نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

من التلغراف إلى الإنترنت
تقدم وسائل الاتصالات يغيّر الحياة الاقتصادية

يملك البشر منذ نهاية القرن التاسع عشر قدرة الاتصال من بُعد مما مكنهم من تطوير وسائل اتصالات مختلفة آخرها الاتصال عبر الهاتف الخلوي اللاسلكي والأقمار المدارية التي بدأ إطلاقها إلى محيط كوكب الأرض في القرن العشرين.
وقد أدت هذه التطورات التي عُرفت بثورة الاتصالات إلى تغيرات متسارعة في نمط حياة الأفراد وأساليب معيشتهم إلى درجة كان من المستحيل من دونها أن تصل المجتمعات البشرية إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور تكنولوجي في مجال الكومبيوتر والإنترنت.
كيف جاء تسلسل هذه الأحداث التي جعلت من استخدام الكومبيوتر والاتصالات أمرا ممكنا، وما هي ابرز التطورات التي مهدت الطريق أمام الكومبيوتر وبرامجه وخدماته في الدورة الاقتصادية؟
حاول الإنسان تطوير قدراته على التحدث إلى غيره من الأفراد والمجتمعات عبر عشرات الأساليب منها النار ورسائلها الدخانية وقرع الطبول والأبواق والحمام الزاجل، وصولا إلى أبراج المهندس الفرنسي Claude Chappe 1790 التي كانت تنقل الرسائل الضوئية عشرات الكيلومترات عبر عمال يتلقون الإشارة في كل برج ويعيدون نقلها كما هي.
لكن التقدم الكبير حصل بعد توليد الكهرباء ونقلها، حين تم استخدام الكهرباء ذات التوتر المنخفض، فقد حاول البعض استخدام هذه الكهرباء لكي ينقل عبرها إشارات ذات معنى تؤلف رسالة نصّية لمسافات طويلة.
وبهذا ظهر التلغراف الذي سجّل انتشارا مع القرن التاسع عشر حين تم الإعلان عن اكتشاف واحد في مكانين، الأول في بريطانيا مع تشارلز ويت ستون ووليم كوك، والثاني في أميركا مع صموئيل مورس المعروف بتصميمه إشارات التلغراف (النقطة والشَرطة) التي بقيت قيد الاستخدام حتى عام 1999 حين دخل نظام الاتصالات العالمي Global Maritime Distress and Safety System الذي يستخدم الأقمار المدارية وإشارات الراديو.
التقدم النوعي نحو اتصالات افضل حصل بين 1850 و1860 حين تم نقل ترددات صوتية غير واضحة لشخصين على بعد كيلومترات، والاكتشاف كان للمخترع غراهام بل الذي سجّل براءة اختراعه عام 1876 ليصبح بذلك صاحب الوسيلة التي ستدفع البشرية نحو حدود جديدة لقرون عدة. وفي الفترة ذاتها كان توماس اديسون يعمل على تقنية تسجيل الموجات الصوتية وعرضها ليمهّد الطريق بذلك أمام (المسجّلة) Recorder.
الاتصالات تتطوّر
اعتمدت أنظمة التلغراف والتلفون الأولى على وجود أسلاك الاتصالات لنقل الإشارات، لكن التطورات العلمية أظهرت وجود إمكانات أخرى.
فقد تحدث الفيزيائي جيمس كليرك ماكسويل عام 1873 عن طرق لاستخدام الكهرباء المغناطيسية في الاتصالات.
وطوّر هذه الطرق الفيزيائي الألماني هانريش رودولف هرتز عام 1887 حين اكتشف الموجات الالكترومغناطيسية واضعا بذلك أسس اتصالات التلغراف اللاسلكية.
وتتابعت الاكتشافات مع المخترع الإيطالي جولييلمو ماركوني حين أرسل إشارة لاسلكية عبر المحيط الأطلسي، وطوّر هذا الاكتشاف الفيزيائي البريطاني جون فليمينغ عام 1904 وساهم في المجال نفسه الأميركي لي دي فورست الذي وضع أول الأجهزة الخاصة بنقل الترددات والتي تم استخدامها لاحقا في مئات المنتجات الإلكترونية.
وبهذا فقد انطلق أول بث للراديو عام 1906 في الولايات المتحدة حين بُثّت حفلة أوبرا من (أوبرا هاوس ميتروبوليتان) في نيويورك عام 1910، وبحلول عام 1920 بدأت العديد من المحطات البث في الولايات المتحدة.
وبحلول 1923 بدأت هيئة الإذاعة البريطانية ( BBC) البث في المملكة المتحدة، وفي 1925 كان هناك نحو 600 محطة بث إذاعي في العالم.
الاتصالات اقتصادياً
هذه التطورات التقنية حفّزت مجموعة أخرى من التطورات إلا أنها كانت اقتصادية، فقد أدى وجود الاتصال الصوتي والمعلوماتي عبر البحار والقارات في أي مكان وزمان سواء عبر التلغراف وبعده الهاتف ثم الخلوي والإنترنت، إلى تحوّلات أدت إلى ما يطلق عليه الآن اسم الاقتصاد الجديد.
ومع أن ركائز هذا الاقتصاد ليست واضحة بعد، إلا أنها باتت اكثر وضوحا مع بدء الاعتراف الاقتصادي بدور الكومبيوتر وبرامجه المتصلة عبر الإنترنت. وابرز حالة في هذا هي الصيرفة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية.
وفي بلدان عديدة اليوم تقوم الجهات الاقتصادية والسياسية بتحضير بنى اقتصادها تشريعيا لتتلاءم مع التطورات المعلوماتية، وقد ظهرت نتيجة لذلك مصطلحات جديدة مثل التوقيع الإلكتروني والتشريع الإلكتروني والبوابات الحكومية والتحويلات الرقمية وغيرها.
ويقول خبراء اقتصاديون عالميون انه إذا استطاع التلغراف في القرن التاسع عشر أن يواكب الثورة الصناعية ويدعمها بقوة، فإن الثورة المعلوماتية في الاتصالات والمعلوماتية مقدر لها أن تحدث أثرا كبيرا في حالة العولمة وزمن سيطرة الشركات الكبرى.
ومن الذين تحدثوا في هذا الموضوع غرايدي مينز Grady Means الخبير في شؤون (الاقتصاد الجديد).
وفي كتابه (ما وراء الرأسمالية: ثورة التجارة الإلكترونية وبنى شركات القرن الحادي والعشرين وأسواقه)، والذي نشر في تموز 2000 ، يدرس التغيرات التي أحدثتها الثورة الإلكترونية في التجارة، ويقول: (على البلدان النامية أن تضمن أن تكون قيادة شركاتها مواكبة بسرعة كافية لكل التأثيرات التحويلية الدقيقة لشبكة التكنولوجيا، وكذلك الفرص الهائلة التي تمثلها لهذه الدول حتى ينبثق منها كبار الرابحين. وإن لم تقم الدول النامية وتلك التي في المرحلة الانتقالية بإجراء هذه التغييرات فإنها تضر بنفسها لأنها تقاوم الاتجاهات التي لا يمكن أن تقاوم في الاقتصاد العالمي الآن).
ويضيف أن دورة التغيير بدأت زيادة سرعتها خلال السنوات العشرين الماضية وهذا بدوره يغير قواعد التجارة.
إن التغير في التجارة في العالم كان يحسب على فترات طويلة بقرن كامل أو خمسين سنة أو عشرين على الأقل.
أما الآن ففترات التحول تحصل كل سنتين أو ثلاث، وهذا أمر بدوره يغير الطريقة التي يفكر بها صاحب العمل في شركته. كما أنه يغير الطريقة التي قد تفكر فيها في شؤون التجارة والمؤسسات العامة في بلادك.


مقتبس من العالم الرقمي

http://www.al-jazirah.com.sa/digimag/09052004/hk15.htm