خَجِلٌ أنا
د. فايز أبو شماله
خَجِلٌ أنا؛ لأنني أنطق بحروف العربية ذاتها التي ينطق بها معمر القذافي، وحسني مبارك، وعلى صالح، ومن هم على شاكلتهم من ملوك ورؤساء عرب، يجهلون فك الحرف، وترتيب الكلام، وتنظيم الأفكار، خجلٌ أنا لأنني عشت في زمن استطاع فيه هؤلاء المتخلفون أن يحكموا بلاد العرب، ويسيطروا على رجالها عشرات السنين، دون أن تهزهم صرخة ثاكل، أو أنّة موجوع، أو حسرة حكيم من هذا الكابوس الذي أطبق على أنفاس العرب، ولا يطيق عفنه حجر، ولا يحتمل رائحته بشر!.تتجلى حقيقة قياداتنا بعد أن صحت مصر من غفوتها، وأفاقت تونس من حزنها، وبعد أن انتبهت ليبيا إلى نفسها، وبينما تزيل اليمن القذى عن عينيها، ليقف جميع العرب أمة واحدة تخرج من القبور الجماعية، ينظر بعضهم إلى بعض باكياً، متحسراً على زمن تاه فيه الأخ عن أخيه، يخرج العرب من قبورهم يهنئون بعضهم بالسلامة، ويتعجبون كيف احتملوا الحياة تحت حكم هؤلاء المتخلفين كل تلك السنين؟ وكيف سيطر حفنة طغاة على إرادة أمة، سجنوا كرامتها، وسيروها على هواهم؟ لقد انزاح الكابوس حين خرج رجال مصر من ميدان التحرير، وهم يكشفون للعالم عن حجم الكفاءات المصرية، والطاقات العربية المخزنة بالوعي، على عكس ما كان عليه مبارك، وعلى خلاف شخصية القذافي الذي وصفه الكاتب الأردني عدنان الروسان بأنه أهبل، ولكن الصحيح أن العقيد خبيث استهبل كل الشعوب العربية، واستسهل ركوب صهوتها، حتى جعلنا المخبول نحيا في خبلٍ وخجلٍ، حتى إذا خرجت ليبيا من قبضته، قدمت هذا المخزون الهائل من الشخصيات الموزونة، ورجال العلم والحكمة، والدين والأدب، والثقافة، فأين كانت كل هذه الطاقات الإبداعية، لتطفو على سطح الوعي الليبي غوغائية الأبله القذافي؟فما أروع العرب، وما أعظم ثوراتهم، وما أكرم إنسانهم، وما أعز نفوسهم، وما أحن عشرتهم، وما أنظم تصرفاتهم، وما أنظف تاريخهم، وهم يعيدون لحروف الضاد بريقها، وهم يعانقون الإرادة، ويدوسون على ثقافة اتفاقية "سايكس بيكو" التي ماتت لمجرد أن ثارت مصر، وصارت شاناً يهتم له الجزائريون، وعندما صار المغرب شأناً يتحرك له العراقيون، وصار اليمن شاناً ينهض معه السوريون، وصارت فلسطين شأناً يسعى إليه المسلمون!لقد ثار شباب العرب كي يتألق وطنهم دون السياج الذي أقامه الغرب، ودون تقسيمهم إلى طوائف وقبائل، سمحت لإسرائيل بأن تكون الملك على رقعة الشطرنج.