متحف التقاليد الشعبية والصناعات اليدوية " قصر العظم" -
تتميز البيوت الدمشقية ببساطة في الهندسة والتكوين ودقة وابداع في التوزيع في الفن الداخلي الذي يعطي صورة حية في وصف البيت الدمشقي بما يحمله من قيم ومثل فكرية وتاريخية لازالت مستمرة حتى الآن، ومنها قصر العظم الذي يعدّ واحداً من اهم القصور التاريخية في العالمين العربي والاسلامي، ومن تسمح له الفرصة بزيارة هذا المتحف سيشاهد في قاعاته وأقسامه المتنوعة حوالى عشرة آلاف من القطع والنفائس الشعبية وكميات كبيرة من الأزياء والمطرزات .
دعونا نلقي معاً نظرة واسعة اكثر على ما يتميز به قصر العظم من فخامة في التكوين وثراءٍ في مقتنياته: يقع متحف التقاليد الشعبية والصناعات اليدوية /قصر العظم/ في مركز مدينة دمشق القديمة جنوب الجامع الأموي ، وكان موقعه جزءاً هاماً من معبد جوبيتر في العهد الروماني.
وفي فترة لاحقة أقيمت في المكان دار عرفت / دار الفلوس/ حيث حولها نائب السلطنة العثمانية الى دار لسكناه وسماها / دار الذهب/.
وفي سنة / 1163هـ/ أخذ أسعد باشا العظم والي الشام ببناء القصر جاعلاً من دار الذهب نواةً له وقد جند أكثر الفنانين من بنائين ونجارين ودهانين في دمشق لبناء قصره، الذي انتهى منه بعد سنوات ثلاث وكان آية في الابداع وجمال الزخارف والتكوين .
وفي عام 1952م، عملت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية على تحقيق فكرة إنشاء المتاحف الشعبية والبدء بتحويل قصر العظم الى متحف للتقاليد الشعبية، وبذلك تم استملاك الاجزاء غير المستملكة من قصر العظم وشرعت المديرية بترميم القصر.
وفي عام 1954م جمعت المعروضات من مختلف المناطق السورية عن طريق الاهداء والشراء ووضعت المجسمات وتماثيل العرض وافتتح المتحف بتاريخ /13أيلول / عام 1954م.
يقوم المتحف على ارض مساحتها 5500م2 ، وقد شيد على الطراز الشامي العريق ويؤدي بابه الخارجي المزخرف الى مدخل رئيسي يتصل بالقسمين الاساسيين في المتحف وهما / السلاملك والحرملك/.
أما بالنسبة لجناح السلاملك او البراني فهو بشكل دار شرقية تحيط بغرفها باحة واسعة تتوسطها بركة كبيرة تدور بها اشجار الحمضيات والزينة. وفي صدر الباحة إيوان مرتفع على جانبيه قاعتان للاستقبال.
أما بالنسبة لجناح الحرملك / أو الجواني / فهو يتصل بالمدخل الرئيسي بثلاثة ابواب متتالية تؤدي الى الباحة الواسعة التي تتوسط أجمل قاعات المتحف وأغناها.
إن ما يلفت النظر في القصر فخامة بنائه ووسع مساحته، فهو يتألف من ست عشرة قاعة كبيرة وتسع عشرة غرفة ، في الطابق الارضي ، وثلاثة إيوانات وأربعة اقباء كبيرة وأربع برك كبيرة . وتسع عشرة فسقية ماء تنوعت بين ارضية وجدارية وحمام مؤلف من براني وجواني ووسطاني وأربع مقاصير وحميم، ومخزن للعربات التي كانت آنذاك بديلة عن السيارات حوّل فيما بعد الى مستودع وأخيراً اصطبل للخيل حول الى مخازن تجارية وكذلك كان يتبع للقصر /مصلى / ألحق فيما بعد بدار ثانية مجاورة.
ومن القاعات الموجودة في القصر القاعة الثانية وضمت نماذج من الاثاث الخشبي المصدف والمطعم المحاط بخيوط رقيقة مذهبة من القصدير ومن محتويات هذه القاعة : طقم أثاث شرقي متطور، ومرآة فوق مجموعة من الزجاج المذهب وكرسي خاص للولادة وضندوق العقاقير، وسرير هزاز للطفل، كرسي للمصحف، رفوف جدارية وقباقيب مرتفعة وثريا نحاسية مزينة بالخرز من صنع دمشق .
أما بالنسبة للقاعة الرابعة ففرشت هذه القاعة على الطراز العربي واحتوت على دكة خشبية محفورة عليها مفارش محشوة بالقطن ومغلفة بقماش الدامسكو وفوقها حشايا ومساند.
وفي خزائن القاعة مجموعات من الكؤوس والقماقم والمزاجيل وقوارير العطور وقد علقت في القاعة ثريتان من النحاس المنزل بالفضة وزعت في ارض القاعة المزاجيل والمباخر ووجد هناك ايضاً منقل نحاسي وصندوق حديدي لحفظ الاموال .
القاعة الخامسة: عرض في هذه القاعة مشهد من حياة نساء القرن الماضي ويمثل المشهد الحماة تحتسي القهوة أمام منقل النار وبجانبها طفل في سريره، وسيدتان تلعبان البرجيس وزائرة تخلع ملابسها الخارجية / الملاءة/ وتسلمها للجارية وهن يرتدين أزياء كانت معروفة في القرن التاسع عشر الميلادي .
القاعة السادسة كانت معروضاتها من الأثاث المصنوع من خشب الجوز المطعم بالعظم الذي صنع عام 1903 م على يد المعلم المشهور/ عبده النحات/ احتوت هذه القاعة طقماً من المقاعد صنعه الفنان المذكور/ سنة 1918م/ للملك فيصل الاول ابن الشريف حسين رحمه الله .
أما في وسط القاعة السابعة فقد عرض المحمل الشامي الذي كان يحمل على جمل خاص كما يحمل العلم ( السنجق) المعروض في القاعة نفسها على جمل آخر ، ولقد صنع المحمل والعلم في دار الطراز الرسمية، في استانبول عام 1330 هـ وكذلك عرض في الوسط جزء من حزام الكعبة المشرفة من صنع مصر موشى بالآيات الكريمة. وفي يسار القاعة عرضت بعض الهدايا التي يعود بها الحجاج من الديار المقدسة وفيها مطرات زمزم ومسابح وخواتم وطاسات وكؤوس واحجار كريمة متعددة.
وفي الجانب الايمن للقاعة عرضت بعض ادوات اصحاب الطرق كالمسابح الألفية والطبول وبعض الشارات كما عرضت لوحة فنية مشكلة من الطوابع البريدية.
وعرضت في خزائن القاعة بعض المخطوطات كالمصاحف المحلاة بالذهب وملف يحوي على تقويم دائم لأوقات الصلاة وحبة قمح كتبت عليها سبعة ابيات من الشعر وقرآن كريم على شكل (طومار) وبيضة مفرغة كتب عليها بعض الآيات الكريمة.
ونظراً للدور الذي كان يؤديه وجود المقهى الشعبي الذي يجسد الحالة الاجتماعية آنذاك فقد خصص لهذا المقهى قاعة خاصة سميت القاعة الثامنة حيث عرض في القاعة مشهد شعبي من القرن الماضي حيث نرى في المشهد صاحب المقهى جالساً وراء الطاولة ثم خيال الظل (كراكوز) والقصاص الشعبي (الحكواتي ) وأفراد الفرقة الموسيقية وقرويين يلعبان المنقلة وهي لعبة حسابية معروفة منذ الزمن القديم.
أما صندوق العجائب فقد كان الأطفال يجدون فيه قصصهم فيتراكضون وراء حامله ليروا عبر نافذة زجاجية ضمن صندوق خشبي شريطاً مصوراً يدار يدوياً عبر بكرتين .
أما قاعة السلاح فعرضت في خزائنها نماذج من صناعة السلاح في سورية بعضها من القرون الوسطى وأكثرها من القرن التاسع عشر الميلادي ومن هذه النماذج الغدارات والدرع والخوذة والدبوس والرمح وغيرها من البنادق التي استخدمت في معركة ميسلون /24 تموز 1920م/.
أما حمام القصر فهو نموذج مصغر عن الحمامات العامة ولقد هدم في حوادث الثورة العربية الكبرى 1925- 1927م وأعادت المديرية العامة للآثار والمتاحف بناءه عام 1953 م وهو يتألف من خمسة أقسام أهمها: البراني ، والوسطاني ، والجواني ، والخزانة، وبيت الشعر.
سميت بأجمل قاعات القصر وأكثرها فخامة وأغناها هي القاعة الحادية عشرة التي خصصت لاستقبال الضيوف التي تحوي لائحة وضعت على باب القاعة حيث كتب فيها أبيات من الشعر تمتدح أسعد باشا صاحب القصر مؤرخة سنة 1163هـ حيث ان جدران القاعة مكسوة بالرخام ويشاهد في هذه القاعة :
1- مشهد جلوة العروس في القرن التاسع عشر الميلادي.
2- مشهد الباشا مع وكيله ويمثل ترف الاغنياء.
3- حجرة حوران.
4- حجرة جبل العرب وقد عرض فيها مشهد يمثل جانباً من حياة جبل العرب .

ولا بد للزائر للمتحف عند رؤيته لقاعة الازياء الشعبية أن يتساءل عن ماهية ازياء تلك الفترة وطريقة تفصيلها..وللاجابة عن هذا التساؤل لا بد أن نلقي لمحة عن الزي التقليدي السوري الذي عرض في القاعة الثانية عشرة حيث ضمت هذه القاعة ازياء ومطرزات مختلفة تعطي فكرة عن الفنون الشعبية في القرية السورية حيث تم عرض نماذج من التطريز اليدوي من غوطة دمشق ونماذج من جبل العرب ونماذج من جبل سمعان ونماذج اخرى من البسط والازياء الشعبية المختلفة التي تمثل عدداً من المناطق والمدن السورية.
أما قاعة الصناعات الجلدية فضمت نماذج من الصناعات الجلدية المختلفة التي اشتهرت بها سورية مثل البزم، الزرابيل،رباطات، محافظ نسائية، رشمة، ومشهد للسروجي مع أدواته اثناء عمله.
أما الايوان فيمثل مشهداً مصغراً لفرن زجاجي وطريقة العمل فيه ودكان الخراط الذي يمثل مشهداً للصانع بملابسه البسيطة وهو منكب على آلته البدائية التي قدمت في ميدان الفنون التطبيقية مبتكرات عديدة.
أما قاعة الصناعات النسيجية وقاعة صناعة النحاس التي اشتهرت سورية بهما منذ القديم فلقد احتوت العديد من النماذج مثل الملاءات، الستائر، المناديل، كذلك ضمت القاعة مشهدا يمثل الدقاق وهو يضرب بواسطة المدقاق على القماش، ونول يدوي قديم وأدوات اخرى متعلقة بالنسيج اليدوي.
وكذلك ضمت قاعة النحاس مشهداً لصانع النحاس المنزلي ومشهداً آخر للنقاش وكذلك ضمت الصحون والكؤوس والسطول ومجموعة من الأواني المنزلية المتعددة من أباريق ومزهريات وفناجين.
كلمة أخيرة
لقد سجل هذا المتحف الذي يمكن وصفه بأنه معقل من معاقل الفن، بيت من البيوت الدمشقية القديمة ، اقبالاً كبيراً من المواطنين والاشقاء العرب ومن الزوارالأجانب وأصبح من اكبر المراكز السياحية في الشرق الأوسط حتى ليبلغ عدد زواره يومياً أكثر من أربعة آلاف شخص.
ونظراً لما يتمتع به هذا القصر من ابداع في العمارة والفخامة، وجمال الزخارف والنقوش، حوّل الى متحف للتقاليد الشعبية، ليكون حافظاً لتراثنا التاريخي العريق من الاندثار وليبقى مكاناً يرتاده الزوار، وليعرّف بعظمة حضارتنا وكنوزنا الأثرية..

البعث - رنا داود