شيخ المسرحيين العرب
ســعد أردش نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
رحل مؤخراً الفنان الكبير سعد أردش، بعد رحلة حافلة بالعطاء المسرحي والابداعي، عن عمر يناهز 84 عاماً بالولايات المتحدة حيث كان يعالج في أحد مستشفياتها، أمضى فيها أكثر من 56 عاماً في خدمة الفن، رحل وفي قلبه غصة على ما آل إليه حال المسرح عربياً، وهو الذي قدم عشرات الأعمال التي تحمل مضامين إنسانية وقومية تدافع عن أحلام وتطلعات المجتمع العربي، وعن حقوقه في حياة حرة وكريمة،
كان سعد أردش من أكبر اساتذة المسرح العربي من الذين يعملون ليل نهار في المادة أو العلم أوالفن الذي لا يحبه فحسب ولكن يعشقه‏..‏ ظل طوال حياته في محراب الفن كما يقال ليس مجازاً ولكن بالفعل فلم ينقطع أبدا عن إلقاء محاضرات لطلاب المسرح ليخرج أجيالا واجيالا ممن يحملون حاليا ضعف شهرته بالنسبة للمتلقي أو المواطن العادي ولكن شهرته في الوسط الفني والمسرحي تفوق شهرة أي من الآخرين‏.‏
تولى أكثر من موقع كمدير للمسرح وأيضا كأول من ادار مسرح الجيب في الستينيات وشغل منصب أول رئيس لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ولم يتخل عن أية ندوة مسرحية أو مشاهدة عمل مسرحي أو الاشتراك في لجنة تحكيم المسرح أو لجنة تحكيم طلبة وطالبات معهد الفنون المسرحية، هذا بالاضافة لعمله الذي لايمكن أن نقدمه على أنه الاساس بالنسبة له كممثل في السينما والمسرح والاذاعة‏.‏
ولد سعد اردش عام 1924 في فارسكور في محافظة دمياط في الدلتا شمال القاهرة، وشارك في التمثيل في أفلام في مطلع الخمسينيات أولها 'ظهور الإسلام' عام 1951 وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة عام 1954، وفي العام التالي تخرج في كلية الحقوق بجامعة عين شمس. ثم سافر أردش إلى الخارج لإكمال دراسة المسرح . تصادف وقت سفر البعثة الدراسية لسعد أردش أن وقع العدوان الثلاثي على مصر لذلك تغيرت وجهات السفر حيث أغلق طريق السفر إلى كل من أمريكا حيث كان مرشحاً للدراسة في المعهد نفسه الذي درس فيه يوسف شاهين وكذلك كان الحال بالنسبة للسفر إلى فرنسا وإنكلترا، وكان من نصيبه الذهاب إلى إيطاليا ومنها حصل على دبلوم التخصص في حرفية الإخراج عام 1961 من الأكاديمية الدولية للمسرح بروما، وكان لدراسته بالإيطالية أثر كبير في حياته فيما بعد، حيث قدم خمس ترجمات لمسرحيات «جريمة في جزيرة الماعز، انحراف في قصر العدالة، إجوينى، الحفلة التنكرية، بياتريس» إضافة إلى كتاب عن المخرج المسرحي المعاصر، وهو أول كتاب عربي في هذا المجال ويدرّس في أقسام المسرح بالجامعات إضافة إلى معاهد التمثيل في مصر والكويت.
وبعد عودته من ايطاليا في 1961 عمل على اخراج العديد من المسرحيات الوطنية والاجتماعية والسياسية في فترة الستينيات ونهوض المشروع القومي للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. كما شارك بالتمثيل في مسرحيات منها 'الأرض' المأخوذة عن رواية شهيرة لعبد الرحمن الشرقاوي والتي تحولت الى فيلم اخرجه يوسف شاهين، وشكل معلماً من معالم السينما المصرية..و قدم أردش أعمالاً انتمت في وقتها إلى أكثر التيارات الفكرية طليعية في العالم، والتي كان لها أثر كبير في مسيرة الحداثة، ومنها مسرحية "السبنسة" و"سكة السلامة" للكاتب المسرحي الراحل سعد الدين وهبة، 'النار والزيتون' تأليف الكاتب المسرحي الراحل ألفرد فرج و"الذباب" لجان بول سارتر الى جانب "الانسان الطيب" و"انتيغون" و"عطوة ابو مطوة" لألفرد فرج، وكل هذه الأعمال تؤشر إلى طبيعة هذا الرجل المواكب لمجريات عصره، والمهموم بمعاناة شعبه والطامح لأداء دور يوازي الابداع قيمياً، وهو دور المثقف، الذي يتفاعل جدلياً مع ما يجري حوله وفي محيطه، ويسهم في كشف عيوبه، وتسليط الضوء على المناطق المظلمة.
وأخرج أردش مسرحيات 'تجريبية' منها 'يا طالع الشجرة' تأليف توفيق الحكيم وكانت اخر مسرحية ظهرت فيها عملاقة المسرح المصري امينة رزق. وشهد مسرح الطليعة في حينها اقبالا على المسرحية التي شارك في بطولتها الى جانب امينة رزق الفنان احمد فؤاد سليم.. وفي السبعينيات اخرج "هاللو شلبي" التي اظهرت جيلاً من النجوم على رأسهم الفنان الراحل احمد زكي وسعيد صالح ومحمد صبحي وغيرهم . كما قدم من المسرح العالمي أعمالا منها 'كاليجولا' و'دائرة الطباشير القوقازية' وكانت مسرحية 'الشبكة' المأخوذ عن «سقوط مدينة ماهوجني» للألماني برتولد بريخت آخر ما أخرجه للمسرح القومي بالقاهرة عام 2007، وشارك أردش بالتمثيل في مسلسلات تلفزيونية كثيرة إضافة إلى أفلام تعد من كلاسيكيات السينما المصرية منها 'قنديل أم هاشم' لكمال عطية عام 1968 و'الاختيار' ليوسف شاهين عام 1971.
وشارك الفنان الراحل ايضا في العديد من المسلسلات التلفزيونية من اهمها "المال والبنون" وكذلك في السينما التي شارك بادوار مميزة في عدد من الافلام كان اول ظهور له فيها في فيلم "ظهور الاسلام" في عام 1951.
وشارك بعد ذلك في فترات متباعدة ممثلا في افلام شكلت علامات في السينما المصرية بينها "قنديل ام هاشم" و"شباب امراة" و"الاسطى حسن" الى جانب مشاركته مع المخرج العالمي يوسف شاهين في فيلم "الاختيار" و"الحجر الداير" لمحمد راضي اخر فيلم مثل فيه في عام 1992.
وللراحل العديد من المؤلفات الفنية والدراسات والابحاث والترجمات منها "المخرج في المسرح المعاصر" و"خادم سيد درويش" و"ثلاثية المصيف" و"جريمة فى جزيرة الماعز" و"انحراف في مقر العدالة" و"بياتريس" و"كارلو جولدونى".
كما قدم الفنان الراحل العديد من الدراسات لدوريات فنية وثقافية متخصصة فى مصر والعالم العربي. ونال طوال مشواره الفني العديد من الجوائز وشهادات التقدير من بينها وسام العلوم والفنون عام 1967 و جائزة الدولة التقديرية عام 1990.
سعد اردش هو واحد من رجالات الابداع النهضوي العربي، لذا فإن رحيله، يترك فراغاً كبيراً في الساحة الابداعية العربية


اعداد : جازية سليماني

http://www.albaath.news.sy/user/?id=333&a=30217