السقوط الأمريكي في طوره الثالث
محمد اسحق الريفي

حتى الأمريكيون أنفسهم يتحدثون عن بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية، ويسهبون الحديث في مقالاتهم المبشرة بالسقوط الأمريكي حول مظاهر هذا السقوط وأسبابه وتطوره التاريخي، ويصفون الانهيار الأخلاقي والقيمي الشامل للإمبراطورية الأمريكية وللنظام العالمي الجديد.

ويتحقق السقوط الأمريكي عندما تفقد الولايات المتحدة قدرتها على بسط سيطرتها العالم، أي فشل النظام العالمي الجديد، وعندما تفشل في تحقيق النصر في حروبها التي تشنها على الدول المستضعفة، وعندما تصبح غير قادرة على تغطية نفقات حروبها التي تهدف من ورائها إلى تأمين تدفق إمدادات النفط والغاز الطبيعي بأسعار زهيدة، والسيطرة على احتياطي النفط والغاز الطبيعي في البلاد العربية، ونهب ثروات الشعب العربي الذي يرزح تحت نير الاستبداد والفساد الذي تدعمه وتحميه الولايات المتحدة، وعندما تفشل هي والكيان الصهيوني في إخضاع حركات المقاومة العربية لإرادتها وهيمنتها. وقد بدأ سقوط الإمبريالية الأمريكية بالفعل، وقد وصل المرحلة الثالثة من مراحله، وفيما يلي سأتناول هذه الأطوار ببساطة ودون إسهاب أو تفصيل كبير.

الطور الأول للسقوط الأمريكي تجلى في الفشل العسكري الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان، والذي كان يهدف إلى نهب ثروات هذين البلدين والسيطرة على احتياطي النفط العراقي وغيره من الثروات الطبيعية للبلدين، وذلك في محاولة فاشلة لتجنب إعصار الأزمة المالية المدمر الذي أخذ يضرب الولايات المتحدة بلا هوادة، ولإنقاذ الاقتصاد الأمريكي قبل انهياره التام وإلى الأبد. ولكن الحربين اللتين خاضتهما الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان تحولتا إلى جرح عميق نازف للولايات المتحدة، ما أدى إلى تصعيد أزماتها الاقتصادية والتعجيل في انهيار نظامها المالي واقتصادها. ولا زالت الولايات المتحدة في حالة نزف مستمر مستعص على التضميد والعلاج. وبعبارة أخرى لم تجن الولايات المتحدة من حربيها على العراق وأفغانستان إلا تأجيج مشاعر الغضب الشعبي العربي والإسلامي على الولايات المتحدة التي تدعم الأنظمة المستبدة والفاسدة الجاثمة على صدور العرب، وظهور حقيقة الصورة الاستعمارية الإمبريالية الدموية والوحشية للولايات المتحدة. وأدت السياسة العدوانية التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه قضية فلسطين إلى زيادة اشتعال هذا الغضب الشعبي العربي، كما كشف هذه السياسات العدوانية الصورة الحقيقية المقززة للوليات المتحدة الأمريكية.

أما الطور الثاني، فهو الأزمة الاقتصادية التي عصفت فعلاً بالولايات المتحدة وأدت إلى انهيار النظام المالي الأمريكي، وذلك بعد فشل تجنب هذا الإعصار المدمر. وجاءت هذه الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي نتيجة حتمية لفشل الولايات المتحدة العسكري في العراق وأفغانستان. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن انهيار الاقتصاد الأمريكي أشد خطراً على مستقبل الإمبراطورية الأمريكية من الفشل العسكري، وفي هذا قال الرئيس الأمريكي "توماس جيفرسون" في رسالة إلى "جون تايلور في مايو 1816: "أعتقد بصدق أن المؤسسات المصرفية أكثر خطورة من الجيوش".

أما الطور الثالث، فهو تضعضع النفوذ الأمريكي في منطقتنا العربية والإسلامية، وقد بدأت عواصف التغيير التي هبت من المغرب العربي، وتحديداً من تونس، تتجه بقوة هائلة نحو الشرق العربي، لتوفر الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ذاتها التي أدت إلى ثورة تونس، مثل الفقر والبطالة والاستبداد والقمع والفساد والتواطؤ مع الأمريكيين في حربها على الإسلام وفي مشروع الهيمنة الأمريكية على منطقتنا العربية والإسلامية. وحتماً ستجتاح عواصف التغيير منطقتنا العربية كلها، ولا سيما جمهورية مصر العربية، التي يعد النظام الحاكم الجاثم على صدرها الحليف الأكبر للولايات المتحدة في منطقتنا. وستعصف عواصف التغيير بما يسمى المصالح الأمريكية وبالنفوذ الأمريكي في منطقتنا، وستخسر الولايات المتحدة حلفاءها وعملاءها المتواطئين معها ومع الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والشعب العربي، وسينعكس ذلك بقوة وفعالية على قضية فلسطين لصالح الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وضد الكيان الصهيوني الغاشم، وضد الاستعمار الإمبريالي الغربي.

وما ساعد على تضعضع النفوذ الأمريكي وهبوب عواصف التغيير هزيمة الكيان الصهيوني في حرب تموز 2006 أمام المقاومة الإسلامية في لبنان، وفي حرب كانون الأول وكانون الثاني 2008-2009 أمام المقاومة الفلسطينية في غزة. فقد فشل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة في إخضاع المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وبالتالي فشل في فرض حالة استسلام على منطقتنا، وتعززت في المقابل حالة ثبات وممانعة وتمرد على مشروع الهيمنة الأمريكية وعلى المشروع الصهيوني، ومثلت المقاومتان اللبنانية والفلسطينية حالة انتصار في منطقتنا وفشل ذريع لمشروع الشرق الأوسط الكبير.

وتجلى خلال هذه الأطوار الثلاثة بشكل واضح السقوط الأمريكي وفشل النظام الدولي الجديد، فقد فشلت الولايات المتحدة في كبح البرنامج النووي لكل من كوريا الشمالية إيران، وهذا دليل إضافي على الفشل العسكري الأمريكي وسقوط مشروع النظام الدولي الجديد المهيمن على العالم، وها هي الصين تؤكد سقوط هذا المشروع، وذلك بتحولها إلى قوة منافسة عسكرياً واقتصادياً للولايات المتحدة الأمريكية. وهناك تحديات اقتصادية هائلة تواجه الولايات المتحدة، ما يبشر بدخولها الطور الرابع، وهو أن تتحول الولايات المتحدة إلى دولة مسالمة وتتقوقع على نفسها، وربما تتفكك كما تفكك الاتحاد السوفيتي السابق.

وكل إمبراطورية والعرب بخير!

26/1/2011