هولوكوست غزة : كيف نواجه الغزو الصهيوني؟

صلاح المختار

( اربط الفرس في المكان الذي يحدده صاحبه )
مثل فلسطيني
ربما يبدو التساؤل الذي صيغ به عنوان المقال غريبا الان لانه طرح منذ اقامة الكيان الصهيوني في عام 1948 ودارت حوله نقاشات وجدل عنيف انتهى بانقسام فصائل المقاومة الفلسطينية وليس الانظمة العربية فقط حول الاجابة عليه . هذا السؤال هو الاب الشرعي للانقسامات العربية منذ نهاية الستينيات ، وهو السؤال المركزي والاساسي الان ، ونحن نواجه هولوكوست غزة ، في حين ان سيد الكيان الصهيوني ودرعه الاعظم ومصدر قوته الاول امريكا تقوم باكثر من هولوكوست في العراق ، وتعد للعديد من الهولوكوستات في الاقطار العربية بلا استثناء ، كما اكدت تجربة غزو العراق . وامام هذا السؤال يصبح السؤال التالي تابعا له ، مع انه حاسم لايقاف المحرقة ، وهو كيف نواجه هولوكوست غزة ؟
ومن الضروري ان لا تغيب عن البال حقيقة حيوية وهي ان الحرب الحالية على غزة هي فرع من شجرة خبيثة ضخمة اسمها الاحتلال الصهيو- غربي الاستعماري والامبريالي لفلسطين كلها بشكل خاص وللامة العربية كلها بشكل عام .
لقد حذرنا ، مرارا وتكرارا وعلى المستويين الشعبي والرسمي منذ الزيارة المشؤومة للسادات الى القدس ، وازدادت تحذيراتنا قبل واثناء وبعد شن العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 ، وقلنا ، بالقلم العريض وبأعلى صوت ومن كافة المنابر ، ان الحرب على العراق ماهي الا حادلة تهدم وتسحق ثم تمهد الطريق لتدمير الهوية القومية العربية والوحدة الوطنية لكافة الاقطار العربية ، وتقيم على انقاض الاقطار العربية كيانات قزمة منغّلة ومنغولية تنتمي لصلات ما قبل الوطنية والامة والقطرية : القبيلة والطائفة والعرق والعائلة الممتدة والفرد الزعيم والايديولوجيا ...الخ تطبيقا لسايكس – بيكو الثانية .
الان نحن نشهد ، في هذا الظرف الخطير ، تحقق ما حذرنا منه فهناك عمل جاد ونشط وشامل ومنظم بدقة ، تقوم به عدة اطراف دولية واقليمية ، لتصفية كل الملفات العربية المعلقة ، او العالقة ، منذ الاربعينيات ، مثل مصير الضف الغربية وغزة واللاجئين الفلسطينيين ، وتقسيم الاقطار العربية كلها ، على اسس عرقية وطائفية ، وبعد ان تشعل فتن مصطنعة في هذين الاطارين ، وتذويب الهوية العربية لكل مكونات النثار المجهري الكياني الذي سينشأ ، حسب المخطط اذا نجح تنفيذه ، عن عملية التقسيم الشاملة لكل قطر عربي بلا استثناء ، حسب نظرية كيسنجر المسماة ( نظرية النثار ) ، وفرض الخيار الستراتيجي الصهيو- امريكي الاخطر وهو اقامة منظومة اقليمية جديدة سواء تحت تسمية ( الشرق الاوسط الجديد ) ، او (الشرق الاوسط الكبير ) او ( الجامعة الشرق اوسطية ) ، والتي تضم ، اي المنظومة ، اسرائيل ، بصفتها القوة الاقليمية الاساسية ، وتركيا وايران ، وبزعامة الولايات المتحدة الامريكية الكاملة ، وستبدو الكيانات النثارية التي كانت اجزاء من اقطار عربية مجرد احتياطيات يستخدمها هذا الطرف او ذاك وكالايتام على مائدة اللئام .
ان هذه الملفات تفتح وتنفذ الان وما حرب الابادة على غزة الا خطوة ثانية على طريق تنفيذ هذه المخططات الاستعمارية بعد خطوة العراق ، من هنا فان الحل الستراتيجي المطلوب يتطلب ، بل يفرض ، اعادة النظر في ستراتيجية الامة العربية لمواجهة هذه المخططات ، وليس الاكتفاء بالدفاع عن غزة ، وهو بالطبع الواجب المرحلي الاول لنا .
لعنة تزوير الميثاق الوطني الفلسطيني
من يظن ان الميثاق الوطني الفلسطيني ، الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية ، خاص بالفلسطينيين ومنظماتهم واهم ، لان منظمة التحرير تبنت واحدا من اهم ركائز الموقف القومي العربي الاصيل منذ بدات الهجرة اليهودية الى فلسطين وهو المحافظة على عروبة فلسطين ورفض محاولات الاحتلال الصهيوني لها عبر الهجرة المنظمة والكثيفة ، ثم العمل على تحرير فلسطين من البحر الى النهر بعد غزو فلسطين في عام 1948 . بهذا المعنى ما تبنته منظمة التحرير الفلسطينية كان الموقف العربي القومي الاصلي والاصيل ، وكان الميثاق الوطني الفلسطيني تجسيدا له ، خصوصا في النصوص المتعلقة بتحرير فلسطين كل فلسطين .
لقد ابتدأت كارثة الامة العربية والمقاومة الفلسطينية ببروز تيار فلسطيني في احضان انظمة عربية ارادت تصفية القضية الفلسطينية تحت تسمية ( الحل السلمي ) للصراع العربي – الصهيوني ، وهو حل بدأ بالظهور العلني والرسمي عقب هزيمة الانظمة العربية في حرب حزيران عام 1967 ويقوم على ما اطلق عليه وقتها ( مبادلة الارض بالسلام ) ، اي اعادة الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء مقابل الاعتراف بالكيان الصهيوني . وكان القرار 242 الصادر عن مجلس الامن في عام 1967 هو الاساس ( القانوني الدولي ) لهذا الحل ، وابتدأت عملية ترجمته بصيغة مشاريع كان اولها هو ( مشروع روجرز ) وروجرز كان وقتها وزيرا للخارجية الامريكية ، وكان من بين اهم ما يجب ترجمته هو قبول انظمة عربية بقرار242 ومشروع روجرز والتعامل مع فلسطين والجولان وسيناء في اطاره وليس في اطار الموقف القومي العربي الاصلي ، وهو رفض الاعتراف بالغزو الصهيوني والتمسك بهدف تحرير فلسطين !
قبل ظهور تيار الاستسلام الرسمي العربي ، ثم في فصائل فلسطينية ، باسم ( الحل السلمي ) كان اقصى هدف صهيوني هو الذي حددته غولدا مائير بقولها ان الهدف الاساسي لاسرائيل هو الاعتراف العربي بها وانهاء حالة الحرب معها .
ولكن : هل كان قرار 242 ، والقرار الاخر الذي صدر عقب حرب اكتوبر (عام 1973 ) وهو 338 ، والمشاريع التي دشنها مشروع روجرز ، وما تلاه من مشاريع واتفاقات من الصعب حفظها كلها لكثرتها المتعمدة ، خطوات على طريق ( الحل السلمي والعادل والمشرف ) كما وصف من قبل امريكا والكيان الصهيوني والانظمة العربية التي قبلته ؟ ام ان ( الحل السلمي المشرف ) كان فخا تكتيكيا نصبته امريكا واوربا والكيان الصهيوني ، مبنيا على نظرية كيسنجر القائلة بان ( التفاوض هو الهدف وليس الوصول الى حل ) ، والتي وصفت بحق بانها نظرية ( هدفها سرقة الوقت ) ؟ ان هذه النظرية تعني التفاوض مع تعمد امريكا والكيان الصهيوني واوربا عدم الوصول الى حلول ، واستبدال المشاريع بين فترة واخرى ، بعد سنوات من المفاوضات والاتفاقات الاولية ، والبدء من الصفر لاجل خداع العرب وتخديرهم وشق صفوفهم والعثور على خيول طروادة عرب ، والهدف النهائي هو تكريس الاحتلالات وتهويد فلسطين والجولان واستخدام سيناء لصالح الكيان الصهيوني وفرض الوجود الصهيوني المتفوق والمتحكم على العرب ، تحقيقا للهدف والشعار الصهيونيين الاكبرين ( ارضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل ) .
الان وبعد اكثر من اربعين عاما على بدء ماراثون او للدقة فضيحة ( الحل السلمي المشرف ) وصلنا الى وضع حفرت قواعده على قطعة فولاذ تقول ما يلي :
1 – لم يعد الحل مشرفا على الاطلاق بل بدا بوضوح انه ليس حلا استسلاميا فقط ، كما وصفناه في السبعينيات ، بل اصبح عبارة عن عبودية كاملة للكيان الصهيوني تتضمن خدمته استخباريا وسياسيا واقتصاديا وليس التطبيع معه فقط ، والاهم كان قيام انظمة عربية بالدور الذي كان يجب ان يقوم به هو وهو تصفية حركة التحر الوطني العربية واستنزاف الانظمة التي تبنت ستراتيجيات وطنية وقومية ، واجبارها على خوض صراعات لم تكن تريدها ولا تخدم القضية وادت الى اسقاطها بالفشل ( التجربة الناصرية في مصر ) ، او بالغزو ( التجربة البعثية في العراق ) .
لقد كانت الخطوة الخطيرة التمهيدية في هذا الاتجاه هي تصفية ، او عزل وتحييد ، التيار الوطني في فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وتوجت عملية التصفية الاستسلامية بتصفية العراق في عام 2003 ! لقد استبدل ( الحل المشرف ) للصراع بتحويل الانظمة العربية الى حراس للكيان الصهيوني رغم انه لم يرجع ارضا ولم يتوقف عن التوسع ولا تخلى عن طبيعته الصهيونية الاستعمارية !
2 - لم يعد الحل سلميا على الاطلاق بل اصبح حلا يعتمد الية واحدة ووحيدة : الاملاء الصهيوني واحيانا باسم امريكا وبقوة هراوتها ، ومن يرفض يتعرض للاقصاء ، في افضل الاحوال ، او التدمير المنظم والشامل ، انظروا الى العراق ماذا حصل له ؟ وانظروا الى مصر وقد دمر اقتصادها وهددت وحدتها الوطنية .
3 – لم يعد الحل يقوم على ( مبادلة الارض بالسلام ) ، كما قال قرار 242 وكل المشاريع التي طرحت حتى التسعينيات بل اصبح وبكل وضوح ( السلام مقابل السلام ) ، اي الاعتراف العربي الكامل والشامل بالكيان الصهيوني ، وتقديم كل ما يحتاج اليه لتعزيز كيانه وزيادة تفوقه على العرب ، مقابل توقفه عن استخدام القوة ضد العرب فقط ! اما الاراضي العربية المحتلة فانها اما تحيّد عسكريا لاجل ارجاعها كسيناء ، وهذا يعني انها اصبحت ميزة ستراتيجية للكيان الصهيوني ولم تعد ميزة ستراتيجية لمصر مع انها مصرية ! او تحول الى درع يحمي الكيان الصهيوني ، كالضفة الغربية وغزة ، فهما كانا يعدان لاقامة كيان فلسطيني مقزم ومحجم ومنغولي الهدف من اقامته هو جعل الكتل السكانية العربية فيهما وفي اراضي فلسطين التي احتلت عام 1948 عازلا بشريا فعالا بين الكيان الصهيوني ، الذي سيتخلص من السكان العرب داخل اراضي عام 1948 ويقذف بهم الى الضفة والقطاع ويصبح كيانا يهوديا خالصا ، وهذا العازل وظيفته الاساسية منع الاقطار العربية من مهاجمة الكيان الصهيوني بشكل مفاجئ نتيجة وجود عازل بشري عربي يفصل بين الكيان الصهيوني والاقطار العربية ويكون كجهاز انذار مبكر للكيان الصهيوني ، او تصبح اداة مساومة وضغط كالجولان التي لن تعود الى سوريا الا بشرطين رئيسيين الاول تحييدها عسكريا كسيناء والثاني تقاسم مياه بحيرة طبرية مع سوريا !
هذا الحل يضمن للكيان الصهيوني ما يلي :

أ – ضمان امنه بشكل مطلق بعد تحييد المناطق الستراتيجية العربية ، كسيناء في مصر والجولان في سوريا وام قيس في الاردن ، ومنع استخدامها عسكريا ضده تحت اي ظرف . وبذلك يكون الكيان الصهيوني قد حقق اهدافا جيوبولتيكية خطيرة جدا كان يعمل من اجلها منذ قيامه .
ب – حمايته بعازل سكاني عربي فلسطيني عند حصول اي تغيير محتمل ضده ، فوجود كيان فلسطيني مقزم واعزل في الضفة والقطاع هو درع بشري عربي يحمي الكيان الصهيوني ، وفي حالات تغيير المعادلات فانه عازل يؤخر تقدم القوات العربية لمقاتلته ويوفر له زمنا للاستعداد لمواجهة الهجوم . اما اذا تقرر اعادة ضم غزة الى مصر ، في اطار اتفاقية جديدة اخطر من كامب ديفيد الاولى ، وضم الضفة الغربية الى كونفدرالية اردنية – اسرائيلية فان ما تبقى من الوجود الفلسطيني سينتهي ويدفن ، ولن يكون هناك حتى كيان مقزم وخادم وظيفيا للكيان الصهيوني .
ج – ان اهم هدف حققه الكيان الصهيوني وامريكا من وراء خدعة التفاوض من اجل ( حل سلمي ) ويستحق منا تركيزا خاصا عليه لخطورته كان شرذمة الاقطار العربية على اسس عرقية او طائفية او دينية واقامة كيانات قزمة ومجهرية تبدو امارات الخليج العربي الحالية اكبر منها غالبا ، وكل منها له هوية خاصة متنافرة مع هوية الكيانات التي كان يشكل معها كيانا قطريا واحدا ، وينغمس في صراعات مستمرة معها حول الموارد او الاتجاهات الايديولوجية او الارتباط بدولة اقوى او التزعم او الخيارات ...الخ . كنا ، منذ السبعينيات تحديدا ، في جبهة الرفض الفلسطينية والعربية نحذر من وجود المخطط الصهيوني التقليدي وهو تقسيم كل الاقطار العربية ، دون استثناء ، على اسس عرقية او دينية او طائفية ، عودوا لقراءة ما كتبه الاسرائيلي عوديد ينون ستجدون هذا المخطط في اوضح صوره ، وانظروا الى واقعنا العربي من المحيط الى الخليج العربي ستجدون ان ما حذرنا منه مبكرا لم يعد تاثرا ب ( نظرية المؤامرة ) ، كما قال البعض مسخفا تحذيراتنا ، بل اننا نرى الان المؤامرة تنفذ على الارض بكامل خطوطها واتجاهاتها ومضامينها .
ان مصر التي كانت واحدة موحدة لا احد يستطيع ان يعرف القبطي ويميزه عن المسلم وكان الشعب متماسكا جدا تواجه الان مشكلة خطيرة مفتعلة اسمها الصراع بين الاقباط والمسلمين ، وينون يقول يجب تقسيم مصر الى ثلاثة دول على الاقل واعادة احتلال سيناء ، وسوريا التي كانت توصف بانها منبع الفكر القومي العربي تواجه تحديا خارجيا وداخليا تحت مظلة تناقضات مفتعلة بالكامل ومنها طائفية : سنية علوية درزية مسيحية اسلامية ، وتناقضات عرقية كردية عربية !
ولبنان الذي تعرض لحربين اهليتين في عام 1958 وعام 1975 كادتا تقسمانه الى دويلات عديدة لكنه نجح ، لاسباب عديدة في عرقلة التقسيم ، وهو ايضا ما طالب بتنفيذه عوديد ينون ، واستوعب كل لبناني ومن كل طرف دروس الحربين الاهليتين واقتنع بان المحاصصة الدينية والطائفية كانت سرطان لبنان الاخطر وان التخلي عنها هو الخيار الوطني الامثل الذي يحفظ لبنان واحدا موحدا مزدهرا ، وجردت القوى السياسية من اسلحتها الثقيلة في ظل الوجود السوري في لبنان ، ثم اعيد اعمار لبنان وسار في طريق استعادة دوره الاقتصادي التقليدي ودوره الثقافي الرائد ، وبرز لاول مرة شبه اجماع بين القوى اللبنانية المختلفة على دعم المقاومة لتحرير الجنوب اللبناني المحتل ، وكاد لبنان يصل الى نهاية فترة النقاهة ويتسامى فوق النظام الطائفي ويستبدله بنظام علماني .
ولكن ، وفجاة ، عادت حمى الصراعات الطائفية بصورة مفتعلة تهدد وحدته وتعيده الى نقطة الصفر منذ اغتيال الحريري ، وتراجع دوره الثقافي وتدهور اقتصاده وبدء يشهد مقدمات حرب اهلية جديدة كان ابرز تعبيراتها غزو بيروت في صيف عام 2008 ، والذي اعاد الشعور ، في كل طائفة ودين ، بان وجوده مهدد بسبب اختلال موازين القوى الطائفية بشكل خطير ، ووجود حزب واحد يدعي انه يمثل طائفة ويملك مالا واسلحة اكثر واقوى من الدولة اللبنانية وشرع فعليا بمحاولة السيطرة على التوجه العام في لبنان ليس لمصلحة لبنان ولكن خدمة لستراتيجية ايران !
وهكذا ( عادت حليمة الى عادتها القديمة ) واخذت الاطراف اللبنانية الاخرى ، مسيحية ودرزية ومسلمة سنية ...الخ ، تعيد تسليح نفسها ويستأنف كل واحد منها علاقاته القديمة اما مع امريكا او مع فرنسا او مع اسرائيل او مع دول عربية ، واخذت الاموال تتدفق على لبنان ل(موازنة) النفوذ الايراني الذي طغى على ماعداه في لبنان ، وظهرت تنظيمات طائفية سنية مسلحة بحجة الرد على وجود حزب طائفي اخر مسلح وقوي واخذ يعمل على تغيير هوية لبنان الدينية والطائفية !
ان ظهور ( فتح الاسلام ) وغيرها من التنظيمات السنية الطائفية كان نتيجة طبيعية ورد فعل متوقع على وجود حزب جاهر بطائفيته المتطرفة ، وكان ابلغ واخطر تعبير عنها هو ولاءه المطلق ، العلني والرسمي ، لايران ، وتغليبه للانتماء الطائفي على الرابطة الوطنية ، هو حزب الله ، الذي استغل سمعته الطيبة ودوره البطولي في تحرير جنوب لبنان لفرض سيطرته المطلقة على لبنان !
وترتبت على هذه الحقيقة عدة أسئلة جوهرية : هل هي صدفة ان يتوافق النهج الطائفي الايراني في لبنان مع تنفيذ الخطة الصهيونية بتفتيت الاقطار العربية على اسس طائفية وعرقية ؟ ولم قام حزب الله على طبيعة طائفية صرفة ولم يبنى على اساس وطني عام يضم كل اللبنانيين كما هي حال كل الاحزاب الوطنية ؟ ولم قام هذا الحزب على قاعدة ( ولاية الفقيه ) والتي تحتم الولاء التام والمطلق لايران ، لان خامنئي مرجع حسن نصرالله وسيده ايراني وهو قائد ايران المطلق ، وجعل هذا الولاء فوق الوطن والوطنية ، مع ان ايران طرف اساسي في احتلال وتدمير العراق وتحتل الجزر العربية والاحواز ، والطرف الاساسي والاهم والاخطر في تنفيذ مخطط اثارة الفتن الطائفية في الاقطار العربية ، والعمل على محو هويتها العربية ؟ وكيف يوفق حزب الله بين معاداته للكيان الصهيوني ودعمه الرسمي والمعلن لغزو العراق ثم ، بعد ان احرج ، ادعى تاييد المقاومة العراقية في عام 2005 بعد 3 سنوات متواصلة من تاييده للاحتلال الامريكي ، لكنه اكد هويته الحقيقية باصراره على مواصلة دعمه للاحزاب التابعة لايران كحزب المجلس الاعلى برئاسة ابن خالته عزيز الحكيم وغيره ، مع انها شكلت ومازالت تشكل القوة الاساسية الداعمة للاحتلال في العراق والتي تشكل حكومة في ظل الاحتلال ؟
انظروا الى العراق الذي كان يوصف ، وبحق ، بانه الدرع الشرقي للوطن العربي واحد اهم اعمدة الكيان العربي الاساسية ، انه الان ضحية احتلال زرع في ارضه وبين شعبه فتن طائفية وعرقية لم تكن موجودة ، او انها كانت مظاهر ثانوية غير قادرة على الظهور بفاعلية ، الان وصلت محاولات تقسيم العراق ليس الى ثلاثة دول ( كردية وسنية وشيعية كما بدا الاحتلال ) ، لكنه الان يتعرض لمحاولات تقسيم المحافظات والمدن الكبرى ، كما يحصل في البصرة التي تشهد بروز دعوة لتحويلها الى اقليم فدرالي ، وكذلك الموصل التي تتعرض لمخطط تقسيمها بين الانفصاليين الاكراد وتركيا !
انظروا الى المغرب العربي حيث انه يواجه ، لاول مرة ، مشكلة فتن طائفية زرعتها ايران بدعم غربي كامل ، ومشكلة تحريض عرقي لانفصال الامازيغ ، خصوصا في الجزائر ، زرعتها ونمتها امريكا وفرنسا بدعم وتحريض صهيوني واضحين ! بل لقد دخلت على خط محاولة الغاء عروبة المغرب العربي جماعة اخرى تكفيرية تدعي انها تقاتل الغرب ( المسيحي ) مع انها تقتل الجزائريين والتوانسة باسم اسلام مزيف ، كاسلام خميني ، فهذه الجماعة الغت تسمية ( المغرب العربي ) في بياناتها واستخدمت تسمية مشبوهة لا تخدم الا المخطط الصهيوني والغربي وهي ( المغرب الاسلامي ) ! لقد وضعت عمدا تناقضا مصطنعا بين العروبة والاسلام وهذا هو احد اهم اركان المخطط الصهيو- استعماري غربي !
انظروا الى السودان وهو يواجه مشاكل ما ان تجمد او تهدأ واحدة حتى تفجر اخرى : كانت مشكلة الجنوب هي الهم الوحيد للسودان اما الان فانه يواجه مشكلة الشمال والوسط والشرق اضافة للجنوب . ان ازمة دارفور ليست سوى تنفيد لمخطط واحد ما يجري في العراق والمغرب العربي ومصر وسوريا ولبنان هي اجزاء منه !
هذه الامثلة تؤكد وجود مخطط شامل يقوم على تقسيم كل قطر عربي في اطار سايكس – بيكو رقم 2 ، واقامة كيانات مجهرية وقزمة طائفية او عرقية او ايديولوجية ونغلة ومنغلة ، على انقاض كل قطر عربي والغاء الهوية العربية ، او جعلها مجرد فولكلور ، كما حصل لهوية الهنود الحمر في امريكا ، الذين صارت فأسهم وريشهم ايقونات امريكية ! ان هذه الاوضاع الخطيرة في كل الاقطار العربية تعبيرات مباشرة عن تنفيذ مخطط صهيوني تدعمه الان علنا امريكا وفرنسا واوساط اوربية اخرى ، ونجد ادق تعبير عنه فيما كتبه عوديد ينون في مقالته الطويلة ( ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ) والتي قال فيها انه يجب تقسيم كل الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية وذلك يقتضي دعم الاقليات العرقية ضد الاغلبية العربية ، ودعم الاقليات الدينية ضد الاغلبية المسلمة ، ودعم الاقليات الطائفية ضد الاغلبية السنية في الوطن العربي .
اقرأوا ما كتبه ينون سترون ان ما يجري الان في العراق ومصر وسوريا وغزة والمغرب العربي ، وما تقوم به ايران وامريكا في الاقطار العربية ليس سوى تنفيذ لمخطط مشترك اساسه شرذمة الاقطار العربية ، بلا استثناء ، لغاية الوصول الى ما دعت الكاتبة الامريكية الصهيونية المخرمة في الثمانينيات فلورا لويس وهو ( يجب الغاء الامة العربية واقامة كيانات جديدة على انقاضها ) .
ان السؤال الرئيسي بعد هذا العرض هو : الم تكن فترة التفاوض العربي مع الكيان الصهيوني ، برعاية امريكية واوربية ، منذ الستينيات حول ( حل سلمي ) هي عملية سرقة وقت من العرب واشغالهم بامل كاذب وهو الوصول الى حل يسلمي للصراع ، ولكنها كانت في الواقع فترة تنفيذ مخططات صهيونية امريكية ايرانية لتقسيم الاقطار العربية وتقاسمها ؟ هل وصلنا الى حل سلمي مشرف يضمن حتى الحد الادنى من حقوق فلسطين والاقطار العربية ؟ الجواب الحاسم والقاطع هو كلا ، لقد كانت عملية السلام عبارة عن خطة خداع ستراتيجية وليس تكتيكية استخدمتها امريكا والكيان الصهيوني لتخدير العرب وتضليلهم من اجل التهامهم ، قطرا بعد قطر ، وصولا لتحقيق كامل الاهداف الصهيونية والامريكية .
د – في ذروة الصراع العربي – الصهيوني وفي قمة الانتصار الصهيوني وقفت غولدا مائير ، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني ، وقالت ان هدفنا النهائي والكبير هو الاعتراف العربي باسرائيل . ولكن هل كان الاعتراف حقا هو الهدف النهائي والاهم للكيان الصهيوني ؟ ام كانت ستراتيجية الصهاينة والغرب تقوم على مرحلة الاهداف وتقسيم الخطوات وتنفيذ كل هدف في مرحلة ثم البدء بتنفيذ الهدف الثاني بعد تحقيق الهدف الاول ؟
انظروا الان الى ما تقوم به اسرائيل : لقد تحقق الاعتراف العربي بها واصبح في الخلف وشرع الكيان الصهيوني في الضغط بكل الوسائل من اجل التطبيع الشامل والكامل مع العرب ، بما في ذلك تغيير مناهجنا الدراسية وثقافتنا الوطنية والقومية وتقاليدنا الاسرية والتخلي عن ايات قرانية مقدسة تتعلق باليهود او الدعوة للجهاد ...الخ ، وفتح اسواقنا للسلع الصهيونية ولتبادل الزيارات الرسمية وغير الرسمية ، بعد ان قبلنا التخلي للصهيونية عن اكثر من 88 % من فلسطين وقبلنا السيادة الصهيونية ، التي تتجه نحو الاكتمال ، على الاقطار العربية !
اسرائيل الان بتنظيم هولوكوست غزة لديها سيناريو جاهز اعلنت عنه شخصيات اسرائيلية عسكرية ومدنية منذ اعوام قليلة واثار ذلك قلق وغضب الاردن ، وهو تنفيذ مشروع شارون وطرد ابناء فلسطين من الاراضي التي احتلت في عام 1948 الى الضفة الغربية ، وهو ما قالته تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل علنا ، واقامة الدولة الفلسطينية فعلا وكما وعد جورج بوش واسرائيل ولكن في الضفة والاردن واسكان اللاجئين الفلسطينيين ( 4 - 5 مليون ) فيها وضم غرب العراق اليها ، واقامة كونفدرالية اسرائيلية فلسطينية يحشر الاردن فيها رغما عنه بعد الغاء كيانه الوطني ! اما غزة فان الخطة تقتضي اعادة ضمها الى مصر ، وبذلك تصبح اسرائيل دولة يهودية خالصة وتكون قد اكملت مستلزمات ( السيطرة الامنة ) على المنطقة الجيوبولوتيكية الاخطر والاهم في الوطن العربي كله وهي ما بين الفرات والنيل .
هل تتذكرون ما معنى هذا ؟ انه يعني ان الصهيونية والغرب عملا بجدية ونشاط اثناء التفاوض مع العرب باسم الحل السلمي على اقامة اسرائيل التوراتية الكبرى تحت غطاء الدفاع عن ( امن اسرائيل الصغرى ) ، وفي أفياء وظلال التفاوض تمت اكبر عملية غزو للاراضي العربية وللثقافة العربية وللهوية العربية وللحقوق العربية بل وللوجود العربي بالذات !
الحل السلمي اذن كان اكبر خدعة في التاريخ العربي ، والمأساة فيها اننا كنا نعرف انها خدعة ولكن الانظمة لم تصغي وبعض الفصائل لم تصغي وسبحت في نهر اثم التسوية السياسية وتلوثها ، فوصلنا الى اكمال غزو فلسطين ووقوف الصهيونية على الاسس التي بنتها لتفكيك بقية الاقطار العربية انطلاقا من مركز القوة الاساسي العراق ، بعد تحييد مصر ، تمهيدا لتقسيمها لاحقا ، كممهد حاسم للسيطرة المطلقة دويلات النثار المجهرية .
من هنا فان الحل التاريخي لن يكون بمواصلة الخداع اي مواصلة العمل في اطار ما يسمى ب ( الحل السلمي ) ، لاننا هذه المرة وبعد ان عرفنا وتيقنا من ان العدو المشترك هو ( امريكا والكيان الصهيوني وايران ) ، اصبحنا نعرف ان خداع انفسنا بوجود امل بحل سلمي عادل او مشرف هو اسوأ انواع العبودية والانحطاط ، بل سيكون الحل هو في نسف كل ما تم في اطار الحل السلمي والعودة للبندقية لتكون هي الحكم وهي المقرر النهائي . لقد جرونا لنظام عبودية صريحة تحت شعار التفاوض من اجل السلام والحل المشرف ، وتحت ذريعة ان الحل العسكري مستحيل في ظل توازنات القوى الاقليمية والدولية ، لكننا الان نعرف ، وبعد تجربة المقاومة العراقية الفريدة والعظيمة ، ان تلك كانت وسيلة اخرى للخداع وتخدير للضمير الوطني والقومي ، لان المقاومة العراقية وحدها ، ورغم فقرها المادي وعزلها عربيا واعلاميا ، الحقت الهزيمة بامريكا مع انها اقوى قوة في التاريخ ومع ان الكيان الصهيوني يستمد قوته الاساسية منها ، وفي ظل غياب اي دعم لها عربيا او دوليا ، بما في ذلك الدعم السوفيتي والصيني والعربي الذي تلقته مقاومات اخرى في فيتنام وفلسطين مثلا .
الميثاق الفلسطيني : دليل تحرر الامة كلها
ليس سرا ان نقول بان ستراتيجية المقاومة العراقية المسلحة قامت على جوهر البنود التي وردت في الميثاق الوطني الفلسطيني الخاصة بتحرير فلسطين ، التي اكدت على انه لا مساومة مع الكيان الصهيوني ويجب تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر بالمقاومة المسلحة بصفتها القابلة الشرعية والوحيدة للتحرير . هنا نواجه تمسكا قويا بالحق والحقوق الثابتة ورفضا مطلقا لاي مساومة مع العدو . ومن يقرأ ( المنهاج السياسي والستراتيجي للبعث والمقاومة ) المنشور في ايلول – سبتمبر عام 2003 سيجد صدى واضحا ودقيقا لما ورد في الميثاق الوطني الفلسطيني ، فهذا المنهاج وكل مناهج الفصائل المقاومة للاحتلال في العراق ، يقوم على مبدأ ثابت وهو تحرير العراق وطرد الاحتلال ورفض اي مساومة على حساب حقوق العراق في الارض والسيادة والثروة . وفي اطار هذه الستراتيجية الواضحة حققت المقاومة العراقية انتصاراتها على امريكا واوصلتها الى حافة الانهيار الاقتصادي مع انها مقاومة يتيمة لا يدعمها احد سوى الشعب العراقي .
اذن وفي ضوء حقائق الواقع العراقي لابد من تاكيد ان حل صراعنا مع الكيان الصهيوني لن يكون سلميا على الاطلاق ، بل عسكريا وعنفيا دون ادنى شك ، خصوصا بعد ان سقطت كل اسس الدعوة لحل ( سلمي عادل ومشرف ) ، وهدف الحل العسكري الرئيس لن يكون سوى تحرير كل فلسطين من البحر الى النهر دون اي مساومة ، وعدم السماح ببقاء اي كيان بين البحر والنهر غير الكيان الفلسطيني . ولئن كانت المقاومة العراقية قد وضعت امريكا ، درع اسرائيل ومصدر قوتها الاساسية على مسار لن يوصلها الا الى الهزيمة ، فان المحمي والاضعف ، وهو اسرائيل ، يمكن ان يهزم بالكفاح الشعبي المسلح بصفته الاسلوب الرئيسي لاستعادة فلسطيننا دون مساومات او حلول سلمية نرى الان كم الحقت بنا من ذل واهانات وابادة وفقدان الكرامة والمال والهوية ...الخ .
ان ما يجري في غزة دليل حاسم على صحة ما نقوله منذ الستينيات ، فلقد قرر الكيان الصهيوني ابادة اغلب سكان غزة وطرد من يبقى منهم الى مصر ، دون اي مراعاة لاي اعتبار انساني او قانوني ، ووسط صمت عربي رسمي مخجل ! ان صمود فصائل المقاومة في غزة بصورة بطولية وتوحدها تلقائيا يؤكد صحة مانقول ، فهذه المقاومة البطلة في غزة تبعث الامل مجددا في تحرير فلسطين ، مادام الكيان الصهيوني عاجزا عن احتلال غزة بعد مرور ثلاثة اسابيع على بدء الهولوكوست ، رغم تفوقه المطلق عسكريا وتكنولوجيا وماليا . ويجب ان نتذكر ان نفس هذه القوات قد الحقت الهزيمة بالانظمة العربية في عام 1967 في ست ساعات ، واعادت احتلال سيناء والجولان في عام 1973 في بضعة ايام . الان غزة البطلة تقاوم نيابة عن كل العرب ، وتعيد الشرف للعقال العربي الذي لوثته الهزائم والمساومات ، في ملحمة قتالية تاريخية بطولية لم يشهد لها الوطن العربي مثيلا الا في العراق المحتل , وهي لذلك تكمل ما حققته شقيقتها وتوأمها الشرعي المقاومة العراقية من انتصارات ستراتيجية فريدة على درع الكيان الصهيوني اي امريكا . من هنا ، فان الاستسلاميين العرب لم يعد لديهم منطق يصمد امام نجاحات غزة وبغداد وانتصارتهما المجيدة .
اننا الان يجب ان نؤكد على الوحدة العضوية بين قضية العراق وقضية فلسطين باتباع الانموذج العراقي في المقاومة والذي كان بدوره صدى عضويا للميثاق الوطني الفلسطيني . ان الحل التاريخي لقضية فلسطين هو في العودة للميثاق الوطني الفلسطيني الاصلي وقبل تزويره برفع الفقرات التي تدعو لتحرير فلسطين ، ان تحرير فلسطين هي كلمة السر السحرية والتي ستضمد جراحنا نحن العرب ، وليست المساومات ولا التراجعات .
لقد اكدت التجربة المأساوية لهولوكوست غزة الحالية على ان خسائر خيار المقاومة المسلحة الشاملة ، المطلوب عودتها الان ، في فلسطين سوف تكون حتما اقل مما قدمه الشعب الفلسطيني في غزة ، فاكثر من الف شهيد في ثلاثة اسابيع ثمن من المستحيل ان يقدم في بيئة المقاومة المسلحة الشاملة ، ولوعدنا الى الخلف منذ انطلقت الثورة الفلسطينية بقيادة فتح في عام 1965 سنجد ان رقم الشهداء نتيجة للمقاومة كان اقل بكثير من شهداء غزة في الاطار الزمني على الاقل .
الان ، وابطال حماس وفتح والجبهة الشعبية والجهاد الاسلامي وجبهة التحرير العربية وكل الفصائل البطلة التي تقاوم الاحتلال الصهيوني في غزة تتحد من تحت وليس بقرار من القيادات ، فاننا امام وضع جديد ، فتحت فيه الابواب لصعود تيار فتح الاصلي والاصيل التيار المقاوم وليس المساوم وثأره لشرف فتح وتأريخها المجيد بصفتها مفجرة الثورة الفلسطينية الحديثة ، والذي حاولت عناصر معينة تلويثه ، واستعادت الجبهة الشعبية دورها الطليعي الذي تصوره القائد الكبير الفقيد جورج حبش بعد فترة من الضعف ، وسقط منطق التراجعات الفلسطينية ، لذلك يجب ان يعود الجميع الى الميثاق الاصلي ، ميثاق البندقية سيدة الخيارات كلها ، وان تقام فورا ومن تحت ايضا جبهة تحرير فلسطينية موحدة من كافة الفصائل في غزة البطلة لتضع كل مناضل في الضفة الغربية امام خيار التزام الخط الغزاوي في المواجهة مع العدو وداعمي العدو .
لا مفر من العودة للبندقية فهي ضمانة الانتصار الرئيسية وليس التفاوض من اجل سلام العرب هم الخاسرون حتما فيه . نعم ان ذلك صعب جدا وخطير جدا ، ولكن هل ما يجري الان في غزة مثلا قليل الخطورة او اقل من خطورة من العودة لخيار المقاومة المسلحة ؟ اننا نقول الان ، وفي ضوء عدد الشهداء والجرحى والدمار في غزة خلال ايام ، بان حمل السلاح اقل خسارة دون ادنى شك من الخنوع في اطار حل سلمي واستجداء انظمة كانت احد اهم اسباب ضياع فلسطين وبعدها غزو العراق . ويجب في هذا الصدد التاكيد على ان العودة للكفاح المسلح لن يكون مثل الكفاح الفلسطيني المسلح الذي انتهى بكارثة التحول الى دولة ، في السبعينيات ، مع ان الاحتلال مازال موجودا ، دولة مكشوفة بمؤسساتها البحثية والسياسية ورموزها وغيرها ، في بيروت وتونس ودمشق وبغداد وعواصم اوربا وغيرها ، فاصبحت الثورة الفلسطينية ، اشرف ظاهرة عربية حتى اغتيالها ، صيدا سهلا بمؤسساتها ورموزها ، للموساد وتحت رحمة الضغوط العربية والامريكية والاوربية ، ووسط اغراءات هائلة مادية ومعنوية .
وتكررت هذه المأساة بقبول خدعة اقامة سلطة ( وطنية ) فلسطينية في غزة والضفة ، والتي ادت الى حرق الكثير من عناصر فتح وكادت تحرق حماس ايضا ، لان الوجود في السلطة في ظل الاحتلال بحد ذاته هو عبارة عن مثلبة كبيرة لانه عملية تقديم راس وصدر المقاومة مجانا ليكونا هدفا سهلا ومكشوفا ومعروفا للعدو . كم قائد استشهد من حماس في ظل السلطة ( الوطنية ) ؟ اغلب من اسسوا حماس استشهد بما فيهم الشيخ المجاهد احمد ياسين ، فهل كانت المشاركة في سلطة تحت بصر الموساد تفصيليا خطوة صحيحة ومدروسة بدقة ؟
الثورة الفلسطينية في مرحلتها الجديدة يجب ان تكون شبحا لا يعرفه احد مهما كانت صفته ومهما بلغ دعمه لها ، كالمقاومة العراقية التي اعتمدت على خدمات مخابرات وطنية عراقية وخطط دقيقة وذكية وضعتها منذ انطلاقتها حمت المقاومة من الاختراق او الاحتراق ، فلا مكاتب علنية ولا ممثلين لها يتجولون في كل مكان وكانهم سفراء دولة عادية ، ، بل ان التعليمات قبل الغزو لمن كلف بتأسيس جيوش مقاومة كانت تتضمن حتى تجنب اسماء معينة من اجل منع العدو من التخمين ، مع ان المقاومة العراقية هي نتاج دولة كبرى وجيش عظيم واجهزة امنية متمكنة لديها خبرة 35 عاما !
لقد نزل الجيش العراقي تحت الارض بعد الغزو ، بمرونة مدهشة ، وصار الحاضنة الاساسية لكل فصيل مقاتل ، ولذلك فشل الاحتلال في معرفة القادة الجدد الميدانيين للثورة العراقية المسلحة ، ونزلت الدولة العراقية باجهزتها الاساسية تحت الارض ايضا ، ولم تعد دولة معروفة بممثليها وعناصرها التي تقود في الداخل . هنا لدينا دولة عظمى اقليميا اضطرت للنزول تحت الارض بعد الغزو والتحول الى عمل سري هو الاذكى في تاريخ اي مقاومة مسلحة كما ستكشف الفترات القادمة ، وعلى العكس فان الثورة الفلسطينية تم اصطيادها تحت شعار الدولة ومؤسسات الدولة قبل التحرير الكامل !
ان الدرس العظيم للثورة العراقية المسلحة الذي يجب العمل بموجبه هو ان الثورة هي ، اولا وقبل كل شيء ، عمل سري تام السرية ونشاط اشباح تراهم ولا تراهم ، وعبقرية مخابرات تلمس وجودها لكنك لاتستطيع اثباته ، وهذا مانريده من الثورة الفلسطينية الجديدة والمتجددة التي ولدت في غزة الان ، ثورة تشمل اجزاء فلسطين التي احتلت عام 1948 والضفة والقطاع ، تقودها عناصر جديدة غير معروفة ، وتعتمد السرية المطلقة في عملها ولا تتخلى عنها حتى اذا حققت تقدما كبيرا وفرضت نفسها مجددا . ان اصطياد الثورة الاولى بدأ في السبعينيات في بيروت من خلال رموزها العلنية وهذا ما يجب ان لا يتكرر . النصر بالبندقية ولكنه ايضا مشروط باعتماد البندقية على المعرفة الدقيقة استخباريا .
ونؤكد ونعيد التنبيه الى انه ليس صحيحا ان الثورة الجديدة ستكون انطلاقتها بسهولة انطلاق فتح في الثورة السابقة في منتصف السبعينيات بل ستكون اصعب بالتاكيد ، لكن هذه الصعوبة اسهل بكثير وبالتاكيد ايضا من حالة فلسطين وابناء فلسطين الان ، انظروا لاطفالنا في غزة وحللوا معنى غلق المعابر ، ولكن يجب ان لا نهمل حقيقة ان هذه الثورة قد انطلقت او استانفت من غزة ، لذلك فنحن لسنا بصدد الدعوة للاعداد للثورة بل اننا ننبه لوجودها الفاعل الان .
السرية التامة والتحالف مع المقاومة العراقية هما كلمتا السر في تحرير العراق وفلسطين ، لا انتصار في فلسطين من دون التحالف بين بين المقاومتين . لنبدأ من جراح غزة العميقة مسيرة التلاحم والتحالف في غزة المقاومة ببسالة بين المقاومين الفلسطينيين خصوصا ابطال حماس وفتح والجبهة الشعبية ، الذين يصنعون خيارا جديدا لفلسطين والامة العربية ، ولنجعل من تحالف الجبهة الفلسطينية الموحدة مع المقاومة العراقية تحت قدسية الميثاق الوطني الفلسطيني الاصلي والاصيل الخطوة الحاسمة لتحرير الامة العربية كلها ولاقامة هدفنا الاعظم الوحدة العربية .
من (هو) فرسنا ؟ ومن هو صاحبه ؟ ( الفرس ) الاصيل في التراث العربي رمز من رموز الفروسية والعز ، وفرسنا العربي الاصيل هو قضية فلسطين ، والتي تتعرض للتنغيل منذ مشروع روجرز ، وراينا بغالا كثيرة ، ولدت من زواج متعة صهيوني ، لتحاول الحلول محل شهداء الثورة الفلسطينية ، لذلك فان صاحب الفرس ( الطليعة القومية ) ، وهو فارس بلا ادنى شك ، مسؤول عن حماية اصالة الفرس وكامل مواصفاته العربية وللقتال ببسالة وبلا اي ضعف لمنع تنغيل سلالة فرسنا ، لان العالم كل العالم يعرف ان اغلى فرس وانقى فرس وافضل فرس هو ( الفرس ) العربي . لذلك لا مفر من ان نربط فرسنا ( قضيتنا ) في مكانه الطبيعي الذي يحدده صاحبه الذي وضع أسس الميثاق الوطني الفلسطيني منذ مطلع القرن العشرين مع بدء الهجرة الصهيونية الى فلسطين ، والا فاننا سنفقد الفرس الى الابد وسنجد امامنا فيالق من الحيوانات المنغلة وفي مقدمتها البغال ، وسوف نضطر لحمل البغال على ظهورنا الى الابد بدل ان نركبها نحن ، اذا لم نعد للبندقية في فلسطين .
لا تحرر بدون بدون البندقية وقدسيتها .
لا كرامة في فلسطين والشتات بلا البندقية الفلسطينية .
لا شرعية الا بالالتزام الكامل والواضح بتحرير فلسطين ، كل فلسطين ، من البحر الى النهر ومن النهر الى البحر ، ولا مكان لكيان اخر بين النهر والبحر غير الكيان الوطني الفلسطيني .
لتعش البندقية الفلسطينية وتوأمها البندقية العراقية رمزا لشرفنا وكرامتنا ووجودنا وحريتنا وحقوقنا الثابتة في الارض والسيادة والثروة .
المجد كل المجد للبندقية والشرف كل الشرف للاصابع التي تضغط على زنادها المقدس .
15 / 1 / 2009