من بدائع البداهة

لقي عبيد بن الأبرص امرأ القيس، فقال له عبيد: كيف معرفتك بالأوابد؟ فقال: ألق ما أحببت؛ فقال عبيد:
ما حبة ميتة أحيت بميتها ... درداء ما أنبتت سنا وأضراسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الشعيرة تسقى في سنابلها
... فأخرجت بعد طول المكث أكداسا
فقال عبيد:
ما السود والبيض والأسماء واحدة
... لا يستطيع لهن الناس تساسا
فقال امرؤ القيس:
تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها
... روى بها من محول الأرض أيباسا
فقال عبيد:
ما مرتجاة على هول مراكبها
... يقطعن طول المدى سيراً وإمراسا
فقال امرؤ القيس:
تلك النجوم إذا حانت مطالعها
... شبهتها في سواد الليل أقباساً
فقال عبيد:
ما القاطعات لأرضٍ لا أنيس بها
... تأتي سراعاً وما ترجعن أنكاساً
فقال امرؤ القيس:
تلك الرياح إذا هبت عواصفها
... كفى بأذيالها للترب كناساً
فقال عبيد:
ما الفاجعات جهاراً في علانيةٍ
... أشد من فيلقٍ مملوءة باساً
فقال امرؤ القيس:
تلك المنايا فما يبقين من أحدٍ
... يكفتن حمقى وما يبقين أكياساً
فقال عبيد:
ما السابقات سراع الطير في مهلٍ
... لا تستكين ولو ألجمتها فاساً
فقال امرؤ القيس:
تلك الجياد عليها القوم قد سبحوا
... كانوا لهن غداة الروع أحلاساً
فقال عبيد:
ما القاطعات لأرض الجو في طلقٍ
... قبل الصباح وما يسرين قرطاساً
فقال امرؤ القيس:
تلك الأماني تتركن الفتى ملكاً
... دون السماء ولم ترفع به راساً
فقال عبيد:
ما الحاكمون بلا سمعٍ ولا بصرٍ
... ولا لسانٍ فصيح يعجب الناسا
فقال امرؤ القيس:

تلك الموازين والرحمن أنزلها
... رب البرية بين الناس مقياساً