حوار مع الشاعر السوري صبحي سعيد
أنهم يحولون الشعر إلى هلوسات سريالية



بين الشعر و الطفولة، وبين الأدب والقص الأدبي يتربع الشاعر صبحي سعيد على ذؤابة الشعر العربي الأصيل فيكتب شعراً ويخط حرفاً، يتابع الطفولة على طريقته، ويقرض الشعر مخالفاً بعض كبار الشعراء منهم العظيم نزار قباني..

نحاوره اليوم لنقف على بعض آرائه في الأدب والشعر الحديث ومدى،أثير القصة على الشعر.. فيفيض قولاً ، ويبوح بمكنونات ذاته محاولاً التأريخ لشعر هو رحيق الواقع حسب قوله.


** نعرف أنك أديب وشاعر معروف..كتبت شعراً يناقض الشاعر الكبير نزار قباني..ما الذي جعلك مناقضاً لنزار قباني؟

**الأدب والإبداع والشعر ــ رؤى،عبِّر عن القاعدة الفكرية التي ينطلق منها الإنسان إلى الحياة. والناس يختلفون، ويتناقضون في رؤاهم و منطلقاتهم الفكرية والروحية. وأنا لا أتفق مع الشاعر نزار قباني في العديد من منطلقاته الفكرية، التي، ناول فيها بعض القضايا العربية، وكذلك بعض القضايا العاطفية. فأنا لا أتفق معه عندما ناجى عبد الناصر الذي أعتبِرُه قامة عربية ــ إنسانية مهمة في،اريخنا العربي، وطفرة فذة في،اريخ نضالنا العربي الحديث. لا أتفق مع نزار قباني عندما قال لعبد الناصرقَتلناك قتلناك يا آخر الأنبياء.) فالذي قتل عبدَ الناصر هم الصهاينة، ولا نريد أن يكون نزار قباني ممن قتل عبد الناصر. وهنا مغالطة فكرية ومبدئية، لا نقبل فيها، ولا يقبلها منطق الشعر بأن نقلب الحقائق رأساً على عقب. فأنا مع المتنبي في بيته العظيم الذي يقول فيهشاعر المجد خدنه شاعر اللفـ/ظ كلانا رب المعاني الدقاق) ثم نأتي إلى قصيدته المشهورة (متى يعلنون وفاة العرب)…نؤكد أننا أيضاً لا نتفق مع الشاعر نزار قباني في موضوع قصيدته (متى يعلنون وفاة العرب) على الرغم من أنني مؤمن بأن نزار قباني شاعر يحب العرب ويغار عليهم، وقد سلط الضوء على العيوب والمثالب لاستنهاض هذه الأمة من سباتها العميق. فالعروبة لا ولن،موت!

أما في الموضوع العاطفي فلي عليه مآخذ منها قصيدته (قارئة الفنجان) التي أرى أنها مليئة بالمتناقضات. فكيف،جلس البصارة والخوف بعينيها لتقول: لا،حزن، فالحب عليك هو المكتوب، ثم،قول له:

طريقك مَسدود مسدود) بينما الحب إشراق وتفاؤل وبشرى. فقد بشرته البصَّارة يالحب ثم رمته بأن طريقه مسدود، وطلبت منه ألاَّ يحزنْ. وأنا أرى في مثل هذه القصائد ألاعيب لفظية، وليست شعراً عميقاً مما قرأناه في شعر الأولين. وأنا لا أصادر ذوق أحد، وأعترف بأن الفن أذواق، وأرى،عدد الأذواق شيء عادي وضروري في الحياة.

**هل ما زال الشعر يحرك البشر؟

** الشعر جزء من الحركة الثقافية. والحديث عن الحركة الثقافية حديث ذو شجون. فهناك آراء،رى أنه لو كان لدينا حركة ثقافية واعية لما احتُلتِ العراق. لا شك أننا في صعود…لكن وتيرة هذا الصعود ــ هل،لبي حركة الزمن، على الرغم من أن هناك من يرى العكس..أي أن هذه الآراء،رى،راجعا رهيباً في حركتنا الثقافية، يوماً بعض يوم. أما في حقول الشعر، فالموضوع يدعو إلى الحزن والكآبة. فقد غُزيَ الشعر بجحافل (قصائد النثر) التي يسعى أصحابها إلى التربع على الشعر، لتخريب أسسه ومبادئه السامية، وإفساد جوهره الإبداعي، وتحويل الشعر إلى هلوسات سريالية، ما أنزل الله بها من سلطان. وبدأت،علو في سماء حركتنا الشعرية أصوات.

** في جوانية المجتمع العربي هناك حالات إبداع،عبر عن مكنونات المعاناة. فهل عبرت بشعرك عن ذلك؟

** أنا شخصياً منشغل بموضوع (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا، فرقوا) من منطلق فكري وليس من منطلق ديني. فأنا لست رجل دين، إنما أنا ابن واقع عربي ممزق، أعبِّر عن طموحي بوحدة هذه الأمة، وأرفض رفضاً قاطعاً أي معنى من معاني الانقسام والتشرذم، وأرفض أي مبدأ من مبادئ القطْرية، التي حقنتنا بها مؤامرة (سايكس ــ بيكو) وبتنا نتفاخر بها دون أن ندري. إضافة إلى ذلك فأنا عاشق للأرض وللطبيعة، أتغنى بأنهارها وبساتينها ونجومها، مؤكداً أن الطبيعة هي جوهر الحياة ونعيمها، وهي راية إنسانيتنا، ونبراس،طورنا الحضاري.

** كيف،نظر للشاعر الذي يتربع على بلاط السلاطين؟ وما نوعية شعره؟

**أنا لا أهتم بمثل هذه المصطلحات. الذي يهمني هو الشعر، وليس علاقة الشاعر بالسلاطين. العديد من الشعراء مدحوا السلاطين والأمراء، ولكنهم قدموا قصائد خلدها التاريخ. ما يهمنا هو قدرة الشاعر في التعبير والابتكار، في الصورة والمعنى. والشاعر الحقيقي الأصيل، لو وضع في صحراء قاحلة، لأعطى قصائد بديعة. ولو وُضِع أنصافُ الشعراء في وادي عبقر، لما استطاعوا أن يقدموا بيتاً واحداً يلفت الانتباه.لذا يهرب أنصاف الشعراء إلى كهوف (قصيدة) النثر، لإخفاء عجزهم، والتستر وراء حداثة جوفاء، لا يفهمها حتى من يدَّعي أنها ضالته الكبرى. لقد شوَّه كتَّابُ قصائد النثر، الشعرَ، و أساؤوا إلى،راثنا العربي، وما زالوا يضحكون على أنفسهم بأنهم يكتبون شعراً حديثاً..إلى أن اعترف أحدهم بأن شعر المتنبي هو أكثر حداثة من كل من كتب في الحداثة. فإذا كان المتنبي قد سبق (الحداثة) بألف عام، فأية حداثة،لك التي يدَّعون؟

** مع استمرار القصة القصيرة يرى بعضهم أن انتشارها أضر بالشعر..فما رأيك؟

**الأدب العظيم لا يضر بأي صنف آخر من حقول الإبداع..بل العكس هو الصحيح. إن،طور الشعر لا بد إلاَّ أن يؤثر إيجابياً على مجالات عديدة من مجالات الإبداع. والعمل الجيد المتميز، أن كان في الشعر أو في النثر، لا يؤثر إلاَّ إيجابياً، على الذات الإبداعية للحركة الثقافية والإبداعية. لقد غزا الشعرُ القصةَ، وغزت القصةُ الشعر. وأحياناً نجد،مازجاً وتفاعلاً، بين القصة والشعر..لكن هل استطاعت القصة أن،نأى بنفسها عن المطبات والمشاكل التي وقعت فيها القصيدة؟ بمعنى: هل استطاعت القصة أن،حمى نفسها من المتطفلين وأنصاف الأدباء؟ أعتقد أن المشاكل التي،عاني منها القصيدة هي المشاكل نفسها التي،عاني منها القصة. وتطور القصة المتميزة لا يمكن أن يحد من،طور القصيدة المتميزة.

** هل،عتقد بقدرة الشعر على التأريخ؟

** نعم! أن الأدب والإبداع المتميز بصورة عامة هو،أريخ بالضرورة. فالأدب ليس شكلاً، بل هو شكل ومضمون. وهذا المضمون مرتبط بزمن له خصائصه. لكن،أريخ الأدب والشعر للواقع، يختلف بالضرورة عن،أريخ المؤرخين. فالشعر يؤرخ رحيق الواقع، من خلال مجاز عميق بمعانيه ودلالاته الفلسفية. لقد أرَّخ المتنبي لمرحلة سيف الدولة، وأرخ الشعر العربي للحياة فبل الإسلام وما بعده. وعندما انحط الشعر وصم الحياة كلها بعصر الانحطاط. ولن،حلم أمة بقفزة نوعية في حياتها، ما لم،حدث هذه القفزة في عالم الشعر، والإبداع بصورة عامة. ففي الحركة الإبداعية المتميزة ينابيع الإلهام القومي والوطني والحضاري. ** العشق والغزل..أين يتموضع داخل شعرك؟؟.

** صراحة، لم أهتم بهذا الجانب من الشعر. فقد،ناولت المرأة بصورة عامة، لأنني أرى فيها العنصر الأهم في نهضتنا القومية والحضارية. فالمرأة هي ماء الحياة، التي نتمنى ألاَّ،تلوث، وأن،بقى نقية،،نبض بأحلامنا، وطموحاتنا الحضارية. إضافة إلى ذلك فأنا لم ألتق،لك المرأة التي استطاعت أن،لهب مشاعري غراماً، يهيم بي في فضاء العشق.

**نعرف أن لك نشاطات في مسائل البيئة والطبيعة، كيف،مارس ذلك، وما هي آلياته؟

**الشعر والأدب لدي ليسا قولاً فقط، بل هما. فعل هادف أيضاً. فأنا مؤمن بالنشاط الاجتماعي، كما أنا مؤمن بالنشاط الأدبي، رغم صعوبة ومشقة النشاط الاجتماعي، في ظروف بدأ التلفزيون يأخذ معظم وقتنا. لقد أسست جمعية ثقافية اجتماعية باسم( شآم للطفولة)،هدف إلى،قديم كل ما يخدم الطفولة، انطلاقاً من الأم كونها حامل وحامي الطفولة وأمينه الأول. وقد بدأنا العمل رغم الصعوبات والعقبات..وها نحن نسير، وشعارنا يومض بكلمات المتنبي الذي يقول:/ ذريني أنل ما لا ينال من العلا/ فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل/،ريدين لقيان المعالي رخيصة/ ولا بد دون الشهد من إبر النحل


بقلم أحمد مظهر سعدو

الأخ محمود ابو اسعد
//////////////////

توجد هناك الكثير من الأخطاء الكيبوردية في المقال وخاصة وجود (، ) مكان حرف (ت ) للعلم مع التقدير .. الموضوع وأجابات الشاعر السوري صبحي سعيد تعبر عن رأيـــــه الشخصي بخصوص التجربة الشعرية والحداثة وقصيدة النثر وليس عن تجربة الشعراء الآخرين وتعبر عن الذائقة الفردية في تذوق الشعر .

مع الاحترام والتقدير
هشام
10:15 بتوقيت البحر 11/7/2009