أين ستحط الجزيرة رحالها؟
د. فايز أبو شمالة
أينما حلت فضائية الجزيرة حل الخراب والدمار على ساكني القصور، وعلى أنظمة الحكم الاستبدادية، أينما نصبت الجزيرة معداتها، وأينما توجهت ببصرها تساقط الطغاة كورق الخريف، وتكشف الزيف، إنها غراب البين من وجهة نظر الحكام وأذنابهم، أينما أدارت قرصها الفضائي ارتعدت فرائص الوزراء، حتى صار اسمها مخيفاً للعجائز الأغراب، وصار اسمها نشوة يتوضأ بنوره الشباب، مع أنها وسيلة إعلام لا تمتلك إلا نبضها العربي، وصورة لدمعة بريقها ما غاب، فما الجزيرة إلا جملةٌ فصيحةٌ على شفاهِ كلِّ حرّةٍ عربيةٍ، وصرخةٌ بالرأي مثل السيفِ حدّها يحزّز الرقاب.
إلى أين يا فضائية الجزيرة؟ نصبتم أجهزة البث في تونس، فسقطت إمبراطورية زين الهاربين بن علي وزوجته وسيلة، ورفعت تونس هامتها، وترددت فيها أصداء جملة: المجد للشهداء، عاشت تونس الحرة، بن علي هرب، جمل شعرية رقصت على وقعها الثوري أفئدة الشعب العربي، حتى صارت أغنية، انتقلت معها تونس الخضراء من عصر الظلام إلى عصر التنوير، ومن الكبت الرئاسي إلى حرية التعبير.
على أي أرض ستحطين يا جزيرة، بعد أن صار النشيد في شوارع العرب: يا حبيبتي يا مصر؟ وبدل معزوفة: الشعب يريد إسقاط النظام، صار النشيد الذي يتردد صداه في كل عواصم العرب: الشعب يريد تحرير فلسطين! ولاسيما بعد أن تنفست مصر هواء الحرية، وانكسر على أهراماتها زمن المذلة، فأين وجهتكم يا فضائية الجزيرة بعد مصر؟ هل ستذهبون إلى أرض البحرين أم الجزائر أم اليمن أم ليبيا أم الأردن؟ أين وجهتكم وعشاق الحرية يثورون في كل بلاد العرب، بعد أن نبتوا من الأرض التي تشققت عطشاً إلى الديمقراطية والكرامة، لقد صرنا يا قوم، بحاجة إلى استنساخ أكثر من عشرين فضائية
الجزيرة.
وما أحوجنا في فلسطين إلى الجزيرة!، لتكشف المستور عن أصدقاء حسني مبارك، وعاشقيه، أصحاب ملفات الفساد والمفاوضات، أولئك الذين صاروا سلطة، بعد أن سمحت له إسرائيل، وزودتهم بالرشاشات، هؤلاء أولى من الجميع بفتح ما خفي من الملفات. ومثلهم كمثل كثير من ملوك ورؤساء العرب الذين يرقبون المجهول، ملوك ورؤساء مرعوبون، إنهم يندفعون إلى الهاوية، ويتدافعون، يمسحون دموع إسرائيل، وهم يتساقطون.