؤساء العرب صاروا بانتخابات شكلية، ولهم في السلطة عشرات السنين، والرئيس الفلسطيني يطالب بإجراء انتخابات رئاسية فوراً، ولن يرشح نفسه، كما قال في أكثر من مناسبة، بينما الرؤساء العرب مستمسكون بالسلطة حتى الرمق الأخير، رغم مئات آلاف المتظاهرين في الميادين، ورغم المعارك العسكرية المتفجرة بين أيديهم، إلا إنهم يقاتلون على الرئاسة حتى إفناء الشعب، وهذا ما لا يطمع فيه الرئيس الفلسطيني، الذي لا يجد قوت يومه، ويعيش على المساعدات الدولية، بينما الرؤساء العرب يبددون ثروات الشعوب.رغم كل ما سبق، إلا أن الرئيس الفلسطيني يشبه الرؤساء العرب في مجالات متعددة، ومنها على سبيل المثال: الرؤساء العرب لديهم أجهزة أمنية تراقب كل صغيرة وكبيرة في البلاد، وللرئيس الفلسطيني الأجهزة الأمنية ذاتها، وللرؤساء العرب سجون، يزجون فيها بالمعارضين، وللرئيس عباس سجون. والرؤساء العرب يحاربون الديمقراطية والتعددية السياسية، والرئيس عباس يمنع المجلس التشريعي المنتخب ديمقراطياً من عقد جلساته، بل وشكل الرئيس عباس حكومة يرأسها سلام فياض، لا تحظى بثقة المجلس التشريعي. وللرؤساء العرب أبناء، صاروا رؤساء بالوراثة، وانصاع لهم الأتباع بالانتفاع، يتصرفون في الرزق كما يحلو لهم، وللرئيس عباس أبناء من الطينة نفسها، ولهم الامتيازات نفسها التي يتحلى فيها أبناء القذافي، وأبناء مبارك، وأبناء على صالح. للرؤساء العرب الحق المطلق بنسج التحالفات، وتوقيع القعود، ولهم الحق بالعداوة والمصادقة كما يطيب لمزاجهم، وهم أصحاب القرار دون منازع، وأحسب أن الرئيس عباس لا ينازعه في قراره أحد، ولا يعترض على ما يفعل أحد. وللتأكيد على ذلك أقدم دليلين؛ الأول: إن السيد عباس يطالب من "نتانياهو" تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر فقط كي يستأنف المفاوضات مع إسرائيل إلى ما لا نهاية، ولكن الإسرائيليين يقولون له: لقد جمدنا الاستيطان تسعة أشهر قبل عام، ولن نكرر ذلك.فأين هو المسئول الفلسطيني الذي يمكن أن يقول لعباس: لن نسمح لك باستئناف المفاوضات مقابل تجميد الاستيطان ثلاثة أشهر؛ لأن في ذلك تحقير للقضية الفلسطينية؟ الثاني: عندما سئل السيد عباس من وفد السلام الإسرائيلي الذي زار رام الله قبل يومين: هل أنت بحاجة إلى المصالحة مع حركة حماس، أو أنك بحاجة إلى استئناف المفاوضات مع إسرائيل؟ أجاب السيد عباس باللغة الإنجليزية: احتاج كليهما!.ألا يفهم من هذا الحديث أن عباس يحتاج حماس ليواصل التفاوض مع إسرائيل؟ ألا يعني كل ما سبق؛ إنه الرئيس وإنهم الرؤساء، وجميعهم سواء!