نفوق الأسماك بمطروح.. عدة متهمين وفاعل مجهول

منى سليم




الأسماك النافقة على سواحل مطروح
حالة من الذعر والفزع أصابت أهالي مدينة مرسى مطروح الساحلية المصرية؛ إثر انتشار شائعات تطالب السكان بالامتناع عن تناول الأسماك، نتيجة لتفاقم عمليات نفوق أسماك الوقار بأعداد كبيرة على سواحل مصر الغربية في المساحة الممتدة من مدينة مرسى مطروح وحتى خليج السلوم بمسافة 70 كيلومترًا بمحاذاة الساحل أواخر شهر أكتوبر 2008.

وقد لاحظ الصيادون والأهالي وجود كميات هائلة من الأسماك الطافية على سطح المياه العميقة، وفور انتشار تحذيرات الأهالي من تناول الأسماك، اتجه التجار إلى عرضه بنصف سعره تقريبا.
أما الدولة فقد اتخذت عدة خطوات، وشكلت عدة لجان علمية من معهد علوم البحار والهيئة العامة للثروة السمكية التابعة للهيئة البيطرية، والهيئة للعامة للإشعاع والمسح الذري لدراسة الموقف، ولكن إلى اليوم لم يصدر تقرير نهائي عن أي منها، ولم يتعد الأمر مجرد تصريحات غير معلومة الجهة، وسرعان ما يخرج مصدر رسمي لينفيها، وما زالت اللجان ما بين العاصمة والسلوم مستمرة دون تأكيد حقيقة واحدة.
روايات متضاربة
وقد تباينت الرؤى حول أسباب تلك الظاهرة، واتجهت التحليلات الأولية إلى احتمالات إقدام صائدي الأسماك في الرحلات الطويلة على الصيد بطرق غير شرعية كاستخدام المفرقعات، أو استخدام بودرة "اللانت" المحظورة دوليا؛ مما أدى إلى موت كميات كبيرة من الأسماك، فقذفتها الأمواج إلى الشاطئ، إلا أن مصطفى فودة رئيس جمعية الصيادين بمرسى مطروح نفى أن يكون الصيادون قد أقاموا رحلات طويلة للصيد بأساليب غير شرعية.

وأشار فودة إلى أن هذه الظاهرة لم تحدث من قبل بهذا الشكل والكم، واعتبر أن الغريب في الأمر كميات الأسماك النافقة لنوع واحد فقط هو "الوقار"؛ حيث تزن السمكة قرب الـ 10 كيلوجرامات، ووصل حجم النافق منها حوالي 5 أطنان، بينما اختفت جميع أنواع الأسماك الأخرى كالمرجان والبربور والدنيس مما زاد من غرابة الظاهرة. وقدر حجم الخسارة بحوالي 60 ألف جنيه يوميًّا، وقال إن حوالي 400 كيلوجرام من السمك النافق تم تسريبه للأسواق.
وأكد بعض الصيادين أنه تم العثور على بعض أسماك "القاروص" بالقرب من الشاطئ فى حالات إعياء ونفوق، وعليها نفس العلامات المرضية التى ظهرت على أسماك الوقار، والمتمثلة في بقع نزيفية تظهر على جسم السمكة. كما تم العثور على بعض أسماك الحلوف (الأرنب) عند الشاطئ فى حالة إعياء، ولم تظهر عليها البقع النزيفية. ويرجح حدوث ذلك بسبب جلدها السميك وقوة تحملها العالية.
وطرح أحد الباحثين بالهيئة العامة للإشعاع والمسح الذري احتمالاً آخر وهو انتشار جرعة من الإشعاع على سطح المياه خلال الأيام الماضية، وذلك بعد مرور الأسطول الحربي الروسي من المنطقة في بداية شهر أكتوبر 2008، ونزول بوارجها إلى ميناء في ليبيا، إلا أن رئيس الهيئة د.علي إسلام خرج ونفى هذا الترجيح، وقال إن نتائج التحليل في المعامل المركزية لم تثبت بعد ما هي الأسباب الحقيقية وراء الحادث.
حادث محدود
من جانبه، أوضح الدكتور محمد عبد الرازق رئيس شعبة الاستزراع السمكي بمعهد علوم البحار بالإسكندرية أن هذا الحادث محدود، ولا يمثل ظاهرة؛ حيث لم يتلق المعهد أي بلاغات بشأن الأسماك النافقة لرصدها وتحليلها علميا ومعمليا‏، مشيرا إلى أن أسماك الوقار تحديدا لا تسير في أسراب مثل أنواع أخرى كثيرة، بل تتحرك منفردة وتعيش في الجحور والمياه العميقة‏.

ورجح باحث رفض ذكر اسمه وجود حدث طارئ أثر على هذا النوع من الأسماك بصفة خاصة، فيما رد رئيس هيئة الطاقة الذرية هذا بالقول إنه مجرد احتمال قائم على أهداف سياسية لا نتيجة تحليل علمي للعينات، إلا أن بيانا صادرا عن جمعية الحفاظ على المتوسط "جريتيس" أيد وجهة نظر الباحث في مقال كتبه رئيس الجمعية إليوت دوريس قال فيه إن هذه الحادثة شديد الشبه بحوادث أخرى وقعت في الخليج العربي منذ 2003، نتيجة تسرب نسبة من اليورانيوم المخصب إلى المياه أثناء حرب الخليج الأولى.
وأضاف البيان أن حوض البحر المتوسط أصبح أحد أكثر الأحواض شبه المغلقة تلوثا في العالم؛ فالصناعات تضخ فيه مباشرة آلاف الأطنان من النفايات السامة، إضافة إلى كثافة النقل البحري والتلوث المدني والزراعي وعواقب صناعة السياحة على شواطئه.
الصرف الصناعي احتمال وارد
وفي احتمال آخر، قال د.فؤاد علي أستاذ السموم بالمركز القومي للبحوث: إن تغير لون الأسماك يعد إشارة إلى تناولها لمواد كيماوية سُمّية، وإن هذا قد يكون ناتجا عن الصرف الصناعي عالي التركيز في هذه المنطقة؛ لأن هذا السمك يطلق عليه المتحسس في الظلام وهو لا يسير في أسراب بالفعل، ويعيش في المياه العميقة، كما أنه شديد الحساسية بالنسبة للمركبات الكيميائية.

وأضاف فؤاد أن أغلب الأسماك لديها فلاتر طبيعية تمكنها من اختزان المواد الكيميائية النافذة إليها في منطقة قريبة من الخياشيم دون أن تتعرض لخطرها، إلا أن سمكة الوقار التي يتراوح وزنها بين 200 جرام إلى 7 كجم أكثر حساسية تجاه مركبات النحاس والزرنيخ ذات التركيزات العالية.
وقد شهدت السواحل المصرية ظاهرة نفوق الأسماك بأعداد كبيرة أكثر من مرة خلال السنوات الماضية لأسباب مختلفة منها: اختلاط المياه العذبة بمياه الصرف الصحي، كما حدث في قناطر إدفينا بمحافظة كفر الشيخ، في حين نفق عدد كبير بالبحيرات المرة بمدينة الإسماعيلية نتيجة استخدام الصعق الكهربي في الصيد.

--------------------------------------------------------------------------------