السلام عليكم
حفلت اللغة العربية بلا وأتت في معظمها توكيدا لا نفيا فقط لتعزيز الغرض الذي لاجله امتزجت بالنص
************
نبدأ من الأعراب ومن ثم قرآننا الكريم ومن ثم الشعر العربي :
***********
حالات إعراب "لا"

وتكون (لا) :

نافية نحو لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

ناهية نحو لَا تَقُمْ

زائدة للتوكيد نحو لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ


لا في اللغة أنواع أربعة: الأول أن تكون نافية، والنافية قد تكون عاملة وقد تكون غير عاملة، لكن خذ قاعدة أن (لا) لا تكون عاملة إلا إذا دخلت على اسم. فإن دخلت على الفعل فليست عاملة، إذ (لا) العاملة نوعان لا ثالث لهما: إما عاملة عمل إن التي تسمى لا النافية للجنس، وإما عاملة عمل ليس التي تسمى لا النافية للواحد.

مثال العاملة عمل (إن) المثال الذي ساقه (ابن هشام) وهي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فلا نافية عاملة عمل (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر نافية للجنس (إله) اسمها مبني على الفتح في محل نصب. (إلا) أداة حصر وقبل (إلا) خبر (لا) محذوف والتقدير (لا إله معبود بحق إلا الله) والنحويون -رحمهم الله- يتسامحون أو يتساهلون في التقدير هنا فيقولون تقدير الخبر (لا إله موجود) وهذا ليس بصحيح. فما أكثر الآلهة الموجودة التي تعبد من دون الله تعالى بشتى صورها وأشكالها حتى من بني آدم .

فالصواب إذن في التقدير إما أن يقال (لا إله حق) لأنه الذي غير الله جل وعلا باطل أو يقال (لا إله معبود بحق) هذا الخبر، خبر لا النافية للجنس و (إلا) أداة حصر (واسم الجلالة) بدل من الضمير المستتر في الخبر لأن معبود فيه ضمير معبود هو، والضمير محله رافع لأنه نائب فاعل لأن المعبود يسمى مفعول. فيكون اسم الجلالة بدلا من الضمير المرفوع وبدل المرفوع مرفوع. هذا هو إعراب هذه الجملة.

وفي رأي لبعض النحويين ولكنه معترض عليه. يقول: إن الكلام ما يحتاج إلى تقدير وأن قولنا (إلا الله)هو الخبر. ولكن هذا منقوض يعني بأمور لا داعي للإطالة بذكرها. هذا هو إعراب هذه الكلمة وهذه (لا) العاملة عمل (إن).

العاملة عمل (ليس) مرت علينا في قول الله تعالى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ لَا بَيْعٌ فِيهِ فلا نافية عاملة عمل (ليس) (وبيع) اسمها (والجار والمجرور) هو خبرها.

النوع الثاني (الناهية) قبل الناهية. لا النافية الداخلة على الأفعال لا تعمل. ما تعمل تدخل على الفعل المضارع فلا تعمل تقول (محمد لا يؤدي واجبه) (لا يؤدي واجبه) فلا تعمل. الفعل بعدها مرفوع والكثير الغالب أنها ما تدخل إلا على المضارع. وقد تدخل لا النافية على الفعل الماضي بقلة وقد جاء في القرآن قول الله تعالى فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى دخولها على الماضي أقل من دخولها على المضارع.

إذن ما الفرق بين لا العاملة وغير العاملة؟ العاملة هي الداخلة على الأسماء، وغير العاملة هي الداخلة على الأفعال طيب (لا الناهية) واضحة مثل (لا تقم) وهي مختصة بالفعل المضارع وهي تجزمه.

أسقط (ابن هشام) (لا الدعائية) فلم يذكرها لا في المختصر والرسالة التي معنا. ولا في المطول وهو (قواعد الإعراب) ولا في مطول المطول وهو (مغني اللبيب) ما تعرض لها وقد تعرض لها صاحب كتاب (رصف المباني) والحقيقة أن ذكرها مهم (لا الدعائية) لأنه وقعت في القرآن الكريم بكثرة مثل رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا ما تسمى ذي ناهية. من باب الأدب مع الله جل وعلا. فيقال في إعراب لَا تُؤَاخِذْنَا لا دعائية جازمة للفعل المضارع (وتؤاخذ) فعل مضارع مجزوم.

الثالثة باعتبار كلام (ابن هشام) والرابعة باعتبار ما أضفنا من الدعائية (لا الزائدة) والزائدة لا تكون إلا لقصد التوكيد ويمثلون لها بقول الله تعالى لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ فلئلا (لا) هذه للتوكيد . يعني لتحقيق علم أهل الكتاب. لأنها لو لم تكن زائدة للتوكيد أين تروح؟ ها - تصير نافية. ولو نفت لفسد المعنى قطعا لو كانت نافية فسد المعنى لصار يعني يصير المعنى لأجل أن أهل الكتاب ما يعلمون وهذا ليس هو المراد بالآية؟
***************
وقد دخل الحرف لا في كثير من الآيات القرآنية بدءا من سورة الفاتحة تظهر غالبا عامل النفي والتوكيد عليه لخدمة الدعوة الربانية , المراد تبيينها للبشر , نسرد بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
بسم الله الرحمن الرحيم:

الفاتحة (آية:7):
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

البقرة (آية:2):
ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين

البقرة (آية:6):
إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون

البقرة (آية:9):
يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون

البقرة (آية:11):
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون

البقرة (آية:12):
ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون
[1]
إعراب لا في الآية السابعة من الفاتحة:
ولا الضالين: الواو حرف عطف , ولا : زائدة لتأكيد معنى النفي, وهو ما في غير من معنى النفي , وهذه زيادة مطردة ( الضالين) معطوفة على المغضوب عليهم وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم.
إعراب لا في الآية الثانية من سورة البقرة :
لا ريب فيه:لا نافية للجنس وريب اسمها مبني على الفتح في محل نصب اسم لا والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبرها ( لا ريب فيه خبر لاسم الإشارة ذلك) [2]
إعراب لا من الآية السادسة من سورة البقرة:
لا يؤمنون: لا نافية , يؤمنون : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون , والواو فاعل,وجملة لا يؤمنون خبر بعد خبر ,ولك أن تجعلها تفسيرية لا محل لها من الإعراب[3]

إعراب لا من الآية التاسعة من سورة البقرة:
إلا أنفسهم:إلا أداة حصر, أنفسهم : مفعول به , والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
إعراب لا في الآية الحادية عشرة من سورة البقرة:
لا تفسدوا: لا:الناهية الجازمة,تفسدوا :فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون, لأنه من الأفعال الخمسة ,والواو فاعل.
إعراب لا من الآية الثانية عشرة من سورة البقرة:
لا يشعرون: لا:نافية,يشعرون: فعل مضارع , والواو فاعل, والجملة معطوفة على ما تقدم.
إعراب لا من الآية الثالثة عشرة من سورة البقرة:
*****************
لا في الشعر العربي:
من أجمل القصائد التي قالها المتنبي في سيف الدولة/ و احر قلبي:
مرت لا عدة مرات:
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت= لك المهابة مالا تصنع البُهم
ألزمت نفسك شيئا ليس يلزمها= أن لا يواريهم بحر و لا علم
أرى النوى تقتضينني كل مرحلة =لا تستقل بها الوخادة الرسم
شر البلاد مكان لا صديق به =و شر ما يكسب الإنسان ما يصم
بأي لفظ تقول الشعر زعنفة =تجوز عندك لا عرب ولا عجم
هذا عتابك إلا أنه مقة= قد ضمن الدر إلا أنه كلم
*********
هي من أجمل قصائد المتنبي مشبعة بحزنه الممض,ونرى أن لا النافية حال الألم والوجع تكون كثيرة وواضحة في القصيدة ومتعددة لتبين المعنى المراد به عبرها , تشرح المشاعر خير شرح.
**********
يؤثر عن البحتري في أنه من شعراء الوصف ,وله عبر هذا التخصص الشعري صولات وجولات:
واللا في شعر البحتري تكاد تكون معدومة لأن اللا في شعر الألم والحزن أبين وأجدى , نسوق الأمثلة دون الحصر:
لا أُمِلُّ الزّمَانَ ذَمّاً، وَحَسْبي ....... شُغُلاً أنْ ذَمَمْتُ كُلّ ذَميمِ


إنّي، وإنْ كُنتُ ذا وَفَاءٍ، ....... لا يَتَخَطّى إليّ غَدْرُ


حتّى انتَهَيْتَ إلى المُصَلّى،لابِسًا ....... نُورَ الهدى،يَبدو عَلَيكَ وَيَظهَرُ
وحتى هذه كانت نفيا توضيحيا لا تعبيرا عن المشاعر يظهر في:لا أمل,لا يتخطى,لا يسا.
**********
نعرج على شعر أبي تمام لنرى ما فيه:
يقول رؤبة بن حجاج فيه[4]:
فطريقته في قياس المعاني والصور وانتقاء الألفاظ
طريقة الفقهاء في قياس الأدلة والأحكام
هذا ما رأيته من خلال قراءتي لشعره العبقري والله أعلم))
والثابت أيضاً قول ابن رشيق القيرواني(( جاء أبو تمام والبحتري فمسحا ذكر خمس مئة شاعر مجيد قبلهما ، ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وأشغل الناس))

والثابت أيضاً قول ابن رشيق القيرواني(( جاء أبوتمام والبحتري فمسحا ذكر خمس مئة شاعر مجيد قبلهما ، ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وأشغل الناس))

من قصيدة أمالكُ؟
وللطرفاتِ يومَ صفيـنَ لـم يمـتْ=خُفَاتاً ولا حُزناً عُـدِيُّ بـن حاتِـمِ
***
* إذا كــان وجــــــه الـــمــرء يــبْــســاً فـــإنـه=يُـقــاســي عِــجــانــاً لا امـــتــراء بــــه رطـــبــاً
* مـــــا إن سـمــعــتُ ولا أرانـــي سـامــعــاً=أبـــــدا بــــصـــــحـــراءٍ عـــلـــيــــهــــا بــــاب !
***
وامهد لنفسك مِن قبل الممات ولا=يــغـــررك كـــثـــرة أصـــحـــابٍ وإخــــــوان
*********
نرى أن غرضه الشعري لم يحيجه للا النافية كثيرا فباتت شبه غائبة في كل قصيدة .
من الشعر الحديث:
من قصيدة الأطلال لابراهيم ناجي[5]:
نتساءل هنا عن شبه غياب للا واستعاضتها بلم وأمثالها وهي أشد وأقوى في المعنى الحاسم لان الآلام فيها لحبيب غاب نهائيا ألم مابعد ألم وهي إن لم تنافس فهي من أفضل الشعر الذي نراه يوازي فطاحل الشعراء في الزمن القديم:

لاتسل واذكر عذاب المصطلي =وهو يذكيه فلا يقبس نارا
لارعى الله مساء قاسيا=قد رآني كل أحلامي سدى
هو لايبكي إذا النا=عي بهذا نيأه
هدأ الليل ولا قلب له=أيها الساهر يدري حيرتك
***************
من قصائد نجيب جمال الدين [6]
من قصيدته يا بسمة اللوز:
وقل هي الشام لا خمر ولا جسد =حتى ولا الزينتان المال والولد
وهي هنا لا نافية للجنس لم يكن هناك حاجة للإكثار منها خاصة أن الموضوع وصفي خالص.
لكنها ودوما لما تتوالد في جسد القصيدة تترك ثغرة في المبنى العام,وربما شفع له الهدف الديني الذي لون القصيدة والوعظي, كما في القصائد التعليمية, كما المثال التالي:
من شعر/العارف بالله ابي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري:
لغويا أديبا كاتبا شاعرا تعلم في صغره اللغة العربية والأدب وكان شاعرا مجيدا يرتجل الشعر ارتجالا وقد ذكر علي الباخرزي في ( دمية القصر) وكتب
نبذا من شعره وبالغ في الثناء عليه.
من شعره رحمه الله:
يامن تقاصر شكري عن أياديه =وكَلّ كل لسان عن معانيه
وجوده لم يزل فردا بلا شبه=علا عن الوقت ماضيه وآتيه.
لادهر يخلفه , لاقهر يلحقه=لاكشف يظهره , لاستر يخفيه
لا عد يجمعه , لا ضد يمنعه=لا حدّ يقطعه , لا قطر يحويه
لا كون يحصره , لا عين تبصره=وليس في الوهم معلوم يضاهيه
جلاله أزلي لا زوال له=ومكله دائم لا شيء يغنيه[7]
تم
ريمه الخاني 7-3-2011



[1] انظر بقية الآيات عبر الرابط التالي http://quran.muslim-web.com/search.htm?SearchText=%D9%84%D8%A7


[2] انظر إعراب القران لمحيي الدين درويش ص 24

[3] انظر نفس المرجع ص28

[4] ( من موقع الفصيح):

[5] من شعراء القاهرة في مصر كان طبيبا ولد عام 1798

[6] من مواليد لبنان –بعلبك سنة 1924 التحق بمدرسة الصنائع والفنون في بيروت ولم يكمل دراسته

[7] من الرسالة القشيرية ص13