لقاء مع الشاعرة والروائية الفلسطينية هيام قبلان


أجرى الحوار:ايهم أبوغوش

نحن جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية وعلى العرب ألا ينظروا إلينا كخونة فنحن متواجدون على خارطة الشرق

الدولة الاسرائيلية تشكل العائق الاكبر أمام اختراق الأدب المحلي الفلسطيني للحدود والوصول إلى العالمية

الأدباء الإسرائيليون ينظرون الى الكاتب الفلسطيني نظرة جاهلة.. ولا مكان لثقافة حرة داخل حصار وحدود

الموقف السياسي والقومي لمحمود درويش وسميح القاسم حال دون حصولهما على جائزة نوبل
لا يمكن للأديب أن يعيش في برج عاجي والمهم في القصيدة ان تترك أثرا وأن يكون لها معنى

كلنا أغراب في هذه الحياة ، لكن غربتي هي غربة النفس عن نفسها "..هكذا توصف الشاعرة والروائية هيام قبلان في حوار مطول مع "القدس الثقافي" حالة غربة الروح عن المكان والانسلاخ عن الزمان التي تعيشها ، فهي تتشوق إلى موطن أبيها ( سوريا) والى موطن أمها (لبنان) ،وفي ذات الوقت هي ابنة قرية عسفيا الواقعة على جبل الكرمل والتي تعشقها وترى فيها الهواء الذي تتنفس..
ترى ابنة"الكرمل" أن الادباء الفلسطينيين داخل الخط الأخضر هم جزء أصيل من القضية الفلسطينية ،داعية العرب إلى عدم النظر إليهم كـ"خونة"،تسلط قبلان الضوء في هذا الحوار على الحالة الثقافية والمعيقات التي يواجهها ادباؤنا داخل الخط الأخضر. تركز على العلاقة الوثيقة بين القصيدة والوطن .وفيما يلي نص الحوار:


* هيام قبلان ..هل لك أن تقدمي نفسك للقارئ؟


- انا من مواليد قرية عسفيا تقع على قمة جبل الكرمل وتطل على سهل مرج بن عامر وعلى مدينة ( حيفا ) حيث مياه البحر تنساب عذبة ورقراقة هذه القرية الوادعة الهادئة
بمناظرها الجميلة وطبيعتها الخلابة أدت لولادة قصائدي .
طفولتي : تعلمت في القرية ولعدم وجود مدارس ثانوية في السبعينات خرجت من القرية حيث أدخلني والدي الى مدرسة راهبات ( الفرنسيسكان الطليان )في مدينة الناصرة وهناك كتبت بعد التشجيع من معلم اللغة العربية حيث كنت أقضي وقت فراغي في مكتبة الدير بالمطالعة والأشتراك في قسم الموسيقى للفن الراقي وتعليم الأغاني الشرقية الأصيلة من موشحات الخ ... !
ثقافتي : حصلت على شهادة : Ba في موضوع التاريخ العام من ( جامعة حيفا )
Bed للقب الأول في اللغة العربية والتربية في الكلية الأكاديمية العربية في ( حيفا ) تعلمت موضوع الكتابة الأبداعية من خلال ورشات الأبداع التابعة لجمعية ( انسان ) وذلك لتنمية التفكير الأبداعي في المدارس العربية.
أنهيت دورات ( العلاج عن طريق الفن ) ترابيا في كلية أورنيم القسم العربي،حاصلة على شهادة تخصص للتربية الخاصة والعمل مع الأولاد المعاقين ،حيث علمت في مؤسسة للطلاب المعاقين والمتخلفين عقليا لمدة عشر سنوات، درست اللغة العربية وعملت مركزة الكتابة الإبداعية في الكرمل حيث أسكن .
نشاطات اجتماعية وأدبية : شاركت في العديد من المهرجانات الدولية والقطرية في مهرجان
السياسة والأدب في مدينة ( فرنكفورت ) في ألمانيا باشتراك نخبة من النساء الطلائعيات والقياديات لتمثيل المرأة العربية الفلسطينية من عرب الـ 48 .
شاركت في مهرجان الشعر والحضارة في ( أسبانيا ) في مدينة ( ليون ) و "مدريد "بمشاركة شعراء عرب من داخل البلاد وشعراء من فرنسا وأسبانيا وتركيا والمانيا ودول أخرى شاركت في لقاءات مع كاتبات وكتاب أردنيين ضمن لقاء اتحاد الكتاب في الأردن .
أقوم بلقاءات شهرية مع شعراء وكتاب معروفين للمساهمة في استمرار الأدب وذلك في واحة البادية حيث يرأس اللقاءات د. فهد أبو خضرة وهو شاعر عمل كرئيس المجمع اللغوي العربي لعرب إلـ 48
شاركت في مهرجان المبدعات في الناصرة ومهرجان الشاعرات لهذا العام وفي السنة الماضية في ( عرعرة ) في المثلث.
أشارك كل عام في شهر الثقافة والكتاب في ( بيت الكرمة ) في حيفا،
أشارك كل عام في مهرجان الثقافة والفنون في المسرح العربي في يافا،
شاركت في مؤتمر الشعر الفلسطيني في ( كفر مندا العربية )، عضو في جمعيات نسائية من أجل تطوير مكانة المرأة في البلاد، شاركت على مدار أربع سنوات في مؤتمر ( يوم المرأة العالمي )،
نساء من عدة حضارات من ضمنها نساء قياديات من السلطة الفلسطينيةمن غزة - رام الله - القدس
** : حصلت قبل ثلاث سنوات على جائزة الإبداع للكتاب العرب قسمالثقافة والفنون في الوسط العربي
أصدرت ست مجموعات شعرية وهي :-
آمال على الدروب : شعر،همسات صارخة : شعر،وجوه وسفر : شعر،
بين أصابع البحر : نثر - نصوص أدبية وفلسفية.
طفل خارج من معطفه : قصة قصيرة ( عن متخلف عقليا )، انزع قيدك واتبعني : شعر
لا أرى غير ظلّي : شعروآ خر اللمسات في كتابتي لرواية سوف تصدر هذا العام بأ ذن الله .
لي قصائد مترجمة للغة العبرية والإنجليزية والأسبانية


تجربة إعلامية


* لقد خضت تجربة صحفية من خلال عملك في صحيفة "الصنارة" الصادرة في الناصرة ،كما عملت مذيعة ومعدة للبرنامج الأدبي في "راديو المحبة".. كيف أثرت التجربة الإعلامية على انتاجك الأدبي؟وهل تعتقدين أن خوض الأديب للتجربة الإعلامية مطلوب على الصعيد الشخصي؟


- عملت في صحيفة " الصنارة" لمدة سبع سنوات من خلال زاوية أسبوعية بعنوان (على أجنحة الفراش) ، كنت كالفراشة المحلّقة في الصحيفة ،، بي شوق للعودة الى تلك النافذة التي كنت منها أطلّ على العالم الرّحب.. أتسكّع في زقاقاته .. ألوّن بريشتي أسواره العالية ، وبأجنحتي المتكسّرة التي حافظت عليها من عواطف شتى باءت بالفشل .
كنت أتسلّق غيمة لألمس النجوم ، أرنو من البحر .. أرمي الضّجر والألم داخله ، من خلال كتاباتي تعرّفت على العديد من الشعراء والأدباء، اكتسبت خبرة، ومرونة، وانضباط، ومعرفة الآخر من حيث النص ، وغربلة العملية الكتابية ، ونقد كل ما يسيء الى لغتنا العربية .
اتسعت آفاقي وأصبحت مدمنة على الكتابة والمطالعة حتى أحصّل الرّكب في العالم العربي .من هناك انتقلت الى برنامج أدبي في إذاعة ( المحبة) في الكرمل ، وهنا يختلف العمل ، اذ أنّ إعداد برنامج وتقديمه ببث حيّ ومباشر ، يحتاج الى جهد وسرعة خاطر وإتقان للغة ، فالإذاعة كانت همزة وصل قوية بين الصوت والمتلقي ، المجهود كبير من أداء وإعداد ،كذلك العلاقة مع المستمعين ، اذ أنّ المواضيع لنجاح البرنامج هي المهمة ، والتي استرعت متابعة أكبر عدد من المستمعين ، وفي العالم العربي عن طريق البت / طبعا الإعلام له دوره في حياة المبدعين ، فهو الخيط الذي يصلهم بالعالم الآخر البعيد ، تلك الفترة غيّرت من مجرى حياتي ، من حيث تعرّفي الى عدد كبير من الشعراء من خلال المقابلات والحوارات ،، بالنسبة للشق الآخر من السؤال / عن خوض الأديب التجربة الإعلامية ، كعمل ليس كل أديب يمكنه أن يكون إعلاميا ، لكن الإعلام نافذة نطل عليها الى غيرنا لنعرف ونتعرّف وليس بذلك عيبا .. العيب أن يصبح الإعلام سلما يتسلّق عليه من هبّ ودبّ من أصحاب الأقلام الذين يدّعون الكتابة .

* سبق لك وقلت من قبل أن كل ما هو حولك ترينه بقلبك،فهل يجب على الأديب عموما وللشاعر خصوصا أن ينظر للأمور فقط بقلبه؟وهل بنبغي للعقل أن يلغى من الكتابة الشاعرية؟

- عندما أقول بقلبي أعني أنني أحسّ الأشياء من حولي ، كل شيء يتحرك ، كل ما يتغيّر ، أن أكون
واعية لما يجري من أمور وأحداث أتعاطف معها حتى لو كانت تحصل مع غيري ، لكن لا يمكن
تجاهل العقل طبعا ، فبين القلب والعقل رابط عظيم وكبير ، هناك ما أراه بقلبي وهناك ما أحكّم
فيه العقل .. ! وهناك أمور أحكّم فيها العقل والقلب معا .!

بين الشعر والرواية والنقد


* انت شاعرة وناقدة وراوية في آن،اين تجدين نفسك أكثر ولماذا؟وهل برأيك أن الأديب عموما يفضل أن يجمع أكثر من فن وشكل أدبي أم التخصص في مجال واحد يعد الأفضل؟

-أنا كل ذلك مجتمعة ، لكنني لست ناقدة ولا أدّعي النقد انما ردودي وتعليقاتي في المنتديات الأدبية جعلت مني ناقدة ، مداخلاتي ودراساتي لعدد من المجموعات الشعرية والقصائد المنفردة جعلتني أتعامل مع النصوص التي أمامي بتبصّر وحرفية وحذر ، لكن دراستي الأكاديمية في النقد أيضا أثرت في معاملتي لكل ما أقرأ ، أنا أقرأ بعمق وأنتقد بعمق ،، وأحلّل النصوص المتواجدة بين يديّ بترو وعقلانية وبتركيز وعودة الى مدارس نقدية تعلمتها ،، لكن من الجميل أن يكون الناقد قارئا ما وراء الكلمات وأن لا ينظر فقط الى الشكل ،،/ الراوية : لا تختلف عن الشاعرة ، بالنسبة للغة في نصوصي الشعرية وفي الرواية من الممكن لمس الشعر والموسيقى الداخلية ، لكن عالم الرواية أوسع ، حيث أنني أحيانا أنسى نفسي داخل الأحداث ، ومن الصعب إعادتي الى المكان والزمان بسرعة ، لأنني أنصهر مع الشخصيات والأحداث ، حين أعود الى الواقع أفقد تفاصيل كثيرة أثرت عليّ ... لذا أنا الشاعرة والراوية والمنتصرة في آن واحد .

غربة النفس عن نفسها

* كتاباتك مليئة بالعتب والشوق والرحيل والسفر والغربة ،لماذا؟

- كلنا أغراب في هذه الحياة ، لكن غربتي هي غربة النفس عن نفسها ، غربة الروح عن المكان وانسلاخ من الزمان ، بي من الشوق الى موطن أبي ( سوريا) والى موطن أمي (لبنان) ووجودي هنا في ( فلسطين) أما المزيج من ثلاثة أوطان أنا لست ملك نفسي بل أتوزع على جميع الأوطان العربية ،، لبنان أمي هو الغربة والرحيل والسفر أرى الغربة في عينيها عندما تركت قطعة من السماء هطلت على الأرض لتعيد للحدائق ألوانها ، أمي والغربة وليالي الفراق والسّهر ، ونوبات البكاء والحنين لفراق الأحبة والأهل .
لبنان الأرز الصمود والنزف ، النفوس التي ضاقت بهم الأرض فرحلوا ، فهوت نجمة الصبح صريعة الدمار والحروبات . لبنان بحر بيروت ، بحر محمود درويش الذي لم أجده عند زيارتي بعد حرب 81 ودخول إسرائيل الى لبنان ، زرت بيروت ، والجنوب والشوف ، ما زالت رائحة القهوة ورائحة الجثث تخترق فوهة غضبي ،وعطفي على أمي التي عانت الويلات والحدود الفاصلة وعاركت الحياة مع أبي بحلوها ومرّها ، بحبها العارم له فمن أجله تركت وطنها ولحقته .
أما غربة أبي فهي الموت البطيء ، والالتحاف بالصمت ، انتظاره في ( تل الصراخ) في هضبة الجولان منتظرا كي يطلوا / من الطبيعي أن تخلق منه ظروف الحياة رجلا عظيما ، حرّا ، وعصاميا ، وهذخه الخصال ورثتها من أبي / لومي وعتبي غليه لتركه الوطن ، كل هذا وأشياء أخرى أثرت على أسلوبي في الكتابة وحفرت في ذاكرتي قصصا لا تنسى أبدا .

*للشام مكانة في قلبك فهو وطن اجدادك ،وانت اليوم ابنة قرية عسفيا المطلة على الكرمل ،ولبنان مسقط رأس امك،كيف اثر المكان عل كتاباتك وأي الأمكنة أحب إليك؟

- الكرمل هو مسقط رأسي ، أحبه ، أتنفسه ، أعشق غاباته وتلاله ، أشرف من هناك على بحر حيفا ، قريتي على أعلى قمة في جبل الكرمل ، معلّقة بين الأرض والسماء ، هنا في وطني أشعر أنني قريبة من وجه الله ، أرنو إليه بصبر كي لا ينساني ،، لكن حنيني لجذور أبي تجعلني أفقد هويتي ، والهوية انتماء وإحساس وحب وعطف وشوق ، أتوق الى الشام والى لبنان كما لو ولدت هناك ،، بعد المسافات ، الحدود ، الحواجز ، الأماكن المجروحة ، العلاقات المبتورة كلها لها تأثير في المواضيع التي أتداولها ،،! تسألني أي الأماكن أحب ، أحبها كلها وأحب هنا لصمودنا في وجه التيارات ، ومحاربة الظلم والاستنزاف .. أنها قضيتنا فإلى أين نذهب ؟ يجب أن نبقى هنا ، لا مكان لنا غير هنا .

لا بديل عن الكتاب

* كل يوم نشهد تطورا تكنولوجيا جديدا،وثورة الانترنت تغزو العالم ،والمجلات الالكترونية تحتل مساحات واسعة ،هل تعتقدين أن المادة الالكترونية الأدبية أو الاعلامية ممكن ان تشكل بديلا عن المادة المطبوعة لاسيما الكتاب؟

- طبيعي أن ثورة الانترنت التي تغزو العالم هي وسيلة اتصال كبيرة ومخيفة ، كذلك المجلات الالكترونية التي تحتل مساحات واسعة ، سرعة في الانتشار وفي النشر ، وسيلة عظيمة لكنها لن تشكّل بديلا عن المادة المطبوعة ، ولا سيما الكتاب / كل شيء من الممكن أن يمحى أن يزول إلا الكتاب ، لا غنى لنا عنه يبقى الصدر الذي نشتاق إليه كلما فتشنا عن صديق لوحدتنا التكنولوجيا عالم رهيب يأخذنا الى أبعد الأماكن / لكن الكتاب يزرعنا في المكان ، يجذّرنا ، انه الذاكرة ، ذاكرة التاريخ والحضارات بين دفتيه أسرار وعوالم مجهولة .

تواصل الأديب مع المنابر الثقافية

* انت عضوة في أكثر من جمعية واتحاد وتشاركين في عدة مؤتمرات ومناسبات محلية وخارجية ،ما هي اهمية أن يكون الأديب على تواصل مع المنابر الثقافية المختلفة ؟ وهل يمكن لزحمة الأجندة ان تؤثر سلبا على نتاجك؟

- من المهم أن يتواصل الأديب مع المنابر الثقافية المختلفة ليطّلع على ما يدور حوله ، يتعرّف الى الناس ، يتعلم من عاداتهم ومن حضارات الشعوب ، أن يعيش الأحداث والهموم ، أن لا يكون منعزلا عن أمته وشعبه،، الأديب مرآة لمجتمعه ووطنه ، المنابر تقرّب بين الأديب وقرائه ، اذ نحن نبتعد عن المتلقي فيجب أن يكون تواصلا بيننا ، الكتاب هو ليس وسيلة تواصل بين القارئ والكاتب بل هو وسيلة معرفة ، مطالعة ونص ، وليس صوتا ، وصورة واحتكاك / كما أن منابر الثقافة تمنح الأديب دفعة الى الأمام لمواصلة المشوار وعدم التقاعس ،،لا يمكن أن يعيش الكاتب في برج عاجي ، الأديب نجيب محفوظ أحبه الناس لأنه ابن الشعب ، لأنه عاش آلامهم ، حزنهم ، وأفراحهم ، نزل الى الشارع ليستقي صدق كتاباته ،نحن نكتب ليس عن معاناتنا الشخصية فقط بل علينا رسالة وهي الخروج من الهم الخاص للعام كي نستطيع أن نغيّر في مجتمعاتنا وفي أفكار غيرنا ،، الخروج من الخاص للعام هو حرية والمبدع لا يحب السجن بل يحب لكلمته أن تصل الى كل مكان ! بالنسبة لي شخصيا كثرة الأجندة لا تؤثر سلبا على كتاباتي بل بالعكس تثريها وتدفعني للكتابة أكثر .

شكل القصيدة ليس هو المهم

* سبق لك وأن صرحت أن تحرير القصيدة من الشكل العامودي والوزن تسبب في فوضى وأدى إلى دخول من هب ودب إلى ميدان الشعر ،هل هذا يعني ذلك بشكل او بأخر أنك تنتصرين لصالح القصيدة العامودية على حساب قصيدة النثر؟

- لا يهمني إذا كانت القصيدة عاموديه أو نثرية ، المهم أن تترك أثرا ، أن تترك معنى ، أن تصل الى القارئ ويستمتع بما يقرأ ، النص الذي يشدك ويدعوك لمتابعته هو الأدب الجميل ، ليس في الأدب جيدا وليس بجيد / أما أن يكون الأدب جميلا يخلعك من مكانك أو أن يبقيك كما أنت عليه فلا يحرّك مشاعرك ولا يثيرك / لكن تصريحي لا أتراجع عنه لأننا اليوم وللأسف نقلب حجرا نجد شاعرا ، مع احترامي لكل من يحاول كتابة كلمة أو سطر في هذا الزمن المر لكن مع المحافظة على أصول اللغة من نحو وجمال وفنية ومفردات وإملاء وكتابة صحيحة ..ولست أفضّل قصيدة العمودية على قصيدة النثر ، لكل نوع وتقنياته وأسسه ، لكن أرى نفسي بقصيدة النثر أكثر لأسباب عديدة !

النحت في الصخر لاختراق الحدود

* هل حقا للأديب في بلادنا ان ينحت في الصخر كي يصل ويخترق الحدود؟ما هي الصعوبات التي يواجهها الأديب الفلسطيني داخل الخط الأخضر للوصول إلى المنابر الثقافية؟وهل الدولة الاسرائيلية تلعب دورا في وضع المعيقات إمام الأدباء العرب؟

- الحدود عوائق ، تفصل بيننا داخل الخط الأخضر وبين إخواننا العرب في كل مكان ، العوائق كثيرة ومتعددة ، وعلى الأديب أن ينحت في الصخر كي يصل ويخترق الحدود ، ليس الحدود الدولية الفاصلة فحسب ، بل أن يتخطّى أدبه الى العالمية ، من الحيّز الضيق الى الأوسع.
عدم التواصل بين الأدباء داخل الخط الأخضر والأخوة في العالم العربي يعيق من انتشار الأدب المحلي ، فيبقى في الظل والعتمة بعيدا عن مكانه الأصلي أي الساحة الأدبية والثقافية الواسعة والبعيدة عنه / لذا يحاول الأديب أن يحقق ذاته بنفسه ، بكتابته ، بتسلقه الجبال وحفره بالصخر كي يصل الى المستوى المطلوب .
"الدولة " طبعا تلعب دور العائق الأكبر في اختراق الأدب المحلي الى الخارج ، اذ أننا تحت المجهر ،، نمنع من التواصل مع الدول المعادية لإسرائيل حتى هاتفيا ممّ يحد من وصول أدبنا الى العالم العربي في دول عدة .. اليوم وبوجود الانترنت التواصل بات ممكنا لكن السفر محذور علينا الى الدول التي ليست حليفه مع إسرائيل ، اللغة هنا لغتهم ، ليست لغتنا العربية هي اللغة الرسمية فبات علينا أن نتعلم لغتهم المفروضة علينا كي نفهمهم ونعيش في مدننا وقرانا دون مشاكل ، ويبقى الأدب والفنون المشكلة الكبرى اذ من ناحية نحن نحافظ على لغتنا من الضياع ومن ناحية أخرى نتعلّم لغة المؤسسات والهيئات العامة
والحكومية لنصارع الوقت في ظل الظروف الصعبة .

الجوائز شعارات تعلق على الجدران

* "الجوائز لا تصنع مبدعا بل المبدع هو الذي يصنع الجوائز "..برأيك اي الأدباء العرب أو الفلسطينيين تعتقدين أنه ابدع وقدم انتاجا يستحق أن يفوز بجائزة لكنه لم يحصل عليها لسبب أو لأخر؟وهل يرأيك ان كل الذين يحصلون على جوائز في عالمنا العربي يستحقونها؟

لا أهمية للجوائز عندي فهي شعارات تعلّق على الجدران ان كانت مادية أو شهادات تقدير ما يهم الكاتب أن تصل كتاباته الى أكبر عدد من القراء وأن تصل رسالته للناس ، من الأدباء العرب أو الفلسطينيين العديد من المبدعين يستحقون الفوز بجائزة على أعمالهم الإبداعية.
الراحل محمود درويش كان يستحق جائزة نوبل لكن موقفه السياسي والقومي أدى لعدم حصوله عليها ولأسباب تتعلق به شخصيا لم يكن ينظر إليها بعين الرضا / لست هنا باستعراض أسماء لشعراء من فلسطين ومن الدول العربية ولكن الجوائز من الممكن أن تدعم الكاتب بنشر إنتاجه عالميا لأن تكلفة الطباعة كثيرة وليس كل الكتاب بإمكانهم تغطية تكاليف دار النشر وخاصة في فلسطين ،، الشاعر سميح القاسم يستحق جائزة نوبل لكتاباته من أجل القضية وكفاحه ضد الاحتلال والظلم لكن لا أدري ما رأي الشاعر سميح بهذه الجائزة والتي أصبحت تظللها التساؤلات ... وطبعا ليس كل الذين حصلوا على جوائز في عالمنا العربي يستحقونها ، المؤسف حقا أن العلاقات الشخصية والشللية لعبت دورها وما زالت تلعبه الآن في فوز الجوائز وفي غيرها من المجالات .

الأدب "النسائي" ..دونية للأديبة

* انت ترفعين صوتك عاليا في وجه ظلم المجتمع الذكوري للمرأة، متى ستصبح برأيك الانثى ليست خطيئة في مجتمعنا ، وهل استطاعت المرأة الاديبة من حمل هم وقضية جنسها؟

- ان مجتمعنا الذكوري ما زال مسيطرا ، على حياة المرأة ، بكل الحالات ، من حياة أسرية وحياة في العمل ، وحتى في الحياة اليومية ، من ثقافة وسلوك ، ومعاملة ، وتصرف ، وتربية / وللأسف حاولت أن أنهض ليس ضد الرجل كرجل وانما ضد العقلية القبلية القديمة ، التي تربى عليها الرجل منذ طفولته / وما زالت هذه العقلية مسيطرة على فكر الرجل أن المرأة الضلع القاصر فيالمجتمع والرجل بيده القرار ، عندما يتحرر الرجل من هذه العقلية ، عندها تصبح المرأة بلاخطيئة ولا ينظر إليها كخطيئة المجتمع ، الخطيئة يصنعها المجتمع ، والسؤال هل يوجد خطيئةوهل الخطيئة التي أثقلها عليها الذكر في أكل التفاحة هي خطيئة ؟؟ أنا لا أعتبرها كذلك .
اذ أن آدم كان شريكا لحواء فيها ، إذن ما الفرق وأين الخطيئة ؟؟الخطايا بمفهوم المجتمع ، كل فشل يحدث في العائلة ، في المحيط ، في الشارع ، في أي مكان يعتبرون المرأة هي المخطئة ،، هي المسئولة عن الفشل والرجل عن النجاححتى في العلاقات الزوجية والعاطفية .. !
الأديبة لها دورها في حمل قضايا مجتمعها ، مع كل التعتيم الذي يفرضه عليها المجتمعوأيضا الرجل المثقف والأديب ، اذ أن التنافس كان في الماضي وما زال مستمرا ،فهذه المنافسة خلقت جوا من الشللية في المجتمع ألذكوري ضد المرأة المبدعة ومحاولة التعتيم على كتاباتها ومن هذا المنطلق ، ترى المرأة الكاتبة نفسها قادرة على مواجهة الحياة بحلوها ومرها ، فهي جزء لا يتجزأ منه وعليها ملقاة مهمة صعبة أيضا في إثبات دورها كصاحبة قلم يضاهي قلم الأديب والشاعر الرجل / مع أنني لا أتعامل مع الكتابة بكوني امرأة انما إنسان قبل كل شيء فلا أعترف بما يطلقونه ، من أدب نسائي ، أحسه للتفرقة ، أحس فيه دونية لمكانتها ككاتبة .

*ما هي الخطوط الحمراء التي ما زلت الاقتراب منها عند الكتابة؟

- كوني في مجتمع شرقي أريد لكتاباتي أن تكون نقية صافية لا تتخطّى الحدود التي ينظر إليها المجتمع أنها فاسقة أو خارجة عن القانون ، أحيانا أريد لنفسي أن تكون كما هي على سجيتها ، وأحيانا أردعها وأكبح جماحها / ليس خوفا من المجتمع ، انما هكذا تربيت أن أجد التوازن في الأمور والحياة ، وحتى في الكتابة ،، لكن موضوع العاطفة والجنس هو موضوع حساس وشيق لذا أنا في كتاباتي لا أنظر إليه كهدف ( أيروتي) بقدر ما هو حق للتعبير عن مكنونات النفس والجسد معا ولكن بأسلوب لبق وراقي .

لا أرى غير ظلي

* تقولين في قصيدة لك بعنوان "فراغ ودوائر":أنثاه أنا ..من رحم العتمة،بضفائري المبللة بالحناء ،أنين الفزع واللهفة..،من صهيل حلمه المشتهى،تحيطني دوائر ..دوائر،يشهق الفراغ ،لا أرى غير ظلي..اي ظل ذلك الذي لا ترين غيره وهل في ذلك نظرة نقمة على المجتمع الذكوري؟ ولماذا اخترت أصلا الظل استثنائيا؟

- الظل بمعناه المجازي غير متواجد ، ومن ناحية علمية ليس له وجود ، ليس ظلي الذي أراه ولست نرجسية الى هذا الحد لأرى فقط ظلي وأتجاهل الآخرين ، لذا ليس المعنى هو ظلي انما هناك مساحات رمادية بين اللون الأبيض واللون الأسود ، مساحات من الفراغ بإمكان كل واحد منا تعبئتها بألوان أخرى هذا الفراغ هو متواجد على أرض الواقع ولا يمكن تجاهله ألوان من قوس قزح ، وأشكال لولبية ، ودوائر ، هذه المساحات من البياض قد تبدو في رسمه فضاء ، لكنها تعبئ الفراغ ومن هناك ينطلق ظلي ليبقى ويتجدد حسب إيماني بالولادة من جديد ،،إنها ليست نقمة على المجتمع الذكوري بل الظل هو أنا وما يتبقى مني ، وهو من حقي كذلك أنا لم أختر العنوان انما هو الذي اختارني ، القصائد اختارت العنوان ، وأنا اخترت نفسي .

القصيدة وطن..والوطن قصيدة

*هل تشكل القصيدة وطنا لك تركنين إليه؟

- القصيدة وطن والوطن القصيدة ، أشكّل القصيدة كما أبغي أن أشكّل الوطن ، هي ملاذي ومنزلي وسهلي وجبال قريتي ، القصيدة الوجع والفرح ، والويلات ، والرياح العاتية ، الوطن الغربة والجذور ، السماء والأرض ، الوطن الرضيع والشيخ الجليل ، المعاناة ، القهر والظلم ، تغييب الإنسان والعدالة على الأرض ، هذا هو وطني وهذه القصيدة .

* سبق وأن نشر بيت الشعر الفلسطيني ديوان او أكثر لك ،كيف تقيمين العلاقة بينك وبين الشعر؟

- العلاقة بيني وبين بيت الشعر الفلسطيني هي علاقتي بوجود الشاعر محمد حلمي الريشة هناك والذي يعمل ليل نهار في إعداد نشر الكتب للأدباء والشعراء واتصالي كان به أولا ومن ثم خلال نشري لديواني الأخير " لا أرى غير ظلي " توطدت العلاقة بيني وبين بيت الشعر ، وزرت المكان عدة مرات / هذا المكان الذي يربطني بالراحل محمود درويش والذي كنت أحلم أن أزوره حيث كان محذورا على عرب الـ 48 زيارة رام الله أما الآن فممكن ، والتعامل معهم مريح .هذا الكتاب الوحيد الذي صدر عن بيت الشعر باقي الكتب في فلسطين .

* ما هو سر العلاقة الوثيقة بينك وبين الشاعرة آمال رضوان؟

- علاقتي بالشاعرة آمال ، علاقة زمالة وكتابة ، فآمال منذ عرفتها أعتبرها همزة الوصل بيني وبين الكتاب في العالم العربي وخاصة فلسطين خارج الخط الأخضر ، إنها تعمل في صحيفة الحقائق وفي حيفا لنا وفي الوسط ، تنقل الأخبار الثقافية والأدبية والمواد للنشر هناك هي علاقة خالية من المصالح الشخصية ، متعالية عن المنافسة والأنانية لذلك اخترتها لي صديقة . صديقة في الروح وفي الواقع ، علاقتنا مترابطة حيث نجتمع سوية مرة في الشهر في المنتدى الثقافي الأدبي في البادية في الكرمل ، وهو مقر المنتدى حيث ننتمي إليه .

احب دواويني كأبنائي
* أي دواوينك الأحب إلى قلبك ولماذا؟

أحبهم كلهم كأبنائي / لكل نكهته الخاصة وعمره الزمني ، مواضيعه المختلفة وأسلوبه الخاص ، أحب كتابي ( بين أصابع البحر) وهو نصوص فلسفية تبحث في الذات الإنسانية وفي موضوع ما بعد الموت ، والروح والجسد ، وعلاقتي بالتقمّص والولادة من جديد ، اذ أن الروح تبقى والجسد يفنى وتنتقل الروح الى جسد آخر ، أؤمن بذلك حتى من ناحية فلسفية وعلمية .
ديواني الأخير " لا أرى غير ظلي" تحررت فيه قصيدة النثر من كل شيء إلا من نفسها ، فقد شعرت بأني فيه أقفز قفزة نوعية حيث القصيدة اتخذت شكلا آخر عمّا كتبته من قبل أخذت قالبا آخر ، حتى في الأساليب الفنية وفي طرح المواضيع وكثافة اللغة .

لا مكان لثقافة حرة داخل حصار وحدود

* ما هي طبيعة العلاقة التي تربط مع الأدباء والمثقفين في الضفة وغزة ..وهل تعتقدين أن العلاقة بين الأدباء على جانبي الخط الأخضر على درجة كافية من التواصل؟

- العلاقات التي تربطنا مع الأدباء والمثقفين في الضفة والقطاع / علاقة محفوفة بالمخاطر اذ أننا نتعامل مع بعضنا عن طريق النت ، بأمور الكتابة والنشر فقط ، أما علاقة الزيارات فممنوعة بيننا ، اذ لا يمكننا اختراق المعابر والوصول إليهم في الضفة وغزة .
علاقتنا بهم ليست كافية ، ليس هناك تواصل في أمسيات شعرية ، أو لقاءات ثقافية ، نحن هنا حرمنا من مواصلة العلاقات مع الكتاب في العالم العربي ، لذلك لا يعلمون عنا الكثير لكن علاقاتنا قليلة عن طريق النت والرسائل الالكترونية فقط . أمنيتنا كأدباء أن يقرأنا العالم وأن يفهمنا ويفهم قضيتنا ومشاكلنا ، وأننا نتلهف للقاء أخوتنا في غزة والضفة وفي الأوطان العربية قاطبة .

الحالة الثقافية تفتقد الى السكينة والهدوء

*كيف تقيمين الحالة الثقافية والأدبية بشكل عام في فلسطين سواء داخل الخط الأخضر او في الضفة الغربية وقطاع غزة؟

- الحالة الثقافية تفتقد الى السكينة والهدوء والاستقرار هنا داخل الخط الأخضر،وأيضا في الضفة الغربية وقطاع غزة / لا مكان لثقافة حرة داخل حصار وحدود / لا مكان لمشهد ثقافي وسط نزيف الدماء ومن وراء الحواجز والمعابر / لا مكان للفرح في لقاءات أدبية ومهرجانات شعرية دون التفات السلطة الى الوجه الآخر للثقافة ،، داخل الخط الأخضر نحن منقطعين عن العالم الخارجي ، نتعطش للمشاركة بمهرجانات دولية ومؤتمرات في دول عربية مثل سوريا ، لبنان ، الكويت ، قطر وغيرها ، الوضع السياسي في الشرق الأوسط سلب منا الكثير ، حرمنا من حرية الكلمة ، وحرمنا من أن تصل كلمتنا الى البعيد ، لكن الإرادة والإصرار خلقا من أدبنا ، أدبا مميزا ، مغيرا ، لا يتكلم عن القضية الفلسطينية
فقط كما كان في الستينات وأوائل السبعينات ، انما اليوم الأدب داخل الخط الأخضر بالذات همّه بالإضافة للقضية ، الهم العام ، هو ما يحصل في العراق ، وفي غزة ، وفي القدس وفي كل الوطن العربي ، عانينا من نظرة العالم العربي لنا نحن كتاب عرب الـ 48 كما سمينا أو عرب الداخل ، أو العرب داخل الخط الأخضر ، وللأسف قاسينا من نظرتهم لنا على أننا هنا نعيش في هذه البقعة من العالم مع شعب آخر ، نحاوره ويحاورنا ، نراه كل يوم ونحتك به ، ما زالت نظرتهم لنا أننا نتعاون مع الشعب العدو لهم لذلك علامات السؤال تزداد حتى في إشراك شعراء في منصات أدبية مع الدول المفتوحة أمامنا للزيارة ، لا أدري لماذا نعاقب ؟؟ والسؤال أين نذهب ؟ كتب علينا أن نكون هنا وعلينا أن نتعامل مع الوضع ليس فقط بحذر بل بعقلانية ، لذلك نجد أن الثقافة داخل الخط الأخضر مقتصرة على أمسيات ومؤتمرات داخل البلاد وليس خارجها ، من جهة أخرى تشهد الساحة الأدبية أقلاما قوية جبّارة يفتخر بها من الجيل الجديد ، فتحت لنا الأبواب لشق طريقنا الى العالمية بفضل الانترنت ومواجهة الصعوبات والصمود في وجه التيارات التي كانت ترفض التعامل معنا لأنها ليست مطّلعة على أدبنا المحلي ، لذلك نرى اليوم أن انطلاقة أدبنا لم تعد مقتصرة على عدد من الأسماء بل الكثير من الأسماء التي لم تسنح لها الفرصة للظهور أصبحت اليوم معروفة في العالم العربي وذلك يعود الى النصوص التي تنشر في الصحف
وفي المواقع والمنتديات الأدبية ، اختراق العالمية لم يكن سهلا ، أنا مثلا أعمل وأشارك في منتدى أدبي معروف ومشهور في مصر ( منتديات قناديل الفكر والأدب ) يرأسه الشاعر د. جمال مرسي وأنا أعمل معه في الإدارة مع نخبة مميزة من الشعراء والأدب من العالم العربي ، حيث يؤم هذا المنتدى نسبة كبيرة من الكتاب المتمكنين ان كان في القصة والرواية والشعر ألعامودي وقصيدة النثر والأدب الساخر والنقد وغير ذلك ، هذا ممّ يدل على أن الأدب الجيد يصل وليس بحاجة لواسطة من أحد ، في المنتدى نعمل سويا لرفع مستوى اللغة والأدب على أنواعه بما فيه الشعر العامي أيضا .. هذا ما ينقص الأديب والشاعر داخل الخط الأخضر وهذا ما تفتقر له الثقافة هنا وأيضا في غزة وفلسطين ليس من يقوم ويباشر بتشجيع الحركة الثقافية سوى قلة وهم من الشعراء والأدباء .. أو جمعيات صغيرة تأخذ بيد الكتاب ومساعدتهم في خلق جو مغاير .

احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية

* نحن مقبلون على تنظيم احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009،ما هو الدور الذي يمكن ان يلعبه مثقفونا داخل الخط الأخضر في هذه الاحتفالية؟

- دورنا كبير من أدب وفن وتراث ومسرح / نملك طاقات رهيبة لكن يتوقف هذاعلى منظمي الاحتفال ومعرفتهم بما يجري عندنا ، خاصة ما يجري في الساحة الأدبية ، نحن جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية ، تواجدنا هنا لكن الألم واحد والجرح واحد لا فرق مصيرنا واحد ،، آمل أن تكون الاحتفالية على المستوى المطلوب / صرخة ورسالة للعالم أن القدس كانت وما زالت شامخة بحضارتها وفنها وبنيانها .

الشعر لا يموت

* بعد وفاة محمود درويش اي الشعراء ترين بأنه يستحق أن يحمل شاعر فلسطين الأول،ولماذا؟

- لا أريد التكهن ولا طرح أسماء ، الشاعر محمود درويش ترك فراغا كبيرا ، وسيبقى أدبه خالدا / كان وما زال عنوان فلسطين في العالم ،، لكن الأدب لا يخلو من شعراء وأدباء لهم أسلوبهم الخاص ولغتهم المتفرّدة ، الشعر لا يموت ، الشعر يتجدّد والشعراء يتجددون / لكل مكانته ، وقدرته ، وأسلوبه ، لست هنا بوضع مقارنة بين الشعراء وبين الراحل محمود درويش ، اذ أن كتاباته ليست سهلة ، بكل وضوحها
أحيانا نشعر بأنها مغلّفة ، لغته مميزة وأسلوبه في التعبير مدهش وغريب ، لن يأتي من بعده من يحمل هم القضية الفلسطينية كما حملها هو ، لكن بالنسبة للشعر فالحركة مستمرة ، والمجال مفتوح وسنرى ،، لكن من المعروف أن الشاعر سميح القاسم كشاعر فلسطيني وعربي لا يقل إبداعه عمّا كتبه محمود درويش
وهنا لن أقول أنه يستحق أن يحمل شاعر فلسطين الأول بعد وفاة درويش لأنه وصدقا كان وما زال في المرتبة الأولى ولا يضاهيه أحد ، انه ليس فقط رأيي الشخصي لكن يشهد لكتاباته العالم العربي برمته ، فسميح بقي في وطنه وقريته الرامة لكنه حمل القضية على كاهله وتعرض للسجن والإساءة ولم يهجر الوطن بل بقي فيه ليدافع عنه ، عن الأرض والكرامة .

* لمن تحبين أن تقرأي من الشعراء والأدباء سواء العرب أو غيرهم؟

- قرأت لأدباء عديدين وأطالع هذه الفترة لأدباء وشعراء جدد ، من الشباب أيضا في الحقيقة أحب قراءة الروايات / أقرأ لواسيني الأعرج ، والياس فركوح ، حنان الشبخ في المدة الأخيرة تطل علينا أسماء من الروائيات مثل / فاطمة أوفقير، ومن الداخل الروائية رجاء بكرية وغيرهم / من الشعراء طبعا غير درويش والقاسم أقرأ الشعر الحديث ومبهورة بأدونيس ، لأني أعتقد أنني أفهمه وأدري ما يريد ، هناك شعراء عرفوا في المواقع الأدبية والمنتديات أقرأ لهم وأحب ما يكتبون وفي اعتقادي أنهم يملكون ناصية الحرف الجميل ، في منتديات قناديل الفكر والأدب د. جمال مرسي من مصر / د. عمر هزاع من سوريا ، الشاعر ثروت سليم من مصر ، والشاعر مراد الساعي من مصر ، من شعراء العامية / أحمد الشربيني ، محمد أسامة ، د. أحمد الليثي . أقرأ الأدب المترجم لكتاب عالميين / باولو كويلو / غارسيا مركيز / وغيرهم ،، القائمةطويلة حتى لا أنسى أحدا .

نظرة اسرائيلية جاهلة للكاتب الفلسطيني

* كيف ينظر الأدباء الإسرائيليون لنظرائهم الفلسطينيين؟وهل تعتقدين ان الحوار الثقافي بين الجانبين يمكن أن يخدم القضية الفلسطينية ؟

- الأدباء الإسرائيليون ينظرون الى الكاتب الفلسطيني نظرة جاهلة لأن اللغة العربية بالنسبة لهم مجهولة فليس كلهم يتقنون العربية ، ممّ يعيق عليهم فهم ما يكتب وينشر وهذا بدوره جدار يفصل بين الأفكار والتربية والحضارة اذ لا يمكن أن نقيس تربيتنا أو أدبنا بأدبهم ، الفرق شاسع من ناحية التربية والعقلية ، لكن هناك من الكتاب والشعراء والذين أصلهم من مصر أو بغداد أو من حلب يتقنون اللغة العربية وينظرون إلينا بدهشة واحترام ،، قلت من قبل وأصرّح هنا أن من بينهم يوجد كتاب عنصريون يمينيون ، وأيضا يساريون يتفهمون القضية الفلسطينية والألم ،والجرح .
ان الحوار الثقافي بين الشعوب وليس فقط في منطقتنا يؤدي الى التفاهم ومعرفة الآخر ، لا يمكننا تجاهل وجودهم مع كل ما في القلب من ألم وجراح وغضب ، الحوار الثقافي بين شعبين من الممكن أن يخدم القضية الفلسطينية لأن السياسيين لم يفلحوا لحد الآن من التقدم خطوة الى الأمام في خدمة القضية ، الثقافة والحضارة والأدب أسس راسخة لفهم القضية .
نحن نعيش معهم لا مفر ، نعيش في دولة ليست عربية ، أرضنا محتلة كيف سيفهمنا الآخر ان لم نحتك به وندافع عن أنفسنا أمامه ، الحوار الثقافي وسيلة لفهم الآخر ، وللتفاهم .يلومنا العالم العربي على ذلك إذن لماذا يجتمع الرؤساء العرب مع اليهود للحوار من أجل ماذا ؟وهل نبقى مكتوفي الأيدي دون التعبير عن أنفسنا ، ومن سيسمعنا ؟؟ ويفهم ما نريد ، نريدهم أن يعلموا أننا هنا وسنبقى هنا نتجاهل من نتجاهله ونحترم من نحترمه ، والأسباب عديدة لقبولنا الحوار .

القضية التزمت القصيدة

* هناك من يقول أن الفلسطينيين قدموا الكثير للأدب العربي على صعيد الشعر،لكنهم لم يرتقوا إلى المنزلة ذاتها فيما يتعلق بالرواية..لماذا برأيك؟


- لأن همهم كان وما زال القضية ،والقضية التزمت لفترة طويلة القصيدة ان كانت عاموديه أو بالنثر لأن شعبنا اعتاد على المنابر وأخذ له الوقت ليتغير كالعالم الأوروبي ، وعندنا بدأنا بكتابة الشعر قبل النثر ، الرواية في المجتمع الأوروبي أخذت حيزا واسعا منذ البداية لأن هناك حرية فكر وكتابة أما باقي الدول العربية فتظهر في الأفق أسماء لامعة لروائيين وروائيات اذ أن الهم الذاتي يطغي على الرواية هذا اللون بعيد عن الشعر حتى ان لمسنا فيه شعرا ، الشعر له مركباته وللرواية مركباتها خوض الرواية هو خوض معالم النفس والوجدان / ومن الهم الذاتي الى العام أيضا ..
الفلسطينيون همهم الصرخة والرسالة السريعة لذلك كثر الشعر بينهم ولم تحتمل الرواية أن تصمد ويبقى الأمر منوط بالكم الهائل من كتاب الرواية في معالجة هذا الهم بأسلوب صحيح وناجح .

* هل لك من كلمة أخيرة ؟

- أقدم أولا كلمة للعالم العربي أجمع ، أن لا ينظر إلينا نحن عرب الـ 48 بعين الخونة ، وكأننا لا نتواجد على الخارطة في هذا الشرق / أن يحاورونا ، يختلطوا معنا ، يشاركونا بأمسيات ومؤتمرات لنقرأ على مسامع بعضنا ما نكتب وإلا بقي عندهم ذلك الفكر عنا أننا نجامل العدو عدا عن عملية التطبيع التي يرفضونها ، آن الأوان ليعلم الجميع أننا نعيش في دولة ليست لنا ، ليست عربية ، ومفروض علينا قوانين دولة لم نخترها ، كل المؤسسات الرسمية والحكومية رؤساؤها من الشعب اليهودي ، اللافتات ، المقاهي ، أماكن العمل ، المستشفيات فما الفرق بيننا إذن وبين الذين هاجروا أوطانهم ظلما وسكنوا في أمريكا ويتعاملون مع الغرب ن أجل لقمة العيش / نحن هنا حافظنا على لغتنا بالقوة ، فلا تنسى أن اللغة الرسمية في البلاد هي اللغة العبرية وليست لغتنا وبالرغم من ذلك صمدنا وحافظنا عليها من الانقراض كذلك الأراضي المغتصبة ، نحن دائما في عراك مع السلطة من أجل استرجاع أراضينا المصادرة والحفاظ عمّ تبقّى لنا من أراضي / حافظنا على هويتنا العربية من أن تمحى وسط هذه المعمعة من القتال والمعارك من أجل الإنسان والعيش بكرامة / نحن جزء لا يتجزأ من العالم العربي وما يحدث من حروبات واحتلالات يؤثر بطبيعة الحال علينا .. ربما اليوم يتغير الوضع بالعلاقات الأدبية الخالية من المصالح السياسية .
وكلمة أخرى للشعراء والكتاب / حافظوا على لغتنا الجميلة من الضياع ويجب أن يكون ( عملية غربلة) بين الأدب الغث وبين السمين .. والأيام تنثبت ولا يبقى غير الأدب القوي الجميل.