رحل العبقرى النبيل .. السيد راضى ..
بقلم: د. حمدى الجابرى
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
١٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩


رحل (العبقرى) السيد راضى وهو فى قمة عطائه الفنى والإنسانى والقومى .. والعبقرى هو اللقب الذى كنا نطلقه عليه مثلما كنا نطلق على فريد شوقى (الملك) .. ملك التمثيل ، والدكتور سمير سرحـان (رئيس الحياة) .. رئيس الحياة الثقافية .. وبرحيل العبقرى .. عبقرى الفن المسرحى .. خسرنا الفنان المبدع صانع النجوم والإنسان الذى ينشر الحب والعطاء من حوله والصديق الوفى لكل من عرفه حتى ولو تنكر له البعض أحيانا ..
العبقرى الموهوب السيد راضى فرض فنه وأسلوبه الشخصى كمخرج وممثل بعد تخرجه من المعهد العالى للفنون المسرحية فقدم فى مسرح التليفزيون روائع المسرحيات التى ما زلنا نتذكرها ولا نمل من مشاهدتها بسبب روعة أدائه كممثل يملك أدواته ومنها على سبيل المثال لا الحصر المفتش العام وجلفدان هانم وغيرهما ، وإستمر نجاحه متواصلا فى مجالات المسرح والسينما والتليفزيون ممثلا ومخرجا ومؤلفا له طابعه الخاص الذى لا يمكن غياب تأثيره حتى بعد الإنتهاء من مشاهدة العمل الفنى ولو بسنوات طويلة حيث يبقى فى الذاكرة دائما حركته كممثل يطوع تكوينه الجسدى لتقديم الصورة المرئية للشخصية الدرامية وكذلك طريقه إلقائه وطبقته الصوتية وحتى تفسيره للعمل الدرامى نفسه كان ينقله لممثليه أثناء التدريبات ببساطة شديدة سرعان ما يتشربونها منه ليصبحوا بعد ظهورهم على المسرح نجوما يحملون طابع وأسلوب السيد راضى فى فن الأداء التمثيلى ، وهم كثر ، وبعضهم وإن لم يكتشفه السيد راضى بنفسه فإنه قد أتاح له الفرصة للحصول على البطولة المطلقة كالنجم محمد صبحى فى رائعته إنتهى الدرس ياغبى .. وغيره كثير من نجوم المسرح المصرى الذين تشكل مسرحيات السيد راضى فى حياتهم بعض أهم إنجازاتهم ومنها مسرحيات حالة طوارىء والدكتور زعتر والدخول بالملابس الرسمية والصعايدة وصلوا وعشرات المسرحيات التى عرضت أحيانا فى نفس الوقت وإنتشرت إعلاناتها فى شوارع القاهرة والتى كنا نشاهدها معا أحيانا وكنت أظهر له دهشتى لوجود هذا العدد الكبير من العروض المسرحية التى تحمل إسمه كمخرج ، وقتها كان يعلق " ألم تعرف .. لقد ضبطوا فى مصر مسرحية ليست من إخراج السيد راضى " ..
من ناحية أخرى ، فإن إهتمام السيد راضى بمسرح الطفل فى مصر قد شكل أهم مراحله التاريخية حيث إزدهر بأعماله بصورة لم تكن مسبوقة خاصة عندما إنتقل بها إلى التليفزيون ومنها مصنع الشيكولاته والأمير الصغير على سبيل المثال ليتيح الفرصة لأكبر عدد من أطفال مصر والعالم العربى للإستمتاع بفنه وأعماله بما تحمله من فن وفكر إرتفع كثيرا بمستوى ومحتوى أعمال الطفل فى مصر وخاصة أعمال المؤلف المتميز شوقى خميس ..
من ناحية أخرى ، فإن السيد راضى المواطن المصرى العربى كان مثالا يحتذى بسبب مواقفه القومية المشهودة وعلى رأسها موقفه من رفض أى محاولات للتطبيع مع إسرائيل كموقف ثابت لإتحاد النقابات الفنية المصرية وإصراره على محاسبة كل من يخالف ذلك من الفنانين .. وأيضا حرصه على المشاركة فى المناسبات الكبيرة على المستوى المحلى أو العربى ، ومنها على سبيل المثال قيامه بإلقائه كلمة سياسية وإنسانية بالغة القوة والتأثير فى السفارة الفلسطينية فى الكويت قبل الغزو العراقى ، ويومها كادت الجماهير الفلسطينية أن تحمله على الأعناق .. وبالطبع أثبتت الأيام أن كل ما قاله قد فعله فيما بعد فى مواقفه الحاسمة تجاه القضية الفلسطينية فى كل مواقعه الرسمية فى مصر وخارجها ..
والحقيقة التى يجب التأكيد عليها هنا هى أن إخلاص السيد راضى الكبير لعمله الإدارى كوكيل لوزارة الثقافة ورئيس لهيئة المسرح فى عهدها الذهبى وكذلك تفرغه تقريبا لمنصبه كرئيس لإتحاد النقابات الفنية ورئيس إتحاد الفنانين العرب قد صرفه تماما عن عمله الإبداعى كمخرج وكممثل فى كثير من الأحيان وإن كانت أعماله وأدواره التليفزيونية والسينمائية المتفرقة فى السنوات الأخيرة تؤكد الحقيقة المعروفة حول أنه لا يوجد دور صغير ودور كبير ولكن يوجد ممثل صغير وممثل كبير ، والسيد راضى إستطاع فى أعماله التليفزيوينية أن يجعل من أدواره علامة تدرس لفن الأداء التمثيلى ولاشك ..
تبقى الإشارة إلى السيد راضى الإنسان الذى كان تعامله الإنسانى المتميز سببا فى إستمرار كثير من نجوم الفن المصرى فى عملهم وكذلك كثير من المؤلفين والفنيين الذين خسروا بوفاته نصيرا كبيرا لم يخذلهم يوما .. والأكثر أنه لم يحمل ضغينة أو خصومة لأحد وأتذكر ليلة رأس السنة منذ سنوات بعيدة عندما أبلغته بذهابى إلى منزل الأستاذ جلال الشرقاوى فقرر الذهاب معى حتى يسكت من يتصور أن هناك خصومة أو منافسة بينهما .. ويومها كان اللقاء بينهما بالغ الروعة على المستوى الإنسانى وبذلك كان الإحتفال يومها أكثر من مجرد إحتفال .. بالفنان والإنسان والقيم النبيلة بين أهل الفن الكبار .. رحم الله صديق العمر النبيل السيد راضى