منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    الرؤية و الموقف الإيديولوجي في رواية " الزلزال" للأديب/د.حسين بوحسون

    الرؤية و الموقف الإيديولوجي في رواية " الزلزال" للأديب الطاهر وطار.
    د.حسين بوحسون- قسم اللغة العربية وآدابها-معهد الآداب والعلوم الإنسانية- المركز الجامعي-بشار.
    العمل الروائي في الواقع تمثل لعالم أرحب و أوسع،ليس بالضرورة أ ن يكون مماثلا للواقع المادي أو للحياة كما هي ؛ولكنه حتى و إن استمد من هذا الواقع حضوره فإنه يبقى عالما له وجوده الخاص وكيانه المتميز .وهذا لا يعني أن العالم الروائي هو عالم بديل عن العالم الواقعي، ولا حتى عالم مواز له ؛ولكنه عالم ذو خصوصية يتمثل بمهارة فنية فائقة تلك الجدلية الأبدية بين الواقعي والفني بما هي إشكالية اصطراع وصراع وتفاعل انفعال في تمثل الواقع؛ ولكن برؤية فنية لا تكتفي بإضفاء الجمال والتميز على الواقع، و لا حتى بإعادة إنتاج هذا الواقع ومماثلته في آلية انعكاسية بل تتجاوز ذلك إلى صياغة الواقع صياغة جمالية انطلاقا من رؤية الروائي للعالم التي تكون قادرة على امتلاك المعرفي والجمالي في آن واحد .
    وانطلاقا من هذا التصور فإن العمل الأدبي، في جوهره ، تفاعل بين بعدين يستدعي أحدهما الآخر؛ بعد جماعي يمثل الموقف الاجتماعي الذي يجعل من الواقع المعيش منطلقا له، و بعد فردي يمثل المبدع و يجعل من خياله منطلقا له. و مؤدي هذا أن العمل الأدبي بقدر ما يصدر عن فرد (الفنان) يتوجه إلى آخر أي إلى الخارج، فهناك " آخر غير الفنان يرتبط بعلاقة قراءة أو نظر، أو سماع و يحاول من خلالها إيجاد رؤية أو أفق أو حل لمشكلة مشتركة بين الفنان و جمهوره(01).
    فثمة علاقة عضوية، إذن، بين المرسل و المتلقي، مما يجعل الفصل بين "الجماعي" (الطبقة، الفئات الاجتماعية) و " الفردي" (التجربة – الخيال) في مجال الإبداع الأدبي أمرا عسيرا.ولعل ذلك ما يفسر العلاقة الجدلية بين الواقع والفن بما هو تمثل وخلق وإبداع يجسد ما هو جوهري في الوجود الإنساني والطبيعي.وهكذا فإن الواقع لا يقع على الهامش من الفن كما أن الفن لا يقع هو الآخر على الهامش من الواقع ؛بل الواقع والفن كلاهما يقع من الآخر في الصلب وفي الجوهر ؛فإذا الفن تمثل للواقع ،وإذا الواقع في الفن أغنى وأثرى وأخصب.فالفن عالم خاص ينبثق من عمق وعي الكاتب بما يطرح هذا الواقع من قضايا جوهرية ؛غير أن امتلاك الكاتب الواقعي وحده لا يمكنه من بناء عالم روائي متماسك معرفيا وجماليا ، بل عليه أن يمتلك المعرفي والجمالي معا ،و يصوغ دلك كله ضمن رؤية واضحة للعالم تحدد موقعه من الوجود وما يصطرع في هذا الوجود من قضيا جوهرية.
    ومن ثم فإن الرؤية الجماعية التي تنبثق من عمق الوعي الاجتماعي و التي تعيشها مجموعة ما بشكل من الأشكال، تؤثر في الفرد، بما فيه المبدع باعتباره جزءا من الكيان الاجتماعي لهذه المجموعة أو تلك إلا أن المبدع، وهو يتفاعل مع واقعه، يحاول بدوره صياغة هذه الرؤية من جديد صياغة فنية في إبداعاته الأدبية يصدر فيها عن رؤية للعالم تكشف عن وعيه الصادق والعميق بقضايا أمته وإنسانيته العميقة والجوهرية .
    تنبثق الرؤية للعالم عن عملية وعي تخص طبقة اجتماعية معينة، و ما الوعي في هذه الحالة إلا تصور ينسجم أو يتوافق مع هذا الجانب من الواقع أو ذاك، غير أن البحث في إمكانية تطابق هذا التصور مع الواقع كليا أو جزئيا يستدعي بالضرورة رؤية اجتماعية شاملة (02).
    يرى غولدمان ( أن أكبر الكتاب الممثلين لعصورهم، هم أولئك الذي يعبرون، بصورة منسجمة على نحو ما، عن رؤية للعالم تتوافق إلى أكبر قدر ممكن، مع الوعي الممكن لطبقة ما، و إنها الحالة التي تصادفنا في كل الأطوار لدى الفلاسفة و الكتاب و الفنانين)(03).
    فالكتابة الأدبية من هذا المنظور، كما يقول أحد الكتاب " ليست في حقيقتها إلا امتدادا للمجتمع الذي تكتب عنه، و تكتب فيه، معا، كما إنها ليست، نتيجة لذلك، إلا عكسا أميناٌ لكل الآمال و الآلام التي تصطرع لدى الناس في ذلك المجتمع"(04).
    غير أن جمالية المضمون التي تسعى الواقعية الاشتراكية إلى تأسيسها لا تتحقق، كما يرى الدكتور عبد الملك مرتاض ( في نظرية النقد) إلا عبر جمالية الشكل، إذ يقول ' إن الكتابة ليست شكلا خالصا، و لكنها معان و أفكار مضمخة بالعواطف و محملة بمشاعر، تظرف في ألفاظ و تجلى في سمات ،وهذه السمات اللفظية هي التي تشكل جمالية الكتابة، وتجسد نسيجا أسلوبيا قائما على النظام اللغوي، القائم هو أيضا في اللغة المكتوب بها و الماثل في التشكيل الأسلوبي تمثل جمالية الكتابة"(05).
    إن الرؤية التي يتأسس عليها العمل الإبداعي تشمل في مكوناتها التركيبية، البعد الإيديولوجي الذي يمثل أحد أبعادها البانية، و الإيديولوجية كما يعرفها الباحث محمد كامل الخطيب في كتابه (الرواية و الواقع)، هي " نسق من الأفكار و العادات و الأخلاق و المفهومات و القوانين و الفنون ....إلخ تتشكل في مرحلة تاريخية محددة، أو على قاعدة نمط إنتاج، أو نمط حياة معين....)(06).
    تحدد علاقة الكتابة الروائية بالإيديولوجية من زاويتين، زاوية " الإيديولوجية في الرواية و زاوية الرواية كإيديولوجية" .أما بالنسبة للزاوية الأولى، فإن الإيديولوجية في الراوية تعد مكونا من مكونات البنية النصية الروائية، إذ النص يحتوي على مكونات متناقضة، فهو عبارة عن تجميع لإمكانيات متعددة بسبب تعارض عناصره(07). فالنص الروائي، بحكم نسيجه البنيوي، مشحون بالمتناقضات، فيه الإيديولوجية و نقيضها، و فيه موقف الكاتب الذي يوافق إحداهما، أو يعارضها، أو يكون محايدا(08).
    و يؤكد باختين حضور الإيديولوجية في الفن الروائي باعتبارها مكونا فنيا و جماليا، إذ يرى أن " الدليل اللغوي" محمل بشحنة إيديولوجية لا تعكس الصراع الاجتماعي السائد، و إنما تجسده و تدخل في سياقه" (09). و من هنا فإن الإيديولوجية إنما تدخل عالم الرواية بوصفها" مكونا جماليا، لأنها هي التي تتحول في يد الكاتب إلى وسيلة لصياغة عالمه الخاص"(10).
    فالإيديولوجية باعتبارها مكونا من مكونات الرواية الفنية و الجمالية قد تعبر عن صوت المؤلف و قد لا تفعل، ذلك " أن كتاب الرواية غالبا ما يقومون بعرض هذه الإيديولوجيات و المواجهة بينها من أجل أن يقولوا شيئا آخر ربما يكون مخالفا لمجموع تلك الإيديولوجيات نفسها" (11).
    أما بالنسبة للزاوية الثانية، و هي النظر إلى الراوية كإيديولوجية، فإن الرواية باعتبارها إيديولوجية تعني أولا موقف الكاتب تحديدا، لا موقف الأبطال كل منهم على حدة...فالإيديولوجيات داخل الرواية لا تلعب إلا دورا تشخيصيا ذا طبيعة جمالية من أجل توليد تصور شمولي و كلي هو تصور الكاتب(12).
    فالرواية كإيديولوجية إنما تتولد من خلال الصراع الذي يدور بين الإيديولوجيات المختلفة الموجودة داخل العمل الروائي. يقول أحد الباحثين " فالرواية لا تتحول إلى إيديولوجية إلا عبر صراع الإيديولوجيات وعبر التعارضات التي توجد في كل إيديولوجية على حده. هذا الصراع الذي يشكل مجموع بنائها العام"(13).
    و خلاصة القول " إن الإيديولوجيات تدخل إلى عالم الرواية التخييلي كمكون يكون أداة في يد الكاتب ليعبر في النهاية بواسطته عن إيديولوجيته الخاصة" (14). و من ثم فإن جدل مكونات الواقع المتصارعة هو الذي يلقي بظلاله على عالم الرواية ؛فإذا هي تصوره فنيا " إن الرواية باعتبارها إيديولوجية لا تتأسس إلا بواسطة و من خلال الإيديولوجيات في الرواية (15).
    و من بين كتاب الرواية العربية في الجزائر الذين يصنفون ضمن كتاب الرؤية أو الموقف الإيديولوجي، الكاتب الروائي الطاهر وطار، إذ إن القارئ لكتاباته لا يعدم أن يقف على منحى عام يميزه عن غيره من كتاب، و يسلكه في سياق من الكتابة الروائية الخاصة، ذلكم هو الموقف الإيديولوجي الذي يبرز بشكل حاد، و ربما بشكل عنيف في جل ما كتب هذا الروائي.
    إن الموضوع الذي يجذب "وطار" و يشده أكثر هو علاقة الفن الروائي بالواقع، و كيف يكون الفن في خدمة الواقع، و الواقع في خدمة الفن؟ أو كيف يكون أحدهما جزءا في بنية الآخر؟ غير أن الكاتب لا يتناول موضوعه هذا بشكل مسطح وفج، بل يتناول المسألة إبداعيا ،و من خلال الموقف الجدلي بين الفن و الواقع، و من منظور رؤية شمولية تنطلق من الواقع الاجتماعي الراهن أو السابق فاحصة إياه، محللة تناقضاته و مبرزة تعارضاته، مقدمة أثناء ذلك رؤية استشرافية للمستقبل. و من ثم فإن (وطار) يعد من بين الكتاب الذين ينسجمون مع " الموقف الفكري العام"، الذي يدعم رؤيته الشاملة لقضايا الكون و الإنسان و الحياة"(16).
    فالكتابة الروائية عند الطاهر وطار ليست لعبة إمتاع تنتهي وظيفتها بمجرد الانتهاء منها، بل الكتابة لديه رسالة و موقف مما طبع كتاباته بطابع الرؤية الشمولية، و مكنه كذلك من " إدراك العلاقات الجدلية التي تربط الفرد و أفكاره و أفعاله و عواطفه بالحياة و صراعات المجتمع"(17)، بعيدا عن المباشرة و الخطابية اللتين تحولان النص الروائي إلى خطاب مسطح ينزع فيه البطل الإيجابي نحو تغير الواقع إلى الأفضل باعتباره البطل النموذجي.
    إن وظيفة الفن عند (وطار) كما يقول أحد الباحثين " ليست مرآة عاكسة للواقع، بل إنها تدل على الوعي الممكن ينطلق من الآن إلى المستقبل، و ذلك بتشييد فوق الواقع واقعا آخر فيمزجه، إنه الواقع الحقيقي مكثفا و مضافا إليه الفن"(18).
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    إن المتأمل في علاقة رواية " الزلزال" بالواقع و الموقف الإيديولوجي من خلال بنية شخصية "بولرواح" يجد أن الرواية ترصد مرحلة تاريخية و اجتماعية من واقع الجزائر، و لكن عبر بنية شخصية " بوالأروح" التي جمعت الإيديولوجية و الإيديولوجية النقيض، و شرحت الراهن بكل تناقضاته عبر ماض مثقل بتداعيات الذاكرة التاريخية، و أومت إلى مستقبل دون أن تحدد ملامحه بوضوح.
    يقول أحد الباحثين " تأخذ رواية" الزلزال" سيرة بطل مضاد مشحون بالمناقضات النفسية المريرة، فرغم امتلاكه الأرض و المال، فإن لحظات السعادة تبدو باهتة في حياته، و هو الآن يدافع عن أنفاسه الأخيرة أمام المتغيرات الاجتماعية الطارئة التي هزت طبقته، لذلك يمكن اعتبار هذه الرواية حسب ( غولدمان و لوكاتش) هي قصة كفاح بطل منحط يواجه حاضرا منحطا متدهورا، بحثا عن قيم أصيلة تعيد له مقامه و تعيد للوجود وجهاته)(19).
    إن رواية الزلزال هي رواية موقف إيديولوجي بامتياز تعكس الرؤية الإيديولوجية و الموقع الفكري الذي يشكل بؤرة الفعل و رد الفعل في السلوك الاجتماعي للبطل " بولرواح".
    تمثل شخصية بولرواح في رواية " الزلزال" ملتقى العناصر المتناقضة و المتضاربة؛ فبولرواح شخصية بنيت على التناقض الصارخ في كل مظاهر حياتها ووجودها، و لعل الكاتب أراد من وراء ذلك أن تجسد هذه الشخصية المفارقة الطبقية التي قامت عليها الرواية فكرة و مضمونا و رؤية واقعا و فنا؛ ذلك أن الكاتب قد " انطلق من اقتناع مبدئي تمثل في أن ظروف الجزائر كبلد تقدمي قام بثورة تحريرية تفرض على حكومتها أن تتخذ الرؤية الاشتراكية أساسا لسياستها الاقتصادية و الاجتماعية. و هذا المبدأ الذي يؤمن به المؤلف إيمانا قويا هو الذي جعله ينطلق من اقتناع آخر، و هو أن الطبقة العمالية في الجزائر من النضج اليوم بحيث تستطيع القيام برسالتها التاريخية في إطار الرؤية الاشتراكية... و أن البرجوازية الجزائرية قد أيقنت أن الوقت لم يعد مواتيا للوقوف في طريق المسيرة الاشتراكية"(20).
    و قد تجلت سمة التناقض في شخصية بولرواح عندما لجأ الكاتب إلى أسلوب التعارض وسيلة لسبر أعماق هذه الشخصية داخليا و خارجيا نفسيا و اجتماعيا ليتمكن في نهاية المطاف من تحديد الإطار الطبقي الذي يتموقع فيه بولرواح، و هو الطبقة البورجوازية التي يعتبرها الروائي عقبة كأداء في وجه أي تغيير إيجابي قد يحصل في المجتمع الجزائري...

    يستمد الكاتب ملامح شخصية بولرواح من جملة من التعارضات نراها ماثلة فيما يلي:
    - بولرواح المجتمع ( الفلاحين- العمال- الفقراء...)


    -
    (مكان مجريات الأحداث قي الرواية)






    مدينة نزلت إلى الحضيض


    غوغائية فوضوية مظاهر الانحراف والسرقة والبؤس والتشرد (بوفنارة)


    مدينة قسنطينة زمن الاستعمار مدينة قسنطينة زمن الاستقلال

    مدينة راقية مزدهرة تجارياً، اقتصاديا فنياً (الأغوات-القياد...)








    - الاشتراكية الرأسمالية
    - الأغنياء الفقراء
    - الدين الابتداع (الخرافة)
    - الحضارة البداوة
    وضع " بولرواح"، منذ البداية، نفسه في مقابل المجتمع الجزائري الأمر الذي جعله يبدو غريبا و دخيلا، و الواقع أنه أصبح ينتمي إلى الماضي، إلى الجزائر المستعمرة لا المستقلة.
    يقول بولرواح متأسفا على ما آل إليه وضع مدينة قسنطينة " لا حول و لا قوة إلا بالله، أحقا هذا هو مطعم بالباي الذي عرف الآغوات و الباشوات و المشايخ و كبار القوم، أصحاب الأرض و الأغنام و الجاه ..."(21)
    فبولرواح متبرم قلق يسابق الزمن يخشى أن يتحول " الرعاع" الذين غزوا المدينة إلى ملاك أرض تطبيقا للقرارات التي ستصدرها الحكومة و المتعلقة بتأميم الأراضي و توزيعها على الخماسين و صغار الفلاحين ( هناك مشروع إلحادي خطير، يهيأ في الخفاء.
    - تقول ؟!.
    - نعم ينتزعون الأرض من أصحابها
    - ينتزعون الأرض من أصحابها؟
    - استمع إلي. يؤممونها
    - و ماذا يفعلون بها؟
    - مثلما فعلوا بالأراضي التي خلفها الفرنسيون
    تصور الحقد، الحسد..... كل إناء بما فيه يرشح)(22).
    - إن إحساس " بولرواح" بالزلازل لم يكن وليد خوفه من انتزاع الأرض فحسب، بل كان ناجما عن التحول الكبير الذي شهدته مدينة قسنطينة زمن الاستقلال، تحول مس حياة الناس و معاشهم و سلوكهم و تفكيرهم بفضل ما توفره لهم الحكومة الاشتراكية من إمكانية العمل و التطيب و العلاج و السكن و الدراسة ...
    فهذا المشهد الحي هو الذي جعل ذاكرة بولرواح تعود به إلى الوراء، إلى زمن الاستعمار؛ حيث الزمن الطبقي ينوء بكلكله على مدينة قسنطينة، مدينة الأغوات و الباشوات و القياد و المعمرين واليهود و الطبقة الراقية.
    " قسنطينة الحقيقية انتهت.أقول .زلزلت زلزالها. لم يبق من أهلها أحد كما كان .أين قسنطينة بالباي و بالفقون. بن جلول و بن تشيكو و بن كراره، زلزلت زلزالها . زلزلت زلزالها و حل محلها قسنطينة بوفنارة بوالشعير و بولفول و بوطمين و بو كل الحيوانات و النباتات" (23).
    إن إحساس بولرواح المأساوي هنا نابع عن إحساسه الطبقي القوي المتجدر في وعيه و لا وعيه، فهو يؤمن بالمفاصلة بين طبقات المجتمع؛ فالطبقة المالكة و الغنية و الثرية هي السيدة و الطبقة الفقيرة الكادحة هي المسودة و المسخرة . فلا ينبغي أن يكون هناك تداخل أو تقارب، فالسيد ينبغي أن يبقى سيدا إلى الأبد، و العبد عبدا إلى الأبد " فبولرواح" الذي يعبر عن فكر الطبقة البرجوازية لا يؤمن بسنة التطور فهو يكرس مبدأ الثبات و الديمومة ،و إن كان لابد من التطور فينبغي أن يكون عموديا تسلسليا ( وراثيا) لا أفقيا، فملكية الأرض ينبغي أن تبقى محصورة في المالكين الأوائل و أحفادهم فقط، فلا ينبغي أن تنتقل بأي حال من الأحوال إلى غيرهم، لذا ألفيناه يلهث بحثا عن أقاربه ليوزع عليهم الأرض صوريا كي لا تؤممها الحكومة.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    " يا سيدي راشد، يا ولي الله،ن قضيت تسع ساعات في الطريق قادما من العاصمة في هذا الحر، لأمر يهمني، و يهم جميع الصالحين الذين أورثهم الله أرضه، لا أخفي عنك فأنت تعلم ما في النفوس، جئت أقطع الطريق بين الحكومة و بين أرضي، بتسجيلها على أقاربي، شرط أن لا يحوزها أو ينالوا ثمارها إلا بعد أن أموت"(24).
    و هو يرفض رفضا قاطعا أن تسلم الأرض إلى غير الورثة الشرعيين. " و عدتك كبيرة يا سيدي راشد. شمعة، بل علبة شمع. إن أوقفت هذا المشروع، و حافظت لي و لعباد الله الصالحين على أرضنا"(25).
    و يتوعد من ستوزع عليهم الأرض ( عمال-فلاحين- خماسين) بالفتنة الآكلة و الزلزال العظيم: " نار فتنة تأكلهم . زلزال عظيم يأتي على الرعاع الذين يفكرون في منحهم أرضنا؟ وعدتك كبيرة با سيدي راشد"(26).
    و من سمات شخصية " بولرواح" أنه إقطاعي بورجوازي يتبلور موقفه البرجوازي من خلال رؤيته الفكرية و الفسلفية . فهو لا يعد برجوازيا؛ لأنه من كبار ملاك الأراضي، بل لأنه يصدر في موقفه ذاك عن معرفة و علم، و لا ننسى أنه رجل علم و تربية، فهو مدير ثانوية بالعاصمة، أي أن موقفه نابع عن قناعة إيديولوجية، و من ثم فهو يضفي طابعا فلسفيا على رؤيته وموقفه، وبخاصة عندما ينتقد الاشتراكية التي يغدو فيها الواحد كلا و الكل واحدا، أي أنها تلغي الحوافز و المواهب الفردية و تقتضي على العبقرية و التميز.
    " لم تعد هناك حاجة إلى شخصية مميزة هنا. الكل كواحد و الواحد كالكل.
    ليس في الجبة سوي الحلاج.
    هذا هو شأن العوالم السفلى. تتردى، تتردى، حتى تذوب، حتى لا يبقى فيها سوى سفليتها".
    و لا ينظر إلى الاشتراكية من زاوية فلسفية؛ بل ينظر إليها كذلك من زاوية دينية.(27)
    فالاشتراكية في نظر بولرواح كفر وإلحاد، على المسلمين محاربتها و عدم قبولها، و إلا حل عليهم غضب الله ( لعن الله حكومة الكفار و الملحدين أعود بالله)(28).
    و من سمات شخصيته الاجتماعية كذلك ادعاؤه أنه حضري يتصف بالسلوك المدني الراقي، فهو يترفع و ينزه نفسه عما يراه من سلوك اجتماعي و أخلاقي منحط لا يصدر إلا عن هؤلاء الرعاع الذين امتلأت بهم دور قسنطينة و شوارعها و ساحاتها و ميادينها.( ...لا يا سيدي راشد، لا، احمها يا سيدي مسيد كما كنت تحميها باستمرار. أرأف بالأبرياء الذين عليها، و بعباد الله الصالحين الذين فوقها، و الأخيار و الشرفاء الذين مازالوا فيها، و أرحها من الرعاع الذين يدنسونها بأبدانهم النجسة و بأفعالهم المنكرة، سلط عليهم طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل... ابدأ من هنالك من الأسفل حيث لا يزال الزحف يتواصل، ثم أصعد إلى قلبها و طهره، يا سيدي مسيد.. و لا تدعهم يخربون المدن لينطلقوا نحو البوادي، سلط الخصي على رجالهم و العقم على نسائهم حتى ينقرض نسلهم، و لا يمكث إلا النسل الصالح"(29).
    و كأن بولرواح يتثمل هنا مقولة ابن خلدون الشهيرة " إذا عربت خربت" ابن خلدون يخلد في النار على عبارته، فالعرب الذين جاءوا بالدين الحنيف، لا يمكن أن يكونوا شعارا لخرب الحياة...ولكن ها هو الواقع يصدقه فلم يقتصروا على تخريب الحياة فقط، و إنما انطلقوا إلى الدين أيضا يخربونه"(30).
    و بولرواح رجل متدين ؛و لكنه التدين الذي لا ينفصل عن العادات و الأعراف و ما تواتر عن الآباء و الأجداد، و هو بالتالي التدين الممزوج بالخرافات.
    "تمتم الشيخ عبد المجيد بوالأرواح أمام باب قصير مطلي بالأخضر الداكن... جئت تصلي ركعتين في ضريح سيدي راشد. و متى كنت أومن بالأضرحة و المقامات، لقد حاربتها إلى جانب الشيخ بن باديس. و دعوت الناس إلي نبذها. إنها عبادة قبور. بدعة أبدعها العوام.
    لا
    كنتَ تؤمن بها منذ كنتَ . و حتى و أنت تخطب في المنابر ضدها.)(31).
    إن بناء شخصية بولرواح على النحو المرسوم آنفا لينم على رؤية إبداعية لدى الكاتب، و هي في الواقع رؤية نابعة من موقف فكري ينصب في نطاق الأيديولوجية الاشتراكية.
    إن الإيديولوجية التي يتبناها النص، و التي هي في الأساس إيديولوجية الكاتب، تطرح " الاشتراكية" وسيلة لبناء المجتمع الجزائري وتنميته و تقدمه، و ترفض غيرها من الوسائل و البدائل في الحلول. و من ثمة نرى أن النص كان صارما في تمثل هذه الرؤية الأيديولوجية، فتجاوز بذلك حد الدعاية والإشهار إلى التبشير بميلاد فجر الاشتراكية في الجزائر المستقلة، و ما عقم " بو الارواح" و فشله في العثور على ورثته، و محاصرة الجماهير له، و محاولة الانتحار، في نهاية المطاف، إلا دليل على انتصار الكاتب للإيديولوجية الاشتراكية.فهذا الصوت يمثل الصوت المهيمن،الصوت الأقوى"وهو أكتر تحديا وإيمانا وتصلبا"32
    و يمكن القول إن "الزلزال" تجاوزت إشكالية العلاقة بين الرواية الإيديولوجية أو علاقة خارج النص بداخله أو علاقة النص بصاحبه و مبدعه لتقرر أن " الرؤية الإيديولوجية ليست إلا مكونا من مكونات البنية النصية للعمل الإبداعي".








    الإحالات

    · الزلزال – الطاهر وطار- رواية ط :3 ش.و.ن.ت الجزائر: 1980
    (01) جمال شحيد – في البنيوية التركيبية دار ابن رشد للطباعة والنشر-طالأولى-1982: 38
    (02) م. ن : 39
    03 - عبد المالك مرتاض – في نظرية النقد – دار هومة-الجزائر –ط-الأولى-2002: 131
    04 -عبد المالك مرتاض م ن 132
    05 -م . ن : 133
    06- محمد كامل الخطيب الرواية و الواقع –بيروت-1981: 105
    07 -حميد لحميداني- النقد الروائي و الإيديولوجيا-المركز الثقافي العربي-طالأولى-1990 : 26
    08- م. ن : 26
    09 -عن م . ن : 33
    10 -م . ن : 33
    11 - م. ن: 33
    12 - م. ن : 35
    13 - م . ن : 39
    14 - م . ن : 40
    -15 -م . ن : 40
    -16 إدريس بوديبة - الرؤية و البنية و روايات الطاهر وطار- ص : 44
    17-حميد لحميداني الرواية المغربية و رؤية الواقع الاجتماعي-دارالثقافة –البيضاء-1985 -ص : 62
    18-زعموش عمار- الرؤية الإبداعية و الموقف الإيديولوجي- جريدة النصر- 24/11/1982
    19-إدريس بوديبة –الرؤية و البنية في روايات الطاهر وطار- ص : 176
    20 – محمد مصايف – الرواية الجزائرية العربية الحديثة بين الواقعية و الالتزام – الدار العربية للكتاب-الشركة الوطنية للكتاب الجزائر-1983.ص- 76/77
    -21-رواية – الزلزال – الطاهر وطار- ص : 23
    22 -الرواية : 31
    23 -الرواية : 28.
    24 -الرواية : 132.
    -25 -الرواية : 133.
    - 26 -الرواية : 133
    27 - الرواية : 128
    -28 -الرواية 26.
    29 -الرواية 47
    30-الرواية 41.
    31-الرواية 129.
    32-سعيد يقطين-انفتاح النص الروائي-المركز الثقافي العربي-ط الثانية-2001-ص-149
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. "مزلقان" الإلحاد : رواية"طوق الحمام"أنموذجا
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-19-2016, 01:46 PM
  2. في رواية "بقايا صور" للروائي السوري الكبير "حناَّ مينة"..
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-30-2015, 04:45 AM
  3. رواية"عندما تشيخ الذئاب" للأديب جمال ناجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2011, 01:33 PM
  4. رواية "العطر" للكاتب الألماني "باتريك زوسكند"
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-10-2010, 08:20 AM
  5. قراءة في رواية \" عاشق أخرس \" ورواية \" مطر الملح \"
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-12-2009, 10:01 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •