تغريبة النهر المسافر



وجع المعنى بالجراحْ.؟

أم تلك أنات الرحيل؟

تغريبة النخل المسافر في الدماء

وتمرة الحب الشهية في فمي

والصمت قد عم الضفاف

حمل وديع ها أنا

بل ذا نبي ربما

قد غاب في جب الليالي الكالحات؟

كل القوافل قد أتتْ وتكالبت.

قد أرسلوا في الليل واردَهُمْ إلي

وأعلنوا :

لابد يوما أن تـُباعَ وتـُشْتـَرى

لابد يوما أن تـُباعَ وتـُشـْتـَرى

يا للذئاب.

آه أخي ... آه أخي

كم أن طعنتك التي في أضلعي

هي قصة

للعابرين

الخائنين

الجاحدين

الحاسدين.

يا للذئاب !!!!

يا وجه قابيل ابتعد

وأرشف رويدا من دمي

وانزع غناءك من فمي

آه أخي .. آه أخي

مازلت أحلم أن نعود

إلى الجداول والحقول

هيا لنشربها معا

هيا لنزرعها معا.

لكنها روح السقمْ

نفـْثُ الجماجم والأعاجم والفتن

لا زال ينبع من شفاهك كالقدرْ

لكنه الحلم المقدس إذ أراه ولم أنم.

هذا النداء يشدني كالنهر نحو مصبه :

(هذي سرابيل الحياة

وتلك أسمال الدنا

يا قلب هابيل اتئد.)

.آه أخي آه أخي

لا ليس لي فيها مقام

والسماء تعمها

أسراب غربان وبوم.

آت أنا في الفجر يحملني الغمام

آت أنا والمسك يقطر, من عروقي, والألم.

والحب , تمرتي الشهية في فمي

والصمت قد عم الضفاف

نهر وديع ها أنا

ينساب نحو مصبه

وتركت أوزار الدنا

فارفل بأسمال الخنا

ها قد تركتك عاريا كي ما ترى

في صحو هذا الكون سر حقيقتك

ها قد تركت لك الحياة بعجها وعجيجها.

ها قد تركت لك الشقاء.

ها قد تركت لك العدم.

***********

آت أنا

والمسك يقطر من دمي.



أسوان
15-12-2006




هذه نظرة أخالها عميقة رأيت فيها كيف يتأتى الشعر على لسان الذي تتوق الكلمة إلى الانفراج من قلبه وصدره وعقله .. حزنا .. وألما..... وحلما
حين تغلف الجراح شخصية الشاعر المتألق محمد نديم بوشاح الشعر.. لا تدعها تخلد قصائده فحسب بل تدعها تتربع وحدها على العلياء فوق قمة الألق المتنوع الذي يبرع فيه

هكذا سأبدأ حديثي عن الزميل محمد نديم رمز الكلمة والشعر بجميع دروبه والذي يطيب لي أن أتحدث عنه بقليل من الإسهاب .

حين يستطيع محمد نديم الشاعر أن يحول رموز خيالاته وحلمه، وتجارب قاسية يمر بها الانسان ، إلى مصادر وحي .. يتغنى بها شعرا رومانسيا هادئا رقراقا .. يسوق في نصوص اخرى، كل العبر وثقل الاسى ليتحول إلى فنان مغاير ، يرسم بالكلمة وجدانا وآلاما...

وإذا به أمامنا حاضرا في كل زمان ومكان..

وهذا دأبه فلا يبقى يظل عالمه محدودا بين الوجد والصب ..يصب الكلمات قالب شعري يملؤه الالم والشجى ليعود فيصبح البشر جزءا هاما من عالمه.. ينشدون معه وينشجون ويذوبوا حسرات من خلال حسراته على علاقات بشرية في تغريبة نخل مسافر وأنات رحيل تحمل عَِبرا لبني الانسان منذ فجر تاريخ البشرية..
فيأخذنا معه في رحلات عده بين مناحي الحياة الى درجة تنسينا لمن هتف وجدانه بالأمس؟ ومتى وكيف ولماذا؟ ..
وهكذا ينقلب محمد نديم من شاعر همس موصول بوجداننا يملأ كياننا ويطل من عيوننا حتى نكاد ننسى انفسنا ليردنا في قصيدة اخرى الى مصب نهر آخر إلى بحر رموز نعجب بها من خلاله ومن خلال كيانه الذائب شعرا رومانسيا مصفى وكيانه الحزين من مآسي انسان قتل اخيه الانسان..وآخر غدر به غدرا بشعا..

اتشحت قصيدته هنا بالأسى والألم ونضجت بالعنفوان الجريح وهتفت من خلالها روح انسان أسير غربة تخلى عنه اقرب الناس إليه فإذا به مثقل بهموم شابهت مقتل قابيل اخاه هابيل الى غدر اخوة يوسف عليه السلام وتسليمه الى قدر لم يكن يعلمه الا الله مصورا بشوق العود الى عالم أحبه :

آه آخي ..آه أخي
لا ليس لي فيها مقام
والسماء تعمها
اسراب غربان وبوم
آت انا في الفجر يحملني الغمام
آت انا والمسك يقطر ، من عروقي والالم
والحب ، تمرتي الشهية في فمي

مرهق برياح الغربة وظلمتها بعيدا عن الوطن وملاعب الصبا .... أيهم بحاجة إليه؟ ومع هذا فلا أحد يستجيب لندائه ولا أحد يفتديه لكنه مصصم على المضي في درب العودة..

تتوهج شعلة الحياة وقدرة الغدر من الانسان لاخيه الانسان ، وترتعش ارتاعشتها الأخيرة في نفوس الأبطال قبل ملاقاة المصير لا حبا بالحياة بل تحديا للموت والقدر والآخر.. وتجاوزا لرعونة الواقع وتفاهة المادة وصفاقة الزمان والمكان.

هاي هي تغريبة النهر المسافر تصويرا صادقا للحالة التي يعانيها الشاعر –تكثيف كمية الصمت الذي عم ضفاف قافيته وذلك النهر الوديع الذي يسناب نحو المصب تاركا من وراءه بشرا يرتعون في ذنوب وتآمر على الذات الانسانية ان صح التعبير، بمقدار ما يرى الآخرين لاهين او متآمرين.

هنا يغذي شعر محمد نديم حزنه يحلم في تغريبته بالخلاص ولا خلاص فيأتي الشعر ليلون له ذلك الحلم ويكثفه ويدنيه من وهم الواقع ، عبر رؤيا شعورية ، ضبابية توهمه بأنه لا يزال موعودا بالعودة أي لا يزال موجودا

فالشعر عنده وسيلته للحلم والوهم أي إلى الوجود معادلة أقامها لوضع نفسه بين الحياة والموت ، وعاش على وهم التجسد والتحقيق ليبعد عنه فكرة العدم وشبح الموت تغريبا.

محمد نديم ظل موصولا بأحلامه وآلامه لأنه شاعرا وموصولا بالكون والإنسان والأشياء وكل ما يوحي بالحياة فيه (النهر) وفيها ليظل موجودا عبر البث والنجوى والأنين، يرسل كل ذلك شعرا فيه كل التساؤلات إطاره الحزن ومصدره الألم الدفين وانسحاق الذات تحت وطأة العناء الجسدي والعذاب النفسي .. عزاؤه الوحيد في وحدة العذاب ووحشة الغربة انه قادر على البث والغناء والمشاركة بالشعر والحلم.
لنظم الشعر وسحر كلمة الحياة.

عند الشاعر محمد نديم.. نفحات روحه الملهمة تنبعث دائما بالنبض والإيحاء..ونظم حلو الكلام..

مع تقديري واحترامي لما نزف به قلم من بوح ونزف ..

لميس الامام