منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1

    سلسله اسباب الثوره وحكم الشعب/1

    يقول شاعر تونس الخالد/ابو القاسم الشابى
    ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ**** حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
    سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ **** وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ
    وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ **** وتبدرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
    رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ **** وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
    ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام **** وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
    حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ **** ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
    تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ **** رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ
    ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ **** وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ
    سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء**** ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ

    ان
    الحريه شىء جميل جدا والحصول عليها شىء صعب جدا وغالبا ما تكون الحريه محفوفه بالمخاطر لاننا منذ فجر التاريخ نبحث عنها فى اوطاننا ولا نجدها وحينما يعلو سوط الظلم والقهر فوق الرؤوس وتنسحب المعانى الراقيه من الحياه كالحريه والديمقراطيه وحريه الراى والابداع وغيرها من المعانى الراقيه ويجد الانسان نفسه مكبل بالغلال والقيود ومحارب حتى فى فكره وقوت يومه يفيض به الكيل ويتمنى الخلاص لما هو فيه ويتحول الكبت والاسى الى انفجار داخلى كبركان ويعلو صوت الغضب ومن هنا تنتج الثورات والثوره لا تكون ساعتها بلا هدف وانما تكون من اجل اهداف عده كمحاربه الفقر والفساد والطمع ومحاربه فئه غنيه تسلقت على اكتاف الشعوب المعدمه الفقيره
    والحقيقه ان الثورات التى وقعت عبر التاريخ ما هى الا نتاج حالات عده من الغليان وكلها تتلخص فى محاربه الاستبداد باشكاله وانواعه المتكرره عبر التاريخ وهذا مما جعل المصلحين والمفكرين بل والشعراء فى العالم وعلى مدار التاريخ ينددون بالاستبداد والطغيان والاستبداد بالسلطه هو الذى ينتج الفساد وانعدام العداله ويعلى من شان الظلم وشعور الشعوب بالمهانه وانهم لا يمثلون الا حشرات عند حكوماتهم وهذا ما حدث ابان ثوره تونس ومصر والخلل فى كفقتى الميزان ياتى من هنا من اتساع الفجوه بين الحكام والمحكومين بين حكاما يعتقدون انفسهم لا يحاسبون وانهم صفوه الناس ومحكومين ضعفاء ليس بيدهم فعل شىء سوى الطاعه العمياء سواء برضا او بدون رضا
    وحينما نبحث عن اسباب الثورات فى العالم سواء القديم او الحديث نجد اسبابا محدده ومكرره وعادله فالشعب لا يريد غير العداله والكرامه والحريه ولا يهمه الحديث فى امور السياسه والحكم بقدر ما يهمه تحقيق الكرامه والحريه والرفاهيه له وتلك حقائق هامه وقف عندها الباحثين والمفكرين قديما وحديثا مع التنبيه الى ان تلك المطالب الشعبيه التى تفجر مثل تلك الثورات هى من صميم التشريع الاسلامى بل ومن اولوياته اذ كيف تطلب منى ان اؤدى واجباتى الدينيه وانا لا اعبر عن راىى او انا طريدا مشردا فقيرا معدما لا ماوى لى ولا عمل ولا لا احترام لادميتى والانسان مكرم فى الاسلام اجل تكريم والحقيقه ايضا ان تلك الثورات تاتى غالبا بسبب الاستبداد السياسى وانعدام التوافق واتاحه الفرص واهمها ما ينتج عن ذلك من فساد واستحواز بصنع القرار وتحكم مجموعه من اللصوص فى امور الحكم والسلطه والعبث بالناس ومصالحهم وما نراه من بيع اراضى الدوله وانعدام العداله والقهر والبوليسيه واتهام الناس بالباطل والتزوير واشاعه الفساد اشياء تدعوا للغضب والثوره ناهيك عن استئثار جماعه بعينها بالمال والسلطه
    والثورات تقوم دوما لخلخله تلك المفاهيم واعظمها التى تقوم باسلوب سلمى وحضارى كما حدث فى تونس ومصر وما يحدث فى مصر دليل على ان النظام كان فعلا فاسدا ظالما غاشما وتلك حقيقه لانها كانت دوله بوليسيه من الدرجه الاولى لا عداله ولا حريه ولا كرامه لاهلها ومن حرق نفسه من اجل التخلص من الحياه لانه لا يعرف كيف يعيش هو واهله فى ظل فقر دائم ومن يتظاهر من اجل العيش بكرامه مبررات واسباب صنعتها الحاجه
    والثوره التى تقوم بتلك الطريقه المثلى هى ثوره ناجحه وتستحق التقدير والاحترام والاهتمام لانها ثوره تلبيه لشعور الشعب بالقيد والظلم وانعدام الكرامه والحريه
    ان الشعب الحر هو الذى يثور على الاطماع والطغيان والفساد ولا يخاف واعظم شىء حققته الثوره المصريه الى الان هى كسر حاجز الخوف والصمت نعم هى ثوره فاجئت العالم
    ان الشعب الحر هو الذى يثور على الاطماع والطغيان والفساد ولا يخاف واعظم شىء حققته الثوره المصريه الى الان هى كسر حاجز الخوف والصمت نعم هى ثوره فاجئت العالم الحر لانها لم تاتى من رجال دين كنا نعتقد انهم المحرك لها ولم تاتى من رجال فكر او احزاب معارضه وانما خرجت من قلب الشعب ذاته بلا اجنده او حسابات ونتيجه لان الشعب مقهور وينتظر من يحركه خرج الشعب كله منددا بالفساد والطغيان معلنا نهايه الظلم والجبروت وزوال عهد المليونيرات الذين عبثوا بمقدرات الشعب والحقيقه ايضا ان تلك الثورات تعيش طوبلا ولا ينساها التاريخ بل وتحترمها جميع القوى العالميه بخلاف الثورات العسكريه التى فشلت فى تحقيق اى نجاح يذكر بل ادت الى اتنقسام وخراب كنا نعانى منه حتى الان ان الثوره الحقه هى التى تهدف الى الاصلاح واصلاح شامل ولا يهم ان يتولى قيادتها اى اشخاص الاهم ان تحقق الاصلاح المطلوب وقد حققت الثوره التونسيه والمصريه اصلاحات هامه لم تكن تتحقق ابدا فى ظل الطغيان الذى حاصرها ان محاربه الفقر والبطاله والظلم والفساد وانعدام العداله هى اولويات الاسلام العظيم ونبعت تلك الثوره المصريه والتونسيه من تلك التعاليم والافكار بطرق عفويه للغايه ولانها جاءت ببرامج ومطالب عادله كان لها بالغ الاثر فى نفوس الشعوب المقهوره والجديد ان تلك الثورات الهائله والعظيمه لم يكن لها قائد الا الشعوب نفسها بكافه اطيافها وذلك نجحت فو ان لها اجنده ما او نظمها جماعه ما لفشلت لكنها عندما توحدت وشملت مطالب عادله ولم تعرف الحزبيه نجحت واثرت فى العالم فرضخ لها الجميع فى انسجام وتالف مستمر ونزل الطغاه عن افكارهم بل واجبرتهم على تغيير الفكر والجوهر تبعا لمطالب الشعوب العادله اننا نفخر تماما بما احدثته الثوره التونسيه والمصريه من انجازات هى فى الاصل معجزات لانها انتصرت وغيرت الواقع اعظم تغيير ونفخر بما نسعى له دوما من اصلاح بالطرق السلميه الرائعه المتحضره نعم للثورات احيانا اخفاقات لكن انجازتها اعظم ومهمه ناهيك عن عدم احتماليه العوده لما كان قبل الثورات وتلك اهم حدث يذكر يا ساده اننا حينما نطلب الحقيقه لا نجدها لكن فى ظل التغيير والانجازات الى تحققها الثورات نجد المصداقيه والشفافيه واحترام الذات وتتضح معالم الصوره التى كانت مهزوزه بخلاف ما قبل الثوره ان المطالب الرئيسيه لاى ثوره هى القضاء على الفساد والاطماع والعداله فى توزيع الثروات والحريه والعيش بكرامه وتلك امنيات مشروعه انسانيا وحينما تاتى الثورات فى العالم تخرج لتلك الاسباب وانظر الى مصر بلد قوى غنى وشعبه لا يجد رغيف الخبز انها لكارثه وسلطه
    ايها الساده/ان الحريه مطلب اساسى لاستمرار الحياه فمن دونها لا تستمر الحياه ومن المؤلم جدا على الانسان ان يعيش مقيد وقد خلقه الله حر طليق وتلك طبيعه البشريه ان تكون حره مختاره
    ان تلك الحريه المرجوه والتى دعا لها غالبيه رجال الفكر والادب حينما تصطدم بالانكسار والمهانه تتلاشى بطبيعه الحال كما ان الحريه مطلب اساسى لاستمراريه الحياه لاننا بطبيعه الحال لم نخلق مجبورين فكيف تفرض علينا قوانين الاجبار وكيف نعامل كاننا خلقنا للطاعه العمياء دون مبرر
    من الطبيعى ان يكون هناك حدود لتلك الحريه وبعض التنازلات حين نصطدم بالواقع العملى وتلك ايضا ليست فى الغالب تنازلات مجبره او مفروضه وانما تاتى من الطبيعه وايضا تفرضها الاديان وقبلها قوانين الاخلاق
    وحينما يتحدث الفلاسفه عن حدود لتلك الحريه فهى حدود فى الاصل يفرضها العرف كما تتحكم فيها الحاجه قبل التشريع وانما التشريع او ما يعرف بالقانون ليس غالبا ملزما لاحد الا ان كان تشريعا صادرا من الله تعالى وحده حيث لا راد لقضاءه
    والحريه حينما تصطدم بالطغيان وهذا معرض البحث تتعرض لاخفاقات وينتج عن ذلك الاصطدام الظلم والجبروت بل واختراع القوانين التى تدعم موقف الطغيان فى مواجه الحريه وانصارها
    ان القارىء للتاريخ الاسلامى وهذا ما غالبا يعنينا لكوننا مسلمين يجد ان الحريه والديمقراطيه بل وحكم الشعب ليس لهم وجود الا فى عصور قليله ربطها البعض بعصر الرساله والخلفاء الراشدين
    اما ما عداها من عصور فهى عصور طغيان واستبداد تنتابها احيانا ازمنه من الحريه والديمقراطيه لكنها ليست المثال المطلوب
    ان علاقه الحاكم بشعبه ربطها الباحثين والمفكرين بالضروره ان تكون علاقه تسودها الحريه والديمقراطيه والشورى والعداله وذلك ما كان واقعا فى عهد النبوه والخلفاء الراشدين على قدم وساق وهو المثال والواقع وبعد تلك العصور الرائعه والتى تجلت فيها العداله واسس الحكم السليم رغم انه ليس هناك نظام حكم موحد فى الاسلام لكن اى نظام ياتى لا مانع منه انما الاصل فيها العداله والشورى ولا توجدد الحريه وحكم الشعب الا فى جو من العداله والشورى بطبيعه الحال
    وحيث ان الطغبان الحاله المنعكسه للعداله وحكم الشعب فلم نجد تلك الحكومه العادله كما يراها الواقع الا قلبلا لانها كانت المثال وتم الخروج عنه حينما اصبحت انظمه الحكم تاتى بالتوريث والاحقيه بالخلافه مما قراناه عبر التاريخ من جرائم فى حق الشعوب بسبب الصراع على السلطه والناظر للتاريخ الاسلامى يجد ان اول من بذر عمليه التوريث والخروج عن المثال كان معاويه بن ابى سفيان رضى الله عنه حينما جعل الخلافه فى بنى اميه اذن من هنا تحولت انظمه الحكم من خلافه قوامها الشورى والحريه والعداله الى ملكيه مستبده وتذكر لنا كتب التاريخ المعتمده صورا من ذلك الطغيان الذى تشيب له الرؤوس والصراع المستميت من اجل السلطه والمال ومتاع الدنيا حتى نظن ان تلك الحقبات لم تعرف الاسلام اصلا لكن نعود ونقول ان المساله تتعلق بتفسيرات وتاويلات لنظم الحكم لاننا قلنا من قبل ان الاسلام لم ينص على نظام معين للحكم فجاءت الاجتهادات لكنها كرست لمبدا القهر والظلم والطغيان والاستبداد وذلك من الناحيه المدنيه طبعا لا الدينيه فالفرق كبير بين الطغيان المدنى الذى تعتريه الاجتهادات والتاويلات كل بحسب ما يراه وبين الطغيان الدينى وهذا ليس معرض البحث
    والشعوب حينما تبحث لها عن مخرج للتنفس تجد الطغيان يحاصرها ولم تكن الوسائل المتاحه حاليا كالعصيان المدنى او غيرها من وسائل الثورات متاحه او معروفه قديما وكان النزاع المسلح هو الاساس ومن هنا ترسخت فكره الطغيان فى اول خروج عن الديمقراطيه وحكم الشعب التى فرضها النبى والخلفاء الراشدين من بعده فقد اعتلى معاويه المنبر ليقول(اما بعد فانى والله ما وليتها منكم بمحبه علمتها منكم ولا مسره بولايتى ولكنى جالدتكم بسيفى هذا مجالده)(العقد الفريد لابن عبد ربه)
    وقال ايضا(ايها الناس اعقلوا قولى فلن تجدوا احدا اعلم بامور الدنيا والاخره منى))(البدايه والنهايه لابن كثيرج8ص134
    ولو نظرنا فيما قاله امير المؤمنين معاويه لكشفنا عده حقائق انه يصرح علنا بانه تولى الحكم رغما عن الشعب بل يجاهر بانه حارب من اجل الحكم وليس بالشورى وصرح ايضا بكرهه العميق لشعبه وانه اعلم منهم جميعا بامور الدنيا والاخره وانه ايضا اشهر سيفه فى وجوههم متحديا اياهم وتلك قمه من قمم الطغيان عرفها التاريخ وبدا عصر الاستبداد علنا وظل الناس وهم الشعب يحكم بلا راى لهم ولا حريه ولا عداله واختلف المثال الذى عهدناه فى الخلفاء الراشدين وحكمهم الرشيد العادل الديمقراطى تماما وانقلب الحال وبطبيعه الحال تتدخل النغمه الدعائيه من البهرجه والتدليل الاعلامى على ان الامويون احق بالخلافه بل ووضعت الاحاديث الكاذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لتدعم ملكهم من قبيل انهم احق بالخلافه وغيرهاوتبارى الشعراء فى مدحهم وتكاتفت كل اجهزه الاعلام الحكوميه لدعم وتدعيم هذا الملك الجديد كما نرى فى العصر الحاضر من اعلام الدوله الرسمى حينما يفخم ويضخم من الحاكم واعوانه
    وينحصر الناس مابين تلك الوسائل من القمع والارهاب والطغيان وتتوالى المصائب ويتولى يزيد وغيره من بنى اميه والواقع لا يتغير رغم الثورات التى حدثت فى ذلك العصر من ثوره الامام الحسين وغيره الا ان الواقع لم يتغير وظل الطغيان على ما هو عليه لقد حدثت الفتن فى ذلك العصر وانتشر الفساد والظلم وتوالت الانهزامات للحريه والديمقراطيه على ما تؤكد كتب التناريخ والحقيقه اننا لا نؤرخ لبنى اميه او غيرهم ولكن نذكر فقط صورا من ذلك الطغيان السياسى الذى يتطلبه البحث
    وليس العصر الاموى فقط بل والعباسى ملىء جدا بنظم الطغيان والاستبداد وحكم الفرد واهمال حكم الشعب والخروج على المثال وعصور اخرى تتوالى من الفساد والاستحواز بالسلطه والجبروت
    وتلك الاصول للحكم من الطغيان تجعل هناك اصواتا تدعوا للثوره والانقلاب على الوضع القائم وتلك طبيعه فطريه تفرضها الحاجه كما حدث فى عهود الامويون والعباسيون وغيرهم
    لكن السؤال الهام لماذا ذلك الطغيان وما تنتجه من ثورات تهزه وتسقطه الحقيقه ان طبيعه العالم لا تعرف شكلا واحدا من الحكم بل وترفض ذلك فنجد ان الثورات فى عالمنا الاسلامى بل والغربى خرجت غالبا من الشعب ومن اجل اهداف محدده وواضحه لا غنى عنها كالثوره الفرنسيه وغيرها وتبارى الفلاسفه من انشاء مصطلحات للاحلال وتجديد الخطاب الثورى والاجابه المقنعه الى حد ما ان الاستبداد حينما يطول يجب له من وقفه ورادع ويكون غالبا بعنايه من الله سبحانه وتعالى
    لكن الاجابه الاكثر اقناعا انه طالما هناك اتفاق غير مكتوب بين الحاكم والشعب على الاخذ بعين الاعتبار فى تحقيق مطالب الشعب ومشاركته الحكم عن طريق نوابه مشاركه حقيقه وليست مزوره ومن خلال تلك المشاركه الفعليه التى تليها محاسبه الحاكم او نواب الشعب عن اى تقصير يقومون به امام هيئه رقابيه مستقله تدعم حق الشعب وكذا تتيح الفرصه للحاكم بالدفاع هنا تتوحد وتصطف المطالب بل وتتحد فى تناغم مدهش
    فلابد من ان يختار الشعب من يحكمه بمنتى الشفافيه وان يختار نوابه ايضا بنفس الطريقه وتدعم اساليب الحريه والحوار والتعدديه وتفرض العداله والشورى بل وتقنن القوانين للمحاسبه
    لا فرق هنا بين حاكم ومحكوم وتلك الاشياء خرج بها المفكرون بعد بحث مضنى وطويل وكلها تنصب فى النهايه على ان يحكم الشعب وما الحاكم الا منفذا لمطالب الشعب بشفافيه وبمنتى العداله وقد بلور البعض تلك البنود من حكم الشعب فى قوانين كمن راها كعقد اجتماعى بين الشعب وحاكمه ومنهم من راها فى الديمقراطيه ومنهم من راها فى تنظيمات ومؤسسات تتبادل فيها الاراء حول كيفيه تنظيم حكم الشعب والهدف الحقيقى وراء ذلك تحقيق المصلحه للشعب فى ظل حكم ديمقراطى عادل يراعى فيه الحريه والعداله والمساواه على اساس من الشورى
    ان حكم الشعب هو الاصل وغير ذلك اشكال لنظم الحكم ففى النهايه يكون القرار للشعب وصناعه القرار بيده وتلك هى الحريه والديمقراطيه المنشوده
    يقول الفيلسوف جون لوك(يبدا الطغيان حينما تنتهى سلطه القانون)(فى الحكم المدنى فقره 202
    والطغيان نابع من الاتفرد بالسلطه وعدم مشاركه الشعب فيها والحقيقه ان الانظمه الفاسده او المستبده تفصل القوانين على مزاجها وبما يتناسب معها ومع مصالحها بحيث لا تصطدم بالشعب ولا تهتم كثيرا بالمعارضه او القوى المناوئه لها وتلك حقيقه اثبتها الواقع وتاتى مقوله جون لوك السابقه صادقه الى حد ما فحينما تنتهى سلطه القانون يبدا الطغيان فما بالك من طغيان اصلا موجود وقائم بوجود القانون تكون الكارثه اكبر وقعا على النفس وعلى الشعب وهزيمه لكل القيم النبيله كالحريه والعداله والمساواه وغيرها من داعئم الحكم الحر العادل الذى من المفترض ان يشارك فيه الشعب دون هواده
    والثوره تاتى من هنا حين يستغل او يساء استغلال القنون لصالح فئه ما بعينها ويتلاعب به اشد التلاعب هنا فقط تتراجع وسائل الاعتراف ويبدا عهد من السخط والرفض التام لنظام الحكم
    وليس فقط القانون والعبث به من يدعوا لاحداث الثورات وانما عمليه الكذب والنفاق المحلى فى وسائل الاعلام وتلميع صوره الحاكم لمصلحه فئه ما تريد بل تسيطر وتهيمن وتلك ما يخلق الغضب والاشمئزاز عند الشعب
    والغريب ان النظام الفاشل هو من يسعى لذلك وليس الديمقراطى
    فنحن لم نشاهد ذلك الطغيان فى الدول الغربيه مثلا فانت هناك تستطيع ان تحاسب رئيس الدوله وتقاضيه اما فى الشرق فما زالت الموروثات الشعبيه تسيطر على العقول رغم دخول الاسلام وانتشاره وهو الدين الوحيد الذى من اصوله الديمقراطيه والعداله والحريه والمساواه حتى بين المسلم والكافر(وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مامنه)ان تلك الايه العظيمه ترسخ لما نقوله وتؤكد ان الاسلام جاء داعيا للحريه والكرامه والعداله والشورى واحترام الاخر ولقد فهم الغرب الاسلام على حقيقته وطبقوه ونحن لم نفهممه وما زلنا متمسكين بموروثات شعبيه باليه من زمن الفراعنه والحاكم الاله
    والحقيقه ان حكم الشعب هو الاساس بل ومصدر السلطات لان الطبيعى ان الحاكم ينتخب من قبل الشعب فيجب ان يلبى الحاكم مطالب من انتخبوه والا شرع الخروج عليه وعزله وتلك نظريه ماخوزه فى الاعتبار فى الفقه الاسلامى وليس كما قال البعض من المفسرين كابن كثير وغيره انه لا مانع من حكم فاسق كيزيد بن معاويه ولا يحق الخروج عليه ويتذرعون بالقول من ان الخروج عليه يعنى خلق فتنه تلك اوهام وكلمات ليس لها اساس من الصحه وليس من الاسلام فى شىء
    وحينما نتكلم عن الثوره وحكم الشعب فهذا بالضروره ياخذنا لطبيعه تلك العلاقه التى تحدث الثوره وهدفها تصحيح الاوضاع والاعاده بها الى مسارها الطبيعى وهو حكم الشعب لا الفرد العداله لا الظلم الشورى لا العبثيه المساواه والحريه لا الاسئثار بالمال والسلطه والقرار وحول تلك الطبيعه واساليبها والعلاقه المفروضه اسباب الثوره عليها
    قلنا اكرمك الله واسعدك فى الدنيا والاخره ان الثوره لا يكون لها مبررات واهداف الا اذا اصطدمت بالسلطه وتلك حقائق تاريخيه واثبتتها الثورات العديده على مر التاريخ كالثوره الفرنسيه قديما والثوره التونسيه والمصريه حديثا والحقيقه ان الثورات عموما لا تاتى الا لاهداف وغالبا ما يكن لها مبررات نبيله وعظيمه وعادله
    ولو بحثنا فى الجذور لتلك الثورات لوجدنا ان السلطه دوما هى التى تجعل من الشعوب تصنع الثورات فكان فعل السلطه هو المبرر الاساسى لحدوث مثل تلك التغيرات ومن هنا يحدث الصدام المتوقع وذلك نتيجه لسوء استخدام السلطه او تفردها بصنع القرار وعدم احترامها لشعوبها المطحونه عاده
    يقول الشاعر الاسبانى لوركا(ما الانسان دون حريه يا ماريانا قولى لى كيف احبك اذا لم اكن حرا كيف اهبك قلبى اذا لم يكن ملكى)تلك هى احلام الشعوب التى يعبر عنها لوركا ويعبر عنها غيره ولو لم تكن الحريه هى الغايه لم تكن الثورات
    لقد حاول المفكرين من ايجاد حل لمساله السلطه وحب الكرسى فلم يجدوا وبدا انها عبوديه تتوارث
    لكن السؤال الملح لماذا دوما السلطه تصطدم بالشعب الحقيقه ان الاجابه تبدوا سهله لكنها فى غايه التعقيد عند البحث والتانى بمعنى ان الواضح ان للشعب مطالب والسلطه لا تسعى لتلبيتها على النحو المرضى لذلك فالشعب يثور ناقما على السلطه وقد يتحول الاضراب الى ثوره مسلحه كما حدث فى عده دول كالجزائر مثلا لكن الواقع يقرروالقارىء للتاريخ يقرر ان الصدام السلمى افضل وانجح والعلاقه لابد ان تكون على درجه من الوعى فالمساله او الحرب العسكريه اثبت التاريخ انها لا تحقق النتائج المطلوبه فما حدث فى الجزائر او افغانستان او غيرها من البلاد عبر التاريخ والعصر الحديث يؤكد انه الصراع المسلح اثبت فشله فشلا ذريعا اذن جاء الحل السلمى والمتطور الذى رايناه فى ثوره تونس ومصرمن ان الشعب الذى اختار حاكمه بات رافضا له ناقما عليه ويريد له الرحيل وذلك مطلب ضرورى
    الحقيقه انه فى ظل النظم الديمقراطيه يجب توافر عده شروط
    اولها الاختيار /اى ان الشعب هو الذى يختار رئيسه دون تدخل او تزوير او فرض الامر الواقع
    ثانيا/ان يكون الشعب هو مصدر السلطات بالاضافه الى تحكيم التشريع الاسلامى وتلك حقائق لكن لا يكون الحاكم رجل دين بل مدنى له خبره بشؤن الحكم والسياسه
    ثالثا/ان تكون فتره الحكم مرتين لا ثانى لهم
    رابعا/ان تعمل سلطه القانون وتدعم مبادىء المواطنه والحريه والمساواه والعداله والشورى كما يفرض مجلس للاصلاحات السياسيه والقانونيه
    خامسا/استقلال السلطه القضائيه عن الدوله مع تكوين سلطه عليا منها لمحاسبه اعمال السلطه التنفيذيه ومراقبه اعمال وسياسات الحكومه والرئيس اول باول
    ساادسا/الامن الداخلى او الشرطه لا تتدخل فى عمل المواطن ولا تفرض عليه معوقات بل هى خادمه للقانون وللشعب
    سابعا/انشاء مجلس يتكلم باسم الشعب كالبرلمان وتكون العضويه فيه بالانتخاب ويتم تعيين الوزراء لاى حكومه من قبل مجلس الشعب المنتخب والبرلمان يراقب اعمال الوزاره ولا يصنع القوانين وليس هناك حصانه لاعضاء البرلمان ولا للوزراء وكل يقدم للعداله ان اخطا عن طريق مجلس مراقبه القوانين وتنفيذها
    ثلمنا/الشورى مبدا عام فى الدوله فيجب وضع علماء دين وغيرهم من ذوات الفكر والعلم فى المؤسسه التنفيذيه وباتوا بالانتخاب لا التعيين لتحقيق اكبر قدر من التوازن ولتحقيق العداله فى جميع القطاعات
    تاسعا/امن الدوله جهاز مستقل وخاص بقوانينه مراقب من السلطه التنفيذيه لا يتعدى الى المواطنين كما ان الجيش مستقل لا يتخل الا لصد العدوان الخارجى والحفاظ على امن الوطن من العدو الخارجى ولا يجوز مشاركته فى الحكم فله الاستقلال التام
    عاشرا/تتاح فى الدوله الجديده الديمقراطيه حريه الفكر والراى والابداع وانشاء التعدديه السياسه والحزبيه وتشارك الاحزاب فى صنع القرار كغيرها من المؤسسات كما ان ينشا مجلس لمحاسبه عمل الاحزاب والوقوف على اخطائها وانجازاتها فى تنميه المجتمع فكريا وسياسيا
    الحقيقه ان الاهداف السابقه يليها اخرى لكنها الاهم
    والحقيقه ان الحكم ليس للحاكم وانما لابد ان يكون باسم الشعب والشعب اى الامه والامه لا تجتمع على ضلاله ابدا ثم ان الاسلام وهو الدين الرسمى لاى دوله اسلاميه يجب ان تؤخذ القوانين منه وتفرض على الاقليات الاخرى بحكم ان الاسلام هو اصل جميع الاديان وهو مفروض من الله تعالى وهو اخر الرسالات فلا اعتبار لاى اعراق او ديانات اخرى وتعامل من منطلق مبدا المواطنه والحقيقه ان تلك المساله معقده عند الباحثين فهل يعتبروا قله ام اهل ذمه الواقع يفرض ان تلغى حكايه اهل ذمه لان زمن تلك العبارات انتهى والافضل عباره اقليه سواء كانوا نصارى او يهود لكن لابد ان يتحاكموا الى قانون الاسلام
    اننا دخلنا فى امور سنفسح لها مجالا اخر والاهم هنا توضيح حقيقه هامه تطلبها البحث هى ان الشعوب المقهوره يجب ان تجدالها مبرر لثوراتها ومبرر عادل وغالبا ما يكون بسبب الطغيان الذى يؤدى الى صدام واقع لا محاله مع الشعب
    والشعب حاليا سواء المصرى او التونسى او غيره بدو على الساحه اكدوا جميعا بما لا يدع مجالا للشك انهم شعوبا واعيه مثقفه وانه ليس بحاجه لحملات توعيه دينيه من نوع افعل ولا تفعل وهذا حلال واخر حرام لانهم ادركوا اللعبه فالكل يبحث عن مصلحته حتى لو كانت على حساب الدين لانه ببساطه حينما ينتهى الظلم وترسخ للعداله سوف ينصلح حال الشعوب دينيا بلا حملات توعيه تتسلق لكسب المال والشهره
    ان الطغيان بانواعه يؤدى الى الثوره والثوره دوما تحقق اهدافها وغالبا ما لا يفطن الطغاه لحقيقه هامه وهى تحقيق المطالب والمطالب غالبا ما تكون توفير جو من العمل والكسب والحريه والعداله وتلك مطالب قلنا انها عادله لكن الحكام لا ينظرون الا لخزائنهم ومصالحهم والحقيقه ان الطغاه لا يفكرون فى عمليه الموت والحساب التى يفكر فيها الرجل العادى الفقير المتواضع وانما لا يعملون لاخرتهم بل لا يهتمون بمثل تلك التفاصيل الصغيره وانما الاهم عندهم هى الدنيا وتحقيق اكبر قدر من الثراء ولا يهم ان تكون الثروات لهم ام لغيرهم المهم تحقيق تلك الاطماع ومص دم الشعوب باى شكل وتاليههم الم يقل فرعون(ما علمت لكم من اله غيرى)تلك حقائق لكن الرجل العادى يفكر جيدا فى الحساب والموت ويوم القيامه لان الله تعالى ما زال فى حساباته واولوياته ام الحكام فليس عندهم شىء اسمه الله تعالى وليس يهمهم الا انفسهم فحسب وتلك هى المشكله بل الادهى من ذلك انهم يشترون كل الافواه والعقول التى تؤكد للشعب ان الحاكم ظل الله فى ارضه وانه يحكم بامر الله وان حكمه عادل لا محاله ونجد ذلك من رجال دين وفكر وسياسه ويسخر الاعلام من اجله ومن اجل انجازاته وحكمه الرشيد وان الشعب لابد ان يموت ويباد لانه لم يعرف قيمه حاكمه العادل العظيم الذى يوفر له كل شىء والشعب متمردوساخط من اجل لاشىء
    ان الثورات تاتى من ذلك السخط العادل لكن الطغاه لا يفقهون
    :b11:

    __________________








    السيد احمد سليم الحسيسى
    محامى بالقضاء العالى ومجلس الدوله
    وكاتب مصرى
    عضو اتحاد الكتاب باريس
    ماجستير فى القانون
    محاضر متفرغ بالمعهد العربى باريس
    عضو اتحاد المحامين العرب
    باحث اسلامى



  2. #2

    رد: سلسله اسباب الثوره وحكم الشعب/1

    السلام عليكم
    سوف احجز مقعدا واتابع أديبنا ومحامينا الكريم...
    ولاتنسى ان باب الفتن فتح على مصراعية منذ ان قتل الشهيد عمر بن الخطاب...
    ولم يغلق حتى الآن...
    تحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: سلسله اسباب الثوره وحكم الشعب/1

    لقد قلنا بما لا يدع مجالا للشك ان الثورات لا تاتى من فراغ وانما لها دوما مبررات ومبررات عديده وغالبا تاتى عادله ومشروعه والحقيقه ايها الساده ان تلك الثورات وخاصه الثوره التونسيه والمصريه هى البدايه لحدوث مثل تلك الثورات على المستوى العربى والاسلامى وقد جاءت تلك الثورات فى زمن عجيب حقا ومتتابعه وكان الله تعالى قد رضى عن تلك الامه المهزومه الضعيفه اخيرا والعجيب ان تلك الثورات لم يقودها العلماء اى علماء الدين ولا المفكرين ولا احزاب ما انما يقودها الشعب الذى شعر بمراره الظلم والقهر والاستبداد وهنا لابد من وقفه هامه
    لقد ظل معظم الدعاه المحسوبين على الاسلام والذين يتشدقون بالحلال والحرام والافتاء بعنجهه فى امور الدين وكانهم ائئمه اخر الزمان وهم ما يسموا انفسهم بالسلفيين وعلى شاكلتهم يرددون عبارات معهوده عن ان التظاهرات حرام وخروج عن الشريعه ولابد من اطاعه اولى الامر حتى لو كان فاسقا ظالما ويستندون الى احاديث فى صحيح مسلم وغيره وخاصه الحديث الذى يقول انه يجب ان تعطى ظهرك لحاكمك ليجلدك وهذا فيما معناه ولا يجب الخروج على الحاكم لان ذلك الخروج يحدث فتنه وظل هؤلاء يقولون هذا الكلام طويلا ويتشدقون ويتنطعون ويمط الواحد منهم فى شفتاه طوبلا كانه علامه هذا القرن وما دونه غبى جاهل ورغم ان ما يقولونه لا يتماشى مع ابسط قواعد العداله ولا ابسط قواعد الشريعه الا اننا نندهش من تلك الاقوال العجيبه والسؤال الهام لهؤلاء هل الفساد والظلم والجبروت ورمى الناس بالباطل وسرقه اقوات العباد وظلمهم ليست مدعاه للعصيان المدنى هل التلفيق للتهم للناس زورا ورميهم فى السجون والمعتقلات زمنا بلا تهمه ظلما وفتنه زجبروت يجب ان يحاسبوا عليه امن المعقول ان اتذرع بحديث هنا او هناك لا يتماشى مع الشريعه ومع العقل والحكمه واسكت على ظلم الحاكم وفساده وطغيانه حتى اعطيه ظهرى ليجلده واتزرع بان الخروج عليه فتنه اى فتنه افظع من فتنه الكفر بالنعمه وسرقه اموال الناس اى فتنه افظع من فتنه الجبروت والاستبداد وانعدام العداله ونهب الثروات وانعدام الحريه اى فتنه اكبر من فتنه الظلم والاستبداد والطغيان وتعذيب الناس وسرقتهم ورميهم فى السجون بلا مبرر وذبحهم واكل اموالهم ومقدراتهم وتعبهم ومحاربتهم فى ارزاقهم وحياتهم اى فتنه افظع من الظلم ان الله تعالى وقف مع اراده الشعوب لانها من اراده الله ولان الامه لا تجتمع فعلا على ضلاله ولان المطالب التى اعلن عنها واوزوا وقتلوا من اجلها هى مطالب عادله حض عليها الاسلام وباركها الله تعالى ولذلك نصرهم الله وهزم من يدعى الفتنه وجلد الحاكم للشعب الذين يتزرعون بالنصوص المشكوك فيها والتى يصرون على انها عصب الاسلام ان الشعب المصرى والتونسى خرج فى اضرابات سلميه مليونيه للمطالبه بالحقوق المهضومه المغتصبه بحق الحياه والكرامه والعداله حق الشعوب ان تعيش وتاكل وتصنع وتعمل حق الوجود والحريه التى كفلها الله تعالى لهم والتى نزلت كاصل من اصول الاسلام فكان لزاما على الله تعالى ان ينصر تلك الشعوب التى تطالب بالعدل والمساواه ونهايه الظلم والجبروت وكان لزاما على الحكام الطغاه والجبابره ان يهزمهم الله لانهم قسوا واستبدوا بشعوبهم وتلك اعظم الحقوق التى منحها الاسلام للناس لقد نصر الله الشعوب المستضعفه وهزم السلفيين الذين يستعبدون الناس باسم اطاعه اولى الامر اليست تلك المطالب العادله من الاسلام بل عصب الاسلام بلى هى من الاسلام وعصب الاسلام اذن فاى فتنه يقصدون لقد وقف احد هؤلاء الذين يسمون انفسهم بالسلفيين ليقول لا تاخذوا العلم والفقه عن الدكتور القرضاوى انظر معى تلك المقوله العجيبه ان من قال هذا الكلام رجل لا يفهم ماذا يقول وانما لا يفهم الا غباءه وجهله ذلك هو رجل اسماه مطيعوه بالعلامه وهو لا يفهم اى شىء لا فى العلم ولا فى السياسه لماذا لان القرضاوى افضل منه منزله وعلما فى الوقت الذى كان واقفا يدافع فيه عن الثوره المصريه ويباركها ويقذف مبارك الطاغيه ونظامه علنا لظلمه وجبروته الذى ثبت علنا نجد هذا يتمسح فى السلطه ويقول ان التظاهرات حرام وتخريب اى تخريب اكثر من تخريب الشعب الذى جاع واستذله حاكمه وسرق مقدراته وحرمه الكلام والحريه والعمل وكذا قال هذا اكثر من هذا فى الدكتور طارق سويدان وغيرهم ممن باركوا الثوره المصريه العادله الناجحه ان هؤلاء اشد خطرا على الاسلام من اليهود لانهم فاسدى الراى حقودون الحقد والغل اكلهم من كل عالم مجتهد ذكى مجدد ومصلح كسويدان والقرضاوى وانظر لهم الان يبكون حزنا واسفا على غباءهم وعمالتهم لنظام مبارك واعوانه ولو نظرنا لاراءهم الفقهيه نجدهم متجمدين متحجرين جهله مقلدون ينقل لك الفتوى كما هى ويلتف برايه ويظن فى نفسه اتى بجديد وحينما تفحصها تجد ها فتوى لابن تيميه او ابن القيم فى النهايه باسلوب مراوغ معدل لقد خرج هؤلاء على اكتاف الفساد وتربعوا وانتشروا كالجراد فى حضن الفساد فهم يتسولون باسم الفساد والان لن يسمع احد لهم لانهم انكشفوا تماما للجميع وتلك الاشياء ذكرتها فى عمليه صناعه الامام التى نبهت عنها مرارا وتكرارا اننى كنت اظن ان الثوره خرجت بهم لكننى فوجئت انها خرجت من الشعب والشباب بالذات الذى كانوا يقولون انه شباب يعيش فى غيبوبه ولا يفقه شىء فى الدين وخربت عقله القنوات الاباحيه وفوجئنا ان الشباب افقه واعلم وافضل عند الله منهم الحقيقه ان ما فعله الشعب التونسى والمصرى وما سوف تفعله شعوبا اخرى لا يناقض الاسلام بل هو امر واجب شرعا وحين يستفحل الاستبداد والظلم لابد من العصيان والخروج على الحاكم بل ومحاربته للعوده الى العدل والمساواه والخروج عليه واجب دينى ولكن لا يكون خروجا عسكريا بل خروجا سلميا رافضا له ولحكمه وتلك اهم الاشياء التى تفقد الحاكم المستبد شرعيته وهنا كان لزاما على الله تعالى ان ينصر الشعب ويهزم الظلم والحقيقه اننا لا نتهم احدا بظلم او ننقص من قدر احد مهما كان لكن الغالب ان هؤلاء السلفيين او الذين يسمون انفسهم سلفييون تحديدا هم من اخطاءهم نعلق عليهم وغالبا يقولون ما لا يفعلون تجدهم يتكلمون عن حسن الخلق وسباب المسلم وتجدهم يشتمون فى علماء الازهر علنا ويسبون هذا ويشتمون هذا ويسخرون من هذا وتلك ليست اخلاق المسلم او العلماء ابدا وقد وقفت مع احدهم فى تلك النقطه بالذات فوجدته يكفر حالق اللحيه تخيل اصبحت اللحيه من اصول الدين ومن لم يطلقها كافر سبحان الله ومن المدهش ايضا انهم فعلا يتمسكون بالتوافه من الامور ويخترعون الخلاف عليها ويتمذهبون كعمليه النقاب ام الحجاب واللحيه والغناء حرام ام حلال وامور ليست من اصول الدين ابدا بل من الامور المختلف فيها ويجعلونها عصب الاسلام وبها لا يتم الايمان كانهم امتلكوا صكوكا من الله تعالى يوزعونها على الناس من معهم فهو مؤمن ومن ضدهم فهو كافر وتجدهم فعلا هم الذين افسدوا الناس واوسعوا دوائر الخلاف من اجل لا شىء تلك اشياء نراها كل يوم عند اغلبهم اعرف ان ذلك ليس محل البحث لكن هى اشياء دعت لها الحاجه لتوضيحها لاننا خدعنا كغيرنا واعتقدنا ان الثوره المصريه خرجت من هؤلاء الذين يسمون انفسهم بسلفيين والحقيقه اننا نظلمهم تماما فلم تخرج الثوره من اى جماعات اخرى كالاخوان او اى احزاب اخرى لكن الجميع انضم لتلك الثوره النابعه من الشعب والشباب المتدين المثقف الواعى دينيا واخلاقيا وليس المغيب كما كان يدعى من سموا انفسهم بالسلفيين حماه الاسلام ونجد ان الجميع استجاب فعلا لتلك الامالالشبابيه وانضم للثوره علماء الازهر والمفكرين والسياسين والعديد من الملايين من قوى المجتمع لا فرق ولا اختلاف لانها لم تطلب الا الحريه والكرامه والعداله وبتر الفساد ولانها جاءت ثوره مناسبه للدين والفكر والحكمه فنجحت نجاحا مسبوقا وقد قالها العالم ان الثوره المصريه اعظم انجاز تاريخى حضارى كيف صمد الشعب رغم القتل وسفك الدماء وتحمل وعانى وقاسى ويلات الالم ولم يتغير ولم يحرك ساكنا بل ظل شعبا صابرا مرابطا وهو جهاد من نوع خاص لم تفهمه ادمغه المسمين بالسلفيين وتلك الثوره العادله اسقطت الطاغيه والاقنعه جميعا واظهرت من هو الكاذب ومن هو الخائن لدينه ولنفسه وتلك حقائق سوف يحفرها التاريخ وتكتب بماء الذهب
    اننا نندهش حقا لما انجزته يد الشباب الرائعه فى الثورتين المصريه والتونسيه من تحقيق للاهداف العادله الرائعه ولانها فعلت ما لم يفعله العسكر فكانت اعظم واعمق اثرا وسوف تظل اعمق اثرا على مستوى الثورات تاريخيا
    والحقيقه ان العداله ليست لها غير وجه واحد وما يشاع او يقال من ان تلك الثورات جاءت لتحقيق اهداف هنا وهناك هذا كذب وافتراء على تلك الثورؤات النبيله لانها جاءت نابعه من الشعوب المقهوره وليست تنفيذا لمخططات خارجيه او داخليه وما يقال هو تشويه للحقائق
    ان ما اتضح بعد نجاح الثوره المصريه يؤكد فعلا ان عصر مبارك كان زمنا للفساد والجبروت والظلم وانعدام العداله كما اكدنا من قبل ويؤكد ايضا انها عباره عن عصابه كانت تتحكم فى مقدرات الشعب المطحون وكان يجب لها ولزعزعه تلك العصابه من ثوره حقيقيه وقد وقعت وانتصرت انتصارا رائعا مخلدا
    اما ما زال يردده المنتسبون الى السلفيين شكلا من كلمات من قبيل فتنه وخلل وخروج وشعارات انما هى كلمات باطله لا تمس الواقع بشىء من زمن فات لا تتناسب مع الجهاد الاعظم الذى حققه الشعبين المصرى والتونسى فى ثورته على الطغاه والغريب ان الله تعالى لم يقف مع دعاه السلفيه فيما يقولوه ووقف مع الشعب الحر العظيم وللحديث بقيه
    السيد احمد سليم الحسيسى
    محامى بالقضاء العالى ومجلس الدوله
    وكاتب مصرى
    عضو اتحاد الكتاب باريس
    ماجستير فى القانون
    محاضر متفرغ بالمعهد العربى باريس
    عضو اتحاد المحامين العرب
    باحث اسلامى



  4. #4

    رد: سلسله اسباب الثوره وحكم الشعب/1

    ان الشعب هو مصدر السلطات تلك مقوله تقال عده فى الادبيات القديمه والحديثه والحقيقه ان الشعب هو الامه والامه بالمعنى الواسع هو الشعب والحقيقه ان الثورات تاتى كما قلنا لتحقيق اهدافا عادله ولا تجتمع الامه على ضلاله وقد جاءت الثوره المصريه وغيرها من اجل تحقيق الغايه التى غالبا ما تكون عادله دون البحث عن ادبيات لتلك الغايات المشروعه والهدف الاسمى لاى ثوره هو تحقيق الحريه فما هى تلك الحريه وهل تستحق تلك الحريه المنشوده قيام الشعوب بثورات وما هى الحريه من منظور الاسلام وهل كفلها الاسلام وحث عليها وهل تعتبر مبدا عام واصل من اصول الاسلام ام عمليه الكلام عن النقاب واللحيه والترهيب من عذاب القبر وجهنم وبئس المصير لان الشعب لا يتمسك باللحيه ولبس النقاب الشعب المتخلف المنحل كما صورت لنا فضائيات السلفيين من الخوف والهلع الذلا بثه هؤلاء فينا هل الحريه اعظم اثرا ام الترهيب والتخويف والخطاب الدينى الذى يتمسك بالقشور هل ما بثه السلفيين فينا من هلع وخوف له مبرر بل هل انتج اثره على الساحه ام لا هل هم كالنوا على حق ام لا الثابت والذى اثبته الواقع ان ما اثاره هؤلاء زمنا كان تخويفا وارهابا ليس له مبرر واثبت الشعب المصرى والتونسى انهما شعبين متدينين اكثر من هؤلاء ولنبدا البحث فى الحديث عن الحريه( جاء الإسلام ليرفع من كرامة الإنسان ـ من حيث هو إنسان ـ فكرمه بالعقل وكفل له الرزق والطيبات، وحقق له أفضلية على كثير من المخلوقات، يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). وبهذا المفهوم الشامل للعقل، تحريرًا له من الجمود والتوقف والتخلف عن التفاعل الحي مع ما يرى من مظاهر الكون والحياة، دعا الإسلام إلى النظر والتفكير والتأمل، ونعى على الذين لا يفكرون، ولا يتأملون خلق الله، ولا يعملون عقولهم خلوصًا إلى اليقين (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)) [سورة الذاريات].. (مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الروم: 8]. كما ذم القرآن "الكلمة الخبيثة" التي تكُب الناس في النار على وجوههم، كما يقول الحديث النبوي الشريف. إنها الكلمة التي تؤدي إلى تخريب الفرد وتدمير المجتمع (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [سورة إبراهيم: 26]. جعل الإسلام "الحرية" حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض. ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن "الحرية" أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها قال تعالىنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره.لا يعني بطبيعة الحال إقرار الإسلام للحرية أنه أطلقها من كل قيد وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة ، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه ، ولذلك منع من اتباعه، والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه، يعيش بين كثير من بني جنسه، فلم يقر لأحد بحرية دون آخر، ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان، سواء كان فرداً أو جماعة، ولذلك وضع قيوداً ضرورية، تضمن حرية الجميع ، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي : أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه. ب- ألا تفوت حقوقاً أعظم منها،وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.
    ج - ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين.
    وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة ،كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد ،ولكنه وازن بينهما ،فأعطى كلاً منهما حقه.
    الصنف الأول : الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية ، وهذا الصنف يشمل الآتي:
    أ - الحرية الشخصية: والمقصود بها أن يكون الإنسان قادراً على التصرف في شئون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره. والحرية الشخصية تتضمن شيئين :
    1) حرمة الذات: وقد عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان ، وعلو منزلته. فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره ، قال تعالىنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(ولقد كرمنا بني آدم)) ، وقال تعالىنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)) وميزه بالعقل والتفكير تكريماً له وتعظيماً لشأنه، وتفضيلاً له على سائر مخلوقاته، وفي الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعاً : " أول ما خلق الله العقل قال له اقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم علي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب"، وفي هذه النصوص ما يدعو إلى احترام الإنسان، وتكريم ذاته، والحرص على تقدير مشاعره، وبذلك يضع الإسلام الإنسان في أعلى منزلة، وأسمى مكان حتى أنه يعتبر الاعتداء عليه اعتداء على المجتمع كله، والرعاية له رعاية للمجتمع كله ، قال تعالى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)). وتقرير الكرامة الإنسانية للفرد، يتحقق أياً كان الشخص، رجلاً أو امراة، حاكماً أو محكوماً، فهو حق ثابت لكل إنسان، من غير نظر إلى لون أو جنس أو دين. حتى اللقيط في الطرقات و نحوها، يجب التقاطه احتراما لذاته و شخصيته، فإذا رآه أحد ملقى في الطريق، وجب عليه أخذه، فإن تركوه دون التقاطه أثموا جميعاً أمام الله تعالى، و كان عليهم تبعة هلاكه. هذا و كما حرص الإسلام على احترام الإنسان حياً، فقد أمر بالمحافظة على كرامته ميتاً، فمنع التمثيل بجثته، و ألزم تجهيزه و مواراته ،و نهى عن الاختلاء و الجلوس على القبور.

    2) تأمين الذات: بضمان سلامة الفرد و أمنة في نفسه و عرضه و ماله:
    فلا يجوز التعرض له بقتل أو جرح، أو أي شكل من أشكال الاعتداء، سواء كان على البدن كالضرب و السجن و نحوه، أو على النفس و الضمير كالسب أو الشتم و الازدراء و الانتقاص وسوء الظن و نحوه، و لهذا قرر الإسلام زواجر و عقوبات، تكفل حماية الإنسان و وقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه، ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية. وكلما كان الاعتداء قوياً كان الزجر أشد، ففي الاعتداء على النفس بالقتل و جب القصاص، كما قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى))، أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع و جب القصاص أيضاً كما قال تعالى (و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص)) و منع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – الولاة من أن يضربوا أحداً إلا أن يكون بحكم قاض عادل، كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم بل إنه في سبيل ذلك منع الولاة من أن يسبوا أحداً من الرعية، ووضع عقوبة على من يخالف ذلك.

    ب-حرية التنقل (الغدو و الرواح ): والمقصود بها أن يكون الإنسان حراً في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه. والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي ،تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ،ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها ،بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير ((حرية التنقل )) بالكتاب والسنة والإجماع ففي الكتاب قوله تعالى : ((هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه و أليه النشور)) و لا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة ،كما فعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في طاعون عمواس، حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام الذي كان به هذا الوباء، و لم يفعل ذلك الا تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرار منه)، و لأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص لهم في الطرقات، و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق ويروعون الناس بالقتل و النهب و السرقة، قال تعالى : ((إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم)) و لتأكيد حسن استعمال الطرق و تأمينها نهى النبي صلى الله عليه و سلم صحابته عن الجلوس فيها، فقال: (إياكم و الجلوس في الطرقات ،قالوا: يا رسول الله ،ما لنا بد في مجالسنا، قال: فإن كان ذلك، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: و ما حق الطريق يا رسول الله ؟قال: غض البصر و كف الأذى، و رد السلام، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر )، فالطرق يجب أن تفسح لما هيئ لها من السفر و التنقل و المرور، و أي استعمال لغير هدفها محظور لا سيما إذا أدي إلى الاعتداء على الآمنين، و لأهمية التنقل في حياة المسلم وأنه مظنة للطوارئ، فقد جعل الله تعالى ابن السبيل- وهو المسافر- أحد مصارف الزكاة إذا ألم به ما يدعوه إلى الأخذ من مال الزكاة ، ولو كان غنياً في موطنه .

    ج-حرية المأوى و المسكن: فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه ،فله حرية ذلك، كما أن العاجز عن ذلك ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب، حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته.
    روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)، وقد استدل الإمام ابن حزم بهذا الحديث وغيره على أن أغنياء المسلمين مطالبون بالقيام على حاجة فقرائهم إذا عجزت أموال الزكاة والفيئ عن القيام بحاجة الجميع من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة، والدولة هي التي تجمع هذه الأموال وتوزعها على المحتاجين ولا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم لأن هذا الحق يشترك فيه جميع الناس كاشتراكهم في الماء والنار فيضمن ذلك لكل فرد من أفراد الدولة بغض النظر عن دينه.
    فإذا ما ملك الإنسان مأوى و مسكن ،فلا يجوز لأحد ،أن يقتحم مأواه ،أو يدخل منزله إلا بإذنه، حتى لو كان الداخل خليفة، أو حاكماً أعلى –رئيس دولة- ما لم تدع إليه ضرورة قصوى أو مصلحة بالغة، لأن الله تعالى يقول نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خيركم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم و الله بما تعملون عليم )) و إذا نهى عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها، فالاستيلاء عليها أو هدمها أو إحراقها من باب أولى، إلا إذا كان ذلك لمصلحة الجماعة، بعد ضمان البيت ضماناً عادلاً، و هذه المصلحة قد تكون بتوسعة مسجد، أو بناء شارع، أو إقامة مستشفى، أو نحو ذلك، و قد أجلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه –أهل نجران، و عوضهم بالكوفة. ولحفظ حرمة المنازل وعظمتها حرم الإسلام التجسس، فقال تعالى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي( و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا )) وذلك لأن في التجسس انتهاكا لحقوق الغير والتي منها :حفظ حرمة المسكن، وحرية صاحبه الشخصية بعدم الاطلاع على أسراره. بل و بالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والدية عمن انتهك له حرمة بيته، بالنظر فيه و نحوه، يدل على ذلك حديث أبى هريرة –رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه) وهدرت:أي لاضمان على صاحب البيت. فعين الإنسان –رغم حرمتها وصيانتها من الاعتداء عليها وتغليظ الدية فيها –لكنها هنا أهدرت ديتها بسب سوء استعمالها واعتدائها على حقوق الغير .

    د-حرية التملك: و يقصد بالتملك حيازة الإنسان للشيء و امتلاكه له، و قدرته على التصرف فيه، و انتفاعه به عند انتقاء الموانع الشرعية، و له أنواع و وسائل نوجزها في الآتي:
    1) أنواع الملكية: للملكية أو التملك نوعان بارزان،هما:تملك فردي ،و تملك جماعي.
    فالتملك الفردي: هو أن يحرز الشخص شيئاً ما ،و ينتفع به على وجه الاختصاص و التعين.
    وقد أعطى الإسلام للفرد حق التملك، و جعله قاعدة أساسية للاقتصاد الإسلامي، و رتب على هذا الحق نتائجه الطبيعية في حفظه لصاحبه، و صيانته له عن النهب و السرقة ،و الاختلاس و نحوه ،ووضع عقوبات رادعة لمن اعتدى عليه ،ضمانا له لهذا الحق ،و دفعا لما يتهدد الفرد في حقه المشروع .كما أن الإسلام رتب على هذا الحق أيضا نتائجه الأخرى، وهي حرية التصرف فيه بالبيع أو الشراء و الإجارة و الرهن و الهبة و الوصية و غيرها من أنواع التصرف المباح.
    غير أن الإسلام لم يترك (التملك الفردي) مطلقاً من غير قيد، ولكنه وضع له قيوداً كي لا يصطدم بحقوق الآخرين، كمنع الربا و الغش و الرشوة و الاحتكار و نحو ذلك، مما يصطدم ويضيع مصلحة الجماعة .و هذه الحرية لا فرق فيها بين الرجل و المرأة قال الله تعالى : ((للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن )).
    أما النوع الثاني:فهو التملك الجماعي :و هو الذي يستحوذ عليه المجتمع البشري الكبير، أو بعض جماعاته، و يكون الانتفاع بآثاره لكل أفراده، و لا يكون انتفاع الفرد به إلا لكونه عضواً في الجماعة، دون أن يكون له اختصاص معين بجزء منه، مثاله :المساجد والمستشفيات العامة والطرق والأنهار والبحار وبيت المال ونحو ذلك. و ما ملك ملكاً عاماً يصرف في المصالح العامة ،و ليس لحاكم أو نائبه أو أي أحد سواهما أن يستقل به أو يؤثر به أحد ليس له فيه استحقاق بسب مشروع وإنما هو مسؤول عن حسن إدارته و توجيهه التوجيه الصحيح الذي يحقق مصالح الجماعة ويسد حاجاتها.
    2) وسائل الملكية: و هي طرق اكتسابها التي حددها الإسلام و عينها و حرم ما سواها ويمكن تقسيمها أيضا إلى قسمين :وسائل الملكية الفردية و الجماعية.
    - وسائل الملكية الفردية ،و لها مظهران:
    المظهر الأول :الأموال المملوكة ،أي المسبوقة بملك ،و هذه الأموال لا تخرج من ملك صاحبها إلى غيره إلا بسب شرعي كالوراثة ،أو الوصية ،أو الشفعة ، أو العقد ،أو الهبة ،أو نحوها.
    المظهر الثاني :الأموال المباحة ،أي غير المسبوقة بملك شخص معين ،و هذه الأموال لا يتحقق للفرد تملكها إلا بفعل يؤدي إلى التملك و وضع اليد ،كإحياء موات الأرض و الصيد ،واستخراج ما في الأرض من معادن ،و إقطاع ولي الأمر جزءاً من المال لشخص معين،والعمل ،و نحوه .
    على أن ثمة قيوداً على الملكية الفردية ،تجمل فيما يلي:
    1/ مداومة الشخص على استثمار المال ،لأن في تعطيله إضراراً بصاحبه ،و بنماء ثروة المجتمع.
    2/ أداء زكاته إذا بلغ نصاباً،لأن الزكاة حق المال،و كذلك إنفاقه في سبيل الله.
    3/ اجتناب الطرق المحرمة للحصول عليه ،كالربا ،و الغش و الاحتكار و نحوه.
    4/ عدم الإسراف في بذله أو التقتير.

    - وسائل الملكية الجماعية ،و لها مظاهر كثيرة ،نوجزها في الآتي:
    المظهر الأول :الموارد الطبيعية العامة ،و هي التي يتناولها جميع الناس في الدولة دون جهد أو عمل . كالماء ،و الكلأ ،و النار ،و ملحقاتها.
    المظهر الثاني :الموارد المحمية ،أي التي تحميها الدولة لمنفعة المسلمين أو الناس كافة ،مثل :المقابر ،والمعسكرات ،و الدوائر الحكومية ،والأوقاف ،والزكوات و نحوها.
    المظهر الثالث :الموارد التي لم تقع عليها يد أحد ،أو وقعت عليها ثم أهملتها مدة طويلة كأرض الموات.
    المظهر الرابع :الموارد التي تجنيها الدولة بسبب الجهاد كالغنائم والفيء ونحوها

    هـ- حرية العمل: العمل عنصر فعال في كل طرق الكسب التي أباحها الإسلام، و له شرف عظيم باعتباره قوام الحياة ولذلك فإن الإسلام أقر بحق الإنسان فيه في أي ميدان يشاؤه ولم يقيده إلا في نطاق تضاربه مع أهدافه أو تعارضه مع مصلحة الجماعة. و لأهمية العمل في الإسلام اعتبر نوعاً من الجهاد في سبيل الله ،كما روى ذلك كعب بن عجرة –رضي الله عنه –قال : (مر على النبي صلى الله عليه و سلم رجل ،فرأى أصحاب الرسول الله صلى الله عليه و سلم من جلده و نشاطه، فقالوا :يا رسول الله ،لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً، فهو في سبيل الله،و إن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ،و إن كان خرج يسعى على نفسه يعضها فهو في سبيل الله، و إن كان خرج يسعى رياء و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان). وهكذا نجد كثيراً من نصوص الكتاب و السنة ،تتحدث عن العمل و تحث عليه وتنوه بأعمال متنوعة كصناعة الحديد و نجارة السفن ،و فلاحة الأرض ،و نحو ذلك ،لأن العمل في ذاته وسيلة للبقاء، و البقاء –من حيث هو – هدف مرحلي للغاية الكبرى، و هي عبادة الله، و ابتغاء رضوانه ، وبقدر عظم الغاية تكون منزلة الوسيلة، فأعظم الغايات هو رضوان الله تعالى، و بالتالي فإن أعظم وسيلة إليها هي العمل و التضحية، و إنما نوه القرآن بالعمل والكسب للتنبيه على عظم فائدته و أهميته للوجود الإنساني، وأنه أكبر نعمة الله على الإنسان.


    الصنف الثاني :الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،و هذا الصنف يشمل الآتي:
    أ-حرية الاعتقاد: ويقصد بها اختيار الإنسان لدين يريده بيقين، و عقيدة يرتضيها عن قناعة، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك .فإن الإكراه يفسد اختيار الإنسان، و يجعل المكره مسلوب الإرادة ،فينتفي بذلك رضاه و اقتناعه و إذا تأملنا قول الله تعالى : ((لا إكراه في الدين )) نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، و أقر أن الفكر و الاعتقاد لا بد أن يتسم بالحرية، وأن أي إجبار للإنسان، أو تخويفه، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره باطل و مرفوض، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب، و لا يثبتها في الضمير. لذلك قال تعالى : ((و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) و قال أيضاً ((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )) كل هذه الآيات و غيرها ،تنفي الإكراه في الدين،و تثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به. هذا و يترتب على حرية الاعتقاد ما يلي:
    1) إجراء الحوار و النقاش الديني ،وذلك بتبادل الرأي و الاستفسار في المسائل الملتبسة ،التي لم تتضح للإنسان ،و كانت داخلة تحت عقله و فهمه –أي ليست من مسائل الغيب – وذلك للاطمئنان القلبي بوصول المرء إلى الحقيقة التي قد تخفى عليه، وقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة و السلام يحاورون أقوامهم ليسلموا عن قناعة و رضى و طواعية ، بل إن إبراهيم –أبا الأنبياء عليه السلام –حاور ربه في قضية ((الإحياء و الإماتة )) ليزداد قلبه قناعة و يقيناً و ذلك فيما حكاه القرآن لنا في قوله تعالى : ((وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً فلما تبين له قال أعلم أن الله عزيز حكيم )) بل إن في حديث جبريل عليه السلام ،الذي استفسر فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ((الإسلام ))و ((الإيمان ))و ((الإحسان )) و ((علامات الساعة )) دليل واضح على تقرير الإسلام لحرية المناقشة الدينية ،سواء كانت بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم و بين أصحاب الأديان الأخرى، بهدف الوصول إلى الحقائق و تصديقها، لا بقصد إثارة الشبه و الشكوك و الخلافات، فمثل تلك المناقشة ممنوعة، لأنها لا تكشف الحقائق التي يصل بها المرء إلى شاطئ اليقين.

    2) ممارسة الشعائر الدينية ،و ذلك بأن يقوم المرء بإقامة شعائره الدينية ،دون انتقاد أو استهزاء ، أو تخويف أو تهديد،و لعل موقف الإسلام الذي حواه التاريخ تجاه أهل الذمة –أصحاب الديانات الأخرى –من دواعي فخره و اعتزازه ،و سماحته ،فمنذ نزل الرسول صلى الله عليه و سلم يثرب –المدينة المنورة –أعطى اليهود عهد أمان ، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم و عقيدتهم، و إقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم .ثم سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون ،فكتب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – لأهل إيلياء –القدس- معاهدة جاء فيها : (( هذا ما أعطاه عمر أمير المؤمنين ، أهل ايلياء من الأمان ،أعطاهم أمانا على أنفسهم ،و لكنائسهم و صلبانهم ،،، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم و لا ينتقص منها و لا من غيرها و لا من صلبهم، و لا يكرهون على دينهم ،و لا يضار أحد منهم )) و ها هم علماء أوروبا اليوم ،يشهدون لسماحة الإسلام ،و يقرون له بذلك في كتبهم .قال ((ميشود )) في كتابه (تاريخ الحروب الصليبية ) : (( إن الإسلام الذي أمر بالجهاد ،متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى و هو قد أعفى البطاركة و الرهبان و خدمهم من الضرائب،و قد حرم قتل الرهبان –على الخصوص – لعكوفهم على العبادات، ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس، وقد ذبح الصليبيون المسلمين و حرقوا اليهود عندما دخلوها )) أي مدينة القدس

    ب- حرية الرأي: و تسمى أيضا بحرية التفكير و التعبير، وقد جوز الإسلام للإنسان أن يقلب نظره في صفحات الكون المليئة بالحقائق المتنوعة، و الظواهر المختلفة، و يحاول تجربتها بعقله، و استخدامها لمصلحته مع بني جنسه، لأن كل ما في الكون مسخر للإنسان، يستطيع أن يستخدمه عن طريق معرفة طبيعته و مدى قابليته للتفاعل و التأثير ،ولا يتأتى ذلك إلا بالنظر و طول التفكير.
    هذا و لإبداء الرأي عدة مجالات و غايات منها:
    1) إظهار الحق و إخماد الباطل ،قال تعالى : ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون)) فالمعروف هو سبيل الحق ،و لذلك طلب من المؤمن أن يظهره ،كما أن المنكر هو سبيل الباطل ،و لذلك طلب من المؤمن أن يخمده.
    2) منع الظلم و نشر العدل ،و هذا ما فعله الأنبياء و الرسل إزاء الملوك و الحكام و يفعله العلماء و المفكرون مع القضاة و السلاطين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ).
    3) و قد يكون إبداء الرأي ،بتقديم الأمور حسب أهميتها و أولويتها، و هذا أكثر ما يقوم به أهل الشورى في أكثر من بلد ،و أكثر من مجتمع و قد يكون بأي أسلوب آخر،إذ من الصعب حصرها ،و لكنها لا تعني أن يخوض الإنسان فيما يضره، ويعود عليه بالفساد، بل لا بد أن تكون في إطار الخير والمصلحة إذ الإسلام بتقريره حرية الرأي ، إنما أراد من الإنسان أن يفكر كيف يصعد، لا كيف ينزل، كيف يبني نفسه و أمته،لا كيف يهدمها سعياً وراء شهوتها وهواها.
    وباستعراض التاريخ الإسلامي ،نجد أن ((حرية الرأي )) طبقت تطبيقاً رائعاً ،منذ عصر النبوة ،فهذا الصحابي الجليل ،حباب بن المنذر ، أبدى رأيه الشخصي في موقف المسلمين في غزوة بدر ،على غير ما كان قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم ،فأخذ النبي صلى الله علبه و سلم برأيه ، و أبدى بعض الصحابة رأيهم في حادثة الإفك ،و أشاروا على النبي صلى الله عليه و سلم بتطليق زوجته عائشة –رضي الله عنها – إلا أن القرآن برأها ،و غير ذلك من المواقف الكثيرة التي كانوا يبدون فيها آراءهم

    ج-حرية التعلم: طلب العلم و المعرفة حق كفله الإسلام للفرد،و منحه حرية السعي في تحصيله،و لم يقيد شيئاً منه، مما تعلقت به مصلحة المسلمين ديناً و دنيا، بل انتدبهم لتحصيل ذلك كله، و سلوك السبيل الموصل إليه، أما ما كان من العلوم بحيث لا يترتب على تحصيله مصلحة، و إنما تتحقق به مضرة و مفسدة، فهذا منهي عنه، و محرم على المسلم طلبه، مثل علم السحر و الكهانة ،و نحو ذلك.
    و لأهمية العلم و المعرفة في الحياة ،نزلت آيات القرآن الأولى تأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة قال تعالى: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق الإنسان من علق ،اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ،علم الإنسان ما لم يعلم)) و القراءة هي مفتاح العلم ،و لذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة،و نصب عليه الكفار الحرب،و انتصر المسلمون و أسروا من أسروا من المشركين، جعل فداء كل أسير من أسراهم ،تعليم القراءة و الكتابة لعشرة من صبيان المدينة و هذا من فضائل الإسلام الكبرى، حيث فتح للناس أبواب المعرفة، و حثهم على و لوجها و التقدم فيها، و كره لهم القعود عن العلم و التخلف عن قافلة الحضارة و الرفاهية و الازدهار. و من أجل ذلك كان على الدولة الإسلامية ،أن تيسر سبل التعليم للناس كافة، و تضمن لكل فرد حقه في ذلك لأن هذا الحق مضمون لكل فرد من رعاياها كسائر الحقوق الأخرى.

    د- الحرية السياسية: و يقصد بها حق الإنسان في اختيار سلطة الحكم، و انتخابها ،ومراقبة أدائها، و محاسبتها ،و نقدها، و عزلها إذا انحرفت عن منهج الله و شرعه، و حولت ظهرها عن جادة الحق و الصلاح .
    كما أنه يحق له المشاركة في القيام بأعباء السلطة ،و وظائفها الكثيرة ،لأن السلطة حق مشترك بين رعايا الدولة،و ليس حكرا على أحد ،أو وقفا على فئة دون أخرى و اختيار الإنسان للسلطة، قد يتم بنفسه، أو من ينوب عنه من أهل الحل و العقد و هم أهل الشورى، الذين ينوبون عن الأمة كلها في كثير من الأمور منها : القيام بالاجتهاد فيما لا نص فيه ، إذ الحاكم يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة و الاختصاص من ذوى العلم و الرأي، كما أنهم يوجهون الحاكم في التصرفات ذات الصفة العامة أو الدولية كإعلان الحرب، أو الهدنة ، أو إبرام معاهدة، أو تجميد علاقات، أو وضع ميزانية أو تخصيص نفقات لجهة معينة أو غير ذلك من التصرفات العامة، التي لا يقطع فيها برأي الواحد. قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله و لرسوله و لأمة المسلمين و عامتهم ).


    ولاً ـ الحرية الشخصية:
    رأى الاسلام أن الانسان هو الثروة البشرية المتعددة الطاقات، المتنوعة النشاطات، والتي يجب أن ترتفع عن مستوى السلعة، السلعة التافهة التي تباع وتشرى فتخط ثمناً وتسمو بقدر ما تقدم للمشتري من منافع. والانسان هو المخلوق الراقي المهيأ للسيطرة على قوى الطبيعة وتسخيرها لخير الانسانية وسعادة الانسان.
    ولهذا يجب أن يتحرر من قيوده ويجب أن تتحرر إرادته ويجب أن يتحرر جسده حتى يتمكن من استكشاف أسرار الطبيعة واستخراج خيراتها والانتفاع بمواردها.. فسلك لتحقيق هذه الغايات وبلوغ تلك الأهداف طريق التطور الهادئ الفاعل لا طريق الطفرة الهادمة قصداً إلى إبطال الرق وتحرير الرقيق.
    فقد أدرك أن إلغاء الرق إلغاءً تاماً مرة واحدة يعتبر من قبيل الطفرة، والطفرة ـ كما يقول بعض الفلاسفة ـ باطلة. فبدأ بمنح الرقيق الحصانة الجسدية أولاً، حيث منع ضربه وتشويهه. ومنحه الحصانة العائلية، حيث منع سيده من التفريق بينه وبين زوجه. ثم خطا خطوة ثانية على درب تحريرهم بواسطة العتق، فكان النبي (ص) يشتري العبيد ليعتقهم، وكان يساعد العبيد المملوكين لغيرهم على شراء أنفسهم، وكان يرغب المسلمين بالعتق ويذكر لهم عظيم ثوابه، حيث كان يقول: (أيما رجل أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار).
    وكان يقول أيضاً: (أيما رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران).
    وبعد هذا تدرج الاسلام في تقوية الروح المعنوية عند الأرقاء، فنهى النبي عن مخاطبتهم (بعبد وأمَة)، وأوصى بمعاملتهم معاملة كريمة، وقال: (إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم). وعندما وصلت الأمة الاسلامية في عهد رسولهم الأعظم إلى درجة رفيعة وبلغت مرحلة واسعة من السمو النفسي، استوجب الاسلام عتق الرقيق في حالات معينة: فجعله كفارة عن القتل الخطأ وعن الظهار وعن اليمين، وفرض في موارد الزكاة سهماً مخصوصاً يرصد لتحرير العبيد. وهذه المراحل المتأنية التي اعتمدها الاسلام على سنة التطور في التشريع كان الهدف منها أن يصدع أركان الرق لكي يقضي عليه وينهار من تلقاء نفسه.
    ثانياً ـ حرية الفكر:
    والتفكير طبيعة من طبائع الانسان التي فطره الله عليها. وهذه الطبيعة لم يغمطها الاسلام حقها ولم يبح كبتها، بل حث عليها وطالب المسلمين بالإيمان بالله عن طريق تفكر لا عن طريق تغطية هذا التفكير وإلغائه، فقال تعالى: (الذين يذكرون الله قيامً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض).
    فالاسلام يدعو إلى احتكاك الآراء وسعة الاطلاع وتنوع الثقافات، واعتبرها إرثاً إنسانياً مشتركاً بين الأمم. وهذا ما جعل العرب في العصور الاسلامية الزاهرة يقتبسون دونما تحرج من حضارات الأمم السالفة والمعاصرة وثقافاتها المتنوعة ما يجدونه نافعاً لهم وصالحاً لبناء مجتمعهم.
    وأكبر شاهد على حرية الفكر في الاسلام: تعدد المذاهب السياسية والفرق الدينية ومدارس الاجتهاد ومبدأ الشورى الذي أمر به القرآن الكريم بقوله: (وأمرهم شورى بينهم).
    والدليل على أن الاسلام لم يمنع أتباعه من إعمال فكرهم في الإفادة من ثقافات الأمم السابقة عليه والمجاورة له والمتعاملة معه ما دامت تجلب لهم منفعة أو تدرأ عنهم مفسدة، كونهم أخذوا عن النساطرة في طبهم، وعن اليونان في فلسفتهم، بل وعن اليهود في تاريخهم.
    وعلى الجملة، فإن الاسلام منح المسلمين حرية الفكر في جميع المعقولات والتصورات والتصديقات، بل وأوجب على إنسانه المسلم أن يواظب على التفكير في كل ما ينفع نفسه وينفع غيره وفيما يقي الناس جميعاً الضرر والأذى، (فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها).
    ثالثاً ـ حرية المعتقد:
    أما حرية المعتقد فقد صانها الاسلام، إلا ما كان منها منافياً لكرامة الانسان وكرامة العقل.
    ومن أجل ذلك حارب الوثنية حرباً لا هوادة فيها ولا لين، حتى استطاع أن يهزمها ويقلص عن الجزيرة العربية ظلها، لأنها تعبير عن جهل الانسان وإلغاء لعقله. فأية قيمة لعقل يسجد أمام صنم لا يملك نفعاً ولا ضرراً؟ وأية كرامة لانسان يعفر جبينه على أقدام وثن جامد تبول عليه الثعالب ولا تخشاه؟ ومن أجل ذلك أتاح للنصرانية واليهودية أن تعيشا في ظل دستوره الخالد: (لا إكراه في الدين)، هذا الشعار الذهبي الذي حمله محمد (ع) ودعا على أساسه اليهود والنصارى إلى دينه فإن قبلوه دخلوا في الاسلام، وإن رفضوه لم يكرههم على شيء، وإنما سألهم أن يعطوا الجزية وهي ثمن حماية المسلمين لهم ودفاعهم عنهم في الحروب. ولعل الرسول العربي خشي أن يشتط أتباعه فيما بعد، وأن تسول لهم أنفسهم التضييق على معتنقي الأديان الأخرى، فنهى أتباعه عن إيذاء الذميين بقوله: (من آذى ذمياً فقد آذاني).
    وتتفرع عن حرية المعتقد حرية الممارسة للشعائر الدينية. فقد كفل الاسلام هذه أيضاً، إذ أباح للنصارى أن يقيموا الكنائس ويظهروا الصلبان ويسيروا بها في المواكب وليس أدل على بعد الاسلام عن روح التعصب وإعطائه الحرية الكاملة لجميع الأديان الأخرى من قول ـ المستشرق ـ آدم ميتز: (لقد قلد ديوان جيش المسلمين لرجل نصراني مرتين في أثناء القرن الثالث)، ومن المعلوم: أن القرن الثالث هو العصر الذهبي بالنسبة لانتصار الاسلام.
    أفلا يعتبر تساهل المسلمين وإفساح المجال لغيرهم كي يتمرس بأعباء الحكم والإدارة، ألا يعتبر ذلك دليلاً على أن الاسلام لم ينصف الناس على أساس معتقداتهم وإنما على أساس كفاءاتهم؟.
    ـ لا هوادة مع المتآمرين:
    غير أن موقف المسلمين يختلف بالنسبة لليهود لا لليهودية، ذلك لأن اليهود ناوأوا الاسلام عند نشأته وتآمروا على الرسول وحاربوه في خيبر، وتكتلوا ضد دعوته، فكان من الطبيعي أن يقف المسلمون منهم موقفاً معادياً رداً على موقفهم الذي تميز بحبك الدسائس والمحاولات الكثيرة للقضاء على الدعوة الجديدة وخنقها في مهدها. بخلاف النصارى الذين امتدحهم القرآن الكريم بقوله: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون).
    ولعل من أبرز الأمثلة على تسامح الاسلام الديني ذلك السلوك العملي الذي سلكه خلفاؤه الراشدون، وخاصة الخليفة الثاني الذي دخل بيت المقدس وزار كنيسة القيامة ولما حان وقت الصلاة لم يجد مكاناً يؤدي الفريضة فيه إلا الفسحة الواقعة أمام مدخل الكنيسة فصلى فيها، والله تعالى يقول: (أينما تولوا فثم وجه الله) ولما سأله البعض: لماذا لم يصل داخل الكنيسة؟ أجاب: إنه كان باستطاعته أن يصلي داخل الكنيسة، ولكنه خشي إن فعل أن يأتي يوم يطالب فيه المسلمون بالمكان الذي صلى فيه عمر ويجعلونه مسجداً.
    ـ هنات عابرة:
    قد يقول قائل: إن بعض العصور الاسلامية فرضت على غير المسلمين في بعض البلاد قيوداً تغل حرية المعتقد وتحد منها. وعلى هذا نجيب بأن الاسلام في صفائه بعيد كل البعد عن جميع ما يمس الحرية العقائدية. وإذا كانت بعض الظروف العابرة ومقتضيات السياسة الرعناء قد أعطت في بعض الأحيان الدليل الحسي على ذلك فإنه يجب أن لا يغرب عن البال أن الاسلام لا يعني قط المسلمين، وأن بعض التصرفات الشخصية كانت وليدة أهواء، الاسلام منها براء.
    وإنا لنذكر بكثير من الأسف أن الجهل أو الغرور أو الدس الأجنبي، أو هذا كله مجتمعاً، أثار شيئاً من الحقد والريبة في فترات من الزمن مختلفة بين المسلمين والمسيحيين، فما ينبغي لنا ونحن نلمح إلى هذه الحقيقة إلى أن نلتمس فيها الموعظة والعبرة، فإن التاريخ بما يعرض علينا من ذكريات الشرور والمآسي لجدير بأن يهذبنا كما تهذبنا المفاخر.
    ولن ننسى أن نذكر في هذه المناسبة بموقف ملوك فرنسا في القرن السابع عشر من خصومهم الدينيين: إن مذابح (سانت بارتيلي) بين الكاثوليك والبروتستانت لم يعرف في تاريخنا الطويل ما يشبهها هولاً.
    ولقد ذكر الأستاذ (رينو) أن فرنساعام 1685م أصدرت أمراً بتحريم الديانة البروتستانتية وهدم كنائسها ونفي رؤوسائها. وفي عام 1715م اعتبرت فرنسا كل زواج لا يعقد على الطريق الكاثوليكية زواجاً غير شرعي. فهل يعني كل هذا أن تصرف الملوك والحكام يمكن أن يكون حجة على عدم تسامح المسيحية؟ وهل يمكن أن نتهم الدين المسيحي على ضوء هذه الوقائع التاريخية؟ إن المنطق السليم يجيب بملء فيه: كلا وألف مرة كلا.
    من هذا يتبين أن الاسلام يشدد على احترام حرية الانسان في اعتقاده الديني ما دام يؤمن بالله ولا يشرك به شيئاً. وهذا واضح من قول القرآن الكريم: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين، فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). ولقد أقر بهذه الحقيقة كثيرون من كتاب أوروبا وباحثيها، مثل السيد (هنري دوكاستري)، أحد حكام الجزائر وقت أن كانت مستعمرة فرنسية، الذي يقول في كتابه: (الاسلام تأثرات ومباحث): ((وبعد أن دان العرب للاسلام، واستأثرت قلوبهم بهذا الدين، برزوا في حال جديدة أمام أهل الأرض كافة... هو حال المسالمة، وحرية الأفكار في المعاملات، إذعاناً منهم لما ورد في القرآن الكريم من التوصية بمحاسنها الناس كافة، تلك الآيات التي كانت تنذر القبائل المارقة، كقول الكتاب: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، وقوله: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً)، وقوله: (وعباد الرحمن الذي يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً).
    رابعاً ـ حرية القول:
    والاسلام يعتبر حرية الانسان في تعبيره كحريته في تفكيره وكحريته في اعتقاده. لأن حرية التعبير مظهر من مظاهر حرية الاعتقاد والتفكير. ولذا قررها الاسلام تقديراً لأثرها. ولكنه عمل على توجيهها صوناً لإنسانه عن انحرافاتها، وتلافياً لما قد تخلفه من عواقب وخيمة.
    وحرية القول هو حق فطري في الاسلام، لأن التعبير عما في الضمير غريزة من غرائز هذا الانسان يعسر، بل يتعذر إمساكه عنها فكان الأصل أن لكل إنسان أن يقول ما يشاء ويحاور ويمازح من يريد ولا يمسكه عن ذلك إلا وازع الدين بأن لا يقول لغواً أو ينطق بشيء منهي عنه، أو وازع الخلق بأن لا يكون كلامه قذعاً أو هذياناً أو فحشاً أو غيباً أو نميمة أو باطلاً، لقوله (ص): ((قل الحق ولو على نفسك))، وقوله أيضاً: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)).
    والأصل في حرية القول هو الصدق في الإخبار، لأن الكذب محرم وقبيح. وقد ذمه القرآن الكريم في آيات كثيرة وأحوال مختلفة، حيث قال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). وقال رسول الله: ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)).
    خامساً ـ حرية العمل:
    ثم إن حرية العمل في الاسلام هي شاهد من شواهد الفطرة التي تدل على أن هذه الحرية أصل أصيل في الانسان. فإن الله تعالى لما خلق لهذا الانسان العقل وجعل له مشاعر تأتمر بما يأمرها العقل أن تعمله، وميز له بين النافع والضار بأنواع الأدلة كان قد أمكنه من أن يعمل ما يريد مما لا يفضيه إلى إيقاع الضرر بنفسه أو إلحاقه بغيره. وقد ألهمه الله تعالى أن يجد ويعمل ويتصرف فيما يجده مما تخرجه الأرض، حيث قال: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً). فكانت حرية العمل والفعل أصلاً فطرياً أباحه الاسلام لجميع الناس لأن لفظ (لكم) في قوله: (خلق لكم) يفيد حق الجميع في جميع ما في الأرض وعلى الأرض.
    وما عدا ما حدد منعه في الشريعة من العمل، فالأصل في سعي الانسان فيه وتناوله وتعاطيه الإباحة المطلقة. وقد ردّ الله على المشركين إذ حرموا على أنفسهم أشياء، بقوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)؟ وقال أيضاً: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير حق).
    وهكذا حرم الاسلام على إنسانه الحصول على المال بطريقة المقامرة، لما فيها من عدوان على مال الآخرين بدون مقابل، كما حرم عليه شرب الخمر لما فيه من ضرر على نفسه وعدوان على مجتمعه: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
    كذلك حرم الاسلام على إنسانه التعامل بالربا لما فيه من غلو في رفع قيمة رأس المال ولما يثيره من أحقاد عند من يستغلونهم بواسطة الربا من ذوي الحاجات، فقال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس).
    على أن الاسلام حين يحرم تعاطي هذه الأشياء إنما يخص بهذا التحريم أتباعه المسلمين فقط ولا يفرضه على غيرهم من رعايا الدولة الاسلامية ما دامت شرائعهم تبيحه.
    فلغير المسلم أن يصنع الخمرة ويشربها ويتاجر بها، ولكن هذا لا يجوز للمسلم كنتيجة مباشرة لتحريم تعاطيها.
    ولغير المسلم أن يقتني الخنزير ويربيه ويبيعه ويشتريه.
    ولغير المسلم أن يتعاطى الميسر والربا.
    وما دمنا بصدد الحديث عن حرية العمل، فقد كانت بعض الصناعات والحرف والأعمال مشينة في نظر العرب أيام جاهليتهم فجاء الاسلام يمجد العمل ويبارك العامل لدرجة حملت نبي الاسلام على تقبيل يد شيخ تشققت من قسوة العمل، وقال: ((هذه يد يحبها الله ورسوله)).
    وهناك حريات أخرى علاوة على ما تقدم تناولها الاسلام بالإباحة، بل والاحترام.. منها حرية الإقامة والانتقال لجميع المقيمين على أرضه، مسلمين أو غير مسلمين، فلهؤلاء جميعاً أن يقيموا بصورة عفوية حيث تنتظم أحوالهم المعيشية، وأن يتنقلوا بصورة عفوية أيضاً حيثما تقتضي ظروف حياتهم.
    بق أن نذكر أنه مضى على ظهور الاسلام أكثر من أربعة عشر قرناً وأتيح للإنسانية خلال هذا الزمن الطويل أن تتطور وتتدرج في معارج الرقي والحضارة حسبما بينا من قريب فكان ذلك في أواخر القرن التاسع عشر حين اجتمع في برلين عام 1885م عدد كبير من الدول وأبرموا معاهدة تعهد فيها الدول الموقعة عليها بمنع تجارة الرقيق في العالم. ولكن نظام الرق الذي ألغي اسمياً، هذا النظام الجائر ما زال مع الأسف قائماً. إنه ما برح عيش في عصرنا هذا، عصر الذرة والكمبيوتر، عصر المكوك الفضائي وغزو السماء، ما برح يعيش بوجهيه المخزيين: الرق الجسدي والرق المعنوي.
    ففي أفريقيا السوداء ما زال الانسان يباع ويشترى، وفي الأمم الضعيفة والمستضعفة ما فتئ الانسان عبداً يستغل جهده وتنتزع من بين يديه ثروته ويحرم أبسط حقوق الحياة. فإذا ثار من أجل حريته أو طالب بهذه الحرية سلط عليه القوي الغادر الحديد والنار وزبانية التعذيب والدمار، قصد إذلاله وخنق إرادته واستغلال جهده وخيرات بلاده.
    فهل لهؤلاء الطغاة المتسلطين والمستعمرين المستغلين أن يعوا معنى الحرية، وأنها حق طبيعي لكل إنسان فيقلعوا عما هم عليه، ويثوبوا إلى حظيرة الحق، واضعين نصب أعينهم الكلمة الخالدة للخليفة العادل عمر بن الخطاب: ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً))؟؟.
    ---------------------------------
    ايها الساده تلك هى الحريه ومعانيها وراى الاسلام فيها وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان الثوره المصريه جاءت لترسيخ اصل من اصول الاسلام وهدف سامى رائع دعا له الاسلام وثبت ايضا بما لا يدع مجالا للشك من ان الداعيه الذى وقف ليقول ان المظاهرات تهريج وسخف وانها منظر غير حضارى انه لا يفهم تحت قدميه وانه بدا عاله على الاسلام وانه من الخطا ان نسمع لامثاله او ناخذ العلم عنه لانه اثبت غباءه وجهله القاتل بالدين وبالدنيا معا وثبت ان الشعب المصرى كان صادقا فى ثورته وانه اكثر ثقافه وتدينا واخلاقا من الشيخ السلفى الذى وقف ليصرخ امام الفضائيات ليقرر ان الثوره والمظاهرات حرام وتهريج وان الاسلام لا يدعوا لها وان من يفعل ذلك يدعوا للفتنه والتخريب والله المستعان وللحديث بقيه









    السيد احمد سليم الحسيسى
    محامى بالقضاء العالى ومجلس الدوله
    وكاتب مصرى
    عضو اتحاد الكتاب باريس
    ماجستير فى القانون
    محاضر متفرغ بالمعهد العربى باريس
    عضو اتحاد المحامين العرب
    باحث اسلامى



  5. #5

    رد: سلسله اسباب الثوره وحكم الشعب/1

    ا ان من اهداف الثورات كما اسلفنا تلك المنظومه الرائعه التى يحتفل بها الشعب المثقف المتنور فى بحثه عن اسباب الوجود وقد اوضحنا منظومه الحريه واكدنا ان الشعوب لا تجتمع على ضلاله وان بحثها دوما يتبلور من اتجاه شرعى فقد او ضحنا غايه اولى وهى الحريه واثبتنا ان الشعوب فى ثورتها كانت على حق وانها كانت تسعى لترسيخ اصل من اصول الشريعه بطريقه عفويه مستقره فى الذات والعداله هى من سمات ومن اسباب الثورات الهامه فى التاريخ فحتلى يحكم الشعب حكما رائعا مستلهما العنايه والتوفيق الالهى كان لزاما ان تكون مبرراته صادقه ونابعه من الاصل العام وان تكون اهدافه تلقى قبولا اجتماعيا وهذا ما حدث بالاضافه لان تلقى قبولا عقليا ودينيا وهذا ايضا ما حدث لذلك نصر الله تعالى الامه وخذل الطغيان لان اراده الشعوب توافقت مع اراده الله تعالى وبالاضافه الى الحريه جاءت العداله فماهى العداله وما تلك العداله التى صبر وثار وتعذب الشعب من اجل الحصول عليها وهل تستحق تلك العداله الموت من اجلها والشهاده فى سبيلها

    الباحثون في القانون عرفوا العدالة بأنها: ((القواعد القائمة إلى جانب قواعد القانون الأصلي مؤسسة على وحي العقل والنظر السليم وروح العدل الطبيعي بين الناس)).
    والشرائع القديمة استقت مبادئ العدالة من هذا المصدر الذي هو العقل وشعور العدل في النفس. ولكن هذا المصدر اتخذ صوراً مختلفة تبعاً لاختلاف الشعوب، فكان مصدر العدالة عند الرومان (قانون الشعوب)، وعند اليونان (قانون الطبيعة)، وعند الإنكليز (ضمير الملك). أما مصدر العدالة في شريعة القرآن هو العقل وحكمة الاشتراع في الاسلام.
    والعدل يعني تمكين صاحب الحق من الوصول إلى حقه من أقرب الطرق وأيسرها.
    والعدل أو العدالة هي واحدة من القيم التي تنبثق من عقيدة الاسلام في مجتمعه. فلجميع الناس في مجتمع الاسلام حق العدالة وحق الاطمئنان إليها، عملاً بقول الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
    واسم العدل الوسط مشتق من المعادلة بين شيئين بحيث يقتضي شيئاً ثالثاً وسطاً بين طرفين. لذلك كان اسم الوسط يستعمل في كلام العرب مرادفاً لمعنى العدل. فقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) في تفسيره لقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)، قال: (عدلاً، والوسط هو العدل).
    والعدل في الاسلام لا يتأثر بحبّ أو بغض، فلا يفرق بين مسلم وغير مسلم، كما لا يفرق بين حَسَب ونَسَب، ولا بين جاه ومال.. بل يتمتع به جميع المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين مهما كان بين هؤلاء وأولئك من مودة أو شنآن، بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون).
    فالعدل في الاسلام ميزان الله على الأرض، به يؤخذ للضعيف حقه وينصف المظلوم ممن ظلمه، وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)). وأبواب السماء مفتوحة أمام الإمام العادل وأمام المظلوم على سواء، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم)). فالله سبحانه يجيب دعوته، وينصف من يستغيث به، ويدفع عنه مظلمته. بل أباح للمظلوم فوق ذلك الدعاء على الظالم والتشهير به وقول السوء في حقه حتى يرجع عن ظلمه، مصداقاً لقول الله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم).
    لقد دعا الاسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخاً لفكرة العدل كمبدأ، وتنمية لها كسلوك لأن العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح. فالمجتمع الذي لا يقوم على أساس متين من العدل والإنصاف هو مجتمع فاسد مصيره إلى الانحلال والزوال.
    وعدالة الاسلام ذات سمة خاصة تميزها عن سائر العدالات. فمجتمع الاسلام يقوم على توحيد الإله وتوحيد الأديان جميعاً في دين الله الواحد، وتوحيد الرسل في الدعوة بهذا الدين الموحد منذ نشأة الحياة: (إن الدين عند الله الاسلام) و (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).
    ومجتمع الاسلام يقوم على الوحدة بين العبادة والمعاملة والعقيدة والسلوك والروحيات والماديات والقيم الاقتصادية والقيم المعنوية والدنيا والآخرة.
    وعلى هذا، فإن عدالة الاسلام تتناول جميع مظاهر الحياة وجوانب النشاط فيها، وتسعى إلى تحقيق العدالة فيها بوسائل شتى:
    ـ أولاً: إعلان الأخوة بين أبناء المجتمع الاسلامي، يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)، ويقول محمد (ص): ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
    ـ ثانياً: تشديد النكير على كل عمل يوهن الأخوة الاسلامية، ومن أجل ذلك حرّم التعالي والسخرية، بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن).
    وحرّم التعريض بالعيوب والتفاخر بالأنساب: (ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب).
    وحرّم الغيبة والنميمة وسوء الظن: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).
    ـ ثالثاً: الترغيب في كل ما يجمع القلوب ويدعم الوحدة وذلك كالدعوة إلى الإصلاح بقوله (ص): ((ألا أدلك على أفضل من درجة الصلاة والصوم؟ إصلاح ذات البين)).
    وكحسن الجوار، بقوله: أتدري ما حق الجار عليك؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا مرض عدته، وإذا أصابته سراء هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزّيته، وإذا مات اتّبعت جنازته. ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب الريح عنه إلا بإذنه ولا تؤذه بقتاد ريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإذا اشتريت فاكهة فأهد له وإلا فأدخلها إلى بيتك سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده)).
    وكذلك أغرى الاسلام بالمساعدات والخدمات الاجتماعية فاعتبر مساعدة الضعيف صدقة، وإزاحة الأذى عن الطريق صدقة، وحثّ على التعاون ابتغاء خير الجماعة، فقال تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى).
    وقال (ع): ((مَن أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم يَرَ الله له جزاء دون الجنة)). كما قال: ((لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهراً)).
    إن كل ما يشيع اليوم بين الناس من كثرة المقاضاة بشأن الديون والحقوق واتساع رقعة الخصومات بشأن الاختلاف بين الناس على الأموال ونحوها مما يوهن من رابطة الأخوة بين المسلمين فيما بينهم وبين غيرهم من بني الانسان لم تكن لتحدث في صورتها الجامحة البشعة إلا نتيجة طغيان غرائز الانسان من الطمع والجشع وحب الاستئثار الذي يجردهم من آدميتهم وإنسانيتهم وعقيدتهم وضمائرهم، وقد جاء الاسلام علاجاً له ودعا إلى نبذه بالحديث النبوي الشريف: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً))، قالوا: يا رسول الله! ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ فقال (ع): ((تأخذون فوق يديه وتردعونه عن ظلمه)).
    فالظلم ضدّ العدل. والعدل الاسلامي مبدأ مقرر في كل شيء ليس فقط في الأخوة ـ حسبما بيّنا من قريب ـ حتى لا يوهنها الظلم، بل وفي القول وفي العمل وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي النساء وفي الأقارب والأولاد والضعفاء حتى في الجوارح فضلاً عن العدل في الاقتصاد وفي الشهادة وفي الحكم الذي هو فرع من فروع المسؤولية، وهذه ينبغي أن تقوم على أساس العدل المطلق. وهذا يتحقق بمعرفة كل مسؤول ما له وما عليه. وأمثلة ذلك:






    هذا وقد تشدد الاسلام في نظرته إلى العدالة من زاويتها الاقتصادية فحرّم ما نسميه نحن اليوم بلغتنا السياسية (الاستفادة غير المشروعة) عن طريق استخدام النفوذ والسلطان. ومن الأمثلة على ذلك سلوك عمر بن الخطاب مع ولده عبدالله حين رأى في طريقه إبلاً سمينة وسأل عمر عنها فقيل له إنها إبل عبدالله بن عمر، فغضب ابن الخطاب وقال: ((ما سمنت إبل عبدالله إلا لأنه أرعاها بجاه أمير المؤمنين، ادفعوا بها إلى بيت المال)) وأمر بمصادرتها.
    ومن أمثلة العدل الاقتصادي في الاسلام: ضريبة العشور التي عرفتها معظم الشعوب القديمة كالفراعنة والفرس واليونان والرومان، وهي تشبه ضريبة الجمركية في أيامنا. فكانت تلك الشعوب قبل الاسلام ـ وبخاصة الرومان ـ يجبونها على حدود المناطق المتعددة من الدول الواحدة وكانوا يتقاضونها في العام الواحد مرات عديدة بعدد مرورهم على العاشر (أو الجمركي إذا جاز التعبير)، كما كانوا يتقاضونها على جميع سلع التجارة مهما بلغ ثمنها قليلاً أو كثيراً إلى ما هنالك من صعوبات ترهق كاهل المستورد أو التاجر المتجول على حين إذا ا قارنا نظام الضريبة هذه بنظامها في الاسلام نجد أن الاسلام امتاز فيها عن جميع الشعوب التي سبقته بأنه جمع العدل والرحمة والسماحة والحكمة في فرض تلك الضريبة وفي تقديرها وفي تقاضيها.
    أ ـ لم يفرض الاسلام ضريبة العشور ما لم تبلغ قيمة البضاعة نصاب الزكاة الذي هو عشرون مثقالاً من الذهب أو مئتا درهم من الفضة.
    ب ـ لا تستوفى في الاسلام ضريبة العشور إلا مرة واحدة في العام مهما تعددت رحلات التاجر عبر دياره.
    ج ـ لا تدفع في أرجاء الدولة الاسلامية إلا مرة واحدة مهما تعدد العشار أو (الجمارك).
    د ـ لا يتعرض التاجر حال مروره على العاشر للإساءة إليه بتفتيشه، بل يكتفي العاشر بإقراره، لأن عمر بن الخطاب أمر بعدم تفتيش التجار.
    هـ ـ لم تكن الأعشار في بداية فرضها تؤخذ من المسلم إذا أدّى زكاته ومن الذميّ إذا أدّى جزيته، إنما كانت تضرب على المحاربين إذا استأذنوا كي يتجروا في أرض المسلمين طبقاً لقاعدة المعاملة بالمثل، لأن ضريبة العشور هذه لم يعرفها الاسلام إلى على عهد عمر بن الخطاب حين كتب إليه أبو موسى الأشعري يستشيره في تجار من المسلمين يدخلون ديار الحرب فيأخذ منهم حكامهم العشور، فكتب إليه عمر بأن يأخذ من المحاربين على تجارتهم إذا دخلوا ديار الاسلام القدر الذي يأخذه هؤلاء من المسلمين وهذا مبدأ المعاملة بالمثل المطبق اليوم عند كافة الدول الراقية.



    والحكم بالعدل يعني الحكم بما أنزل الله، والحكم بما أنزل الله يعني الحكم بما ورد في كتاب الله وما صح صدوره عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير. هذه الأمور الثلاثة التي تسمى سنّة، والقرآن والسنّة هما المصدران الأساسيان للتشريع في الاسلام. وتفرع عن هذين المصدرين مصدران آخران للتشريع في مذاهب أهل السنة، هما: الإجماع والقياس. فالإجماع هو ما أجمعت عليه الأمة من الأحكام للحديث النبوي الشريف: ((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن))، ولحديث آخر: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)). والقياس هو (إلحاق أمر بأمر لعلة مشتركة بينهما). وقد أقرّ رسول الله القياس وامتدحه إذا صدر من أهله حين لا يجد للحادثة حكماً منصوصاً عليه في كتاب الله أو في سنة نبيه، وذلك في قوله لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: ((كيف تصنع إن عرض لك قضاء))؟ قال: أقضي بما في كتاب الله تعالى، قال: ((فإن لم يكن في كتاب الله))؟ قال: فبسنّة رسول الله (ص)، قال: ((فإن لم يكن في سنة رسول الله))؟ قال: ((اجتهد رأيي ولا آلو)) (لا أقصر عن جهد). فضرب رسول الله (ص) بيده صدر معاذ ثم قال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)).
    أما الشيعة الإمامية فإن مصادر التشريع عندهم ثلاثة لا غير، هي: الكتاب والسنّة والعقل.
    هذا، ولما كان رسول الله (ص) القاضي الأول في الاسلام ـ كما ذكرنا ـ فقد شرّع في القضاء مبادئ وأصولاً ومناهج لإقامة العدل ما زالت حتى يومنا الحاضر تعتبر دستوراً لجميع قضاة الأرض، وستظل عَلَماً ونوراً يهتدون به ويسيرون في ضوئه في كل مكان وعلى كل الأزمان.
    من هذه المبادئ والأصول:
    أ ـ أنه، عليه الصلاة والسلام، أوجب على كل قاض أن لا يقضي في الحادثة حتى يسمع كلام الخصوم سماع فهم وتدبر، لقوله (ص) للإمام علي، كرم الله وجهه: ((إذا تقاضى إليك رجلاً فلا تقضي للأول حتى تسمع كلام الآخر فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء)).
    ب أوجب رسول الله على القاضي حين يقضي أن يكون حاضر الذهن هادئ البال، غير منفعل ولا غضبان، حتى يأمن الخطأ في قضائه، فقال (ص): لا يقضين حاكم بين إثنين وهو غضبان)).
    ج ـ شرع رسول الله مبدأ البينة على إقامة الحق والعدل، فقال: ((البيّنة على المدعي واليمين على مَن أنكر)).
    وأخيراً، رب متسائل يتساءل: هل الحكم بالعدل وترك الظلم والجور يشمل جميع الناس من المؤمنين بالله وغير المؤمنين؟ وأن غير المؤمنين إذا حكموا بالعدل في الدنيا، فهل ينالون ثواب عدلهم في الآخرة، فلدفع هذا التساؤل نقول: ((إن الجزاء جزاءان، جزاء دنيوي، وجزاء أخروي)).
    فبالنسبة للأول إن قوانين الحياة وسُنن الطبيعة لا تفرق بين مؤمن وكافر، مصداقاً لقوله سبحانه: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً)، ولفظ (الناس): يعمّ المؤمن والكافر، بحيث ينال كل منهما ثواب عدله واستقامته في هذه الحياة الدنيا، لأن الدنيا يعطيها الله للمؤمن والكافر، لمني حب ولمن لا يحب. أما الآخرة فإنه لا يعطيها إلا مَن يحب.
    أما جزاء العدل في الآخرة فجائز أن يخفف الله به العذاب عن الكافرين في الدارة الآخرة إذا أحسنوا أعمالهم واستقاموا في الحياة الدنيا. ولكن الثواب على العدل في الآخرة فهو مختص بالمؤمنين فقط، لأن من مستلزمات الثواب يوم القيامة أن يكون الانسان مؤمناً يجمع أركان الإيمان وفي طليعتها الإيمان بالله تعالى وأنه واحد لا شريك له. والذي لا يؤمن هذا الإيمان ولكنه يعدل في الدنيا ويسير على سنن الصلاح والإصلاح فإنه يعمل ما يعمل قاصداً الدنيا وحدها لعدم إيمانه بالآخرة. وهذا منتهى العدل الرباني، حيث يقول سبحانه: (مَن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومَن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب)، وحيث يقول الحديث الشريف: ((إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجازي بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيراً)).
    فمن عدل الله تعالى أن يعطي كل إنسان ما يطلب لا أكثر، وإنما كثيراً ما يوفق الله فاعل الخير والبر والعدل من غير المؤمنين إلى الإيمان لما ورد: ((إن أعمال الخير تختم لصاحبها بخاتمة الخير)).
    وهذا يستفاد من قول الله تعالى: (قل مَن كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً)، وبالمقابل قوله: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم).
    إن الناس أمام عدل الله سواء، مصداقاً لما قاله الله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، ووفاقاً لما أعلنه رسول الله: ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يداها)).
    1 ـ في القول: (وإذا قلتم فاعدلوا). 2 ـ في العمل: يقول (ص) مخاطباً أهله: ((التمسوا لكم عملاً ينجيكم من الله، فوالله لا أغني عنكم من الله شيئاً)). 3 ـ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). وتبعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تُلقى على عاتق الفرد وحده، بل تُلقى على عاتق الجماعة كلها. فإذا أهملت ذلك تعرضت للكوارث والويلات. يقول الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة). كما يقول سبحانه: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا تناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون). 4 ـ في النساء: فالاسلام لا يعترف بالتفرقة الجائرة بين الرجل والمرأة في معنى الانسانية المشترك وفي حق كل منهما، بأن يتمتع بمقتضيات حياته النوعية وخصائصه الطبيعية في إطار الحق والعدل. يقول الله تعالى: (ومَن يعمل الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً). 5 ـ في الأقارب وذوي الأرحام: يقول الله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام). بمعنى: صلوها واعدلوا فيها ولا تغطوها أو تنسوا حقوقها عليكم فتظلموها. 6 ـ في الاقتصاد: إن كل عدل لا يقوم على اقتصاد منظم.. فهو عدل ناقص بل عدل ظالم ـ إن صحّ التعبير ـ فلن نكون عمليين حين نقول للجائع أو العاري أو المفلس أو العاطل عن العمل، لا ترتكب الجريمة قبل أن نحقق له مجتمعاً صالحاً لا يجوع فيه ولا يعرى ولا يتعطل عن العمل. 7 ـ العدل في القصاص والحدود: وكذلك تناولت عدالة الاسلام الحدود، إذ جعلتها متفاوتة لكي يتناسب الحدّ مع الجرم. فجعل الاسلام عقوبة الزنى الرجم للمحصن والجَلد فقط لغير المحصن، تبعاً للفرق بين المتزوج والعازب، فقال (ص): ((البكر بالبكر جلد مئة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مئة والرجم)). 8 ـ العدل في الشهادة: والشهادة في الاسلام حق واجب الأداء.. فكل مسلم أو مسلمة مطالب بأداء الشهادة وعدم كتمها، لقول الله تعالى: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون). 9 ـ العدل في الحكم: فقد أمر الله رسوله أن يحكم بالعدل، في قوله سبحانه: (وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين). كما أمر الله تعالى مَن يأتي من بعد رسول الله من الحكام المسلمين أن يحكموا بالعدل بقوله سبحانه: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
    العداله من منظور اجتماعى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    : ::
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    أسس العدالة الاجتماعية في الإسلام

    تعد العدالة الاجتماعية من أهم مكونات و أساسيات العدل في الإسلام. و لقد أوضح د. سيد قطب في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام أن هناك ثلاثة ركائز تقوم عليها العدالة الاجتماعية في الإسلام. هذه الركائز هي التحرر الوجداني المطلق و المساواة الإنسانية الكاملة و التكافل الاجتماعي الوثيق حيث أن كل عنصر مبني على الآخر. و يعني بالتحرر الوجداني هو التحرر النفسي من الخضوع و عبادة غير الله لأن الله وحده هو القادر على نفع أو ضرر الإنسان. فهو وحده الذي يحييه و يرزقه و يميته دون وجود وسيط أو شفيع حتى لو كان نبي من الأنبياء. فلقد قال الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قل إني لا أملك لكم ضرا و لا رشدا" (سورة الجن، آية 21) كما قال: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله" (سورة آل عمران، 64). و الهدف من التحرر النفسي من الخضوع لغير الله هو التخلص من الخوف و التذلل لغير الله لنيل رزق أو مكانة أو أي نوع من أنواع النفع عن يقين أن الله وحده هو الرزاق. و لكنه قد ينجح الإنسان نسبيا في أن يتحرر من عبودية كل ما هو سوى الله تعالى في حين أن هناك احتياجات طبيعية بشرية خلقها الله في الإنسان أهمها المأكل تعوق التحرر الكامل و الحقيقي. و من أجل أن يحقق الإسلام هذا التحرر الوجداني بصورة فاعلية و واقعية، فلقد وضع الله من القوانين و التشريعات ما يضمن للإنسان احتياجاته الأساسية و بالتالي يساعده على تحقيق التحرر الوجداني الكامل. و من أهم هذه القوانيين هو وضع مبدأ المساواة كمبدأ أساسي من مباديء الإسلام. فبعكس كل من إدعى أنه من نسل الآلهة و كل من تصور أن دمه دما أزرقا نبيلا أرقى من بقية الشعب، جاء الإسلام ليساوي بين جميع البشر في المنشأ و المصير. فلقد قال الله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء" (سورة النساء، آية 1) و قال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (سورةالحجرات، آية 13). كما قال: "و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (سورة الإسراء، آية 70). فالكرامة مكفولة لكل إنسان و الفرق بين الناس عند الله هي درجة تقواهم و ليس جنسهم أو لونهم.
    أما القانون الثاني الذي وضعه الإسلام لضمان التحرر الوجداني الحقيقي فهو التكافل الاجتماعي. والتكافل الإجتماعى يقصد به إلتزام الأفراد بعضهم نحو بعض؛ فكل فرد عليه واجب رعاية المجتمع و مصالحه. و ليس المقصود بالتكافل الاجتماعي في الإسلام مجرد التعاطف المعنوى من شعور الحب و المودة، بل يتضمن العمل الفعلي الإيجابي الذي يصل إلى حد المساعدة المادية للمحتاج و تأمين حاجته بما يحقق له حد الكفاية. و ذلك يكون عن طريق دفع الزكاة، فإن لم تكفي فيؤخذ من الأغنياء ما يكفي للفقراء.

    صور من العدالة في الإسلام

    ضرب الرسول صلى الله عيه و سلم أروع الأمثلة للخلق العظيم و من أهمها العدل في التعامل. و قد صار على نهجه الصحابة و على رأسهم عمر بن الخطاب و الذي سماه الرسول صلى الله عليه و سلم بالفاروق لأنه كان يفرق بين الحق و الباطل و كان العدل من أهم سماته منذ أن دخل في الإسلام. و لقد خطب عمر في الناس عندما تولى الخلافة قائلا: (إن رأيتم في إعوجاجا فقوموني. فيندب له رجل من عامة المسلمين يقول: لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا. فما يزيد عمر على أن يقول: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه.) وهذا يدل على قمة المساواة و العدل. فلقد أعطى عمر بن الخطاب الرعية الحق في أن يقوموه بالسيف إن لم يستقم بعكس ما هو قائم حيث أن معظم الحكام لا يسمحون إلا بتبجيلهم و تعظيمهم واضعين نفسهم في مرتبة أعلى من بقية البشر. كما أن عمر بن الخطاب في وقت خلافته خطب في الناس في وجود الولاة ليعرفوا حقوقهم و واجباتهم قائلا: (إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، و يشتموا أعراضكم، و يأخذوا أموالكم و لكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم و سنة نبيكم عليه الصلاة و السلام، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له على يرفعها إلى حتى أقص منه. فقال عمرو بن العاص: ياأمير المؤمنين أرأيت إن أدب أمير رجلا من رعيته أتقصه منه؟ فقال عمر: و مالي لا أقصه منه و قد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقص من نفسه؟)

    و بجانب العدل و المساواة، فلقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في العطاء و التكافل الاجتماعي بين الأغنياء و الفقراء. فلقد كان أبو بكر الصديق يملك أربعون ألف درهما من تجارته لم يتبقى منهم سوى خمسة آلاف درهم أنفقهم على الفقراء من المسلمين الذين كانوا يذوقون ألوانا من العذاب لإسلامهم. و يتضح العطاء أيضا من علي بن أبي طالب حيث أنه تصدق بثلاثة أرغفة لم يكن يملك سواهم و أعطاهم لمسكين و يتيم و أسير.

    و من ثم، فإن العدالة الاجتماعية بما تتضمنه من مساواة بين جميع أفراد المجتمع حتى بين الحاكم و المحكوم و بما تتضمنه من تكافل اجتماعي تعد من أهم القيم التي قام عليها الإسلام و مارسها الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة بدقة لبناء مجتمع قوي و متماسك؛ الإخاء و المحبة و الترابط من أهم سماته. و برغم غياب الممارسة الحقيقية لهذه المفاهيم في عصرنا الحاضر نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الساده الافاضل /بات واضحا الان ان الاهدداف تتوالى وان الشعب كان صادقا فى ثورته على الطغاه لانه باختصار يرفض الظلم والقهر وانعدام الحريه والمساواه فبات ثائرا باحثا عن العداله والعداله كانت هى الهدف الثانى دوما من اجل الثورات وغالبا ما تغير الثورات الواقع وتفعل ما لا يستطيع فعله العسكر
    وقد انهزم الظلم والجبروت بجانب العداله والسؤال لماذا نصر الله الشعب التونسى والمصرى والاجابه واضحه وتبدوا سهله لانهما طلبا العداله ونشدوا الكرامه والحريه
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    السيد احمد سليم الحسيسى
    محامى بالقضاء العالى ومجلس الدوله
    وكاتب مصرى
    عضو اتحاد الكتاب باريس
    ماجستير فى القانون
    محاضر متفرغ بالمعهد العربى باريس
    عضو اتحاد المحامين العرب
    باحث اسلامى



  6. #6

    رد: سلسله اسباب الثوره وحكم الشعب/1

    ان الثورات فى العالم كما تهدف الى ارساء روح ومبادىء الحريه والعداله انما يصرون على تحقيق مبدا واصل من اصول الاسلام وهو تحقيق المساواه وتلك المساواه تعد هدفا ساميا ونبيلاا يطلبه الشعب وتهفوا له الشعوب جميعا فالثوره الفرنسيه وغيرها قديما قامت من اجل ترسيخ هذا الهدف فلا عنصريه ولا نفاق ولا تعامل بمكيالين وتلك ثوابت فى الاسلام حث عليها واثبتها الواقع العملى وكانت انعدام المعايير الاصليه لمبدا المساواه واراء خلق الثورات فى العالم فالتمييز بين ابناء الشعب الواحد هو الاصل العام الذى خرجت منه الثورات فحينما كنا نجد التمييز والمفارقه فى مصر بين ابناء الشعب الواحد وتفشى الرشوه والفساد والمحسوبيه مما دعى الشعب للثوره التى انتصرت فى النهايه على الطغاه والاسلام رسخ تماما لمثل تلك المبادىء وقد حفل القران كثيرا بهذا الاصل العام الذى لا يتكلم عنه كثيرا ما يسموا انفسهم بالسلفيين والذين يحشدون اجهزتهم واقنعتهم التى سقطت الان بعد النصر للشعب كانوا يخيلون لنا ان تلك الاصول من ترسيخ العداله والمساواه والحريه امور هامشيه وان الحديث عن الحجاب والنقاب واللحيه وعذاب القبر وتكفير هذا وتفسيق ذلك هما من عصب الاسلام وثبت الان ان ما كانوا يرددونه هراء ولا يمس الاسلام لا من قريب او من بعيد

    والمساواه شىء ضرورى وهام فى تحقيق العداله ومن ترسيخ هذا المطلب والمبدا العام الذى اكد عليه الاسلام هو الهدف لحكم الشعب و من أهم المزايا الفطرية والمتطلبات الذاتية التي يضمنها الاسلام لصلاح المسلمين، ولتحقيق خير المجتمعات الانسانية قاطبة، ميزة المساواة، لأن المساواة في الاسلام هي أول آثار الأخوة وأصدق شواهدها. والتخلق بها والتدريب عليها من أجل المظاهر التي تمكن معنى الأخوة من النفوس.
    والمساواة مصدر ساوى شيء شيئاً إذا كانا متماثلين، فإن هي قيدت بمتعلق في اللفظ، أو في التقدير بحسب مساق الكلام، فالمدار على المماثلة فيما دلّ عليه ذلك المتعلق.. وإن هي أطلقت فظاهر الإطلاق يوهم المماثلة المطلقة في كل شيء، ولكن لما كانت تعذر مساواة شيئين في جميع الأحوال، لأنه لا بد للشيئين المتغايرين من فروق ومميزات في الخلقة وغيرها، فالمساواة المطلقة تبقى محمولة في العرف على التماثل في معظم الأشياء أو في المهم منها وليس في كلها.
    والمساواة الاسلامية الناشئة عن الأخوة ليس المراد منها التساوي في منتجات العقول أو في العلوم أو في مآثر الأعمال لظهور التفاوت بين الناس في القابليات والهمم، ولكن يراد منها ما ينشأ عن معنى الأخوة وهو تساوي المسلمين في الانتساب إلى المجتمع الاسلامي وفي التهيؤ والصلاحية لكل فضيلة في الاسلام إذا وجدت أسبابها وسمحت بها مواهب أصحابها.
    وبعبارة أشمل نقول: إن المساواة ترجع إلى التماثل في آثار كل ما تماثل المسلمون فيه بأصل الخلقة أو بتحديد الشريعة دون أن يؤثر على ذلك التماثل حائل من قوة أو ضعف، فلا تكون قوة القوي وعزته زائدة له من آثار ذلك التماثل، ولا ضعف الضعيف حائلاً بينه وبين آثار ذلك التماثل.
    إن الاسلام دين قوامه الفطرة، فكل ما شهدت الفطرة بالتساوي فيه بين الناس، فالاسلام يرمي فيه إلى المساواة، وكل ما شهدت الفطرة بتفاوت المواهب البشرية فيه، فالاسلام يعطي ذلك التفاوت حقه بمقدار ما يستحقه.
    والمساواة ـ كما قلنا ـ أثر من آثار الأخوة المفروضة بين المسلمين، وهي أيضاً أصل عظيم من أصول نظام المجتمع الاسلامي. وهي من أجل ذلك ذات طرفين:
    ـ طرف تظهر فيه بمظهر أدب اسلامي تابع للعقيدة الاسلامية يجب تخلق المسلمين بهن وهذا الاعتبار تقديس لها وترويض ديني للمسلمين بأن يكون ذلك خلقاً لهم حتى ينساقوا إليها انسياقاً اختيارياً جميلاً.
    ـ وطرف تظهر فيه بمظهر أصل تشريعي يجري على المسلمين لزوم المصير إليه وإلى فروعه في أنواع المعاملات ـ كما سنرى ـ وهي بهذا الاعتبار أصل من أصول التشريع راعته الشريعة ويراعيه ولاة الأمور ويحمل الناس عليه.فاذا لم يراعه الحكام وتنفيذه عمليا كان لزاما على الشعب ان يثور ويغضب وكان فرضا على الشعوب ان تخرج على حكامها الذين لم يراعوا هذا الاصل العام والهام
    فينبغي إذن أن يعلم أن المساواة التي سعت إليها الشريعة الاسلامية مساواة مقيدة بأحوال يجري فيها التساوي، وليست مطلقة في جميع الأحوال، لأن أصل خلقة البشر جاءت على التفاوت في المواهب والأخلاق، وذلك التفاوت يؤثر تمايزاً بين أصحابه متقارباً أو متباعداً في آثار تلك الصفات بترقب المنافع منهم وتوقع المضار، فيفضي ـ لا محالة ـ إلى تفاوت معاملة الناس بعضهم بمراتب الإكرام وبعضهم بمراتب ضده. قال الله تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون). وقال: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)؟.
    ولو دعت حكومة أو سلطة إلى مساواة لا تأخذ الفروق والمميزات بعين الاعتبار لحملت الناس على إهمال مواهبهم السامية، وذلك فساد قبيح يؤول إلى اختلال نظام العالم في إلغاء المميزات والحقوق المفيدة رفعة وصلاحاً. وإن الذين يتطرفون في تنفيذ المساواة على إطلاقها أو ما يقرب من الإطلاق لا يسيرون غير قليل حتى تجبههم سدود مشمخرة لا يستطعيون اقتحامها. فمن ذا الذي يحكم بمساواة أبكم بفصيح، ومساواة غبي بذكي، وهكذا نجد أنفسنا قد انجررنا بحكم بداهة العقل إلى أن من المساواة ما يجب دحضه لا محالة، وأن منها ما يجب اعتباره لا محالة، وبين القسمين قسم ثالث هو مجال الشرائع في مقاصدها من التشريع من مفرط ومقصد، ولا شك أن حظ الشريعة المثلى أن تراعي الوسط العدل من الأحوال فتعتبر المساواة بحالة وسط، ويقوم لنا من هذا أن المساواة معتبرة من أصول الشريعة الاسلامية في نواحي الاجتماع كلها.
    ثم بينت السنة المساواة بقول رسول الله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). وهذه المساواة تستتبع المساواة في تلقي الشريعة والعبادة والتقرب إلى الله تعالى. فالناس في هذا المقدار سواء يتعلق بهم التكليف تعلقاً متماثلاً إلا من قام به مانع، ويعبدون الله عبادة واحدة في الواجبات، ويتقربون إلى الله تعالى على سواء، لا يتفاوتون إلا بمقدار تنافسهم في الخير، ولا تفاوت إلا بمقدار التفاوت في فهم الشريعة، وفي العبادة حيث يتعلق التكليف بالعبادات بسائر المسلمين على سواء.
    وكما كانت المساواة بين المسلمين في العبادة، فهي أيضاً ثابتة في صلاحهم للدعوة إلى الخير وإسداء النفع للأمة، لا يختص بذلك عصر دون عصر، ولا قبيلة دون قبيلة، ولا سن دون سن، ولا طبقة دون طبقة، ولا صنف من الناس دون صنف. قال رسول الله في خطبة حجة الوداع: ((أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)).
    وأعني بتساوي الطبقات أن الاسلام لم يعتبر خصائص لطبقات من الناس تكون مقصورة عليهم لا يستطيع نوالها من توفرت عنده أسبابها إذا لم يقدر له أن يكون من أهل طبقتها.
    إن انقسام الأمة إلى طبقات أمر واقعي ناشئ عن أسباب من مواهب عقلية، أو مغامرة في الأخطار، أو انتصار في الدفاع عن الحوزة، فلا نعني بالمساواة بين الطبقات مكابرة ذلك الأمر الواقع، وإنما نعني أن لا يكون موجباً لاحتكار خصائص يحرم منها لم يكن من تلك الطبقة.
    تلاسن أبو ذر الغفاري وعبد زنجي في حضرة النبي (ص) واحتدّ أبو ذر على الزنجي وناداه قائلاً: ((يا ابن السوداء))، فكانت النتيجة أن غضب رسول الله غضباً شديداً لسماعه مقولة أبي ذر وخاطبه قائلاً: ((طف الصاع، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا في التقوى أو بعمل صالح)). عندها وضع أبو ذر خده على الأرض وقال للعبد الزنجي: ((قم فطأ خدي)).
    هذا الموقف من صاحب الشريعة الأعظم محمد (ص) يعتبر إلى جانب أحاديث كثيرة أخرى في تقرير مبدأ المساواة في القمة الانسانية المشتركة من أمثال قوله (ص): ((الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى))، وقوله: ((إن الله قد أذهب بالاسلام نخوة الجاهلية وتفاخرهم بآبائهم، لأن الناس من دم آدم وآدم من تراب وأكرمهم عند الله أتقاهم)).
    هذا كله يتجاوز التقرير إلى اعتبار المساواة مفروضة فرضاً في الاسلام وللناس كافة، مصداقاً لقول القرآن الكريم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).
    وبهذا يقيم الاسلام الموازين القسط بين البشر جميعاً، ذكوراً وإناثاًن لأن النفس الانسانية من أصل واحد مصداقاً لقول الله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء)، وذلك بغية تحرير المجتمع الانساني كله من الاحتكام الخاطئ إلى المعايير المصطنعة في النظر إلى فئات الخلق والحكم على أقدار الناس.
    يمثل هذه الصيحات الثائرة من كتاب الله وسنة رسول الله، واجه الاسلام التمييز العنصري بالانتماءات والألوان، والتفاضل القبلي بالأحساب والأنساب حتى قضى عليه مع الأيام الأولى لظهور الاسلام. ثم راح محمد رسول الله يترجم الأقوال إلى أفعال حين كتب بين المسلمين واليهود صحيفة الموادعة يساوي فيها بين الفريقين في الحقوق والواجبات. ويأتي قادة الفتح الاسلامي بعد نبيهم ليترسموا هذا الطريق فيفعل مثل ذلك المثنى وسعد مع النصارى الذين حاربوا معه في (البويب) وفتح بهم المدائن وبلاد فارس.
    فالمساواة المطلقة حققها الاسلام لجميع الأنام في العقائد، وفي العبادات، وفي المعاملات على حين ضلت المبادئ والنظريات الحديثة عن هذا ضلالاً بعيداً.

    1 ـ ففي العقائد: نرى الاسلام، يدعو إلى احترام الشرائع السماوية عامة، بقوله سبحانه: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم).
    ثم ينهى عن مضايقة غير المسلم في عقيدته وعبادته وماله، ويعلن حرية المعتقد: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، ويؤكد أخوة الشرائع السماوية جميعها، فيقول تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله). ويعلن أنها من مصدر واحد: (إنا أوحينا إليك، كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده).

    2 ـ في العبادات: فقد حرص الاسلام على أن يساوي بين المعابد جميعها في الحرمة الواجبة لها، والقاضية بصيانتها وعدم المساس بها. يقول الله سبحانه: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً). فعصبية الاسلام في مفهوم هذه الآية ليست كما يتوهم البعض عصبية كراهية وحقد على الأجناس الأخرى لكنها عصبية مساواة بين أتباع الشرائع السماوية جميعها، حيث تدعو المؤمنين لقتال الظالمين والمعتدين، دفاعاً عن صوامع الرهبان وبيع اليهود وكنائس النصارى ومساجد المسلمين.
    وليس العدوان على الكنائس عملاً أقل خطراً من الاعتداء على المساجد من وجهة النظر الاسلامية. فالاسلام يطالب المسلمين بالوقوف ضد مقترفيه، أياً كانت اتجاهاتهم ومشاريعهم ومشاربهم، تحقيقاً لمبدأ المساواة في العبادة بين الجميع.

    3 ـ في المعاملات: فإن الاسلام حين قرر المساواة قرر في مقابلها التبعية الفردية والتبعية الجماعية التي تشمل الفرد والجماعة وهذا ما يسمى بالتكافل الاجتماعي الذي تتشدق به الدول الراقية اليوم. غير أن الاسلام يعنى بالتكافل الاجتماعي ذلك النظام الفذ الفريد الذي يربي روح الفرد وضميره، والذي يعني بمواهبه الخاصة، والذي يعمل على تنظيم جميع العلاقات الاجتماعية والمعاملات المالية والأوضاع الاقتصادية، ويقوي استعدادات الانسان المسلم للعمل والإنتاج.









    1 ـ إن التكافل في مجتمع الاسلام هو علاقة بين المرء ونفسه. فعلى المسلم أن يزكيها ويطهرها، لأن على ذلك يتوقف ثوابه أو عقابه: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) وهذا هو التكافل الشخصي، أي أن يتكافل المرء مع نفسه. 2 ـ التكافل في مجتمع الاسلام هو ركائز ثابتة، يقيم الاسلام عليها بناء الأسرة، حيث يتعادل فيها الغنم والغرم. فهو ليس تكافلاً اقتصادياً فحسب، إنما هو فوق ذلك تكافل إنساني كامل، يشمل الأمومة بالحماية والطفولة بالعناية والرعاية: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده). وهذا هو التكافل العائلي. 3 ـ التكافل في مجتمع الاسلام هو دعامة المجتمع الشامل بما يترتب عليه من تبعات على الفرد إزاء المجتمع وعلى المجتمع إزاء الفرد: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). وهذا هو التكافل الاجتماعي لإصلاح المجتمع. 4 ـ التكافل العبادي ويتمثل بفروض الكفاية في العبادات، كصلاة الجماعة وصلاة الجنازة، فإن المجتمع الاسلامي متكافل في إقامة ذلك كله على سبيل الفرض الكفائي بحيث إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين وذلك كرياضة روحية يسعد بها المجتمع. 5 ـ التكافل الأدبي القائم على الحب والعطف المتبادلين بين المسلمين. يدل عليه قوله (ص): ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). 6 ـ التكافل العلمي الذي يوجب على العالم أن يعلم الجاهل، وعلى الجاهل أن يتعلم من العالم: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). 7 ـ التكافل الدفاعي فعند النفير العام يتحتم على المسلمين كل المسلمين رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً أن يهبوا للذود عن الدين والدفاع عن الأوطان، بقوله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله). 8 ـ التكافل الجنائي وهو ما لو وجد انسان مقتولاً ولم يعرف قاتله يختار أولياء الدم خمسين رجلاً من جيران المكان الذي وجد فيه القتيل يقسمون بالله أنهم لم يقتلوه ويجهلون قاتله. وبعدها يحكم عليهم بالتكافل مع بعضهم بفدية القتيل إن كانوا أغنياء وتعطى لورثته، وإلا فديته في بيت مال المسلمين لأنه لا يضيع دم في الاسلام. 9 ـ التكافل السياسي في قوله (ص): ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم)). هذا التكافل لا يقتصر على زعماء الحزب ولا على أركان الدولة ـ كما هو الحال عند من يقولون بالتكافل ـ بل يشمل جميع المسلمين حتى النساء. وقصة أم هانئ التي أجارت مشركين في فتح مكة معروفة، حيث قال لها رسول الله حين احتكم إليه المسلمون في شأنها: ((أجرنا من أجرت يا أم هانئ)).

    وأخيراً لا آخراً هناك:

    10 ـ التكافل الأخلاقي القائم على صيانة الأخلاق وحفظها من الانحلال، والذي يشير إليه الحديث الشريف: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). 11 ـ التكافل الحضاري المتمثل في التعاون على البر وكل ما من شأنه أن يرفع من مستوى المسلمين على جميع الأصعدة، بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). من هذه الألوان العديدة من التكافل، تتضح بجلاء قاعدة المساواة التي قررها الاسلام، بل ورفضها على الناس جميعاً في عصر كانت حياة آحاده تقوم على التفاضل بالمال والجاه والتفاخر بالشرف واللون، والتمايز بالآباء والأمهات والقبائل والأجناس قصداً إلى رفع مستوى الجماعة وتكميلاً للشرائع السماوية السابقة بما تقتضيه الشريعة الاسلامية الجامعة لكل المبادئ والنظريات بوصفها الشريعة الخاتمة لتعاليم السماء ولن يحدث بعدها تغيير أو تعديل بل تبقى متسمة بالديمومة والاستمرار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
    هذا، وبعد أن انتقل الرسول الأعظم محمد (ص) إلى الرفيق الأعلى، اقتفى أصحابه نهجه وساروا على سنته في تثبيت دعائم المساواة فنجد فيما يحدثنا التاريخ عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أنه تقدم له في مجلس القضاء علي كرم الله وجهه مع خصم يهودي له خصومة بينهما، فنادى عمر علياً بقوله له: ((تكلم يا أبا الحسن))، بينما نادى اليهودي باسمه المجرد عن الكنية، فإذا بعلي يغضب، فقال له عمر: ((أتغضب يا علي لأني أسوي بينك وبين خصمك؟))، فأجابه علي قائلاً: ((كلا، ولكني غضبت لأنك كنيتني فعظمتني ولم تفعل ذلك مع خصمي)).
    وقصة جبلة بن الأيهم ملك بني غسان معروفة ومشهورة مع الأعرابي الذي داس على طرف ثوبه فلطمه جبلة فحكم عمر بأن يقتص الأعرابي من جبلة تحقيقاً لمبدأ المساواة. فلم يطق جبلة هذا الحكم لأنه ملك وخصمه انسان عادي ولم يكن الاسلام قد وقر في قلبه بعد، ففرّ جبلة هارباً وارتدّ عن الاسلام وعاد إلى النصرانية.
    وحينما نتذكر الحقائق نجد ان الاسلام لم يمنع المساواه وهى مطلب اسلامى عادل وفى زمره ذلك نجد ان ثوره الشعوب لم تكن باطله او من اجل احداث الفتن او غير ذلك من الهبل الذى يذيعه من سموا انفسهم بالسلفيين الذين باتوا لا يمثلون شىء عند الشعب فى الفتره الحاليه لان الشعب ادرك انهم والطغاه سواء فلو بحثنا فيما كانوا يقرونه من حرمه المظاهرات وحرمه الخروج عن الطغاه وتمسحهم بالسلطه يؤكد انهم على خطا ولا يحق للشعب ان ياخذ العلم الشرعى عنهم ابدا

    لقد بات الان بعد انتصار الثوره التونسيه والمصريه ان اهداف تلك الثورات كانت عادله ومشروعه وجاءت لترسيخ اصول من الشريعه كترسيخ العداله والحريه والمساواه التى هى مطالب اجتماعيه عادله اكدتها الفطره كما حث عليها الاسلام



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    السيد احمد سليم الحسيسى
    محامى بالقضاء العالى ومجلس الدوله
    وكاتب مصرى
    عضو اتحاد الكتاب باريس
    ماجستير فى القانون
    محاضر متفرغ بالمعهد العربى باريس
    عضو اتحاد المحامين العرب
    باحث اسلامى



  7. #7

    رد: سلسله اسباب الثوره وحكم الشعب/1

    اننا فى نهايه البحث المطول عن اسباب الثوره وحكم الشعب نختم بكلمات هامه للغايه الا وهى ان من الضرورى بمكان ان يعى الحكام مطالب الشعوب العادله وان يقف كل حاكم امام نفسه وشعبه للمحاسبه فذلك اصل عام من اصول الشريعه وان يختار بطانته بعنايه وعلى الحكام ان يدركوا ذلك قبل فوات الاوان فالحكم ليس دميه واشهار ودعايه وكرسى الحكم مسؤليه كبرى يسال عنها الحكام ولا هواده فالامام العادل مطلب جماهيرى وتشريعى عام ولن يفر مجرم من العقاب فالواقع اثبت ذلك والتاريخ ملىء بالطغاه وما ال اليهم مصيرهم والحقيقه الهامه ايضا انه لا يهم ان يكون الحكم اسلاميا او مدنيا او غير ذلك المهم العدل وتحقيق الرفاهيه للشعوب من منظور اسلامى
    والحقيقه الاخرى الهامه ان الشعوب لها حق عند حكامها بل حقوق من اهما تحقيق العدل والحريه والمساواه والكرامه واتاحه الفرص ومحاربه الظلم والقهر والفساد ونشر التسامح والعداله والخير والاصلاح والمحاسبه تلك اولويات الشعوب والحقيقه ان الشعوب لا يهمها تداول السلطه او غيره بقدر ما يهمها تطبيق العداله والاصلاح والحريه وكل المعانى الاجتماعيه العادله وخطا الحكام انهم لا ينظرون لشعوبهم بل الاهم كرسى الحكم والخطا الاخر انهم يسيطرون على كل مقدرات الشعوب وينشرون الرعب والتمييز بين ابناء الشعب الواحد وتلك جريمه كبرى تسقطهم وهذا ما حدث فى تونس ومصر وسوف يحدث فى بلاد اخرى قريبا لان الجميع نهضوا واستيقظوا من غفلتهم فثوره تونس ومصر ونجاحهما المدهش حركت فى الشعوب الثورات واحركت العقول والالسن للسعى لتحقيق الاهداف العادله المنشوده
    والاصلاح لا يحتاج الى قائد وحيد متفرد او فئه وحيده متفرده وانظر الى ما يحدث وحدث لم يكن للثوره المصريه او التونسيه محرك غير الشعور بالكبت والظلم والقهر والجبروت وفقدان الحريه والعداله والكرامه
    وكانت الكلمات هى المحرك وليست القاده فقد كانت كلمات الشاعر ابى القاسم الشابى اروع اثرا فى نفوس الثوره التونسيه وانظر كيف اثرت تلك الكلمات فى شعب تونس العظيم وعلى اثره شعب مصر وبات العالم يردد كلمات ذلك الشاعر الاسطوره الذى قال منذ مائه عام قولته الشهيره(اذا الشعب يوما اراد الحياه فلابد ان يستجيب القدر)ومن المفارقات المدهشه ان ذلك الشاعر مات شابا فى ريعان شبابه
    ان وقع الكلمات العادله والحماسيه الرائعه كان اعظم اثرا من قاده النفاق والسوء فى تحقيق الاهداف وفى احداث الثورات فى العالم وقد وجدنا فى ميدان التحرير جميع جموع الشعب المصرى تكاتفت لتردد تلك المقوله ولتغنى اغانى الثوره واناشيد العزه والكرامه لحافظ ابراهيم وسيد درويش وغيره من عظماء الكلمه فى العصر السالف وعندما سقط الطاغيه فى مصر انظر ماذا حدث ترددت الاشعار الوطنيه الحماسيه الرائعه
    وغمرت الشعب فرحه النصر على الطغيان واعوانه وتلك حقائق هامه وقد سقطت كل اقنعه الزيف التى كنا نظنها محركه للثوره فاذ بها تحرمها وتتمسح فى عهود باليه وكسر الصنم فجاه بفعل اراده الشعوب وعدالتها ودفاعها عن الحق وكان الله لزاما ان ينصر الشعوب لانه تعالى قال(وحقا علينا نصر المؤمنين)
    ان عداله الثوره التونسيه والمصريه هما الدافع الذى نصرهما والنصر جاء باراده الله تعالى لان الهدف لم يكن تنفيذا لرغبه احد بعينه وانما الهدف كان ساميا وهو تحقيق العداله والحريه والكرامه فتم النصر
    فهنيئا للشعب التونسى والشعب المصرى العظيمين وهنيئا لكل الشعوب الاحرار فى العالم وطوبى للشهداء
    ويرحم الله شهداء مصر وتونس برحمته الواسعه وندعو الله تعالى ان ينعم علينا بفضله وغفرانه وعدله وان يحقق لنا جميعا الامن والراحه والعداله وان يرزقنا حسن العاقبه وحسن الخاتمه وان يبارك لنا فى بلادنا
    وان يحفظ مصر من كل سوء وان يجنبها الفتن والشرور
    فمصر هى قلب الاسلام الحصن له ومصر هى العظمه والقوه وهى التاريخ العظيم وهى الامن للجميع والملاذ للجميع وهى وجه الحضاره وعنوانها هى العرب والاسلام وبدونها لا تقوم للمسلمين قائمه لانها باختصار لب هذا العالم
    اللهم احفظ بلدك مصر وجنبه الشرور والفتن واهدى اهلها وحكامها وارزقهم العمل بشريعتك وبمددك
    اللهم ارحم شهداء الثوره المصريه العظماء
    وبارك فى اهل مصر
    وارزق اهلها حكاما عادلين صالحين
    والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    السيد احمد سليم الحسيسى
    محامى بالقضاء العالى ومجلس الدوله
    وكاتب مصرى
    عضو اتحاد الكتاب باريس
    ماجستير فى القانون
    محاضر متفرغ بالمعهد العربى باريس
    عضو اتحاد المحامين العرب
    باحث اسلامى



المواضيع المتشابهه

  1. صباح الخير (244)كيف نحكم على الأمور من بعيد؟
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى سلسلة صباح الخير(للأديبة ريمه الخاني)
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 11-20-2016, 06:35 AM
  2. محمد هاجو وحكم خالد...
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-15-2015, 01:56 AM
  3. ا/ محمد زارع برشيد لحضور مؤتمر جماهيرى( الثوره فى خطر )...حامد هلش
    بواسطة حامد هلش في المنتدى فرسان القانوني
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-03-2011, 06:32 AM
  4. دعاء وحكم
    بواسطة ندى نحلاوي في المنتدى فرسان الأدعية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-15-2010, 12:10 PM
  5. قصص وحكم
    بواسطة راما في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-13-2009, 09:43 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •