سألني صديقي الشـاعر ( مصطفى الحـسـون ) عما أكتب
فقلت له : قصيدة غزلية ــ حيينذاك ــ ، وأنت ماذا تكتب ؟
فقال : لا شيْ
فمازحته قائلاً : هل نضب ينبوع شعـرك ؟!
فضحك كثيرا ثم وافاني لاحقاً بهذه القصيدة التي بعنوان ( ســقـط النصيف )


والتي عارضته فيها بقصيدة بعنوان ( مــنــارات ) تجدونها في الصفحة التالية
.


( ســـــقــط الــنــصــيــف )

سقط النصيفُ فعل يُعار إزارُ=هيهات تستر عـُرينا الأشعارُ
هيهات أن تجلو السماءَ قصائدٌ=كلمى وقد ملأ السماءَ غبارُ
عجز الحروف لدى الكلام جناية=فالشعر في لغة الشعوب قرارُ
ما غاض نبع الشعر عندي صاحبي=لكنما وئدت به الأفكارُ
حدّقت في وجه الزمان فلم أجد=إلا صقيعاً صاغه الإعصارُ
شرف الكتابة يُستباح ولم يثر=للطهر في ليل الأسى أنصارُ
ورأيت صحبي في القريض تهافتوا=تحت النعال يدوسهم صرصارُ
أحنو الرقاب وشمشموا بأنوفهم=ترب العطاء يقودهم سمسارُ
في كل معـترك ٍ تراهم لهّـثاً=خلف القطيع وما بهم زآرُ
هذا يُحاضر في العفاف فصاحة=فإذا العفاف لما يبيع ستارُ
يبنون من كذب ٍ قصوراً للتقى=والصدق عند المارقين شعارُ
ورأيت من يمشي بعـتمة ليله=عـز َّ الصباح وعـز ّت الأقمارُ
لم يُبق ِ أرباب النخاسة والخنا=أملاً ليولد للوجود نهارُ
قـُلبت مفاهيم الحياة فسيدٌ=يذوي وعـبدٌ موتــّه يختار
إن الرعاع تآمروا وتخاذلوا=تحدوهم الأحقاد والأشرارُ
هم ينقمون من البغيّ بزعمهم=ومع الحرائر كم ينام تتارُ
ما لونت أمواه دجلة مثلما=قد لوّنتها مرة ً أحبارُ
لكنها قد لوثت بنجاسة الـ=ــزاني وقيدَ لأرضها دَعـّارُ
ماذا سنكتب والكلام مجرِّح ٌ ؟!=ومواجع في قولنا ستثارُ
إن السياسة أفسدت أقلامنا=وغزا النفوسَ الجنس والدّولارُ
ماذا نجيب صغارنا ولجيلهم=منا بكل مصيبة أخبارُ ؟!
ماذا نجيب فضولهم ويقينهم=أن العروبة كذبة ... تذكارُ ؟!
أين المهلهل والجليلة في الخنا ؟!=أين الإباء وأينه الإصرار ُ ؟!
وديار عبلة تـُستباح وعنتر ٌ=نسيَ الطعان فأينه البتــّار ُ ؟!
يدعون عنترَ لا يجيب نداءَهم=إلا الصّدى وحصانه المغوار ُ
ماتت بصحراء العروبة نخوة=لم يبق لا أنف ولا أغيارُ
كافور أخلف يا منبىء وعـدَه=وتراجعت عن وعدها الكفـّار ُ
حرية الوعد المزيف خدعـة ٌ=وكرامة يسري إليها العار ُ
بلقيس خرّت مرتين صريعة ً=والصمت أبلغ ما يقول نزار ُ
ما غاض شعري يا صديقي إنما=لا تطفىء الظامي الجريحَ بحارُ
سقط النصيف ُ فدعه يفضح عـُرينا=من ليل ذل ٍّ يولد الثوّار
مصطفى الحسون في 31/1/2007

( مــــــــنــــــارات )

ما غـاض نـبـع الـشعـر عـنـدك صاحـبي=بـل فــي قــصـيـدك فـاضـت الأنــهــارُ
إن الـــجــنـــايــة أن نــلــوذ بــصـمــتـنـا=نـحــن الــذيــن ســـلاحــنـا الأشـــعـارُ
الــشـعـر صــرخـتـنـا لـمـن نـامـوا ومـن=نـعــســوا ومـن أعـمـاهــم اســتـهــتـارُ
ولـنـا بــحــســانَ بـــن ثـــابــتَ أســــوة=أثـــنـى عــلــيــه نــبــيــنـا الـمــخــتـارُ
فـإذا اســـتــكــنــا وانــكــفـــأنـا نـحـن فــــــر=ســـــان الــكــتــابة مـــن تـــراه يــغــارُ
جــرّد حــسـامـك فـي مــيـاديـن الـوغـى=جــــــرّد يــــراعــــك إنــــه بــــتــــارُ
الــشـعـر مــرآة الـشـعـوب عـلى مـــدى الــ=ـتـــاريـخ وهـــو لـحــســـنـهـا الـمـعــيـارُ
إن الــذيــن تــهــافـــتــوا لـــيــدوســهــم=تـحـت الــنـعـال بــقـولـك الـصـرصـارُ
يــبــرا الـقــريـضُ إذا ادعــوا نـسـبـاً لـه=لــيــســوا بــصـحــبــك إنـهــم تــجّــارُ
لا يُــشــتـرى الــشــرفــاء مـن كــتــابـنـا=هــيــهــات يـــلــوي زنــــدهـــم دولارُ
بل يُــشــتـرى الـمـتــقــلـبــون تــقــلــب الـــ=ـــحـــربـــاء إذ تــــتـــفــــاوت الأســعـارُ
لا تــيــأســـنَّ إذا رأيــــــت تـــداعــــيــا ً=إنّ الــحـــيــاة بــطـــبــعــهــا أطــــوارُ
وجــعــي وأنــــت بــأنــنــا مــن أمــــــة=شـــمـّاء بــعــد ســــمــوهــا تـــنــهــارُ
نحـن اخـتـرعـنـا الـصـفـر فـي أرقـامـنـا=فــتــراكــمــت بــســجــلــنـا الأصـفـارُ
أخــلاقــنــا ، أعـــرافــنــا ، إســــلامــنـا=بـاســم الــتـحــضّـر حـظـهـا الإهـــدارُ
الــغــرب يــغــزونــا وشــــرُّ ســــلاحـه=مـا شـُـــوّهــت بــســمـومـه الأفـــكــارُ
الجـنس في ( الـنـتِّ ) اسـتـبـاح حـيـاءنا=فــــشــــبـــابـــنــا لـحـضـيـضـه زوّارُ
والـفـُسـق يـرتـع في حــمـى شــاشـاتـنـا=بــفــضــائــنــا تـــتـــبـــرج الأقـــمــارُ
حــرب الــنــهــود تــدور في ســاحـاتـنـا=وغــــدا يُــمــجـَّـــدُ لـلــزنــاة الـــعـــارُ
والــعُــري أصــبـح (مــوضـة ) مــألــوفــة=والـرقـص شـــغـلاً صــار والـمـزمـارُ
الــحـــب عُــهـــريَّـاً غــــــدا فـجـمـيـلـنـا=فـي حــبــه الــعــذريِّ هــل ســيُـجــارُ؟ !
عـــزَّ الــوفــاء فــصـار أمــراً مــنـكــراً=والـــصــدق والإخـــلاص والإيـــثـــارُ
نــخــر الـــوبــاء عــظـامـنـا وعــقـولـنـا=فـعـلـى بـنـي الــشـعـراء الاســتــنـفـارُ
أبــكـي كــمـا تــبـكـي عـلـى أطــلالــنـا=ويـهــيـجـنـي يـا صـاحـبـي اســتـعـبـارُ
أبــكـي عـلى زمــن الــفــتــوح وحـالــنـا=يُـــرثــى لــهــا وبــــلادنــا أشـــــطـارُ
أبـكـي عـلى الأقـصى الجـريـح وقـدسـنا=قـد أشـــفــقــت لأنــيــنــهــا الأخــبــارُ
أبـكـي عـلى بـــغـــداد عـاصـمـة الــرشــــيـ=ـــد وقـد عـَـلـت فـي ضـفــتــيـهـا الــنــارُ
بـغـداد في سـوق الـنخاسـة ــ ويـحـنـا ــ=صـرخـت ودنـَّـس طـهــرهـا الأشــرارُ
إنـي لأشـــعــر حـيـن أســـمع صــوتـهـا=وكــأن رأســــي اقــتــاتـه مــنــشـــارُ
( بـلـقـيـس خـرت مـرتــيـن صـريـعـة )=دمــهـــا لـــنــا الــقــنــديــل والأنـــوارُ
ســنـظـل نـعــشــقـهـا وتــلـهـم شــعـرنـا=ونـــقــول فــيــهــا مــا يــحــب نـــزارُ
تــبــقــى الــقــضــيــة حـــيـة مـادام يـــنـــ=ــــطــق بـاســمـهـا الـشـعـراء لا الـشـّعـارُ
يــتــعــلــم الأطـــفــال مــن أنــفـاســــنـا=أن الـــعــــروبــــة عــــــزة وفـــخــارُ
إن كـان عــنــتـر قـد قــضـى فـعــزاؤنـا=أن الــشــجـاعــة نــســلـهــا مــكــثــارُ
وإبــاء وائـــل والـمــهــلــهــل والـجــلـــيــ=ــــــلــة مــورد مــنــه ارتـــوى الأحـــرارُ
إن كــان مــن تــعــســي وتـعــسـك أنـنـا=جــئــنـا وقـد عــصـفـت بــنـا الأقـــدارُ
فــعـــزاؤنــا أن الإرادة لــــم تــــمـــــت=وإلــيـك بــعــض وجــوهـهــا أخــتــارُ
هــذي فـلـســطـيـن الحــبـيــبـة أثــبـتــت=أن الـــبــطــولـة مــا لــهـــا أعــــمــارُ
لـم يـرهــب الـمـحــتــلَّ أبــنــاء انــتــفــا=ضــتــهـا وكــل ســـلاحــهـم أحــجــارُ
تـأبـى الـخـنــوع لـغـاصـب مـتـغـطـرسٍ=ويـــعـــاف ذلاً شـــعــبــها الـــجـــبــارُ
مـا زالــت الـخـنـسـاء تـحـمـل ســيـفـهـا=وقــد ارتـــقــى شــهــداؤهــا الأبـــرارُ
هـي فـي فـلـسـطـيـن الـحـبـيـبـة ( مـريــمُ الـ=ـــفـــرحـات ) أربـــعـــة لــهــا ثـــــــوارُ(1)
ضــحــت بــهــم مــخــتــارة وفــخــورة =حــلــم الــشـهـادة بــعـــدهــم تــخــتـارُ
أوَلـم يُــمَــرَّغ ْ أنــــف إســــرائــيـل فـي=لــبــنــان أمــس ودأبــهـــا اســـتـكـبـارُ
أوَلـم يُــسَـقْ مــثـل الــخـراف جـنـودهـا=( عـيـتـا ) و( عـينـاتـا ) بهـا الـتـذكـارُ(2)
بـغــداد مــقـبــرة الــغــزاة عـلى مـــدى الــتـ=ـــاريــــخ وابــــن فــــراتـــهــا قـــبّـــارُ
واســأل شـــقــيــقـات لـهـا عـن نــخــوة=( فـلـوجـة ٌ ) تــغــنـيـك و( الأنــبــارُ )
ما زال فــيــنـا مـن يـــذود عن الـحــمـى=بــالــــروح وهــــو يـــلـــفــه زنــــــارُ
يــأبــى الـمــذلـة والــهـــوان فـيـقــتـفـي=آثــار مـن كــســروا الــقــيـود وثــاروا
طـوبـى لمـن حـمـلوا الـسلاح وجـاهـدوا=ولـنــيـل إحــدى الـحُـسـنـيـيـن تــبـاروا
يــذكـي صـلاح الــديــن فـيـهــم غــيــرة=وابــن الـــولــيـد الــفــارس الـمـغــوارُ
هــــذي مـــنـــارات تـــنـــيــر دروبــنــا =فـلم الــقــنـوط ومـا انـتـهـى المـشــوارُ
الـلـيـل مـهـمـا طــال وامـــتــد الــدجــى=ســـيــلـيـه فــجـــر يـا أخــي ونــهــارُ
وإذا الــزمـان الــيــوم جــار فـفـي غــــدٍ=لا بـــــــــد يـــــنــــصـــف إنــــه دوّارُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) أم لأربعة شـهـداء من غـزة العـزة ولذلك يسمونها (خنساء فلسطين )
( 2 ) قرى في جنوب لبنان المقاوم الصامد