شغف الروح
عبق الياسمين
في ملتقى الأديبات العربيات بدمشق

لم تسعفنا الظروف أن نواكب فعاليات ملتقى الأديبات العربيات من بدايته، لكن كما يقول المثل أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، لذلك حاولنا جاهدين استدراك تقصيرنا والتقينا عدداً من الأديبات اللواتي لم يغادرن بعد، ونعتذر ممن لم تسنح لنا الفرصة للقائهن علّ الأيام القادمة تتيح لنا لقاء معهن نعوض فيه ما فاتنا في هذا الملتقى، وقد توجهنا إلى الأديبات اللواتي التقيناهن ببعض الأسئلة حول انطباعاتهن عن هذا الملتقى، والقناعات التي تشكلت لدى كل واحدة منهن حول الأدب ودوره الطليعي في تناول قضايا الأمة ومعاناتها .

الأديبة د. سلوى الخليل الأمين من لبنان.. شكل هذا الملتقى تظاهرة عربية رفيعة المستوى، ويعود الفضل في لمّ هذا الشمل إلى الأديبة كوليت الخوري، وبتوجيه من السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد، وجميعنا يعرف أن سورية كانت وما زالت هي البدء، وهي نقطة الانطلاق لكل عمل متفاعل مع حياة التطور لبلداننا العربية، فسورية كانت وستبقى موئل الشعراء والأدباء وأهل الفكر والقلم، لذا كان هذا الملتقى نواة لانطلاقة نتمناها أن تكون مستمرة، وأن يكون مقرها الدائم دمشق لأننا كأديبات عربيات سررنا بهذا اللقاء الذي شكل تقارباً حقيقياً بيننا، هذا التلاقي الذي لم نكن نحلم أن نلتقي بهذا العدد الكبير من الأديبات العربيات، فكانت الفكرة رائدة فعلاً، ونحن نشكر سورية على احتضانها الدائم لكل ما هو حضاري، ونشكر لها حضنها الدافىء الذي جعلنا نشعر بأننا بين أهلنا وفي منازلنا، وهذه الربوع الشامية ستبقى للعرب منارة على مر الدهر.
وعن المساهمة التي يحققها ملتقى فكري كهذا في ظل الصراعات والتمزقات التي تعيشها أمتنا تقول الأديبة سلوى:
لقد أجمعنا نحن الأديبات العربيات على أن ننقل إلى أوطاننا ما رأيناه من وحدة متماسكة في دمشق، لأن هذا اللقاء وحدنا وجعلنا نتكلم بصراحة عن أوضاعنا ومسؤولياتنا وهمنا، وكيف يجب أن نتفاعل مع مجتمعاتنا، وكيف يجب على المرأة الأديبة والكاتبة أن تكون جريئة وحرة، وأن تعكس عبر أدبها الصورة الحقيقية للمد العربي القومي، وقد كان هناك حماس منقطع النظير من قبل الأديبات المشاركات لتحمل مسؤولية إطلاق الوعي والمعرفة وتربية الأجيال الناشئة، كل من موقعها ومكانتها في المجتمع، وكثير منهن يشغلن مواقع رسمية يستطعن من خلالها ترجمة الأفكار التي طرحها الملتقى إلى واقع للنهوض بالمجتمع إلى المستوى الأرقى والأفضل.
وعبرت الدكتورة الأمين عن إعجابها بالسيدة أسماء الأسد خلال استقبالها للأديبات والمخزون الثقافي العميق الذي تمتلكه، حيث استمعت لكل الأديبات ولكل ما يخطر في بالهن، ولم تغفل شيئا منه، فالحديث عن سيدة مثلها يحتاج للكثير من الوقت لنفي هذه المرأة المتفاعلة مع وطنها حقها.

الأديبة هدى علي أبلان.. أمين اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين.
. أشكر من خلال هذا الملتقى دمشق والسيدة كوليت الخوري والأدباء والمبدعين في سورية على هذا الاحتفاء، وعلى هذا التنظيم الجيد، والروح الحميمية والدفء الذي أحاطونا به أثناء وجودنا على مدى الأيام التي قضيناها في الملتقى، وهذا ليس غريبا على سورية التي تعطي الابداع والثقافة والمرأة الشيء الكثير، والتي يمثل مبدعوها امتداداً طويلاً من الابداع والفكر.
وعن الدور الذي يلعبه اتحاد الكتاب العرب في التفاعل مع فروع الاتحاد في الدول العربية الأخرى ترى الأديبة هدى أن قيادة سورية للاتحاد لسنوات طويلة حافظ على تماسكه ووحدته وتطلعاته الابداعية، وهناك تواصل دائم ما بين أمناء فروع الاتحادات في الدول العربية والاتحاد العام، وسوف يعقد اجتماع للاتحاد بكامل فروعه في مطلع الشهر القادم في دمشق لمناقشة القضايا التي يحملها الأمناء العامون لهذه الاتحادات ومناقشتها وإيجاد الحلول لها.

السيدة جميلة الماجري من تونس أستاذة جامعية ورئيسة رابطة الكاتبات التونسيات وعضو اتحاد الكتاب التونسيين إضافة لمواقع أخرى تشغلها..
أنا سعيدة بهذا الملتقى وإن ما عشناه في هذا الملتقى كان أكثر مما تصورنا، وأكبر من انتظاراتنا، وأود عبر منبر صحيفتكم أن أعبر عن إعجابي وشكري لحفاوة أهل الشام وتواضع الأديبة كوليت الخوري التي اعتبرها وبنات جيلي والأجيال التي أتت بعدنا رائدة شقت لنا الطريق عبر كتاباتها التي كنا نقرؤها في تونس ونتعلم منها الجرأة والاصرار والحرية، وهذا الملتقى بعكس الملتقيات الأخرى التي كنا فيها على عجل من أمرنا لارتباطنا بالمحاضرات والندوات بينما هذا الملتقى أعطانا فسحة كبيرة من الحرية والوقت جعلتنا نتقرب من بعضنا البعض، ونتعرف على تجارب بعضنا، وتبادلنا الكتب واطلعنا على كنوز دمشق الحضارية، فكانت هذه الحرية في تنظيم الملتقى فعلا مختلفة ومريحة لنا جميعا.
وقد حرض الملتقى لدى الأديبة جميلة الكثير من الأفكار التي ضمنت بعضها لمقالات أرسلتها للنشر في الصحف التونسية التي تكتب فيها، وحدثتنا بكل صدق عن شعورها أنها في بيتها العربي الكبير، وتؤكد اطمئنانها على حركة الثقافة العربية من خلال هذه التظاهرة " لقد أعطانا هذا الملتقى دفعاً جديداً للمزيد من من التواصل بيننا كمبدعات ومبدعين عرب، وما بين المشرق العربي والمغرب العربي.

هدى العطاس .. قاصة وأديبة.. اليمن
مشاركتي الأهم في هذا الملتقى أنني التقيت مجموعة من المبدعات العربيات ، وأهم ما في هذا الملتقى من وجهة نظري أنه جمع عدة أجيال حيث كان هناك رائدات، وروافد ثقافية رفدت الثقافة العربية وجدت في الملتقى في حقب وظروف زمنية مختلفة، وهذا أكثر ما ميز الملتقى، إلى جانب أنه كان فرصة للتعرف على المشهد الثقافي السوري وعلى زخم الفعاليات الثقافية في عام الثقافة.
وسألنا الأديبة هدى عن الاختلاف الذي شعرت أنه يميز جيلها عن جيل الأديبات الرائدات أجابتنا:
ربما الفروقات تكمن في الأدوات التي نعتمدها كجيل فنحن انفتحنا على زمن وظروف مختلفة، انفتحنا على وسائط متعددة كالأنترنت والفضاء المفتوح والتقنيات المختلفة، وهذه الفروقات تظهر في زاوية النظر للأشياء، وإن أهم مايميز جيلنا عن الأجيال التي سبقتنا أن جيلنا متحرر من الأيديولوجيا والشعارات، جيلنا منفتح على التفاصيل الصغيرة اليومية والعادية، ومتخلص من القضايا الكبرى، ويركز على المهمش والمسكوت عنه، كذلك خفف من حمولة اللغة التي تحمل عبارات طنانة، وأصبح يتقشف باللغة لحساب المعنى والابداع، ويتميز هذا الملتقى عن الملتقيات الأخرى التي شاركت فيها بالحميمية التي أشعرتني وكأني في بيتي ومع أهلي، وقد أشعرتنا الأديبة كوليت بإقامتها لهذا الملتقى بقيمتنا الأدبية وبأننا لسنا على الهامش، وأننا في نقطة الضوء.

منى حلمي.. قاصة وشاعرة..مصر
مشاركتي في الملتقى لا تقتصر على إلقاء بعض قصائدي في يوم عطر الكلمات وكفى، بل هي مشاركة أعمق وأكبر واكثر إنسانية وحميمية، كانت مشاركتي بالمحبة واعتزازي بدمشق، وحبي للشعب السوري ومواقفه الوطنية التي شرفت البلاد العربية كلها، والتقدم الذي رأيته في سورية، وكم أنا معتزة بعاصمة كدمشق تحتفي بالثقافة عبر احتفائها بالكاتبة العربية المبدعة بأن خصصت لها أسبوعاً خاصاً ضمن احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، وأنا لبيت الدعوة لأشارك بالاحتفاء بدمشق التي يجمعني معها حب قديم، ونزار قباني له في عمري حكايات وبهذا المعنى تكون مشاركتي متكاملة ومتنوعة.
أما عن المسؤولية التي تحملها الأديبات العربيات من خلال مشاركتهن بالملتقى فقد تحدثت الشاعرة منى عن هذه الفكرة قائلة: لقد كان لي مشاركات عديدة في مؤتمرات عربية ودولية، وكانت تدور حوارات عميقة وإنسانية نتبادل قضايانا ومشاكلنا ككاتبات وشاعرات وأديبات مظلومات، ونتحدث عن حاجاتنا ومتطلباتنا، وبعدها ينتهي الملتقى، ونفترق دون متابعة لما ناقشناه في المؤتمر، وهنا تتجلى مسؤوليتنا في هذا المؤتمر بأن نحرص على استمراره على مدار السنة، لحاجتنا لهكذا ملتقيات وليس من أجل الاحتفاء بمناسبة معينة أو بتظاهرة ما، فنحن بحاجة للكاتبة العربية المتمردة التي تدفع ثمن كتابتها، وهنا ألفت إلى تقصير الاعلام بحق هذه الشريحة، التي لايتم تسليط الضوء عليها، ومع احترامي للفن الذي أحبه وأقدسه، فإن هناك فنانات أخذن الضوء والاعلام أكثر من الكاتبات مع أنه في البدء كانت الكلمة، فالكتابة غيرت حضارات، وثورات كثيرة كالثورة الفرنسية التي مهدت لها الكتب، لذلك أتمنى من كل الكاتبات اللواتي شاركن في الملتقى أن يحرصن بكل ما لديهن من وسائل على أن يتكرر هذا الملتقى دائما، وأن يغير الاعلام خريطة أولوياته وأن يكون لنا نحن الكاتبات الأولوية لأن الأدب هو وجه الثقافة، ونحن لا نطالبه بأكثر من ذلك.
وعن الصدى الذي تركه لقاؤهن بالسيدة أسماء الأسد تجيب باعجاب:
لقد استمرت زيارتنا للسيدة أسماء حوالي ساعة ونصف، حيث تحدثت لكل الأديبات، وكان لي مداخلة ضمنتها بنوداً ثلاثة، لكن ما أثر بي أنها إنسانة متناغمة، وقد عبرت عن رأيي هذا بأن قلت لها أنت أنموذج لكل السيدات الأوائل، وكم أدهشني توظيفها لمكانتها لخدمة قضايا التقدم، وإدراكها الكبير لقضية المرأة لأني أثرت معها قضية جريمة الشرف من خلال المؤتمر الوطني الذي ضم كل القوميات والمذاهب والأديان بخصوص إلغاء المادة 548، فحدثتنا عن جرائم الشرف والعلاقة بين القانون والمجتمع، وقالت: إننا نستطيع أن نصدر قانوناً ونحكم بتجريم جرائم الشرف، لكن الناس يبقى قانونها هو الأصعب والأشد، لقد كان لقاؤنا بالسيدة أسماء غنياً وجميلاً، وكم كنت سأكون حزينة لو أنني سافرت دون أن أشارك بهذا اللقاء.
وقد أدهشني وأعجبني أن أرى انسجام الأديبات من كل الدول العربية وقد تجاوزت كل واحدة منا حدود بلدها لنجتمع جميعنا في بلدنا الأم سورية، متجاوزين حدود الجغرافيا واللغة و"الفيزا" وأنا مسرورة جدا أن سورية بلد مفتوح لكل العرب، ولا يحتاج المجيء إليه إلى الترتيبات المعقدة التي تواجهنا أثناء سفرنا لدول أخرى وهذا له دلالات ومعان كثيرة، وأنا أقول لك إننا التقينا هنا باختلاف أسماء بلداننا وانتماءاتنا لكن ما يجمعنا أننا نتكلم لغة واحدة ليس اللغة العربية فقط، بل لغة الرغبة بالتغيير، لغة الايمان بقيمة الفن والابداع والكتابة المتمردة وغير المرهونة إلا لعروبتنا، جمعتنا أيضا الرغبة بالبوح بقضايانا وأحزاننا وأفراحنا ومعاناتنا، فهذا التواصل على المستوى الأدبي والشعبي الجميل يؤكد على وحدتنا على كافة الصعد.

الأديبة نور سلمان.. لبنان
دمشق ليست غريبة عني لكن أعتبر هذا اللقاء لقاء تاريخياً قد لا يكون من نتاجه دراسات أو توصيات كما اعتدنا أن تكون المؤتمرات، لكن مردوده الانساني أهم بكثير، فالدراسات يمكن الحصول عليها من المكتبات والمراجع المختصة، لكن العلاقات الانسانية والتواصل البشري لا تباع ولا تشرى، ودعيني أعبرعبر صحيفتكم عن إعجابي بما لمسته من تطور عمراني ودار أوبرا على المستوى العالمي، فأنا عضو في مجلس إدارة لكونسرفاتوار الوطني اللبناني ومن أحلامنا أن نبني دار أوبرا في لبنان، لقد وجدت في احتفال موسيقي كيف أن هناك فرقتين الأولى بالتراتيل المسيحية والثانية بالأناشيد والتسابيح الدينية المحمدية، وقد تركت هذه الصورة كبير الأثر في نفسي بالنسبة لواقعنا العربي.
لقد أكد لي هذا الملتقى أن الانسان العربي يسير نحو النهضة، فالحس الوطني حي بين أفراد الشعب، والطموح قوي، وحب الفائدة والاطلاع موجود عند كل أفراد الشعب، ولن يحررنا من طوق التخلف إلا المعرفة التي تكمن بالعلم والدراسة والثقافة، والدور الأكبر في هذا للشعب، فالنهضة الروحية والحضارية عبر التاريخ انطلقت من الشرق.

فوزية رشيد.. روائية – البحرين
نشأت في هذا الملتقى لغة تواصل بين الكاتبات، لأنه أول مرة ندعى ليس من أجل عمل روتيني أو حوارات ونقاشات، بل ندعى للقاء والتعرف على معالم البلد سياحياً وإنسانياً، وقد شعرت أن امتدادنا موجود في هذا البلد، وأننا قريبون لتراثنا وأبعادنا التاريخية وانتمائنا وعظمة تاريخنا ووحدتنا وكل حاضرنا، وهذه ثقافة، ولو أن الثقافة لاتقتصر على الكلام والتنظير، فالصورة تكثف مشهداً كاملاً من الكلام، وقد أسعدني هذا التداخل بين الأديان، وقد شرفني كلام السيده أسماء الأسد عندما كنا في ضيافتها أذ قالت : لا للتعايش ولا للتسامح فهذه الكلمات تقال للغرباء، ونحن لدينا وحدة حقيقية وتنوع ديني موجود منذ آلاف السنين، وقد أبهرتنا وأدهشت الوفد كله هذه السيدة التي تتميز بخفة الروح والجسد، وثقل الوعي والفكر، فهي تلخص باهتماماتها الثقافية والانسانية والابداعية تاريخاً مهماً من واقع المرأة السورية، وفي هذا الملتقى أتينا ونحن لا نعرف بعضنا البعض والآن نشعر بغصة أننا سنغادر، فالأيام القليلة التي عشناها في سورية خلقت بيننا حالة من الود الانساني الحقيقي، وكم لفت نظري التطورالكبيرالذي تنعم به سورية رغم الحصار والضغوط، فالتحديات تستفز الانسان ليخرج من حصاره كحالة الاكتفاء الذاتي، ومحاولات التطوير سواء في مجالات المعلومات أو التكنولوجيا، أو إطار المحافظة على السياحة، هذه الروح نفسها هي التي ضخت نفسها في الدراما السورية التي أصبحت في الصدارة، وتعبر عن وجدان الشعب، وأنا سعيدة بهذه التطورات وقد كتبت كثيراً عن موقف سورية المقاوم في عز التخلي الثقافي العربي من النخب المتصهينة، أو المتأمركة عن المقاومة.
وعن ترافق الملتقى مع عدد من الفعاليات والنشاطات المشتركة بين سورية وعدد من الدول العربية حيث كانت حينها تقام الأيام الثقافية السورية البحرينية، تقول فوزية رشيد: يحضرني هنا قولا لأحد الأشخاص لا أذكر أسمه " إن سورية ليست عاصمة للثقافة 2008، سورية ودمشق عاصمة للثقافة العربية بشكل دائم، وهي أحد أكبر المدن الثقافية في الوطن العربي" وهذه المشاركات الثقافية من الدول العربية في الاحتفاء بدمشق عاصمة للثقافة العربية هو أمر طبيعي من أجل التعارف بين هذه الدول والاطلاع على ثقافتها وتاريخها، ودمشق كعاصمة للثقافة العربية لابد وأن تحتوي كل التجليات الثقافية بكل فروعها.

نوال عباسي.. عضو رابطة الكتاب الأردنيين
منذ سقوط بغداد والأديبة نوال عباسي معتكفة في الأردن لا تغادر بلدها تنكفىء على جراحها وحزنها على شرف الأمة المغتصب في البلدان التي تعاني من الاحتلال، وقد كان للأديبة كوليت الخوري تأثيرها الايجابي عليها بحيث أخرجتها من عزلتها لتكون إحدى المشاركات الفاعلات في هذا الملتقى، وقد عبرت عن شعورها بوجودها في سورية قائلة:
أنا أشعر وكأننا نعيش في دوامة لأن الغزوة التي حصلت وتحصل للأمة العربية أشد شراسة من هجمة المغول التتار، فما يحدث على أرض الرافدين، وهذا الوضع المأساوي الذي نعيشه الآن وغربة أمتنا، وهذا الصمت العربي والعالمي تجاه ما يحدث، يقض الروح لكنني مع كل الحزن الذي أعيشه لدي الأمل الكبير بأن هذه الأمة لن تموت فهي أمة الرسالات، وقد تعرضنا لغزوات كثيرة منذ آلاف السنين، ونحن نمتلك كل مقومات الحياة الكريمة والرغيدة، وبلادنا تتمتع بالخيرات الوفيرة ومع ذلك الأغلبية من العرب يعيشون حالة من الفقر، لذلك علينا أن نلتفت إلى أنفسنا ونعيش كباقي الأمم، ومن إيماني بأمتي، وبهذا الشعب العظيم ونبضه القومي، علينا كحكام وشعوب عربية أن نقف مع المقاومة وندعمها لأنها سلاحنا الوحيد لنتحرر مما نعيش فيه من تشرذمات وصراعات ولنستعيد كرامتنا المهدورة، وأنا لا أخفي سعادتي بهذا الملتقى الذي عزز إيماني بأن الأمة العربية يجب أن تتوحد من خلال المشاركات الانسانية التي رأيتها بهؤلاء الأديبات اللواتي حضرن إلى هنا وكل واحدة منهن تحمل هماً ووجعاً واحداً، وقد رأيت في وجوههن وحدة وطني.

وبعد لقائنا بالضيوف كانت لنا وقفة مع أهل البيت حيث التقينا بالأديبة السورية أنيسة عبود التي حدثتنا عن مشاركتها بالملتقى:
مشاركتي في الملتقى كأديبة سورية أخذت طابعاً ترحيبياً بالأديبات العربيات، وهذا الملتقى يختلف عن الملتقيات الأخرى التي حضرتها من حيث تنظيمه والبرنامج الذي وضعته السيدة كوليت الخوري، والذي يهدف إلى تعريف الأديبات على دمشق وسورية ومعالمها الحضارية، واللقاء مع الفعاليات الأدبية والاعلامية والاجتماعية، فكان عبارة عن تظاهرة احتفالية اعتبرها نوعاً من التكريم للابداع وللمبدعة العربية، لأننا لم نجلس في القاعات حتى نستمع لبعضنا فقط، فأغلبنا يعرف بعضنا البعض، وقرأنا لبعضنا ونعرف ماذا قدمت كل مبدعة للثقافة العربية، وهذا الأمر هو ما دعا السيدة كوليت الخوري والمجموعة المسؤولة عن هذا الملتقى إلى اختيار هذه الأسماء الفاعلة في بلدها والمؤثرة في الوطن العربي وبمجتمعها، فتم الاختيار على هذا الأساس، وكان هذا الملتقى جميلاً جمع الكاتبات وحقق تواصلاً وتقارباً بين الجميع، وجعل الكتاب ينتشر بلا حدود وبعيداً عن تفتيش المطارات، وبحسب ماعبرت المشاركات فقد كن مسرورات، وكانت الفترة التي قضوها هنا مميزة بالنسبة لهن والاحتفاء بهن وتكريمهن على جهد إبداعي يمتد لعشرات السنين رفدن به ثقافتنا وأثرن فيه بمحيطهن العربي، ومن هنا كان هدف الملتقى مختلفاً عن الملتقيات المعتادة التي تتضمن ورقة عمل تخضع للمناقشة عبر موضوع محدد والخروج بتوصيات، فاقتصر هذا الملتقى على الاحتفاء بالثقافة والابداع وقد خصص ضمنه يوماً للكاتبات العربيات أن يقرأن شيئا من نتاجهن أو أن يعبرن عن فكرة تراود مخيلتهن.

أما الشاعرة السورية مناة الخير فقد عبرت عن رؤيتها للملتقى بحديث ينبض بالعذوبة والشفافية ترجمت من خلاله أهداف هذه التظاهرة حيث قالت: غالباً ما تكون الأحلام أكبر من واقعها، أما هذا الملتقى فأنا رأيته أكبر مما كنا نحلم به بالمودة والألفة والتناغم الانساني الذي ساده فقد حضرت الكثير من المهرجانات والمؤتمرات، لكن هذا الملتقى امتاز بشحنة من المحبة والروح الانسانية، ولعل السيدة كوليت عندما فكرت به كانت هكذا تحلم، فأظن أنه جاء مطابقاً للحلم، أو فائضاً عنه قليلاً، فهذا الشعور ليس شعوري فقط بل هو شعور كل أديبة شاركت في هذا الملتقى، فكل واحدة منهن كانت تعز عليها المغادرة، لما حظيت به من حفاوة وتكريم، لم ترها في أي من الملتقيات أو المهرجانات التي سبق أن شاركت فيها، وأعتقد أن هذا هو جوهر الأمر أن تكون دمشق حضن محبة لكل العرب وخاصة الأديبات اللواتي كانت كل واحدة منهن سفيرة لبلدها في سورية، وبالوقت ذاته سفيرة لسورية في بلدها، وأظن أن هذه الغاية تحققت بشكل جميل ولطيف، ورغم أنه كان هناك يوم واحد للقراءات الأدبية لكنه أعطى نماذج متباينة، هذا التباين الذي يحتاجه الأدب ليكون خلاقاً ومتفرداً ومتميزاً ومعبراً أيضاً عن كل التيارات الفكرية من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق العربي، فأن يتم في يوم واحد جمع كل هذه القراءات، وكل هذه الرؤى الابداعية هو حالة متميزة وجميلة، لأنه ربما لو امتدت القراءات على مدى الأيام الخمسة لكنا نسينا في اليوم الخامس ما سمعناه في اليوم الأول، أما أن تحتشد كلها في يوم واحد فهذا يعطي فكرة عن تنوع المجتمع العربي، وأنه رغم تباعد مساحته الجغرافية هو مجتمع متقارب ومعاناته واحدة، وهذا ما عبرت عنه الأديبات من خلال كتاباتهن التي أكدن عبرها أن الأدب هو مرآة الحياة، وقد جسدن في هذا الملتقى وحدة فكرية واجتماعية وروحية لم تحققها السياسة، فهذا الملتقى كان قمة قلوب وأقلام، فالمرأ ة ربما تكون أكثر تعبيراً عن روح المجتمع لأنها معنية بتفاصيل الحياة اليومية التي تعبر عنها في أدبها، وقد أعاد هذا الملتقى إلى أذهاننا حقيقة أن الأمة العربية أمة واحدة وأن دمشق هي قلب العروبة النابض قولاً وفعلاً.
وختام لقاءاتنا كان مع ياسمينة دمشق وعاشقتها الأولى التي نشرت عبيرها في أجواء الملتقى الأديبة كوليت الخوري حيث استقبلت هذا الحشد من الأديبات في بيتها الكبير دمشق، وقد حدثتنا بدماثتها المعهودة عن الملتقى مابين تصورها للفكرة وبين تطبيقها فقالت:
لم يختلف التصور عن التطبيق الفعلي، فأنا روائية وبالنسبة للتصور وما طبق منه فقد كان لضيق الوقت دوره في عدم استطاعتي تحقيق الأفكار الجميلة التي وضعتها لهذا الملتقى، لأنني أعمل على الموضوع بشكل شخصي، لكن ما أعجبني ولفت نظري في هذه التظاهرة الجميلة هو أن معاناة الأديبة العربية على امتداد الوطن العربي واحدة، واكتشفنا جميعنا أننا نلتقي في خط واحد، لا تختلف واحدة منا في همومها ومعاناتها وقضاياها عن الأخرى، كل واحدة تحمل في قلبها جراح الوطن وتسعى من أجل تحقيق الأحسن والأفضل وهذا كان مؤثراً جداً، ومعظم اللواتي دعيتهن صديقاتي وأعرف كيف يفكرن، وأعرف مخزونهن الثقافي وإنجازهن الابداعي والانساني وتأثيرهن في محيطهن وقدرتهن على التواصل الأدبي والانساني، وهناك كثيرات اعتذرن لظروف تخصهن.
وبالنسبة لطموحاتي فهي كثيرة ومتنوعة وتلازمني منذ أن وعيت الحياة وحملت مسؤولية أن أكون عنصراً فاعلاً في الوطن، وما يهمني أن أقدم شيئا مهما للوطن أفرح معه وبه، ولكن لم تتوفر لدي الامكانات المادية لتحقيق هذه الطموحات حتى تكرم الدكتور بشار الأسد وعينني مستشارة أدبية، فأتيحت لي الفرصة لأحقق شيئاً من طموحاتي تجاه هذا البلد الجميل، فبدأت بالأديبات وخصوصاً في هذه المرحلة التي يتمزق فيها الوطن، والخلافات العربية تشكل صدوعاً وشروخات كبيرة، وما أتمناه أن أستطيع توظيف وجودي في هذه المستشارية، وكرم الرئيس بشار الذي غمرني به، لأحقق بعضاً من هذه الطموحات.
وسألنا السيدة كوليت عن الخطوة المقبلة التي تفكر بها بعد هذا الملتقى فأجابتنا: أتمنى أن نبدأ بطباعة نتاج كل أديبة، حيث نطبع كل شهر كتاباً وندعوها لتوقيعه برفقة أديبات سوريات، لنبقى على تواصل مع الأديبات، وليكون إبداعهن متوفراً ومتاحاً في سورية بسهولة، وهناك مشاريع أخرى كثيرة قائمة على المودة والتواصل الانساني، أما فكرة الملتقى وابتعاد برنامجه عن الحوارات والنقاشات وأوراق العمل فأنا استقبلت الأديبات كما أتصرف في بيتي منذ أربعين عاماً، وكان صعباً علي أن أتصرف بطريقة مغايرة فأنا دعيت صديقاتي إلى بيتي وكنت أستقبلهم كما تستقبل أي سيدة منزل ضيوفها بعيداً عن التكلف والرسميات.

سلوى عباس