وهمية وجود الناسخ والمنسوخ في كتاب الله
إن مسألة الناسخ والمنسوخ ظهرت نتيجة سوء فهم لآيات ظنوا أنها متعارضة من حيث المعنى والحكم ، غير التأثر بثقافة الوافدين إلى الإسلام من الشعوب الأخرى ، وبما أن النص القرآني اكتمل نزولاً ، ومرتبط خطابه مع الواقع حيث صار صورة للبعد الموضوعي ، أي إخبار عن الوجود الحق، وبالتالي لا يمكن أن يُنْسخَ البُعد اللساني( المبنى والمفهوم) لكلام الله لأن ذلك لو حصل لاقتضى وقوع الكذب والاختلاف بين البُعدين الموضوعي واللساني (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) النساء 82، إذاً ، على افتراض وجود الناسخ والمنسوخ في كتاب الله يجب أن يكون محله رسالة الله، وليس كلامه ، أي في النص الإنشائي ، وليس في النص الخبري.
ومن المعلوم أن النسخ لم يقع قط في الرسالة الواحدة ، وإنما كان يقع بين رسالتين لأن النسخ في الرسالة الواحدة باطل وعبث لما يترتب عليه من اتصاف المرْسِل من تناقض وجهل بالجهة المرسَل إليها، فضلاً عن أن صفة النسخ لو وجدت بالرسالة الواحدة لانتقضت الرسالة نفسها وثبت بطلانها، قال تعالى في وصف قصة بعثة عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) آل عمران50 . أما التشريع القرآني فقد نزل منذ البداية له صفة الكمال والاستمرار التي تقتضي الإنسانية والديمومة والعالمية فلو حصل نسخ لأحد الأحكام ، فمعنى ذلك أن هذا النص المنسوخ عندما نزل لم يكن يتصف بالكمال والاستمرار ، وبالتالي ينتفي عنه مقتضياتها ، ويصير نصاً عينياً مثل نصوص أهل الكتاب المنسوخة، والسؤال المطروح ، لماذا حصل ذلك في المجتمع الأول؟ والجواب التقليدي هو لعلاج مشاكلهم بمرحلية تتناسب مع معطياتهم المعرفية. فنقول لو حصل ذلك لاقتضى أن يستمر في كل مجتمع بعد المجتمع الأول عملية النسخ لأن لكل مجتمع مشاكله وظروفه التي تحتاج إلى مرحلية في العلاج حسب معطياته الثقافية والموضوعية، وكون هذا الأمر لم يستمر أو يحصل في المجتمعات اللاحقة مما يؤكد على انتفاء حصوله في المجتمع الأول كون النص التشريعي ابتداء موجه إلى الإنسانية والعالمية وليس إلى العرب خاصة. فعملية النسخ إنما هي حصراً بين الرسائل ، ولا يمكن أن تكون في الرسالة الواحدة ، وهذه العملية بين الرسائل إنما هي أمر لازم لتطور المجتمعات كون كل رسالة سابقة كانت تنزل موجهة إلى مجتمع بعينه حتى جاءت رسالة القرآن لتعلن أن المجتمعات الإنسانية قد وصلت إلى بدء سن النضج ، وهذا يقتضي تغيير في بنية الرسالة نفسها من الصفة العينية إلى الصفة الحدودية - رفع الوصاية الإلهية عن الناس - وجعلها عالمية إنسانية دائمة وذلك لتعتمد المجتمعات الإنسانية على نفسها في تشريع ما يستجد لهم من خلال عملية التطور وذلك ضمن حدود الله عز وجل التي جعلها إنسانية عالمية لتكون الأرضية التي يعتمد عليها المجتمع الإنساني في تشريعه الزمكاني لا يتجاوز حدود الله أبداً. وإذا كان التشريع بتلك الصفة أي أنه إنساني وحدودي ودائم لا يمكن أن يقبل النسخ في بنيته أبداً ، لا في زمن نزول الوحي ولا من بعده، لذلك كان هذا الشرع الحدودي هو الشرع االكامل والجامع لما سبق ، والمستمر إلى آخر مجتمع إنساني في الوجود. والقول بإمكانية وقوع النسخ في الرسالة الكاملة أو وقع فعلاً يلزم من ذلك نقض صفة الكمال عنها ضرورة لازمة لهذا القول، وكون صفة الكمال ثابتة بشكل قطعي للشرع القرآني مما يدل على بطلان مسألة وجود الناسخ والمنسوخ في الرسالة الكاملة والجامعة.
وقد قال بعضهم: بإمكانية وجود النسخ نظرياً مع نفي وقوعه فعلاً!.
وغيرهم وضع شروطاً للنسخ لو طبقوها والتزموا بها لن يجدوا ولا نص تم نسخه بناء على شروطهم وقواعدهم!.
لذا ؛ يجب حذف هذه المسألة من بحث علوم القرآن ، وعدم تدريسها. مع العلم أن هذا الموضوع غير معروف وغير متداول في مجتمع النبوة ، ولم يثبت أي خبر في ذلك أبداً!.