هل ما زالت (الجنة تحت أقدام الأمهات)؟
كتبت: إيمان أحمد ونوس

العدد الخامس والستين - 2010-03-18

عــودةنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعياعترفت الأساطير والأديان والمجتمعات كافة بالمكانة المميّزة للأم، فمثلاً الرسول منحها منزلة القداسة عندما قال (الجنة تحت أقدام الأمهات)، يدعم تلك المكانة ما قاله عندما جاءه أحدهم يسأله أيهما أحق بحسن صحابتي؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثمّ من؟ قال أمك، قال ثمّ من؟ قال أبوك.
وهذا مؤشر عظيم إلى ما منحه الدين للأم من مكانة تحسدها عليها حتى الملائكة. لكن للأسف ما نلمسه اليوم ولاسيما في مشروع قانون الأحوال الشخصية الأخير يشي بما يخالف هذه المكانة والأهمية.
فلنقف لحظة تأمل في بعض مواد المشروع، ولنرَ ماهية الاحترام التي تخلى هذا المشروع عن اتباعها تجاه المرأة الأم كما نصت الآيات والأحاديث.
لقد أعطاها الشرع حق الاشتراط في عقد الزواج بألاّ يتزوج الزوج عليها، وهي عندما تمارس هذا الحق إنما لتحمي نفسها وأطفالها من التشتت والدمار. لكن يأتي المشرّع ليحمي الزوج ورغباته كما في المادة41،4 إذ جاء فيها.
4- وإذا اشترطت المرأة في عقد النكاح ما يقيد حرية الزوج في أعماله الخاصة أو يمس حقوق غيرها، كاشتراطها عليه أن لا يتزوج زوجة أخرى، أو أن يطلّق ضرتها، أو أن تكون العصمة بيدها بشكل مؤقت أو دائم، كان الاشتراط صحيحاً ولكنه ليس بملزم للزوج، فإذا لم يف الزوج به فللزوجة المشترطة طلب فسخ النكاح.
لتصبح المرأة هنا كالمستجير من الرمضاء بالنار، لأن شرطها في عقد الزواج لا قيمة له مادام غير ملزمٍ للزوج، إذ تكون حياتها واستقرارها وأمنها الروحي والنفسي مرهونة برغبات الزوج وأهوائه، التي من المؤكد أنها ستدمّر الأسرة وتدفعها باتجاه الضياع والتشتت. يجري كل هذا بحماية من رجال التشريع الأشاوس الذين جعلوا القوامة للرجل بحكم رجاحة عقله- حسب رأيهم- وقدرته على التحكّم بانفعالاته، بينما جرّدوا المرأة حتى من الولاية على نفسها مثلها مثل المعتوه أو المجنون أو السفيه، وجعلوها لا تستفيد مما هو حق لها في الحفاظ على استقرارٍ، فقد أعطوها إياه باليمنى ليأخذوه ليس فقط باليسرى وإنما بكل ما أوتوا من قوة وعنجهية بربرية، متمردين على صيانة الحقوق الشرعية واحترام الأمومة وقداستها التي منحها إياها الدين، ليتركوها تتلظى بنار الطلاق وتبعاته المريرة من نظرة اجتماعية متخلّفة، إلى أعباء ينوء تحت كلكلها أعظم الرجال، كتربية الأولاد وتأمين متطلبات عيشهم في ظل أوضاع اقتصادية معاشية لا تُطاق من جهة، وتلاعب الأب بحياتهم وتلبية رغباته المنفعلة التي أطاحت باستقرارهم وأمنهم من جهة أخرى.
ونصل إلى المهزلة الأفظع في مشروع التشريع الرائد من خلال المواد،66 ،67 71، التي تظهر فيها مسايرة أهواء الزوج على نحو فاضح من خلال السماح له بتعدد الزوجات، شريطة ألاّ يتعدّين الأربع في عهدته، فإذا رغب في الخامسة فما عليه إلاّ أن يختار كبش الفداء من نسائه الأربع بطلاقها ورميها وأولادها للمجهول، لتصبح الأمومة على قارعة الفاقة والحاجة والتلاشي، وربما الانحراف الداعي لارتكاب ما يسمى بجرائم الشرف بامتياز.
ولا يقف الوضع عند هذا الحدّ من إهانة المرأةالأم، بل يتعداه لتكون مجرد خادمة للزوج والأولاد، تتقاضى أجرة التربية والإرضاع في حال الطلاق، وتُحجب عنها تلك الأجرة أثناء قيام الزوجية، متجاهلين أن الأمومة أسمى من ذلك بكثير، فالأم تهب أولادها حياتها دون منّة، فكيف بها تأخذ أجرة إرضاعه..؟ لماذا ينظر المشرّع إلى الأمومة بهذه الطريقة المادية البخسة..كما في المادة 329:
- يجب على الأم إرضاع طفلها إذا لم يمكن تغذيته من غير لبنها، أو كان الطفل لا يأخذ غير ثديها، أو كان أبوه معسراً ولا يوجد من ينفق عليه.
في هذه المادة تبخيس فظيع للأم وللأمومة باعتبارها إجبارية- مشروطة، لأن الأمومة لم تكن يوماً هكذا في عصر من عصور التاريخ البشري. فمجرد طرح الموضوع بهذه الصيغة هو إهانة لا مثيل لها لكل أمهات سورية الحبيبات من جهة، ومن جهة أخرى هو مراعاة ومحاباة لوضع الزوج المُعسر...!
المادة 192
- إذا كانت الأم معسرة وقت المخالعة، أو أعسرت فيما بعد، يجبر الأب على نفقة الولد، وتكون ديناً له على الأم.
المادة 316
- إذا لم يكن الأب متوفىً انتقلت الحضانة إليه بعد انتهاء مدتها، إلا إذا طلبت الأم تمديد الحضانة حتى سن الرشد، فتىً كان أو فتاة، ورأى القاضي مصلحة المحضون في ذلك، ووافق المحضون على هذا التمديد.
المادة 317
لا تستحق أجرة الحضانة خلال فترة التمديد.
أين الرحمة والاحترام اللذان حضّ عليهما الدين تجاه الأم...؟ أين التعاطف والمساعدة لأم رغبت في الاحتفاظ بأمومتها وحضانة أولادها...؟ فبدلاً من أن تعان على مهامها الجسام يكويها المشرّع بنار الديون المترتبة للأب، وكأن هؤلاء الأولاد أولادها وحدها. ثمّ، لماذا هذا التناقض الواضح من حيث مدة حضانة الأم، لاسيما إن رغبت في تمديد فترة احتضان الأولاد، أو إجبارها على قبول الحضانة..؟
أجيب أن سبب هذا التناقض الواضح والفاضح في كثير من مواد مشروع القانون هو الانحياز الكامل للرجل، ومحاباة وضعه ورغباته وفقاً لأهوائه، ما يشكل إذلالاً للزوجةالأم برعاية كريمة من المشرّعين الأشاوس.
ولنأتِ إلى المواد الأكثر قسوة ووحشية في حرق مشاعر الأمومة وسحقها بلا رحمة أو شفقة، أو وازع من ضمير، والسبب أن الأم غير مسلمة، والخوف أن تربي ابنها على غير دين أبيه، كما جاء في المادتين 293-294.
المادة 293
- الأم الحاضنة غير المسلمة أمّاً كانت أو غيرها، تستحق حضانة ولد المسلم، حتى يعقل الولد معنى الأديان، أو يخشى أن يألف غير الإسلام وإن لم يعقل الأديان، لأنها أحرص على حضانته على أن لا يتجاوز عمره أربع سنوات.
المادة 294
1- تقتصر الحضانة على الأم المسلمة فقط إذا خُشي على المحضون أن يألف غير دين الإسلام وعاداته، أو كانت الحاضنة تستغل ضعف الطفل لتنشئته على غير دين أبيه الإسلام.
لنتخيل حالة طفل لم يتجاوز الأربع سنوات وهو يُنتزع من حضن والدته فقط لأنها غير مسلمة، هل لامس أحد شعور أم يُنتزع ابنها من حضنها عنوةً..؟
وأتساءل هل تختلف الأمومة مابين الإسلام وسواه من الأديان حتى تُعامل الأمومة بهذه الطريقة المرعبة..؟
وهل الأم المسلمة حكماً مثالية في تربية ابنها التربية الدينية الحقيقية كما يراها المشرّع..؟ ثمّ، هل تقتصر التربية فقط على النواحي الدينية..؟
لماذا لم تؤخذ بالحسبان باقي النواحي التربوية، والحالة النفسية لطفل لم يتجاوز سنواته الأربع، وهو بأمس الحاجة إلى وجود أمه معه ولا أحد سواها، حسب علماء النفس والتربية؟ وأيضاً هل وصل حدّ الإجرام تجاه الأمومة إلى هذا المستوى الذي ينتزع ابنها من حضنها بقوة الشرع الذي عليه بالأصل احترام الأمومة التي منحها الدين مرتبة القداسة..؟
ثمّ، لماذا هذا التفريق الفاضح بين الأديان حتى على مستوى الأمومة، والعمل بعكس توجه الأديان السماوية الداعية إلى المحبة والتعاون، إضافة إلى أنه رأس حربة في وجه التعايش الإنساني بين شرائح المجتمع السوري بأطيافه الدينية والعرقية كافة؟ ألم يقل الرسول (لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى)؟!
المصدر: النور

http://www.thenewalphabet.com/details4270.html