نظرة تاريخية للخطبة المنبرية في العراق
منابر الجمعة في العراق .. منائر وضرائر



بتاريخ : 12/10/2009 -- العدد السادس الثلاثين -- نبض العراق
الكاتب : عمر عبد العزيز
نبض العراق العدد السادس والثلاثين
برغم ما رافقها من سلبيات وهي تؤدي دوراً بارزاًً في الساحة العراقية قبل وبعد الاحتلال الأميركي..غير إنها أثبتت جدارة في الأداء ميزها عن بقية وسائل التغيير. وهو ما يرشحها لأداء دور ريادي مشارك في تحديد الملامح السياسية والمجتمعية للساحة العراقية حاضراً ومستقبلاً، ويزيدها ترشيحا ترشيح الله (عز وجل) لها، إنها منابر الجمعة.
فبعد إطلاق منابر الجمعة من إسار النظام السابق، انطلقت تؤدي دوراً ريادياً –سلبيا أو إيجابياً- في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، وهو دور انعكس بشكل كبير على مختلف نواحي الحياة العراقية
منبر الجمعة
لصلاة الجمعة أهميتها وخصوصيتها عند المسلمين، فقد افرد الله عز وجل لها سورة كاملة في كتابه الكريم باسم (سورة الجمعة)، وفرضها على كل مسلم بالغ عاقل صحيح مقيم، قال الله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( الجمعة:9.
ولعل أهمية صلاة الجمعة تنبع من الدور الكبير الذي يؤديه منبرها في توعية الناس بأمور دينهم وإرشادهم أوقات المحن، فضلاً عن كونه احد أهم وسائل نشر الدعوة الإسلامية، وعاملاً مهماً في توحيد الصف وجمع الكلمة ومحاربة التشدد والغلو، وقدرته على توجيه الرأي العام في القضايا المختلفة مع تبيان حكمها الشرعي .
وتفسر لنا أهمية المنبر ما ذهب إليه سكرتير الحزب الشيوعي في العراق بقوله: (لو كان لنا منبر كمنبر الجمعة يحضره ألآف الناس قسراً أو اختياراً، ويستمعون للخطيب دون ان يكون لهم حق الرد أو التجاوز عليه، لجعلنا كل الشعب العراقي شيوعياً).
ولا تزال صلاة الجمعة تقام في جميع مساجد العراق السنية، وقلما تجد لك مكانا تجلس فيه وأنت متأخر عن صلاة الجمعة.
منابر الجمعة..قبل الاحتلال
كان الطابع الوعظي يغلب على خطب الجمعة قبل الاحتلال الأميركي، فالخطباء كانوا تحت رقابة الدولة، ولم يكن لأحدهم الخوض في المشاكل الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية وغيرها، إلا أن الخوض ببعض قضايا الأمة الإسلامية –كالقضية الفلسطينية والسياسات الأميركية وغيرها من القضايا التي تتخذ منها الدولة موقفا في سياستها الخارجية- كان جائزاً لهم وكان السجن أو اعتزال المنبر مصير من يتجاوز الخطوط الحمراء.
وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي، انتشر بناء المساجد بشكل كبير في المدن العراقية، ولازدياد المساجد وقلة كادر الخطباء الرسميين أصحاب الشهادات الجامعية الشرعية، فقد أجيز لكل من له القدرة على الوعظ والإرشاد والخطابة لأن يعتلي المنبر، وان كان طبيبا أو مهندسا أو مدرساًُ أو غيرهم. كما أنتشر منذ مطلع التسعين خطباء مؤثرون في المجتمع العراقي قادوا حملة الصحوة الإسلامية وكان لهم دور كبير في الحفاظ على السلوك الإسلامي للمجتمع العراقي.
منبر الجمعة بعد الاحتلال..لمعات وثغرات
نتيجة الحرية النسبية التي عمت المجتمع العراقي بعد الاحتلال الأميركي في 2003، بدأت تؤدي المنابر دوراً كبيراً في الساحة العراقية في مختلف القضايا، فقد وجهت لمقاطعة الانتخابات الأولى 2005، ودفعت لمشاركة اكبر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحشدت لرفض الدستور، ودعت لمظاهرات من اجل المعتقلين أو المهجرين، وغير هذا وذلك، فإن الخطباء باتوا لا يترددون عن طرح القضايا الحساسة بخطبهم، كقضايا الاحتلال والمقاومة ومسارات العملية السياسية والعمليات الأمنية.
ونتيجة للدور الذي اضطلعت به المنابر، فقد تعرض الكثير من الخطباء للاعتقال أو الاغتيال أو هجر مع عائلته مجبرا على ترك الخطابة، وسبق للرائد ان نشرت إحصائية مبدئية غير رسمية في عددها الـ(29) في تحقيق «العمامة البيضاء» ذكرت فيها: (ان عدد الشهداء من أئمة وخطباء المساجد في بغداد فقط وصل إلى 216 إماماً وخطيباً.
ان مستوى استخدام منابر الجمعة في العراق بعد الاحتلال الأميركي برغم ما رافقه من ايجابيات عديدة، لم يكن بمستوى تأثيرها الحقيقي، لأسباب، أهمها التهديدات الأمنية، وفي الوقت الذي كان يحاول فيه خطباء المساجد توحيد الصف، والابتعاد بالشارع عن الأقتتال الداخلي، كان على الجانب الآخر من يثير على المنابر النعرات الطائفية أو الفئوية من خلال تصريحات نارية أو بيانات سياسية كانت تلهب الساحة دون رقيب أو محاسب.
يقول الشيخ علي حسين «39 سنة» الإمام والخطيب بجامع السلام في حي الصحة ببغداد للرائد: (من الخطباء من لم يكن له رؤية واضحة عن الأحداث يتكلم بها للمصلين، وجعل بعض الخطباء الخطبة إسقاط فرض لا يريد الخطيب فيها ان يضحي ويتكلم الحقيقة عما يجري ويبين رأي الشرع فيها).
وبرغم هذه السلبيات وغيرها، إلا ان المراقبين للشأن العراقي يتوقعون في حديث لهم للرائد: (ان لمنابر الجمعة في الحاضر –كما في الماضي القريب- دور محوري سياسي ومجتمعي في الساحة العراقية)، مرجحين (زيادة ايجابيات هذه المنابر باضطراد، خصوصا إذا استوعب الخطباء والجهات المعنية بهم حجم المهمة المكلفين بها).
ان أهمية منابر الجمعة، وما ينتظرها من مهام مصيرية من شأنها المشاركة في تحديد ملامح العراق الجديد، توجب على الخطيب والجهات المعنية به استدراك جميع الأخطاء ومعالجتها، ووضع الخطط في تطوير الخطباء وخطبهم .
وفي ذلك، يقترح الشيخ علي حسين على الخطباء في حديثه للرائد: (الدخول بدورات تطويرية لتعلم الأساليب الحديثة في التكلم مع المصلين من خلال الخطبة، ومحاولة فهم أبعاد القضية العراقية واستيعابها ومعرفة المنهج الشرعي في التعامل معها بكل مستجداتها أولا بأول، لنقلها للمصلين بوضوح وأمانة)، داعياً الجهات القائمة على رعاية الخطباء في العراق: (تحفيز الخطباء وتكريمهم بين فترة وأخرى لتفعيل دورهم في المجتمع العراقي).
في حين قال الشيخ أنور احمد «66 سنة» إمام وخطيب جامع الشهيدين في حي الخضراء في حديثه للرائد: (لا بد ان تتحدث الخطب عن واقع الحال بحرية، وان يكون الخطيب قدوة لغيره قبل ان يتكلم بأي شيء)، مشيراً إلى: (وجوب استخدام الوسائل الإعلامية في إبراز خطب الجمعة، وسد احتياجات الخطباء ماديا ومعنوياً حتى يتسنى لهم التفرغ الكامل لخطبهم ومساجدهم)، داعياً الوقف السني على استحداث قسم يسمى بقسم الخطباء لرعايتهم والاهتمام بهم وتطويرهم.
ويقول الشيخ إبراهيم الطائي «31 سنة» إمام وخطيب جامع النور المحمدي في المحمودية: (ان الخطابة في العراق ستأخذ طابعاً جديداً في المستقبل القريب بإذن الله، فإن فصل الجانب الوعظي عن جانب إدارة الحياة سيتضائل بمرور الوقت، وسينتهي الفصام النكر الذي حاولت الحكومات العلمانية في العراق وفي غيره من جعل الخطباء في المساجد يتقوقعون على أنفسهم).
ويضيف الشيخ إبراهيم: (ولعل النموذج الفلسطيني الجديد هو الذي سنسير عليه، بأن يكون إسماعيل هنية «وهو رئيس وزراء» وكذلك وزراء حكومته هم خطباء المساجد في غزة، ويولد لنا جيل جديد من الخطباء من أمثال إياد العزي ومهند الغريري ويوسف الحسان رحمهم الله تعالى والذين جمعوا بين إرشاد الناس لدين الله وإرشاد الناس كيف تقاد الحياة).
ان ما ذكرهُ بعض شيوخ ومصلي مساجد العراق للرائد من خطوات لابد من اتخاذها لتفعيل دور المنابر ، والاعتناء بكادر المدارس الدينية والجامعات والكليات الدينية، كل ذلك يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار من قبل المعنيين بشأن الخطبة والخطيب. ولا يزال البلبل الفتان يصدح بقوة وجمال من على غصنه الأخضر إذا ما هبت عليه نسائم الربيع ودغدغته أوراق الشجر.

منقول
http://www.al-raeed.net/raeedmag/preview.php?id=1143

__________________