غزة تحتل المرتبة الأولى في التلوث الضوضائي –كتب د. ناصر اسماعيل جربوع اليافاوي

ربما يستغرب البعض من عنوان مقالي ، وخاصة خبراء البيئة حيث أن التلوث الضوضائي غالبا ما يتمركز في المناطق الصناعية ،ولكن إذا أخذنا الجانب الآخر من التلوث الضوضائي وتمركزه بشكل مطلق في مناطق التجمعات السكنية المكتظة بالسكان والأسواق وحركة المواصلات ، ربما هنا إن تحدثنا عن غزة يزول الاستغراب ، الأمر هنا لا ينسحب على العوامل السابقة فحسب، ولكن إذا وضعنا بين أيديكم تعريف التلوث الضوضائي انه ( صوت غير مرغوب فيه يؤثر على السمع ويؤدى إلى عدم راحة النفس وإجهادها ) وهذا التعريف ينطبق بشكل مطلق على واقع الحال في غزة وقطاعها !!

جاء حكمي غير المتسرع بعنوان مقالي أن غزة تحتل المركز الأول بالتلوث الضوضائي، حين تجولت في شوارع وأزقة وأسواق غزة ومخيماتها - بلحظة يفترض ان تكون صامته، ترجعنا إلى الوراء إلى فترة الخمسينيات والستينات من القرن الماضي فترة انعدام التيار الكهربائي أصلاً عن غزة - ، تجولت بهدف الترويح عن نفسي بعد ضغوط الحياة العصيبة في غزة ، ولكنى رجعت بحالة من الإجهاد والتعب وعدم راحة البال وبمزاج عصابى حاد ، لعنت كل شيء مادي ملموس من حولي حيث الآلاف من مولدات الكهرباء متناثرة في كل شبر من أراضى غزة المحاصرة، تطلق أصوات غير مريحة للسامعين لتعلن حصارا على غزة من نوع آخر انه حصار للأذن والقلب وضغط الدم المرتفع بطبعه عند أهالي قطاع غزة .

فالموجات الصوتية المنتقلة عبر هواء غزة غير النقي ، لان معظم هذه الموجات تنطلق بشكل مرتفع ، يصل بنا إلى حد القلق والإزعاج ، فمن المعروف أن شدة الأصوات وقوة ضغط أمواجها وتأثريها على طبلة الأذن تقاس بوحدة قياس عالمية تسمى( ديسبل) و التي تندرج من 1- 200 ديسبل، واجمع العلماء أن الحد الأقصى الآمن لشدة الضوضاء والمسوح بها هو75 ديسبل ، وان زادت عن ذلك تصبح الضوضاء خطرة ، ولكن المتجول في أسواق غزة ومخيماتها حين انقطاع التيار الكهربائي، وبدء تشغيل مولدات الموت الصينية، وما تطلقه من صواريخ صوتية من عيار ارض - جو ، وما يصاحبه من صوت ميكرفونات الباعة للنداء بصوت غير عذب للترويج لبضائع ربما تكون بالية تم إحضارها من أنفاق الموت أيضا ، كل هذا يجعل وحدة القياس تعلو عن 75 ديسبل ، فتجد الناس في غزة يتساقطون كأوراق أشجار الخريف ، وتجد المزاج حادا بطبعة ، والضجر يحاصر حتى أطفالنا الذين يقضون إجازاتهم بحثا عن بقايا حجارة قديمة يبعها بدراهم بخسة معدودة ليتسنى له الحصول على شطيرة من الفول أو الفلافل ليسد بها جوعه ..


صورة الوضع أسوأ مما صورت بكلماتي البسيطة، لذا أدعو منظمات البيئة الدولية، أن تدرس الأمر بأكثر تخصصية لإيجاد سبل من العلاج لأكثر من مليوني من البشر مهددين بالموت ببطء ، وإذا كان الأمر يتعلق بالتيار الكهربائي يا قوم، فالعالم العربي بنفطه وخاماته الربانية اعتقد أنه غير عاجز عن توفير بعض من فتاته لهذا الشعب الذي لازال صامدا في وجه المؤامرات الإقليمية والدولية أليس كذلك ؟! –د.ناصر اسماعيل جربوع اليافاوي كاتب باحث فلسطيني