في غزة انقلابٌ
د. فايز أبو شمالة
صدق كل من قال: إن الانقلابيين يسيطرون على غزة، هذه حقيقة، ولاسيما إن حياة الناس في غزة قد انقلبت رأساً على عقب في السنوات الأخيرة، ومن لا يصدق فليذهب إلى شاطئ البحر، وليدقق، ويرى؛ فما هذا العز الذي تعيشين فيه يا غزة؟ شاطئ بحر يمتد من بيت لاهيا حتى رفح يطفح بالناس، الله الله، عشرات الكيلو متر من الشواطئ تعج بالمصطافين، والمستمتعين بالهدوء والأمن، وكأن الناس على شاطئ البحر تعيش في سويسرا، فلا أحد قلق على ابنته، ولا أحد خائف على زوجته، ولا أحد فزع أن تسرق سيارته، أو أن تطلق النار فجأة وتقتل صديقه، أو أخاه، أمن يفيض بموجه على طول شاطئ البحر، ويداعب أرجل السهارى، وحتى النسوة، النسوة في خان يونس يجلسن باطمئنان على شاطئ البحر في النادي التابع للأونروا، ويشاهدن مباراة كأس العالم بين أسبانيا وهولندا، النسوة في خان يونس يصفقن للفائز! كل هذا يحدث في مدينة خان يونس، النسوة يمشين على شاطئ البحر بعد الثانية عشر ليلاً بلا وجلٍ! وحركة السير لا تتوقف كل الليل، حقاً؛ ما أجمل انقلابك يا عزة!
في الصباح قمت بجولة برفقة وزير الزراعة الدكتور محمد رمضان الأغا، وشاهدت بأم عيني الانقلاب الذي حصل في الزراعة، وكيف تحولت مئات الدونمات من أرض المحررات إلى مشاتل، وحاضنات للأشجار المثمرة؟ وكيف أعدت وزارة الزراعة مليون شتلة زيتون، بمعدل شتلة لكل فلسطينيين في غزة، وأعدت 300 ألف شتلة من الأشجار اللوزية، ضمن خطة تشرف عليها وزارة الزراعة، للإكثار من الأشجار الأقل اعتماداً على المياه العذبة، وبهدف التقليل من زراعة الخضروات في قطاع عزة، ولتعويض الأشجار التي يقوم العدو الإسرائيلي بتجريفها، لقد هالني امتداد الشتل على مدى البصر، وكأنه مرج أخضر من الشتلات التي أعدت للترابط المصيري بين غزة والضفة الغربية.
إنه الانقلاب الذي طال عمل المهندسين الزراعيين، ولامس إخلاصهم، وقناعتهم بالعمل، ليصير المشتل ينبض بوجدانهم، ويستحث تفوقهم، وإبداعهم، إنهم مهندسون، وموظفون، وعمال ينتمون، ويؤدون واجباً، ولا يتذمرون، ولا يتأففون، ولا يتوجعون من ترقيات تتم وفق الهوى، ولا ينزعجون من سائق أو حارس صار عليهم مديراً عن طريق التدخلات الخارجية، والقرارات الفوقية، كما ساد في الفترة الراكدة من حياة غزة. قبل الانقلاب الذي قضى على ظاهرة الانفلات الأمني، عندما كان وكيل وزارة المالية السيد إسماعيل محفوظ، والقائم بأعمال رئيس بلدية رفح السيد على برهوم، ورئيس بلدية خان يونس الدكتور فايز أبو شمالة، يحضرون اجتماع شركة توزيع الكهرباء حتى وقت متأخر من الليل، وكان يشغلهم كيفية العودة بسياراتهم في الليل دون أن يعترضهم قطّاع الطرق، ولصوص السيارات، ومجرمي الانفلات، كانوا يعودون جماعة من غزة إلى المنطقة الجنوبية لضمان أمنهم، وكانوا يهنئون بعضهم بسلامة الوصول.
اليوم يترك المواطن في غزة سيارته على قارعة الطريق، ولا يخشى النقيق؟

.