المواهب.. بين أساتذة كلية فنون الجميلة ووزارة التعليم العالي المصدر : هنادي الخطيب 20/05/2009
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيأعتقد أنَّ قلة منا يعرفون أنَّ بيكاسو رسم أول لوحة في حياته بيده اليسار وفي عمر الـ13 سنة، وقدَّم نفسه كفنان في معرض عندما أصبح في عمر الـ16. وإن كان البعض لا يعرف ذلك، فإننا نستطيع أن نجزم بأنَّ الجميع يتفق على أنَّ الدراسة في كلية الفنون الجميلة تعتمد أولاً وأخيراً على الموهبة والحسّ الإبداعي..

.

في كلِّ عام يتقدَّم الآلاف من الناجحين في الشهادة الثانوية لمسابقة كلية الفنون الجميلة، ليتمَّ قبول ما بين 150 - 200 طالب. وأما أهم «بديهية» في اختيارهم، فهي امتلاكهم موهبة الرسم، التي من المفروض أن تُصقل ضمن الكلية.

وما يبدو مرفوضاً، أو على الأقل بعيداً عن المنطق، هو أن يتحوَّل القبول في كلية الفنون الجميلة من امتلاك الموهبة إلى امتلاك علامات عالية في البكالوريا، وأن يضطر صاحب اليد الفنية للدراسة في أحد الفروع الأدبية. وهذا ما تردَّد مؤخراً بين الأوساط الفنية وفي تصريحات أكثر من فنان تشكيلي. وكيلا نبدو متشائمين أو يقال عنا إننا «نصيد في الماء العكر»، حاولنا معرفة الحقيقة وراء تلك الأوقاويل.

في كلية الفنون لم تختلف الآراء بين أساتذة القسم، وإن تباينت شدّتها.. يؤكد الدكتور عبد الناصر ونوس (رئيس قسم الاتصالات البصرية) أنَّ «ما حدث في قبول العام الماضي يعدُّ بمثابة إلغاء للمسابقة». ولإيضاح رأيه، شرح لنا ما حدث قائلاً: «منذ تأسيس كلية الفنون الجميلة، جرت العادة أن يتمَّ وضع علامة للمسابقة. وفي القبول الثاني، أو ما يسمى بالمفاضلة بين الناجحين في المسابقة الأولى، يتمُّ احتساب ثلثي العلامة للمسابقة مقابل الثلث الباقي للبكالوريا. وبهذا تكون الأولوية للموهبة. أما في العام الماضي، فإنَّ ما حدث أنَّ وزارة التعليم العالي أصرَّت على ألا يتمَّ وضع علامة للمسابقة؛ ما يعني أنَّ النتائج ميّزت ما بين ناجح وراسب ولم تميّز ما بين لوحة ممتازة وأخرى متوسطة، لتلعب علامات البكالوريا الدور الحاسم في عملية القبول الأخير».
لم يختلف الدكتور محمود شيخ الشباب (نائب العميد للشؤون الإدارية والطلاب) بالرأي مع الدكتور ونوس، إنما أضاف: «مجلس الكلية اجتمع وأرسل اقتراحاً إلى رئاسة الجامعة بوضع علامة للمسابقة. وبعد أن تمَّت الموافقة عليه من قبل رئاسة الجامعة، تمَّ إرسالها إلى وزارة التعليم العالي، لينعقد اجتماع لمجلس الكلية بحضور الدكتور علي أبو زيد معاون وزير التعليم العالي لشؤون الطلاب والمعاهد، الذي حمل اقتراح الوزارة بألا يتمَّ وضع علامات، بحجة أنه لدى الوزارة طاقة استيعابية معينة لابدَّ من تحقيقها». وعن علاقة سياسة الوزارة فيما يخصُّ الطاقة الاستيعابية وعدم وضع علامة للمسابقة، شرح الدكتور شيخ الشباب: «لدى الوزارة مفاضلة عامة تدخل كلية الفنون الجميلة ضمنها. وكان رأي الوزارة أنَّ وضع علامات سيؤخر معرفة عدد الطلاب المقبولين، لاسيما فيما يتعلق بالمقبولين من محافظات أخرى. ولكن، وعلى الرغم من ذلك، وبعد أن اضطررنا إلى أن نوافق على عدم وضع علامة، لم تصل أسماء المقبولين من المحافظات الثانية إلا بعد شهر على بدء الدوام».
ولم يحاول الدكتور محمود شيخ الشباب أن يخفي رأيه حول بعض اللجان التنفيذية في وزارة التعليم العالي فيما يتعلق بغياب الثقافة عن تلك اللجان، وقال موضحاً: «في كلِّ البلدان الأخرى لا يوجد اختصاص تحت اسم (الرسم)، وإنما يوجد تصنيفات لدراسة الاختصاصات الفنية، و اللجنة التنفيذية للبعثات العلمية غالباً تكون خالية من أيّ خبير، ما يجعلهم يضعون ضمن الاختصاصات التي سيتمّ الإيفاد على أساسها (الرسم)، دون أن يعرف أيّ منهم أن لا وجود لهكذا اختصاص في أيّ بلد».

وما بين كلام د. ونوس والدكتور شيخ الشباب، يأتي كلام الدكتور عبد الكريم فرج عميد الكلية ليؤكد ما ذكر سابقاً، ولكنه أضاف بعض التفاصيل التي أوضحت معنى القبول على نتائج البكالوريا: «الأمر لم يتمّ اعتماداً على البكالوريا فقط، وإنما كانت هي الحدّ الفاصل في قبول الطلاب.. بعد أن قرَّرت الوزارة عدم وضع علامات للمسابقة، تشكَّلت لجنة تضمُّ جميع أساتذة كلية الفنون لاختيار اللوحات المقبولة، ومن ثم أرسلت الوزارة أسماء اللجنة الثانية التي اختارت أفضل 150 لوحة ليتمَّ قبولها. ولكن، ومن وجهة نظر التعليم العالي، فإنَّ هؤلاء الـ150 طالباً سيتسرَّب منهم عدد من الطلاب إما لفروع ثانية أو لأسباب شخصية، ما يعني أننا بحاجة لقبول 60-70 طالباً آخر ريثما نتأكد من عدد المسجلين فعلاً في الكلية. وبعد أن تمَّ ذلك، تمت المفاضلة بين الجميع بناء على علامة البكالوريا، ما يعني أننا لم نوفق في اختيار الطلاب المبدعين، إنما كانت علامة البكالوريا الحدَّ الفاصل النهائي».
في وزارة التعليم العالي فضّل مصدر مطلع عدم التعليق على ما تحدَّث عنه أساتذة وعميد كلية الفنون حول القبول الماضي والمستقبلي، لاسيما أنَّ عميد كلية الفنون، وبعد أن اجتمع مع مجلس الكلية، رفع اقتراحاً جديداً لاعتماد العلامات في المسابقة التي ستقام للعام الدراسي 2009-2010، آملاً في أن تتمَّ الموافقة على الاقتراح، لاسيما أنَّ الاقتراح أخذ موافقة رئاسة الجامعة وهو الآن في مجلس التعليم العالي في الوزارة. ولكنه، ورغم أمله، بدا مقتنعاً بضرورة تعاون الكلية مع أيّ قرار ستتخذه الوزارة.


«رزق الله عَ هديك الأيام»

يكاد العمل في صالة عرض «غاليري» ضمن كلية الفنون ينتهي، بحسب ما أكده الدكتور عبد الكريم فرج، الذي يأمل في أن تصبح الصالة جاهزة ضمن فترة قصيرة، إضافة إلى أنَّ هذا «الغاليري» سيكون أهم صالة عرض في سورية من حيث الحجم والتقنيات التي ستكون موجودة فيها. ويأمل المسؤولون أن تصنّف الصالة ضمن أهم صالات العرض عالمياً، وهذا بالتأكيد جهدٌ كبيرٌ ومهم في سبيل تحسين شروط العروض الفنية.
ولكن مع وجود الغاليري، فإنَّ المكان المتاح لجلوس الطلاب قد اقتصر على الحديقة الخلفية للكلية. ولمن لا يعرف، فإنَّ تلك الحديقة مناسبة لجلوس طلاب «فنانين» لممارسة الرسم. ولكن ذلك المكان أيضاً لا يحوي أي «بوفيه»، لاسيما مع انتقال البوفيه إلى مكان آخر وبحجم صغير لا يكاد يتسع إلا لطلاب الكلية وهو ما لا يحدث، إذ إنَّ قرب «البوفيه» من الشارع يؤدي إلى دخول أيّ عابر سبيل لشرب فنجان من القهوة أو «كاسة» شاي، ما حرم طلاب الكلية من الدخول إلى ذلك البوفيه. وبرأي الدكتور ونوس، وجود البوفيه أمرٌ مهم، لاسيما بالنسبة لطلاب الفنون، إذ كان الأستاذ قديماً يجلس مع الطلاب في البوفيه القديم ليرسموا معاً أو يتناقشوا في لوحة من اللوحات.
أما الدكتور عهد الناصر رجوب رئيس شعبة التصوير الجداري، فيرى أنَّ البوفيه الحالي لا يتناسب مع اسم الكلية ولا مع محتواها. وبرأيه وجود متعهد لهكذا بوفيه سيعطي النتيجة الموجودة حالياً، من غياب للطلاب وحضور لسائقي السرافيس والتكاسي.. وبالتالي اقتصار وجود الطلاب على الحديقة الخلفية التي لا تحمي من شمس أو مطر. ولكن د. رجوب استدرك ليقول: «على كلّ حال طلابنا صاروا يفضلوا أن يشربوا القهوة في أقسامهم بدلاً من النزول إلى البوفيه».
وعندما اتفق د. ونوس ود. رجوب على ضرورة أن ينتمي البوفيه إلى روح الكلية، اختلف رأي الدكتور فرج، قائلاً: «نحن في كلية أكاديمية تعليمية وليست مكاناً للاصطياف أو نادياً. وبالتالي، فإننا نجد أنَّ البوفيه الحالي يكفي حاجات الطلاب، والبوفيه القديم كان ممتداً على مساحة كبيرة من الكلية لا داعي لإشغالها». أما عن مزاج الطلاب أو حاجتهم لمكان يجلسون فيه بهدوء للرسم أو للنقاش، فقال: «من اخترع نظرية أنَّ طالب كلية الفنون هو شخص مزاجي أو غريب من حيث الشكل أو التصرفات مخطئ تماماً، فطلابنا لا يختلفون عن أيّ طلاب آخرين، وإنَّ وجود غاليري ضمن الكلية أمرٌ مفيد للطلاب من حيث تعزيز طموحهم بالعرض ضمنه، كما أعتقد أنَّ الخصوصية تنبع من الجهد والموهبة وليس من الشعر الطويل أو القصير».

كان يا ماكان


نحن بدورنا تذكَّرنا كلية الفنون قبل عشر سنوات فقط، لنكتشف أنَّ من عرفها سابقاً لن يتعرف إليها اليوم، من حيث الطلاب والمكان؛ حيث كان سندويش المقصف بطعم «الحميمية»، والجدران اكتظت باللوحات وبالأفكار الغريبة والجميلة في آن واحد.
وربما يخرج علينا أحدٌ ليقول: إنَّ العبرة ليست في المكان أو الزمان؛ فطلاب الكلية أنفسهم تغيَّروا وباتوا أكثر شبهاً بمقصفهم، وصار من النادر أن ترى أحدهم يرسم لوحة غير مطلوبة.. ليعيدنا من جديد إلى فكرة استحالة تخريج فنانين ضمن سياسة قبول تعتمد شيئاً فشيئاً على علامة البكالوريا. وإن كان 1+1 يساوي 2 في كل العلوم، فإنَّ ذلك لا ينطبق على الفن، فما يراه الفنان الفلاني إبداعاً، قد يراه آخر مجرد ألوان على ورقة بيضاء لا تعني شيئاً.
ولنبقي الجواب النهائي برسم وزارة التعليم العالي.. وربما الأهم أن نسأل الوزارة عن تعليل منطقي ومقنع لغياب العلامات عن المسابقة.. والسلام على من يفهم الكلام