أعقلُ رجلٍ في إسرائيل
د. فايز أبو شمالة
إنه "متان فلنائي" نائب وزير الحرب الصهيوني، المطلع على تفاصيل القدرة العسكرية للدولة العبرية، وعلى إمكانيات المقاومة الفلسطينية، لقد حفزه هذا الاطلاع الدقيق كي يسبق الجميع، ويقول بوضوح صباح يوم الأربعاء الموافق 23/3/2011: "إن المطلوب منا هو التصرف بتعقل وحكمة، والعمل على تأجيل اندلاع المواجهة في قطاع غزة، بل ومنع وقوعها قدر الإمكان دون المساس بالمصالح الأمنية للشعب الإسرائيلي".إن هذا التراجع المهني الذي لجأ إليه نائب وزير الحرب الصهيوني، ليعبر عن دراية عسكرية بالواقع، وذكاء يهودي متميز، ولاسيما حين أضاف: "ليس لدينا أي مصلحة في تسخين الأوضاع اعتباطاً وبلا سبب". وهذا يعني أن "فلنائي" يرد بالسلب على دعوة زعيمة المعارضة "تسفي لفني" التي طالب باستباق الثورات العربية، والتعجيل في تصفية حركة حماس، وإنهاء وجودها في قطاع غزة. في اليوم التالي لتصريحات "فلنائي" جاءت افتتاحية صحيفة هآرتس، وهي تحذر من التزلف للجمهور التي سيؤدي إلى عزله إسرائيل، وقالت الصحيفة: يجب على رئيس الوزراء أن يهدئ التصعيد، بدلا من الانجرار إلى حملة جديدة في غزة, لأن عملية "رصاص مصبوب" لم تحقق الردع, ولن تجدي عملية أخرى نفعاً لإسرائيل.لقد لجأت صحيفة "هآرتس" إلى تبريرات سياسية وهي تقول: "الوضع السياسي لإسرائيل يختلف جوهريا عن الوضع الذي ساد قبل سنتين, فإسرائيل معزولة في العالم بسبب رفضها التوصل إلى حلول وسط مع الفلسطينيين، وتمسكها بتوسيع المستوطنات, ولأن إدارة أوباما لن تؤيد استخدام القوة الوحشية في محيط مدني، ولأن إسرائيل لا يمكنها الاعتماد على دعم الحكومات العربية التي وفرت لها الإسناد في الماضي". لقد تهربت الصحيفة من الإشارة إلى الندية العسكرية التي تحدث عنها بوضوح نائب وزير الحرب حين قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "ليس لدي شك في أن الاشتباك بيننا وبين حماس سوف يقع، لأن حماس تتخذ كافة الخطوات التي ستؤدي إلى الاشتباك، إنهم يعتقدون بوجوب مواصلة اللجوء إلى المقاومة، إنهم يتسلحون، ويعدون العدة لذلك اليوم. وضوح الرؤية العسكرية الإسرائيلية التي وردت على لسان "فلنائي" أملت على موشي يعلون وزير الشئون الإستراتيجية، وهو من أشد المتطرفين، وأكثرهم عداءً للمقاومة، ليقول: ليس من مصلحة إسرائيل الانجرار لمواجهة حركة حماس". وفرضت على وزير الحرب السابق "موفاز" ليقول: إن الجماعات المسلحة في غزة هي التي تضع الأجندة، وتحدد الوقت للحرب القادمة، الحرب التي ستكلفنا كثيرا وتجعل قدرتنا على استعادة قوة الردع ضئيلة!.إنه واقع غزة المقاوم الذي عدّل لسان إسرائيل الأعوج، فبعد أن تعوّد التهديد بسحق المقاومة، صار يحذّر من المواجهة، وهو يدعو مائه وعشرين ألف طالب إسرائيلي للعودة إلى مدارسهم، بناءً على وعد من المقاومة الفلسطينية بمواصلة التهدئة.