الموت الرحيم بين التشريع و التحريم


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
الموت الرحيم طريق لنهاية الحياة و وقف العذاب
بقلم : تامر صندوق
القصة الأولى :

أستيقظ ( م س ) صباح يوم مقرراً إنهاء مسيرة حياته التي عاشها و هو يصارع مرض السرطان , وبعد هذا القرار اتجه (م س) إلى طبيبه مخبراً إياه أنه لا يريد المزيد من العناء و العذاب وطلب منه إعطاءه جرعة زائدة من العقاقير لإنهاء حياته .

القصة الثانية :

بعد أن دامت غيبوبته أكثر من شهر , قرر أبناء الحاج أحمد إيقاف آلة التنفس الصناعي بعد أن أخبروهم الأطباء أنه لن يستيقظ أبداً بسبب الحادث الأليم الذي سبب بإصابة دماغه بتلفٌ حاد , و أن التكاليف التي يدفعونها لن تعيده للحياة و أن قلبه ينبض بسبب المنفسة .

في الحقيقة تلك حالتان من مئات الحالات المشابهة التي نسمع بها يومياً و تجعل عواطفنا تهتز و لا ندري ما هو التصرف الصحيح و المشروع لمثل تلك الحالات , فهل قرار إنهاء الحياة هو مشرّع لصاحبه ؟

هل فكرت ماذا تفعل إذا كنت بموقفٍ مماثل من هاتين الحالتين ؟

هل تقبل أن تكون صاحب قرار في إنهاء حياة شخص آخر ؟ أي من تلك الحالتين مشابهة لما يسمى بالموت الرحيم ؟

تلك تساؤلات ربما لم تكن مطروحة في وقتٍ ما لكنها فَرضت نفسها على الواقع الحالي الذي نعيش فيه ,

للوقوف عند هذه القضية بين تشريعها و تحريمها قمنا بالتحقيق التالي :

أنهيت حياة والدي بيدي

سعيد أحد أبناء الحاج أحمد :
لماذا قررتم إخراج أبيكم من غرفة الإنعاش و هو لم يتحسن بعد ؟

لم يكن لدينا خيار , فالأطباء أخبرونا أن عقله توقف عن العمل و أنه بحكم الميت طبياً و قلبه ينبض من خلال التنفس الصناعي فقط !! .

ما تكلفة المريض يومياً في غرفة الإنعاش ؟

في الحقيقة المال كان عاملاً مؤثراً في قرارنا , فبعد أول أسبوع من دخوله لغرفة الإنعاش وضعنا ( يلّي فوقنا و تحتنا ) و كلفنا هذا الأسبوع في مشفى خاص حوالي 150 ألف ليرة , فقررنا نقله لمشفى عام لتخفيض تكاليف العلاج .

ألم تحزنوا لإيقاف حياة أبيكم بأيديكم ؟

لقد وقعت على وثيقة الإخراج من غرفة الإنعاش بنفسي, لقد كانت أسوء لحظة أمر بها في حياتي لكن هذه كانت نصيحة الأطباء الذين أكدوا لنا أن هذه المصاريف التي ندفعها لن تعيده و لن يستيقظ بعد غيبوبته .

يجب أن نفرق بين الموت الرحيم (القتل) وبين حالة إيقاف أجهزة الإنعاش!!!!.

الدكتور ( ز ن ) رئيس قسم التثقيف الصحي بوزارة الصحة

هل إيقاف أجهزة التنفس الصناعي مشروع ؟

إن رفع أجهزة الإنعاش عن المريض الذي أجمع الأطباء على انه لن يعود للحياة مرة أخرى بسبب موت جذع الدماغ جائز .

هل إيقاف أجهزة التنفس الصناعي هي من أنواع الموت الرحيم ؟

يجب أن نفرق بين ما يعنيه مصطلح القتل أو الموت الرحيم وبين حالة إيقاف أجهزة الإنعاش، فالفرق بينهما كبير، فالحالة الأولى مثل مريض مصاب بالسرطان يعاني من الألم والإغماء فيطلب من الطبيب بإلحاح إنهاء حياته ليستريح من الآلام وتولدت عند الطبيب قناعة تامة بأنه سيموت بأي حال من الأحوال فتتولد عند الطبيب دوافع الشفقة المحفوفة بإلحاح المريض على التخلص من حياته، حينئذ يعطيه جرعة عالية من بعض العقاقير التي توقف تنفسه، فيموت، فهذا النوع محرم , أما النوع الثاني جائز .

حياة الإنسان أمانة يجب أن يحافظ عليها

د. الشيخ (ع أ ) عضو المجلس الفقهي لرابطة العالم الإسلامي

ما فتوى إيقاف أجهزة الإنعاش للمريض الميت دماغيا ؟

الفتوى الصادرة من المجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24/2/ 1408هـ حيث نصت الفتوى على ما يلي: المريض الذي ركّبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصين خبراء،أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً، بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس .

هل من ضوابط شرعية بشأن التعامل مع الموت الرحيم ؟

حياة الإنسان أمانة يجب أن يحافظ عليها، وحرم الإسلام قتل النفس لقوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما". ونهى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم عن أن يقتل الإنسان نفسه نهياً شديداً، وتوعد من يفعلون ذلك بسوء المصير في الدنيا والآخرة .

الفــــكـــــــــــــــــرة مرفــــوضـــــــــــــــة فـي البلـــــــدان العـربــيـــــــــــــــة والإسلامية شرعــا وقانونا

المحامي (س ح) أخصائي قانون دولي :

قانونياً ما معنى الموت الرحيم ؟

المصطلح له جذور قديمة حيث كان يستعمل ما يسمى باليوثنيزيا وهي كلمة يونانية تعنى الموت الجيد أو الكريم وربما كان ما يسمى بالقتل الرحيم يحدث في نطاق محدود وغير مقنن بين الحين والآخر في بعض الدول الغربية ثم بدأ مصطلح الموت الرحيم يشيع في الثمانيات من هذا القرن بسبب ما تناقلته وسائل الإعلام عن ممارسته بشكل واسع النطاق في هولندا وانتشار وباء الإيدز واستعصائه على العلاج وبسبب ظهور جماعات ضغط تروج تقنين القتل المسمى بالقتل الرحيم.

ما مدى القبول للموت الرحيم على المستوى الدولي و العربي ؟

القانون المسموح في هولندا قوبل بموجة عارمة من الغضب الشعبي وهو مرفوض على المستوى العالمي العام وهناك تشريعات قانونية تحظر هذا النوع من القتل , . أما في المنطقة العربية والإسلامية فالأمر مرفوض تماماً من الناحية الشرعية والقانونية .

ما عقوبة القتل الرحيم في القانون السوري ؟

ينص القانون السوري في مادته 538: يعاقب بالاعتقال من 10-20 سنة من قتل إنسانا قصداً بعامل الإشفاق بناء على إلحاحه بالطلب .

في النهاية إن ظاهرة الموت الرحيم هو انتحار بغطاء العطف و اليأس و الإلحاح لإنهاء الحياة و هو ممنوع شرعاً و قانوناً و هو بعيد كل البعد عن حالة إيقاف أجهزة التنفس الصناعي التي بحاجة لعدة أطباء حتى يثبتوا موت الشخص و بالتالي يكون قرار إيقاف الأجهزة جائزاً .