تحيات وأمنيات
اللغــة العربيـة لجميـع الفـئـات
د. ماجد أبو ماضي
جلست - أنا اللغة العربية- في لحظة صفاء مع نفسي وتأملت ما يجري في هذا الكون الواسع، فآثرت ان أوجه تحياتي وأمنياتي للمخلصين لي: تحياتي إلى كل المحافظين عليّ وعلى وجودي وكياني وإلى كل من يتحدث بي ويعبر عما يريد بكلماتي الجميلة وألفاظي العذبة ويبتعد عن تشويهي بكلمات أجنبية في أثناء حديثه، كما أرسل تحياتي إلى كل المهتمين بي ويحاولون استخدامي وتداول ما أحتوي من جواهر الألفاظ وكنوز العبارات والمعاني، فهؤلاء يزيدونني غنىً وثروة وعطاء لأني أضم بداخلي كل خصب وجمال لتوليد المفردات والاشتقاق والمعاني التي لا تنتهي واستخدامها للتعبير عن أي موقف من مواقف الحياة بكل فروعها ومجالاتها.. كما لا أغفل عن إرسال تحياتي إلى كل انسان يستخدمني ولا يقع في أغلاط تشوهني وتشوه جماليتي وحيويتي لأنه بذلك يحافظ على بريقي ورشاقتي دون انتقاص من شخصيتي وكبريائي ودون استهتار بتاريخي العريق.. تحياتي إلى كل مسؤول ينطق بكلماتي التي تعبر عن الحقيقة، ويستخدم مفرداتي المعبرة عن الجرأة والشجاعة في استعادة الأرض والحقوق المغتصبة ويعبر عن المواقف الصلبة والراسخة والتصدي لكل عدوان من أي كان، ويبتعد عن استخدام ألفاظ الخضوع والخنوع والاستسلام، تحية إلى كل من يسعى إلى استخدامي في مسيرة التطوير والتحديث من خلال تطويعي لخدمة العلم واستخدامي فيه وجعل الحواسيب تتحدث بمترادفاتي وصفاتي لأنني أصلح لكل علم وأدب وفي كل مكان وزمان وفي كل حدب وصوب، ولا أنسى ان أرسل تحياتي إلى الكتاب والشعراء والمذيعين والصحفيين الذين يكتبون ويتحدثون بلغة سليمة معبرة مبتعدين عن العامية والدخول في متاهاتها، ومستخدمين لغتي الفصحى المبسطة والتي لا تشمل أي إيغال في ألفاظي الصعبة وغير المفهومة والبعد عن التزمت في استخدامها لأن ذلك يكرّه الآخرين في استخدامي ويجعلهم يحجمون عني ويشعرون بي وكأني غريبة عنهم ولا أعبر عن مطالبهم وحاجاتهم وغرائزهم، فجماليتي في بساطتي لأن في ذلك جمالية لكم فاعتزازكم فيّ اعتزاز وافتخار بكم، والمحافظة عليّ هي محافظة عليكم وعلى وجودكم وبقائكم، والدفاع عني هو دفاع عنكم، فمصيري دائماً مرهون بمصيركم، فقوتي من قوتكم وضعفي هو ضعفكم، وكما أرسل بتحياتي إلى جميع الحاملين لواء نشري في العالم ويعلمونني لغير الناطقين بي، كما انهم يعكفون على ترجمة كتبي إلى لغات أجنبية ويظهرون فيها مفاتني ومواطن جمالي التي أتفرد بها عن بقية اللغات ويكشفون عن المعاني الجليلة والسامية التي تعبر عن انسانيتي وتفند كل ما يتهمني أعدائي ويهاجمونني به لإضعافي وإخفائي وخبو ضوئي وخفوت صوتي لتخلو لهم الساحة لنشر الباطل وتعتيم الحقائق وقلبها كيفما يشاؤون بمفاهيم مقلوبة وغير منطقية..
الأمنيات الخالصات : أتمنى- ونحن نتحدث عن الاخلاص لي- على القائمين على نشر عبارات الدعاية والإعلان في الصحف واللوحات ان يعبروا عما يريدون بلغتي الفصيحة المبسطة التي تصل إلى جميع الطبقات ويفهمها متحدثو مختلف اللهجات في جميع الأقطار والبلدات.. لأنهم بذلك يصلون إلى أهدافهم في نشر ما يريدون والترغيب بما يعرضون فباختيارهم لألفاظي وعباراتي الواضحة والمفهومة والمتداولة يستطيعون نشر بضاعتهم وتسويق السلع والحاجات التي يرغبون.. وهنا أتوجه إلى المؤسسة العربية للإعلان لأوصيها باختيار وانتقاء العبارات الصحيحة والمفضلة لوضعها في الإعلان الذي يقرؤه المئات والمئات من الناس..كما أتمنى - أنا اللغة العربية - على المشرفين على شؤون ومجامع اللغة العربية ومؤسساتها ان يوحدوا مصطلحاتي في جميع أقطار الوطن العربي وبخاصة أسماء شهور السنة التي لم تتوحد حتى الآن بين أقطاري العربية فنجدها في بعض الأقطار (نوفمبر - أكتوبر- ديسمبر) وفي أقطار أخرى (شباط - اذار - تشرين)، فلم هذا التباين؟.
فأنا واضحة ومصطلحاتي بينة وظاهرة وأصلي معروف، ولا أرى هناك حاجة لهذا الاختلاف، كما أشير من جهة أخرى إلى توحيد قواعدي الإملائية غير الموحدة في بلادي العربية، فمثلاً أرى من الصحيح ان تكتب كلماتي (شؤون - مسؤول - توءم) بهذا الشكل، في الوقت الذي أراها تُكتب في أقطار مختلفة بأشكال لا تخضع للقاعدة الإملائية فيكتبونها (شئون - مسئول- توأم)، إضافةً إلى الكثير الكثير من مصطلحاتي في مختلف العلوم والأدب والفنون.. كما أتمنى عدم تأخير إسقاط مصطلحاتي على المخترعات الحديثة التي تطالعنا كل يوم بمخترع جديد، لأنكم إذا لم تسقطوا أسمائي العربية عليها بسرعة سترسخ الأسماء الأعجمية عليها ويصبح من الصعب استبدالها واستخدام مصطلحاتي العربية بعد ذلك.. وأمنيتي الأخيرة ايها الأعزاء ان أبقى في نشاطي وحيويتي وشبابي والمحافظة على صفاتي الرائعة ومحاسني المتألقة، وأن أبقى نضرة مرنة مطواعة في التعبير عن أي شيء تحبون التعبير عنه لأنني لست بالمتحجرة الموضوعة في قوالب ثابتة لا تتغير. وأوصيكم أخيراً ان تحافظوا عليّ وتهتموا بي لأنكم بذلك تحافظون على أنفسكم وبقائكم ووجودكم واستمراريتكم


http://www.albaath.news.sy/user/?id=458&a=42210