كثيرون تعرفوا على اسمها وهم مازالوا صغارا يدرسون «القلب الذهبى»، قصة الفتاة الواسعة العينين «زين» وقطها «نمر»، وكثيرون مازالوا يتذكرون الإهداء الذى صدرت به الرواية القصيرة»إلى ابنتى بهية وجيلها الوثاب الذى يهوى المعرفة وهدفه الواقع لا ترضيه سوى الحقائق يجد ويشقى ويجاهد باحثا عنها أبدا"، تلك كانت جاذبية صدقى، الأديبة والكاتبة الصحفية التى ولدت عام 1920. كتبت جاذبية الرواية والقصة بنفس الألق الذي كتبت به للأطفال رائعتيها «القلب الذهبى»، و«بين الأدغال» . ومن أعمالها الخالدة «مملكة الله»، «الحب»، «بوابة المتولى»، «ليلة بيضاء»، و«لمحات من المسرح العالمى».قامت بترجمة العديد من الأعمال الأدبية العالمية مثل «الشاره القرمزيه» لناتانييل هوثورن. اهتمت جاذبية أيضا بأدب الرحلات، تسجل رحلاتها وتمزجها بانطباعات وحكايا تتوالد مع كل مشهد وعلى كل أرض بتلقائية شديدة وبمشاعر فياضة. ففى كتابها عن رحلتها إلى أسبانيا والتى تضمنت أيضا زيارة سريعة لسويسرا وايطاليا «فى بلاد الدماء الحارة» والتى قامت بها فى الستينيات، جاءت الكلمات معبرة ومشهدية لتضع الواقع متجليا أمام القارئ الذى يجد أن الصورة تتجسد مع كل كلمة تكتبها. وكما رصدت المشاهد، رصدت سلوك البعض الذى لا يوافق البلد الذى يعيش فيه بقولها «فى نظرى خير ما يفعله المغترب أن يعيش ويتصرف في حدود آداب البلد الذى يزوره» .تصف جاذبية كاتدرائية «سان بيترو» ونسمع معها تراتيل القداس ونرى بعينها مشهد المرأة الإيطالية العاشقة تعترف بينما صوت الأرغن يضج بنغماته المدوية العالية. وهكذا لا تفوت الكاتبة مكانا يخلبها بجماله إلا ونسجت عليه قصة لتجعله فضاء حقيقيا لقصة متخيلة فتتجسد القصة كأنها سيرة لأحدهم أو احداهن. تصف «الماتادور» ومصارعة الثيران وما يتعلق بها من طقوس خاصة ،تتحدث عن كل شبر تمر عليه في اسبانيا من اشبيلية إلى غرناطة يأسرها جمال الحاضر وتستعمرها ذكريات الماضى الجميل فى الأندلس.
كتبت جاذبية «أهل السيدة» منذ أكثر من خمسة عقود فى يناير من عام 1956، ومازالت «أم العواجز» كما هى تستقبل زوارها ومريديها رغم أن «جاذبية صدقى» نفسها رحلت عام 2001، ولكنها تركت خلفها «أهل السيدة» كنص أدبى يشهد على عالمها الذى كانت تتجول فيه بحرية تمزج فيه الواقعى بالمتخيل بحرفية أصيلة، فلا تلمس أى نتوء يجعلك تشعر بأن هناك أى فاصل بين الحدث الأصلى أو السرد المنسوج عليه. ولا يتبادر إلى ذهنك أبدا أن تتساءل عما إذا كانت تكتب تجربة ذاتية خالصة، أم إنها تمارس المزج بين الإثنين لتخرج علينا بمزيج جديد بديع يحمل سمات الواقع الذي يمثله «شارع السد، والحاجة بطاطة،حارة الناصرية» ومعطيات نص أدبى تضع نفسها فيه موضع الساردة البطلة. فى «أهل السيدة» يتجلى تأثر الكاتبة بالجو «الزينبى»الذى فتنها وفتن كل من جاور المقام ولو لفترة قصيرة ولا أبلغ من «قنديل أم هاشم» الذى عكس أيضا تأثر الكاتب الكبير يحيى حقى بنفس الجو وطقوسه وتأثر حياة الناس به.
وعلى العموم وفى أغلب أعمال جاذبية يظهر افتتانها بالحياة البسيطة والبسطاء التي تعبر عن وجه مصر الحقيقى الذى تأسره بسمة على وجه طفل يلعب الحجلة أو عجوز يرفع أكف الضراعة والدعاء. حتى فى أعمالها الأدبية للأطفال «ابن النيل، والقلب الذهبى» تناولت نماذج واقعية لبشر بسطاء شكل النيل محورا مهما فى حياتهم مثلا الفتى حمدان فى «ابن النيل» والفتاة زين فى «القلب الذهبى». وجعلت النيل يلعب دورا حيويا في حياة الأبطال لترسخ قيمة الهوية المتأصلة كما النيل. وكما تقول الدكتورة أميمة جادو عن صورة النيل عند جاذبية صدقي وكما تمثل فى «ابن النيل» استطاعت الكاتبة أن توظف نهر النيل ومفرداته عبر الحكى لترسيخ مجموعة من القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والوجدانية بشكل رائع صراحة أحيانا أو ضمنيا أحيانا.
وتقول أيضا عن الرواية «إنها رواية الزمن الجميل إن جاز التعبير، زمن العذوبة والفيض والكرم والسماحة والخصوبة والجمال والحب وكلها مستمدة من نهر النيل.
قال عنها الأستاذ أنيس منصور «تألقت الأديبة جاذبية صدقى ـ بنت الباشا ـ طويلا وكثيرا‏..‏ ثم توارت‏..‏ اختفت‏..‏ تلاشت طويلا‏،‏ فكأنها ماتت قبل أن تموت بالأمس‏.‏وجاذبية صدقى تنتمى إلى مدرسة التحليل النفسى ـ إن كانت هناك مدرسة بهذا الاسم،,‏ فإن لم يكن فهى ناظرة المدرسة والتلميذة الوحيدة‏..‏ فكل قصصها القصيرة والطويلة كانت رحلات شقاء وعذاب فى حوارى النفس وسراديب الخصوصية‏..‏ وكانت قاسية عنيفة علي أبطالها مثل قسوة الدنيا عليها‏..‏ فهى تجلدهم حتى يعترفوا‏..‏ وكانوا يعترفون‏..‏ ويقولون أكثر مما طلبت منهم،‏ ولكنها لم ترحم منهم أحدا ولانفسها».
كتبت جاذبية عن المشاعر الجميلة والقيم والحياة الرائقة البسيطة يستهويها بائع فجل بسيط، غجرية عاشقة، لوحة فنان، بسمة على شفاه طفلة. كتبت بغزارة وعاشت طويلا تقاوم النسيان والتجاهل والتهميش، ولعلها الآن تطل علينا لتدرك أن هناك من جيل بهية الوثاب من يذكرها، ومازال يجاهد من أجل المعرفة التى تبنى فكرا نيرا، ويبحث عن الحقائق التي تقود إلى المستقبل الذى كانت تأمله لكل جيل بهية. ولربما يتذكرها المهتمون بالشأن الثقافى الحقيقى فيكرمون اسمها بعد أن رحلت تاركة لنا إرثا ثقافيا متنوعا جديرا بالاهتمام والرعاية

المصدر
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=199657