الإرادة تأبــــــــى الأســــــــر
لحماية الأقصى والحرم الإبراهيمي
محمود صالح عودة
لا تخفى علينا الممارسات الإسرائيلية المتكررة لإسكات المواطن الفلسطيني تجاه ما تقوم به المؤسسة من ظلم وتمييز عنصري بحق أبناء شعبنا، ولكنها تجعلنا نتساءل لماذا تقوم بخطوات فشلت بها سابقًا، ولماذا الآن بالتحديد؟
من المقرر تنفيذ الحكم بسجن الشيخ رائد صلاح خلال الأيام القليلة المقبلة، تحديدًا بتاريخ 28.2.2010، بتهمة المشاركة بأعمال شغب والاعتداء على شرطي ومحاولة إفشال تأديته لعمله. وهذه التهم قد توجّه لأي متظاهر في احتجاج ما إذا تم توقيفه من قبل الشرطة، وفي بعض الحالات يدفع المتظاهر غرامة مالية بسيطة أو يؤدي ساعات محددة بالخدمة الجماهيرية ونادرًا ما يتم تنفيذ السجن الفعلي، وقد استبعد الحكم بالسجن الفعلي على الشيخ رائد صلاح نفس الحاكم الذي أصدر القرار بمحاكمته منذ حوالي شهر قبل اتخاذ القرار، مما يدل بوضوح على وجود أسباب سياسية من وراء هذا الحكم.
أبرز هذه الأسباب هو ترهيب وإسكات الشعب المطالب بحقوقه الإنسانية والشرعية، وتهميش دوره تجاه ما تقوم به قوات الإحتلال الإسرائيلية في القدس من هدم البيوت العربية وبناء المستوطنات اليهودية وتهجير السكان الفلسطينيين حتى تهويد المدينة بالكامل، وإسكات أعلى صوت مدافع عن المسجد الأقصى، فالأقصى هو رمز إسلامي وعربي وفلسطيني، والتقليل من أهمية رموز الأمة له أبعاد خطيرة تؤدي إلى التفريط بمسائل وحقوق عديدة أخرى.
ومسألة القدس والأقصى لا يستهان بها، فالتهويد أصبح واقعًا، والاعتداء على المعالم العربية - الإسلامية والمسيحية – مشروع يومي مستمر، وهدم المسجد الأقصى ليس مجرد "حلم" يسعى الـ"متطرفون" لتحقيقه وحدهم، فهل حريق المسجد الأقصى عام 1969 نفذه الـ"متطرف" الأسترالي دنيس مايكل روهن وحده؟. والتآمر لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا وبمشاركة بعض الأعراب وممن يدعون الإسلام، لا بل تمادى بعضهم إلى حد الادعاء بأن المسجد الأقصى مسرى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليس في القدس! وما أكثر الغافلين..
إن ما يجري على أرض الواقع اليوم، من قرار الحكومة الإسرائيلية جعل الحرم الإبراهيمي في الخليل موقعًا أثريًا وتراثيًا لليهود بعد تقسيمه ظلمًا قبل نحو عشرين عامًا، وبعد منع الآذان فيه متى شاؤوا، وبعد إغلاقه أمام المصلين متى أرادوا، وبعد اعتداءات للمستوطنين المتكررة على المصلين فيه، وأبرزها مجزرة "الطبيب" الإسرائيلي المجند باروخ غولدشتاين، لهو خير دليل على ما قد يكون مخططًا للمسجد الأقصى؛ بعد الحفريات من تحته، ووضع كاميرات المراقبة فيه ومن حوله، ومنع المصلين من دخوله متى شاؤوا (وفق مفهومهم لحرية العبادة)، والاعتداءات على المصلين فيه، والسماح للمستفزين من دخوله.
كل هذا لا يبرر الإحباط والتخاذل عن نصرة القدس والأقصى، بل يوضح مدى مسؤوليتنا وأهمية دورنا في الدفاع عن حقوقنا ويحفزنا على أداء مهمتنا في الداخل الفلسطيني بالطرق الصحيحة المتاحة والمشروعة، ولن نكتفي بالقول "للبيت رب يحميه". وإذا ظن أصحاب القرارات السياسية في البلاد أنهم سيحققون أمانيهم من خلال هذه الممارسات البوليسية، فالواقع هو أن هذه الممارسات لن تزيد سالكي هذا الطريق إلا إيمانًا ويقينًا بطريقهم نحو الحرية واستعادة الحقوق المغتصبة، فالإرادة تبقى حرة رغم الأسر.