يا تركيا، ويا أنا
د. فايز أبو شمالة
أكاد ألا أصدق ما جاء في مقال "العرب والفلسطينيون في العيون التركية" للكاتب الدكتور مصطفى اللداوي، ولاسيما حين يقول: أما إن كان الفلسطيني القادم إلى تركيا من غزة، فإن الترحاب فيه أبلغ وأكثر، إذ يلتف حوله الأتراك، وكأنهم يرون كائناً قادماً من الفضاء، به يتبركون، ومنه يسمعون ما يحبون عن غزة وأهلها". ويضيف: "وعندما أصبح من المتعذر على أبناء قطاع غزة، مغادرة القطاع إلى مصر، مروراً إلى أي دولةٍ أخرى، إلا إذا كانوا يحملون إقامةً سنوية سارية المفعول في دولةٍ ثالثة، قامت الحكومة التركية مشكورة، بتسهيل حصول حملة جوازات سفر السلطة
الفلسطينية عموماً، وأبناء قطاع غزة خصوصاً إقامة سنوية، مكنتهم من مغادرة قطاع غزة والعودة إليه في أي وقتٍ".
إن هذا الكلام عن مشاعر الأتراك الطيبة تجاه فلسطين ليعزز الثقة بأن الذي يقف على قدميه، ويقاوم مغتصبي أرضه، سيجد عشرات الأيدي التي تمتد له وتسانده، وأن غزة ما كانت لتكتسب هذه المكانة في نفوس الأتراك، ونفوس أحرار العالم لولا وقفتها الصادقة في وجه مخططات التصفية للقضية الفلسطينية، ومقاومتها المسلحة للصهاينة.
إن التحول في مزاج الشعب التركي لم يأت بين عشية وضحاها، إنه تراكم الزمن الإسلامي الذي أفاق من غفوة العلمانية التي أضرت بتركيا، وأهانت الشرق، وإذا كان الموقف التركي يعزز صمود سكان غزة، فمما لا شك فيه أن إحداث غزة وصراعها مع الكيان الصهيوني قد أسهم في تسريع التحول في المزاج التركي، وفي تطور السياسة التركية المؤيدة للقضية الفلسطينية، وهذا ما لم يكن يتخيله أي عربي يرى الجيش التركي يجري المناورات العسكرية مع الجيش الإسرائيلي، ويفتح له أفاق تركيا ليحاصر بلاد العرب، وهذا ما لم يتخيله أي يهودي في الكيان الصهيوني ظن أن بلاد الأتراك قد
صارت ملاذا ًأمناً له، ويأتمر حكامها بأمر اليهود، يعد أن انقطع الشعب التركي عن جذره الإسلامي.
لقد فقد العرب هويتهم عندما فقدت تركيا هويتها، وضاعت فلسطين عندما تفككت الدولة العثمانية، بل شواهد التاريخ تؤكد: أن الذي خطط لأن تصير أرض فلسطين دولة إسرائيل اليهودية، هو نفسه الذي خطط لتمزيق بلاد العرب، وتغريب تركيا، وتفكيكها من داخلها، وهزيمتها، وتغييبها عن أصولها الإسلامية.
وشواهد التاريخ ذاته تؤكد أن استعادة تركيا لهويتها الإسلامية لهو المقدمة لاستعادة العرب هويتهم المفقودة، واستعادة أرض فلسطين هويتها العربية الإسلامية.
فهل أدرك الساسة الفلسطينيون المتغيرات الإستراتيجية؟!.