طوبى .. طوبى للغرباء
********************
يا فارس حزني
اَسمعني صوت الآتي
فالحزنُ عتيقٌ في المنفى يبتلعُ الحاضرَ والماضي
والفجرُ سجينٌ ينتظرُ
من ماء الجرحِ ينادينا :
" لا الهدهد يأتي بالغيبِ ولا يسعفني منه الخبرُ ..! "
يا فارس حزني اِفتحْ في دربي الخطوهْ
فقوافل حلاَّج الصحوهْ
تختطُّ صلاةً من موتٍ يتخطَّى السرَّ وما يُروى
تستنفرُ لاءً من وجعٍ يتفقَّه شَرْع الصوَّانِ
وترتِّقُ نُطقَ الأزمانِ
ما بين الحاضر والآتي !
وعلى أبواب مدائننا يتعالى سوطُ الحجَّاجِ
لغةٌ من كونٍ مشبوهٍ يقتلع الدربَ منَ الخطوهْ
ويفجِّرُ ليلاً من يدهِ
يتجرَّعُ ظهرَ الحلاَّج ِ !!!
وغريبٌ يتلو هجرتَهُ
بشظايا فاتحة النزفِ
لقميصٍ قُدَّ منَ الخلفِ ..!
يُفني بدماه شتاتاً غطَّى ذاكرة الأرضِ
وتلمُّ يداه ندى حلمٍ قُصَّتْ منه مقل النبضِ !
ويراود من غدهِ مدداً .. يتسوَّرُ طيفَ المعراج ِ
لا يرصد طقْساً للخوفِ
بل يغمسُ عشقاً موقوتاً تسقيه نبوءات البدءِ
والنقطةُ وحيٌ مسكونٌ
بالصحوِ
بذرَّات الضوءِ
ودماها أصداءُ صلاةٍ
تترصَّدُ ليل الأشياءِ ..!
************************
قالت طفلة ضوءٍ :
( لن أرضى إكليلَ الوردِ ،
كي أنسى أوجاعَ المهدِ
تعبي تَعِبٌ .. بين الجزْرِ وبين المدِّ !
ينهشني شبح الطاعونِ
ويجرِّحُ غصنَ الزيتونِ
ويغذِّي محرقة الحقدِ ..!
أحيا وجعي
ومسافاتٌ ممعنةٌ بالبرد القارسْ
تُضني صوتي بضلالات الشجر اليابسْ ..!!
ويحاصرني حجرٌ بكرٌ
يغمسني في تعبِ الهاجسْ :
" هل تلد الأحجارُ الوردَ ؟!
هل يلد الأطفالُ الوعدَ ؟! "
إنِّي آمنتُ بأنَّ سقوطي فوق خريطةِ حزني ينبتُ من
قدري الآتي !!
وسأغرقُ في قبرِ الرصْدِ
وسأحملُ إكليلَ الوردِ
كي أُوجِعَ ليلَ الغرباءِ !!
حلاَّج الغربةِ والمنفى
كنتُ ومازلتُ أنا !!
أرحلُ في الأرضِ هنا
أبحثُ عن وطنٍ يؤويني
لأرتِّلَ فيه مزاميري
عن بقعة نورٍ
تعبر
نيروزاً آخر
دون صليبٍ ومساميرِ !! )
***************************
يا فارسَ حزني اَسعفني
فخديجةُ ضيَّعها الضجرُ
تسقيها الغربةُ علقمَها
والنورسُ ينهشه السفرُ !
في فمها كونٌ مختنقٌ يُدميه المغزلُ والحجرُ
ويشقُّ به برزخَ فقْدٍ يغشاه الصمتُ كما القدرُ !
وجدارُ الغربةِ في دمها
لغةٌ
سقطتْ من أذرع قارعةٍ
تطفحُ من حُمَّى الأصواتِ !!
تتغلغلُ في رحم الأمطارِ
فينكسرُ الآتي
تطوي أصداءً من مدنٍ غرقتْ بخطيئةِ هامانِ !!
ولها ما كان لنا
من غربة دمعٍ مسلوبٍ
يقصمُ دائرة الأزمانِ ..!!
يا فارس حزني اَسعفها
فالنبضُ نبيٌّ منتَظَرٌ إنْ سال على فمهِ القمرُ !!
******************************
يا فارس حزني
اَنظرني
(( أوطانٌ من تحت الجمرِ
تتسامر من دون إزارٍ وتعمِّد ذاكرة السترِ !! ))
وخديجةُ تغزلُ حسرتها
وترتِّل غيماً لحصانٍ مهجورٍ في قاع البئرِ
يتقلَّى من دون صهيلٍ يثقبُ ذاكرة الأحجارِ
والمنفى حبلٌ ممدودٌ بين المهد وبين القبرِ
أكبر من بستان الدارِ !!
يا فارس حزني
اَسعفها
فالسادنُ يعقر ناقتها بتجاعيد البرد الآتي
ويقوِّض جمرة قدَّاسٍ
قرعتْ أجراس الكلماتِ :
(( أحصنةٌ من غرب الأرضِ
جاءتْ تنشرُ نبضَ البغضِ
جاءت تقدحُ زندَ النارِ
وتدوسُ على الغصنِ الغضِّ !
فيفرُّ لقيعانِ الروضِ
عنقودٌ من عنبِ الدارِ
يطويه العتمُ ببرْدتهِ
ويغذيَّه الجمرُ الضاري ! ))
يافارس حزني
أشعلها
فحديثُ خديجةَ قبَّرةٌ
نسجتْ مرثيَّةَ ذاكرةٍ لتُلملمَ فوضى الأشلاءِ
تغرز في الأضلع سكِّيناً يتجرَّعُ سمَّ التأبينِ
ترحلُ في الفجرِ المسكينِ
لبلادِ العوسج ِوالتينِ !!
تسأل أوردة الصحراء ِ :
" من يسمعُ أصواتَ دمائي ؟! "
فتجيبُ العتمةُ ـ والصوتُ يباسٌ
يجترُّ غياباً بنِداهُ
ويمجُّ سراباً بصداهُ ـ : ..
( لا أحداً يصغي لعرائي
إنِّي أمحو الصوتَ النائي !! )
**********************
يا فارس حزني
يا من همَّ به عقم ُالقهرِ
يا ِسفْراً يحيا آخرَ أصواتِ الرَمَق ِ
من حلم ِالماضي المختنق ِ!
أطلقْ أيَّامكَ من غيم السترِ
أطلقْ ما ناهز ناراً في رئة الجمرِ
وابحثْ في الكوفةِ أو بيسانْ
عن خُضْرٍ وقيامةِ بوحٍ
في كلِّ زمانٍ موبوءٍ بالخيبةِ أو رمل النسيانْ !!
فخديجة تحلمُ بالفارسْ
( ذاك الآتي من إعياءِ الليل الدامسْ ! )
وتطوف بأحلام الإسراءْ
من شرق ِالأرضِ لمغربها
من دون رياح ٍتجرفها
أو سيل دماءْ !!
وتلوذ بنافورة ماءٍ
تسخرُ من موتِ الأشياءْ !!
وتحجُّ لكعبةِ محنتها بقرابةِ شِعْبين وأسْرٍ
وتمرُّد صومعةٍ حبلى
بنشورٍ
يختتم الآيهْ
تُزجيهم صوب نهايتها
لاتدري أيَّهُمُ الرايهْ !
فالحزنُ يؤثِّث غيبتها ويوثِّقُ مقصلةَ الرعبِ
والريحُ تجبُّ قيامتها وتدقُّ نواقيسَ الصَلْبِ
والظلُّ يخاتلُ خطوتها ويفرِّغُ ذاكرةَ الركْبِ
يا فارس حزني بلِّغها
فهنالك في أقصى الصوتِ
ينبت صحوٌ ونوافلهُ
ليرتِّق حنجرةَ الصمتِ
(( هذي أزمانكِ فاقترفي
رجْع الأصواتِ وصولة رادفة الدربِ
مدِّي أحلامكِ فاتحةً
هذي الأزمان تميمةَ حزنٍ
ينحتُها
موتٌ يتحنَّى بالموتِ
غذِّي أيامكِ من دمها
واكتسحي أوجاعَ الوقتِ
فالعتمةُ سرٌّ وانفضَّ ..
ألمْ يأَنِ الوقتُ لكي يفتضَّ العتمةَ صوتُ الأضواءِ ؟!!
هذي الأزمان لنا نحن
فطوبى
طوبى للغرباءِ ..!! ))
**********************

من اروع ماقراته فعلا
شكرا لحسن الاختيار وتحياتنا للشاعرة الكبيرة هزار طباخ