شعراء من تشيلي في دمشق في أمسية شعرية أقامها معهد ثربانتس بدمشق، قدم السفير الاسباني في سورية الشاعرين الدبلوماسيين باتريسيو دام سفير تشيلي في سورية ، وبيدرو باروس سفير تشيلي في لبنان متسائلاً عن العلاقة بين لباقة الدبلوماسية وحيادية مشاعرها وبين اندفاع ذات الشاعر وعاطفية مشاعره!!
فكان الرد: إن تشيلي تتميز بموقع جغرافي على حافة الكرة الأرضية جنوباً ... يتعايش شعبها مع الجبال والأمطار والرياح والأمواج ويخترع قصصاً وأشعاراً يرويها لنفسه ويقدم ذاته الغجرية الحرة للكون، وإن الشاعرين التشيليين الحاصلين على جائزة نوبل كانا سفيرين ..
قدم الشاعر السفير باتريسيودام مجموعة من القصائد البعض منها كتب في دول مختلفة، ومنها كتب في دمشق، تميّزت أشعاره بوجدانية شديدة وحنين جارف إلى وطنه ، وهو يكتب من أمكنة بعيدة.. وتميل أغلب القصائد في تفاصيلها وتأملاتها إلى روح حياة البشر في وصف وتصوير الأشياء الصغيرة جداً في محيطهم - أو محيطه- مع تواشج الألوان جميعها في الطبيعة، واستدعاء الطيور والأشجار والضباب والسحب إلى حالته الوجدانية الخاصة.. من قصيدة بابلو الشاعر المهداة إلى نيرودا بذكرى ميلاده المئوية...
«بابلو من الأرض والبحر،
شاعر المناظر الطبيعية، والحب والمذاق
رسمت باللون الأخضر مشاعرك على الحرير والورق».
ثم يضيف السحرية والخيال الجامح، وهو يختم تلك القصيدة ...
«أنا على ثقة بأنك امتطيت أحصنة البحر، وشربت بين مقدمات السفن التي غرقت في الماضي في بحثها عن الأسماك والحلزون المقدس،
لتنام لاحقاً وللأبد في أحلامك المثالية»
وفي قصيدة (توالي) تشع تلك الوجدانية العميقة الطافحة من ذات الشاعر ، نتلمس ذوبانها بين الكلمات مع صور التأملات المعبّرة عن روح الشاعر وحسية مشاعره.
«جئت من الزمن ومن الليل، تفتحين ظلمتي وخوفي ،
لتملأينني بالشمس
عيناك فتحتا عينيّ، دمك نفخ في دمي فأضاء العتمة التي كانت تغطيه.
كان ذلك بالأمس عندما كانت أحلامي ترصف
وكانت تفوح من فمك رائحة النار والموجة العالية.»
أما في قصيدة ( سوق دمشق) يصف الشاعر باتريسيو دام مشاهد من السوق ويربطها بالأحاسيس التي يراها مرسومة على وجوه البشر، هناك فيزاوج بين المكان وسكانه بين العراقة والتسامح...
«شوارع ضيقة، وممرات مظلمة لكنها مضاءة بالناس.
نساء مغطاة ، ابتسامات رقيقة حتى لو كانت أحياناً مخفية.
أيادٍ كثيرة، أصوات كثيرة وابتسامات صديقة.
جميعها تدعو، جميعها تنادي
سرْ ببطء، سرْ بهدوء،سرْ بوثوق
سوف تجد مالم تكن تبحث عنه ستكوّن أكثر من صداقة واحدة.
أما الشاعر السفير بيدرو بارّوس والذي صدر له ديوان «بيروت: ذهاباً وإياباً» وله ديوان حالياً قيد الطبع بعنوان «أشياء بسيطة»، وقد بدأ مشاركته بجملة قصيرة : في وزارتي (يقصد الخارجية التشيلية) أن يكون المرء شاعراً ، يكون فناناً ، أي يصّدق أكثر من غيره...
بعد ثلاثين عاماً قضيتها في بيروت حدث بيني وبين المدينة حواراً كأنه بين رجل وامرأة - مدينة -أحببتها وتعلقت بها.
«رؤيتها لا تطفىء عطشي
ولا تفسر شيئاً
لكني من جديد جالس على قدميها
أكرر كلمات
أمام البحر
لأنسى ولا أنسى
أن الحياة تناقضني دوماً»
بعيداً عن إحساس السائح يتفاعل الشاعر بيدرو بارّوس مع المدن، أو الأمكنة الأثرية.. فمن كلمات قصائده المنتقاة بعناية والمتوالفة مع علاقته بتلك المدن، نستشعر عمق ثقافته واطلاعه ليس فقط على التاريخ بل على الفكر والفلسفة الشرقية من المتوسط إلى أقصى مكان في آسيا.
« تدمر موجودة هناك
تتحدى القلب، العقل والنظر.»
زهرة من رمل
إطار شعاع من الزمن
أحجار وأعمدة بألوان إنسانية
احمرار شاحب ينفتح على الواحة
أشعر بالعطش
من كثير من الأشياء.»
نرى تفاعل الشاعر باروس مع حضارة تدمر، وحبه وتوقه للاستزادة من المعرفة ، من الغامض عن تلك المدينة الباقية على تخوم الصحراء...
«تدمر اعذريني
لعدم كتابتي عن أماكن
فمعك تختلف الأشياء
أذهب وأعود
عدة مرات
فقط لكي ألمسك
فقط لأعلم
إن كانت تدمر شيئاً ممكناً
صدى
يردده قلبي
في صحرائها ذاتها.»
واختتمت الأمسية الشاعرة التشيلية بيوليتا ميدينا بقراءة مقاطع من عملها « بشرة من زجاج» وكأنها على مسرح افتراضي تسيجه مرآة وخيالات لنثرات زجاج على الأرض تصاحبها موسيقا ، وإضاءة مسرحية خافتة ، ومقاطع فيديو لأماكن وترجمات لقصائدها بالعربية... كانت القصائد قصيرة ومكثفة إلى أبعد الحدود ، قدمت فيها استعارات مدهشة على صعيد اللغة ... راصدة حالة من القلق الوجودي ... من الحنين إلى الطفولة ..إلى الأب...
«أبي
ليس حصاناً
لكنه يصهل رغم موته
لايزال في البيت الخشبي المقدد
يقطر عينيه بالليمون
لينظف احمرار الشبكية
لِمَ سكبه الكأس
- من نبيذ أحمر-
الليلة الماضية
ضوضاء لحوافر حيوان
يكسر أبواباً
قد يتضرم البيت
إذا استقر به الحصان».
في نصوص بيوليتا ميدينا يتساوى الاغتراب مع الحنين ، ويطل ذلك في استدعائها للطبيعة بكافة جغرافيتها واستدلالاتها من وطنها تشيلي إلى مدريد ، حيث إقامتها الحالية ... من قوس القزح إلى الطيور ...
«ليست عيناك ولا عيناي
الشفافية ظلت
بقارة أخرى
حيث لم تذبل الطيور
لا تبحث لا تتلمس
الليلة ليست لنا
المياه متصدعة».
هكذا في كل القصائد تأتي الخاتمة بارعة ، شاخصة، ومؤثرة، وقابضة على جمر الحالة...
«طيور حمراء
تكشف عن دروب مهجورة
أو قمم أشجار
أو زوايا
حيث يتخذ الصمت
شكل شوكة.»
والشوكة هنا تحمل أكثر من تأويل إلا أنها لا تبتعد كثيراً عن فكرة الاحساس بالألم...
«عطر :
عبر الدخان
أشم رائحة الشحوب.».

نضال حمارنة

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1085&a=96072