منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    منوعات قصص أطفال/نزار الزين

    السحر الأسود

    حكاية للأطفال

    نزار ب. الزين

    ذهبت ربيعة – و هذا اسمها - إلى الساحرة الشريرة المقيمة في مغارة على سفح الجبل ، فشكت لها همها و طلبت مساعدتها ، قالت لها من ضمن ما قالت :

    - توفي زوجي و ترك مالا كثيرا لابنه يوسف ، كان قد زوجه قبل وفاته من فتاة غريبة ، رافضا أن يزوجه من شقيقتي ، مما سبب لي و لها ألما كبيرا ، و بذلك آلت الثروة كلها إلى يوسف ، و لم يترك لي إلا النزر اليسير .

    و بعد أن كانت السيادة لي في منزلي أصبحت هذه الفتاة الحقيرة لبلبة تشاركني ، بل أراها كل يوم تزدادا نفوذا ، لأن ابن زوجي يوسف يحبها إلى درجة العشق ، و لا يرفض لها طلبا ، و اللعينة تستثمر ذلك فتأمر و تنهي كيفما يحلو لها .

    إنني يا سيدتي الساحرة أكاد آكل بعضي من شدة الحنق و الغيظ ، و خاصة عندما أرى هذا الغِر يوسف يتصرف بالمال كما يحلو له ، يبني البيوت و المحلات التجارية ، و يؤجرها ، و يعقد الصفقات الرابحة ، حتى أصبحت له مكانته في السوق ..

    هذا المال كله كان تحت تصرفي ، و لكن في غفلة مني ، و بضربة غدر من أبي يوسف – لا رحمه الله - سجل كل شيء باسم يوسف عندما أحس بدنو أجله ، و لم يترك لي سوى الفتات ..

    أريد منك وصفة تمحي لي هذا اليوسف من الوجود ...

    أريد منك أن تحولي هذه الفتاة الكريهة لبلبة إلى جارية حقيرة في مطبخي ، كي أسومها سياط العذاب...

    أريد لهذا المال أن يعود إليَّ و يصبح تحت تصرفي ...

    إنني مظلومة يا سيدتي الساحرة ، و اريد حقي .. مهما كلفني ذلك من مال...

    تبتسم لها الساحرة ابتسامة ماكرة ، و تجيبها : " سأزيل المرارة من صدرك ، و أعيد إليك ما سُلب منك ، و ستصبحين السيدة المطلقة في بيتك ، كل ما أطلبه منك ، ديك ذو رقبة حمراء و ذيل قطة سوداء و قطعة من ملابس غريمك يوسف الداخلية مشبعة من عرقه ، و مثلها من ملابس عروسه لبلبه ، إضافة إلى ثلاث قطع من البخور واحدة من نوع الشندل و واحدة من نوع العنبر و الثالثة من نوع المِسك ؛ و عندما تكونين جاهزة تفضلي لتري ما يسرك .

    *****

    بعد مشقة تمكنت ربيعة من الحصول على ديك ذي رقبة حمراء .

    و بعد عدة محاولات فاشلة تمكنت من القبض على قطة سوداء ، و بكل قسوة اجتزت ذيلها .

    ثم ذهبت إلى سوق المِسكية ، فاشترت ما طلبته الساحرة من أنواع البخور، فكلفها ذلك مبلغا كبيرا كانت قد سرقته من جيب يوسف ، و لم تنسَ قطعتي الملابس من ملابس كل من يوسف و لبلبه .

    ثم ...

    هرعت نحو الساحرة الشمطاء...

    *****

    أحرقت الساحرة قطعة بخور الشندل

    ثم ..

    ألقت بالديك ذي الرقبة الحمراء حيا في قدر مليء بماء يغلي ، و وضعت معه قطعتي الملابس الداخلية ليوسف و لبلبة ، و قطعة البخور من نوع المسك ..

    ثم ..

    أضافت بعد قليل قطعة البخور من نوع الشندل ..

    ثم ...

    أخذت تدور حول القدر و تتمتم و تهمهم ...فيعلو صوتها حينا حتى يبلغ عنان السماء ، و ينخفض حينا حتى يماثل صوت دبيب النمل ،

    ثم ..

    اقتربت من ربيعة تلقنها :

    قطعة العنبر هذه مزجتها بدم الديك ذي الرقبة الحمراء و بماء الأثر من ثياب غريميك ، بعد أن تتركيها بالشمس ثلاثة ايام ، تحرقينها في غرفة نوم العروسين ، حتى إذا توجها إلى غرفتهما يصيبهما الخدر ، فتتسللين إليهما فتغرسين هذا الدبوس الصغير في راس يوسف و سيتحول في الحال إلى المسخ الذي تريدين ، و تغرسين الدبوس الآخر في رأس لبلبة فتصبح جاريتك و طوع بنانك ، و لن يشعرا بأي ألم ،

    ثم ..

    يصبح المال كله في يدك تتصرفين به كيفما تشائين ..

    *****

    و نفذت ربيعة ما أمرتها به الساحرة ..

    و عندما دخل يوسف و عروسه غرفتهما طلبا لقيلولة ، و قبيل ولوجهما إلى سريرهما ، شعرا برائحة وخازة و لكنها طيِّبة ، قالت لبلبة : " لعله سحر يا يوسف .. " و قبل أن تكمل جملتها وقعت أرضا غائبة عن الوعي ، هبط يوسف على ركبتيه محاولا إسعافها ، فغاب بدوره عن الوعي ؛ ثم تسللت ربيعة إلى الغرفة فشاهدتهما متعانقين فزاد ذلك من حقدها عليهما .

    تقدمت من يوسف و بكل قسوة غرست في راسه الدبوس الصغير الأول ، و فكرت إلى ماذا تريد مسخه ، وقبل أن تقرر سمعت هديل حمامة ، فقالت : " فلتمسخ يا يوسف إبن سهام إلى ذكر حمام " و إذا به يتحول رويدا رويدا إلى ذكر حمام ، ثم يصفق بجناحيه و يطير ، فتفتح النافذه و تبدأ بملاحقته إلى أن تفلح بطرده إلى الخلاء ..

    تعود ربيعة الآن إلى لبلبة ، و بكل ما تملكه من حقد و كراهية تغرس الدبوس الآخر في راسها و هي تقول : " كوني يا لبلة يا ابنة حسنية جارية في مطبخي ، تقيمين على طاعتي و تأتمرين بإمرتي ."

    و عندما صحت لبلبة من إغماءتها القصيرة ، و شاهدت ربيعة إلى جانبها ، هبت واقفة و أحنت رأسها في مذلة ، و هي تقول لها بصوت خافت مرتعش : " اعذريني يا سيدتي فقد سرقتني غفوة ؛ أنا طوع بنانك سيدتي ، بماذا تأمرينني ؟ "

    فضربتها على قفاها و هي تأمرها : " إذهبي إلى مطبخك حالا ، و إياك أن تقتربي من هذه الغرفة مرة ثانية "

    *****

    بعد عدة أيام ، و بينما كانت لبلبة جالسة في ساحة الدار خارج مطبخها طلبا للهواء الطلق و شمس الشتاء الدافئة ، منهمكة بتقشير الثوم و البصل ، لاحظت حمامة بيضاء قد حطت لتوها على غصن شجرة الليمون التي تتوسط الساحة..

    سمعت هديلها فأطربها ، ثم تحول الهديل إلى كلمات منطوقة ، تنبهت فاصغت و إذا بالحمامة تهزج :

    - يا لبلبه .. يالبلبي ، ويش حالك في دار أبي ؟

    ما أن سمعت أهزوجته و تعرفت على صوته حتى تذكرت أنه صوت حبيبها يوسف ، فأجابته :

    - فوقي حصير تحتي حصير ، نومة أسير يا يوسفا ،

    ثم أجهشت بالبكاء ..

    و تكررت هذه المناجاة ، و أصبحت منذ ذلك الحين تترقب قدومه فيتشاكيان :

    " يا لبلبه .. يا لبلبي .. ويش حالك في دار ابي " فتجيبه : " فوقي حصير .. تحتي حصير .. نومة أسير .. يا يوسفا ."

    و ذات يوم عندما تأكد ذكر الحمام أن ربيعة التي أصبحت سيدة الدار و تبذر ماله و تضطهد زوجته ، عندما تأكد أنها خارج الدار مع أختها ، تجرأ فهبط إلى الساحة و تقدم بسرعة نحو لبلبة و ارتمى بحضنها .

    و بينما كانت تضمه إلى صدرها و تتلمس ريشه بيدها ، إذا بها تكتشف وجود جسم صلب مغروس في راسه ، فسحبته ، و إذا بذكر الحمام ينتفض و يتحول رويدا رويدا إلى حبيبها يوسف بشحمه و لحمه ، فترتمي على صدره في عناق طويل .

    و بينما كان يعبث بشعرها الفاحم الطويل كما كانت عادته ، إذا به يعثر على جسم صلب مغروس في راسها فينتزعه ؛ و إذا بها تستعيد ثقتها بنفسها فتترك البطاطا و البصل و الثوم على حالها ،

    ثم ..

    تلقي بثياب الخدمة و تعود إلى غرفتها لترتدي أجمل ثيابها .

    ثم ...

    يتفقان معا على أمر ..

    *****

    عندما عادت ربيعة إلى الدار مع شقيقتها فوزية محملتان بالمشتروات كدأبهما كل يوم ، تدخل كل منهما إلى غرفتها لتبديل ثيابهما ، تفاجأ ربيعة بيوسف يقف قبالتها ، تجمدها الدهشة ، يتصنع أنه يريد معانقتها بعد طول غياب ، فيمسكها بقوة ، بينما تتقدم لبلبة من ورائها فتغرس في راسها الدبوس الأول و هي تقول : " يا ربيعة يا بنت بديعة كوني جارية في مطبخي ، تقيمين على طاعتي ، و تأتمرين بإمرتي ."

    و عندما خرجت أختها فوزية من غرفتها فوجئت بيوسف في وجهها فجمدتها الدهشة ، تظاهر يوسف أنه يريد معانقتها بعد طول غياب ، يمسكها بقوة ، بينما تتقدم لبلبة من ورائها فتغرس في راسها الدبوس الثاني و هي تقول : " يا فوزية يا أخت ربيعة ، كوني وصيفتي و خادمتي ، تقيمين على طاعتي و تأتمرين بإمرتي ."

    ثم ...

    عاش يوسف و لبلبة برغد و ثبات ، و خلفا الصبيان و البنات ، و أصبح يوسف من كبار التجار و أكثرهم ثراء ..

    و هكذا ارتد كيد ربيعة إلى نحرها ..

    ( و توته توته خلصت الحدوته )

    من حِكايات عمتي


    حكاية للأطفال
    نزار ب. الزين*

    فكان أصيب علاء الدين إبن ملك مرقوان و ولي عهده ، بمرض عضال استغرق أربعين يوما بلياليها ، كل من في القصر قلقاً عليه ، و لكن في اليوم الحادي و الأربعين بدت عليه ملامح العافية ، فأقيمت في القصر الأفراح و الليالي الملاح ، و عندما تماثل علاء الدين للشفاء تماما ، أمر والده بشق ساقينين إحداهما أجرى فيها سمناً و الثانية أجرى فيها عسلاً .
    فتهافت الناس من البلدة المجاورة للقصر نحو الساقيتين ، و بدؤوا يملؤون جرارهم بأطيب أنواع السمن و أجود أنواع العسل .
    أم شريف ، سيدة عجوز ، لم تسمع بالخبر إلا بعد أن جفت الساقيتان ، و لكنها لم تيأس فحملت جرة على رأسها و حضنت الأخرى بين ذراعيها ، ثم اتجهت نحو الساقيتين ، و بالاستعانة بقطعة من القماش أخذت تجمع ما بقي في بعض الحفر الصغيرة هنا و هناك ، حتى كادت تملأ جرتيها .
    كان علاء الدين أثناء ذلك يتنزه فوق فرسه برفقة إثنين من حراسه ، فلمح العجوز تجاهد لتملأ جرتيها ، فضحك ساخرا و التفت نحو أحد حارسيه قائلا و هو ما يزال ممعنا في ضحكه : " يا لها من عجوز جشعة ، لم يكفها ما أخذته من قبل ، فجاءت تستنفذ الحثالة " ثم طلب من حارسه قوسا و سهما ، صوبه نحو إحدى الجرتين فأصابها في الحال فتفتت و سال منها ما جمعته العجوز من سمن ، و لم تكد ترفع رأسها لترى من المعتدي حتى عاجل سهم آخر جرتها الثانية فتفتت بدورها و سال منها العسل فوق ثياب العجوز المسكينة .
    عندما أفاقت من حسرتها ، أذهلها أن علاء الدين إبن الملك و ولي عهده هو الفاعل ، نظرت نحوه بعينين دامعتين ثم قالت بصوت كسير : (( روح يا علاء الدين ، الله يبليك بهوى الثلاث كبادات* ! .. ))
    *****
    بعد أسبوع من التفكير و التمحيص و مجافاة النوم و الشرود الدائم ، حتى كأن المرض عاد لينقض عليه ، و إذ تنبه لحالته والداه ، توسلا إليه أن يبوح بما يسوؤه دون أن يتمكن من إجابتهما ، ثم قرر أمرا : " أريد أن أقوم بجولة في أنحاء المملكة ، هل تأذن لي " سأل والده ، الذي أجابه على الفور : " إفعل ما شئت ، و خذ ما تحتاجه من الذهب و الخدم ، و إذا أردت جيشا كاملا لمرافقتك ، أضعه تحت أمرك ، المهم أن تعود إبتسامتك إلى فمك و الحمرة إلى خديك "
    و هكذا مضى علاء الدين يضرب في الفيافي و الوهاد ، و لايرافقه سوى حارساه ، إلى أن ساقته قدماه إلى بستان ، و بينما كان يتجول بين أشجاره المثمرة بشتى أنواع الفواكه ، لفتت نظره على حين غرة شجرة كباد عملاقة يتدلى منها فقط ثلاث كبادات .
    فضحك متذكرا دعوة العجوز ، ثم أمر أحد حارسيه أن يتسلق فيقطف الكبادات الثلاث !..
    وضعها الحارس بين يديه ، فأخرج علاء الدين خنجره من حزامه و بدأ يشق قشرة الكبادة الأولى ، و أمام ذهوله الشديد خرجت منها فتاة كانت متكورة ثم ما لبثت أن انتصبت واقفة ( صبية لبية تقول للقمر غيب ، لأقعد مكانك قاضي و مفتي و نقيب ) و لكن ما لبثت أن فاجأتهاا نوبة من السعال ، فصاحت مستغيثة : " ارجوك أيها الشهم أدركني بقطرة ماء... " . و لم يكد الحارس يخرج مطارة الماء من خرجه ، حتى سقطت الصبية أرضا بلا حراك .
    أسف الأمير علاء الدين عليها كثيرا ، و لكنه قرر أن يشق الكبادة الثانية ، و لذهوله الشديد برزت منها صبية أجمل من الأولى ، و ما لبثت أن صاحت طالبة بعض الماء ثم سقطت ميتة .
    قبل أن يفتح الكبادة الثالثة ، أمسك بيده مطّارة الماء و فتح غطاءها ، استعدادا ، ثم شق الكبادة بعناية فائقة ، لتبرز له صبية أجمل من ألأخريين و قبل أن تطلب ، قدم لها الماء ، فشربت و ارتويت ، ثم طلبت منه دثارا تستتر به ، إلتفت به ، ثم قالت له بصوت رقيق : " سيدي أنا جاريتك و خادمتك ، و سأكون طوع بنانك " ؛ ابتسم لها علاء الدين ثم أركبها خلفه فوق فرسه ، و قفل عائدا مع حارسيه نحو بلدته و قصر أبويه .
    قبيل بلوغ القصر بمسافة يومين ، أمر علاء الدين أحد حارسيه أن يسبقهم ليبشر والديه بقدومه و بأنه عثر على العروس التي تناسبه و التي طالما حلم بها .
    قبل مسافة يوم واحد من بلوغ القصر ، فوجئ علاء الدين بالغبار يتصاعد عن بعد ليتكشف عن موكب كبير يتألف من لفيف من الأمراء و أفراد الحاشية و في مقدمتهم والده ، جاؤوا جميعا لإستقباله و عروسه .
    و قبيل فرسخ أو يزيد من بوابة القصر ، إصطف أهل البلدة نساء و رجالا و أطفالا ، يهزجون و يزغردون و يهتفون بحياته و حياة عروسه .
    و أقيمت الأفراح و الليالي الملاح سبعة أيام بلياليها .
    أما علاء الدين فلم يترك عروسه التي إفتن بها لحظة واحدة إلى أن تذكر أمرا .
    نادى أحد عبيده آمرا أن يملأ جرتين إحداهما بأفضل أنواع السمن و الأخرى بأطيب أنواع العسل الجبلي ، ثم توجه مع عبده و عروسه ، إلى بيت العجوز أم شريف ، فقدم لها الجرتين و انحنى فقبل يدها معتذرا ثم عرَّفها على كبادته الأثيرة .
    << و توتة توتة خلصت الحدوتة >>

    حكاية للأطفال
    نزار ب. الزين*

    أنجبت العنزة الجبلية سخلتين توأمين رائعتي الجمال ، فرحت بهما و جلست إلى جوارهما تعتني بهما بحنان بالغ و تغذيهما من لبنها الغزير و قد غمرتها السعادة و البهجة ، و كانت قد أطلقت على الأولى إسم سنيسل و على الثانية إسم رباب ؛ و لكن بعد بضعة ايام شعرت أن لبنها الحليب خفت غزارته فكان لا بد لها من أن تعود إلى المرعى لتتغذى بأعشابه فيعود حليبها إلى غزارته السابقة .
    قالت العنزة لسخلتيها الحلوتين ؛ سأترككما و أتوجه إلى المرعى و سأغيب عنكما بضع ساعات كل يوم ، فإياكما أن تفتحا باب الدار لأحد ، إلا إذا عرفتم صوتي و تأكدتم من عبارتي التالية : << يا سنيسل و يا رباب ، إفتحا لأمكما الباب ، أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب >> ثم أضافت : << ثم إطلبا مني أن أدير ظهري و أن أريكما ذيلي من ثقب مفتاح الباب ، فإن كان الذيل أسودا فهو ذيلي ، أما إذا كان أحمرا ، فهو ذيل الذيب ، إياكما أن تفتحا له ! >> ثم مضت تطلب المرعى .
    في المساء عادت العنزة فقرعت الباب ، فتقدمت السخلتان منه ، و سألت كبراهما :
    - من الطارق ؟
    أجابت العنزة :
    - يا سنيسل و يا رباب إفتحا لأمكما الباب أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب .
    تقدمت رباب لتفتح الباب فمنعتها أختها سنيسل ، التي تقدمت فوضعت عينها عند ثقب المفتاح ثم نطقت ب( كلمة السر ) ، قالت : << أديري ظهرك و أرينا ذيلك ، فإن كان أسودا فهو ذيل أمنا و إن كان أحمرا فهو ذيل الذيب >> ، أدارت العنزة ظهرها و رفعت ذيلها ، عندئذ فتحت سنيسل الباب .
    تقدمت منهما فرحة ، و احتضنتهما و أخذت ترضعهما لبنا غزيرا كما كان ، و هي تثني على ذكائهما و طاعتهما .
    و مضت الأيام و الأم تذهب و تعود دونما أي مكدر .
    و لكن عند عودتها ذات يوم ، كان الذئب يتلصص عليها خلف شجرة البلوط القريبة ، فالتقط الحوار الدائر بين العنزة و سخلتيها و عرف منه ( كلمة السر ) ، و تمكن من حفظ بعضها .
    في اليوم التالي و قبل موعد عودة العنزة ، تقدم من الباب فقرعه و هو يقول محاولا تقليد صوت العنزة :
    - يا سنيسل و يا رباب إفتحا لأمكما الباب أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب .
    سألته رباب :
    - أديري ظهرك و أرينا ذيلك ، فإن كان أسودا فهو ذيل أمنا و إن كان أحمرا فهو ذيل الذيب .
    فأدار ظهره و رفع ذيله ، فصاحت السخلتان معا و قد أصابهما الرعب :
    - أنت تكذب علينا ، أنت الذئب و لن نفتح لك !
    فإنسحب الذئب يجرر أذيال الخيبة و الإحباط ، و لكنه لم يفقد الأمل !
    في اليوم التالي و منذ الصباح الباكر ، ذهب الذئب إلى صباغ الأقمشة ، فقال له راجيا :
    - ياعمي يا صباغ ، إصبغ لي ذيلي باللون الأسود ، كي آكل سنيسل و رباب !
    أجابه الصباغ :
    و لكنني جائع و لم أفطر بعد ، إذا أحضرت لي بيضتين ، سأصبغ لك ذيلك .
    ذهب إلى الدجاجة :
    - أيتها الدجاجة الكريمة ، إعطيني بيضتين ، لأقدمها للصباغ ، كي يصبغ لي ذيلي باللون الأحمر ،كي آكل سنيسل و رباب .
    قالت له الدجاجة :
    - و لكنني جائعة ، أحضر لي بعض القمح و سأبيض لك بيضتين كبيرتين .
    تسلل إلى مستودع للحبوب ، فسرق ما تمكن من حمله ، و مضى مسرعا إلى الدجاجة فقدم لها القمح .
    صرخت الدجاجة " بقبقبقبقيب " ثم باضت البيضة الأولى ، ثم صرخت ثانية " بقبقبقبقيب " فباضت بيضة ثانية ، حملهما بفمه و مضى مسرعا إلى الصباغ ، الذي شكره ، و بعد أن تناول فطوره ، شرع يصبغ له ذيله باللون الأحمر .
    فرح الذئب و توجه مباشرة إلى بيت العنزة .
    قرع الباب
    سالته إحداهما :
    - من الطارق ؟
    فأجابها مقلدا صوت العنزة :
    - يا سنيسل و يا رباب إفتحا لأمكما الباب أمكما العنيزية ، و أبوكما شيخ الشباب .
    قالت الأخرى :
    - أديري ظهرك و أرينا ذيلك ، فإن كان أسودا فهو ذيل أمنا و إن كان أحمرا فهو ذيل الذيب .
    فأدار ظهره و رفع ذيله .
    " إنها أمنا " صاحت السخلتان فرحتين ، و لكنهما ما أن فتحتا الباب حتى هاجمهما فابتلع رباب أولا ، ثم لحق بسنيسل التي حاولت الفرار منه ، و لكنه كان أسبق منها فابتلعها بدورها ، ثم مضى إلى بيته و قد ملكته نشوة الإنتصار .
    عندما عادت العنزة إلى البيت و وجدت الباب مفتوحا ، دخلت الدار فلمحت الفوضى التي تعمها ، عندئذ أدركت أن في الأمر شرا ، فتملكها الحزن الشديد و الأسى على فلذتي كبدها ، و أخذت تنوح و تلطم خديها ؛ و لكنها توقفت عن البكاء فجأة و قالت في سرها : " إنه الذئب حتما ، و لسوف أنتقم منه "
    توجهت إلى بيت الذئب و صعدت فوق سطحه ، و أخذت تضرب أرض السطح بأطرافها الأربعة ؛ صحا الذئب من نومه مذعورا ثم صاح مستاءً :
    - من يدبك فوق سطوحي من ؟
    أجابته العنزة :
    - أنا العنيزية زوجة شيخ الشباب ، ألست من أكل سنيسل و رباب ؟
    فصمت و لم يجبها .
    فعادت تقرع أرض السطوح بشكل أعنف ، فعاد يكرر سؤاله :
    - من يدبك فوق سطوحي من ؟
    فصمت أيضا و لم يجبها .
    و لكن في المرة الثالثة ، أجابها متحديا :
    - نعم أنا أكلتهما ، و أشبعت بطني بلحمهما الغض !
    أجابته و قد إشتد بها الغضب :
    - إذاً .. أخرج للنزال ، إن كنت ذئبا بين الذئاب و لست كلبا بين الكلاب ، أخرج للنزال في الحال !
    صمت قليلا ثم أجابها :
    - أنا ذئب إبن ذئب و لا أخشى أحدا ، و لكنني لا أملك قرنين مثلك ..و لكي يكون نزالنا عادلاً ، إمنحيني وقتا ، لأركِّب قرنين فوق راسي !
    أجابته :
    - أمهلك حتى منتصف نهار الغد .
    منذ صباح اليوم التالي ، ذهب الذئب إلى بائع الحلاوة طالبا منه أن يركِّب له قرنين فوق رأسه لينازل بهما العنيزية ، فأجابه بائع الحلاوة :
    - و لكنني جائع و لم أفطر بعد ، إذا أحضرتَ لي بيضتين ، سأركِّب لك قرنين .
    أسرع إلى الدجاجة :
    - أيتها الدجاجة الكريمة ، إعطيني بيضتين ، لأقدمها لبائع الحلاوة ، كي يصنع لي قرنين أنازل بهما العنيزية زوجة شيخ الشباب .
    قالت له الدجاجة :
    - أحضر لي بعض القمح و سأبيض لك بيضتين كبيرتين .
    تسلل إلى مستودع الحبوب ثانية ، فسرق ما تمكن من حمله ، و مضى مسرعا إلى الدجاجة فقدم لها القمح .
    صرخت الدجاجة " بقبقبقبقيب " ثم باضت البيضة الأولى ، ثم صرخت ثانية " بقبقبقبقيب " فباضت بيضة ثانية ، حملهما بفمه و مضى مسرعا إلى بائع الحلاوة الذي ما أن أنهى تناول فطوره ، حتى بدأ يصنع له قرنين من الحلاوة ثم يركبهما له .
    فشكره الذئب و مضى مهرولا إلى الساحة المجاورة لبيت العنزة التي كانت في إنتظاره .
    بدأ الذئب بمهاجمة العنزة و حاول طعنها بقرنيه فتحطما للحال ، ثم إنقضت عليه العنزة فشقت له بطنه بأحد قرنيها فخر صريعا .
    و فجأة خرجت من بطنه المشقوق سنيسل ، فصاحت فرحة " أمي ... أمي .."
    ثم برزت رباب ، التي ما أن رأت أمها حتى أسرعت نحوها تصيح فرحة " أمي ... أمي .. "
    احتضنتهما بشغف و حنان ، و قد ملأت السعادة قلوب ثلاثتهن .
    << و توتة توتة خلصت الحدوتة >>

    حكاية للأطفال
    نزار ب. الزين*
    كانت جمانة إحدى جواري ملك مملكة سهرورد ، و كانت أثيرته ، يحيطها بعنايته و حبه ؛ و ذات يوم أسرَّت له أنها حامل . فرح الملك و وعدها إن أنجبت ذكرا أن يعتقها و يضمها إلى زوجاته ؛ و من ثم أمر قهرمانته* ألا تسند إليها بعد اليوم أي عمل ، و حتى إشعار آخر . و هكذا قضت شهور حملها محاطة بالرعاية و التدليل إلى أن حان و قت ولادتها .
    كانت المفاجأة صاعقة ، عندما إكتشفت الداية أن المولود طائر أنثى من فصيلة الغربان يطلق عليه العامة إسم ( القاق ) .
    ما أن رأت النور ، حتى رفرفت بجناحيها ثم طارت إلى أعلى نافذة من نوافذ الغرفة العلوية .
    استغرب الحضور هذه الظاهرة العجيبة ثم أطلقوا على جمانة لقب ( أم القويقة ) ، و عندما تنامى خبر ( القويقة ) و أمها إلى مسامع الملك ، غضب غضبا شديدا ، و أمر بإعادة جمانة إلى المطبخ ، لتقوم فيه بوظيفة تقشير البصل و الثوم .
    ثم أخذت جواري القصر و سيداته و عبيده و أطفالهم ، يرشقون القويقة بأي شيء يقع في متناول أيديهم في كل مرة يصادفونها ، دون يتمكنَّ من إصابتها أحد ، فقد كانت تتنقل بين النوافذ العلوية و من إفريز لأخر بمهارة فائقة ، و هي تصيح محتجة : " قاق .. قاق .. "
    و لكن في الليل ، كانت تنحول (القويقة) إلى طفلة حلوة تندس في فراش أمها ، فتضمها هذه إلى صدرها حانية و ترضعها من لبنها ، و قد آلت على نفسها أن تكتم سرها و أن تحتمل إضطهاد الجميع لها ، خشية أن يظن الآخرون أنها من الجن أو العفاريت ، فيلحقون بهما الأذى .
    و استمرت (القويقة) في سلوكها هذا ، تتحول إلى طائر في النهار و إلى طفلة رائعة الجمال في فراش أمها في الليل .
    و ذات يوم ربيعي ، سمعت ( القويقة ) أن بنات القصر سيقمن بنزهة يجمعن خلالها الزهور البرية و نباتات الخبيزة و الفطر من بساتين القصر الفسيحة و روابيه ، فقررت (القويقة) أن ترافقهن ، فحملت سلة في منقارها و طارت بها فوق رؤوسهن ، ثم إختفت ، و كم كانت مفاجأتهن كبيرة عندما شاهدنها و قد ملأت سلتها بالخبيزة و الفطر قبلهن ، ثم و هي تسبقهن نحو القصر ، فدخلت إلى حيث أمها تقشر الثوم و البصل ، فهبطت بسلتها فوضعتها بين يديها ، ثم إنطلقت طائرة إلى اقرب نافذة علوية .
    و عندما قدم الصيف ، قررت فتيات القصر أن يذهبن إلى بحيرة قريبة ضمن أسوار القصر ليقضين يومهن هناك .
    و بينما كن يلعبن و يتراشقن بالماء و تسبح منهن من تجيد السباحة ، لحقتهن (القويقة) ثم وقفت في أعلى شجرة جوز و أخذت تشاهدهن و تراقب لعبهن ، و تبحث في الوقت ذاته عن ركن يمكنها أن تسبح فيه و هي متوارية عن أنظارهن .
    و ما لبثت أن عثرت على المكان المناسب في طرف البحيرة ، تظلله أشجار الصفصاف و قد تدلت أغصانها فوق سطح البحيرة .
    طارت إليه في الحال ، و ابتدأت تخلع ثوب الطائر الأسود الذي كانته ، لتخرج منه ( صبية لبية تقول للقمر غيب ، لأصبح مكانك قاضي و مفتي و نقيب )* ثم إبتدأت تغطس في الماء البارد المنعش و تعبث به و هي في غاية النشوة و الحبور.
    تصادف أن مر صفي الدين إبن وزير الملك الأول قرب البحيرة أثناء عودته من رحلة صيد و قنص ، فشاهدها و هو في غاية الذهول و هي تنض عنها ثوبها لتتحول من طائر إلى فتاة رائعة الجمال ، فراقبها و هي تسبح و قد فتنه جمالها ، و إذ همت بالخروج اختطف ثوبها الأسود و خبأه ، فغطست ( القويقة ) في الماء استحياء ، فلم يعد يظهر منها غير رأسها ، و أخذت تتوسل إليه أن يستر عليها و يعيد إليها الثوب .
    أجابها جادا : " لن أعيده إليك ، قبل أن تخبريني ، هل أنت أنسية أم جنية " فأقسمت له أنها إنسية بنت أنسي و أنسية ، و أن ما شاهده منها إن هو إلا قدرة إلهية لا يعلم سرها إلا الله وحده .
    رمى إليها بعبائته قائلا : " اما ثوب الطائرالأسود فلن ترتديه بعد اليوم ، لأنك سوف تصبحين زوجتي على سنة الله و رسوله " ، ثم أردفها خلفه فوق حصانه و مضى بها إلى حيث سلمها لوالدتها .
    حدَّث صفي الدين والدته بشأنها و أنه قد وقع في حبها و غرامها ، التي نقلت خبرها لزوجها وزير المملكة الأول ، الذي أخبر الملك – بدوره – في شأنها ، ثم شاع الخبر في القصر و الكل في غاية الدهشة و التعجب بين مصدق و مكذب .
    و منذ صباح اليوم التالي الباكر ، استدعى الملك جمانة التي أقسمت له أغلظ الأيمان بأنها لم تعاشر من الرجال غيره ، لا من الإنس و لما من الجن ، و أن ( القويقة ) هي إبنته ، و أن ماجرى لا تستطيع تفسيره إلا بأنه من قدرة الله عز و جل .
    تعرف الملك – من ثم - على ( القويقة ) فضمها إلى صدره و هو يناديها بأعذب عبارات الحب و الحنان ، فبكت من شدة الفرح و أبكت كل من حولهما ؛ ثم أعلن للجميع أن اسم إبنته أصبح منذ الساعة شمس الشموس ، و حذر من يناديها بالقويقة بعد اليوم بأوخم العواقب ، ثم أعلن للملأ إعتاق جاريته جمانة ، و طلب من مفتي الديار عقد قرانه عليها ، لتصبح واحدة من زوجاته ، حرة كريمة ، و أقربهن إلى قلبه .
    ثم تقدم الوزيرالأول لخطبة شمس الشموس من أبيها الملك لإبنه صفي الدين ، فوافق في الحال .
    و عمت الأفراح و الليالي الملاح ، و ارتفعت الأعلام و إنتصبت الزينات ، و قُرعت الطبول و صدحت المزامير ، و أقيمت حلقات الدبكة و الزار ، في كل أرجاء المملكة ، و أعلن المنادي لسكان العاصمة ألا يأكل أحد أو يشرب إلا في قصر الملك ، سبعة أيام بلياليها ؛ زُفت في نهايتها شمس الشموس لعريسها صفي الدين .
    ( و توتة توتة خلصت الحدوته )*
    ----------------------------
    *قهرمانة : رئيسة الجواري
    *صبية لبية تقول للقمر غيب لأجلس مكانك قاضي و مفتي و نقيب : تعبير عامي شائع يستخدم لوصف الفتيات رائعات الجمال
    *( و توتة توتة خلصت الحدوته ) : تعبير شعبي يقال عند إنتهاء الحكاية

    حكاية للأطفال
    نزار ب. الزين*
    *****
    الجزء الأول
    جلس شومان ملك مملكة الدراوشة ذات يوم على كرسي العرش و هو في حالة سيئة جدا من الإكتئاب و القلق ، و بعد لأي تمكن وزيره و كاتم أسراره من معرفة السبب ، فقد رأى جلالته فيما يراه النائم أن أحدا ما طعنه في ظهره غدرا ، و قد استمر يرى الحلم ذاته ثلاثة ليالٍ متواليات .
    بعد إستئذان جلالته ، دعا الوزير جميع العرافين و المنجمين في المملكة إلى القصر لإستشارتهم بأمر هذا الكابوس المزعج .
    منذ لحظة وصولهم ، عقدوا مؤتمرهم ، و أخذوا يتشاورون ، و كل يدلي بدلوه ، إلى أن اتفقت غالبيتهم على تفسير إرتضاه الجميع ، فكلفوا كبيرهم أن ينقل التفسير إلى جلالته :
    - لدي التفسير يا صاحب الجلالة ، و لكنني أطلب الأمان
    يجبه جلالته :
    - أعطيناك الأمان ، قل ما عندك و لا تخف .
    - سوف تحمل جلالة الملكة قريبا ، و سوف تنجب لك أنثى ، و لكن عندما تكبر سوف تضل السبيل .
    قال العراف ذلك ثم استأذن بالإنصراف !
    إنسحب جلالته من قاعة العرش فورا ، و إتجه إلى جناح الحرملك* في القصر ، ثم أرسل في طلب الملكة حيث شرح لها الموقف ، ثم أنذرها قائلا : << حالما يثبت حملك يجب أن تخبريني و إذا حان وقت ولادتك و أنجبت بنتا يجب ألا تتأخري عن إعلامي ، لأنني سوف أقتلها بيدي ، قبل أن تسبب لنا العار ، فسمعتنا و سمعة المملكة أهم من كل بنات الأرض ! >>
    لم تفه جلالتها بكلمة واحدة ردا على جلالته ، و لكنها لم تقتنع إطلاقا بما قاله المنجمون و العرافون ، فكيف يمكن لإبنة ملك أن تضل السبيل ؟ و هي التي سوف تنشأ في القصر تحت إشراف أفضل المربيات و أقدر المعلمات ؟!
    *****
    عندما تأكدت الملكة أنها حامل إستدعت وصيفتها و كاتمة أسرارها ، و حدثتها عن نوايا جلالة الملك ، و أنها قررت ألا تفرط بحشاشة كبدها ، و أنها غير مقتنعة بتفسير العرافين و المنجمين ، و أمرتها أن تتفق مع أمهر البنائين لبناء قبو في طرف القصر بحيث يتم العمل ببنائه ليلاً دون أن ينتبه إليه أحد ، و أضافت أنها ستجزي العطاء لهم على أن يكتموا السر ، و أن أوخم العواقب ستحيق بهم ، إن تفوهوا ببنت شفة !
    قامت الوصيفة بتفريغ عدة غرف من طرف القصر الشرقي المطل على الوادي و منعت الجواري و العبيد من الإقتراب منها ، و ابتدأ العمل بإنشاء القبو و تجهيزه بكل لوازم المعيشة ، دون أن ينتبه إليه أحد .
    و في نفس الوقت كانت الوصيفة تراقب سيدات القصر الحوامل و جواريه ، فقد إتفقت مع الداية* على حل يرضي الملكة و يسعد الملك.
    عندما أنجبت جلالتها إبنة حلوة ، نقلتها فورا إلى القبو ، حيث كانت المرضعة بإنتظارها ، بينما إستحوذت الوصيفة على غلام ذكر كانت إحدى الجواري قد ولدته ، بعد أن منحتها صرة من الليرات الذهبية الرنانة ، مقابل رضوخها للأمر الواقع و كتمان السر .
    و هكذا أُبلغ جلالة الملك بأن الملكة أنجبت له غلاما ذكرا .
    *****
    أسموها زبرجد ، و توالت على تنشئتها أفضل المربيات و المعلمات ؛ و كأولاد الحكايات كبرت بسرعة ، حتى صارت صبية في الرابعة عشر ، رائعة الجمال ، متقدة الذكاء ، و لكنها ظلت لا تعلم شيئا عن العالم الخارجي .
    و في الآونة الأخيرة بدأت تطرح الأسئلة على معلماتها : << قرأتُ في الكتب عن عالم مليء بالأشجار و الأنهار و الفراشات و الأطيار ، لِمَ لا أرى منها غير الرسوم ، لم لا يسمحون لي بالخروج لأرى الدنيا ؟ كل الأطفال لديهم آباء و أمهات ، فاين ابي و أمي ؟ كل الأطفال يلعبون مع بعضهم بعضا ، لِمَ أنا لا ألعب سوى مع ألعابي الجامدة ؟ >> و تحتار معلماتها بالإجابة على تساؤلاتها فكنَّ يؤثرن الصمت خشية أن تزل ألسنتهن بما لا يرضي جلالة الملكة .
    و ذات يوم و بينما كانت جالسة على سريرها حزينة بائسة ، سمعت حركة غريبة في الجدار المجاور ، اقتربت منه أكثر ، وضعت أذنها ، فسمعت دقات رتيبة ، أخذ صوتها يزداد اقترابا ساعة بعد ساعة ؛ و على حين غرة برز لها رأس أرنب ؛ خافت منه بداية ، و لكنها تجرأت و اقتربت منه محاولة لمسه ففر .
    كان الأرنب قد حفر نفقا ، إقتربت من الفتحة الصغيرة التي أحدثها ، وضعت عينها في الفتحة فظهر لها من الطرف الآخر نور ساطع << تلك هي الدنيا التي حجبوها عني! >> همست في سرها .
    و منذ تلك اللحظة أخذت توسع كل ليلة نفق الأرنب بيديها شيئا فشيئا ، حتى إذا تعبت ، غطت الفتحة بخزانة ألعابها ، أما التراب الناجم عن الحفر فكانت تخبئه تحت سريرها .
    *****
    و عندما لاحظت أن بوسعها النفاذ من النفق ، جمعت بعض حاجياتها ، و انتظرت حتى إنبثاق الفجر ، ثم تسللت خارجة من النفق .
    وجدت نفسها فوق منحدر مغطى بالأشجار و الشجيرات ، تعثرت مرارا قبل بلوغ سفحه ، ثم سارت على غير هدى ، تمتع بصرها بمناظر الطبيعة التي طالما قرأت عنها دون أن تتعرف عليها ، و هي تكاد تطير فرحا و سرورا .
    فجأة يصدح عندليب قربها ، رفعت رأسها فوجدته في أعلى شجرة صنوبر ، خاطبته قائلة :
    - أنت العندليب ؟ قرأت عنك في كتبي ، تعال لأشاهدك عن قرب ، فلطالما تمنيت أن أراك رؤيا العين .
    أجابها العنليب :
    - أنت من بني البشر ، و قد نبهتني أمي ألا أثق ببني البشر ، لأنهم إن أمسكوا بي ، سوف يأسرورنني و يضعونني في قفص بقية عمري ، كي يتسلوا بسماع صوتي ، أنا لا أطيق الأسر ، فهل تريدنني أفقد حريتي ؟
    أجابته زبرجد :
    - أنا عانيت من الأسر يا عندليب و لا يمكن أن أطلب الأسر لغيري .
    يقترب منها و هو يقول مغردا :
    - لقد صدقتك و أشفقت عليك ، و سأرافقك عن بعد ، و سأطربك بصوتي حيثما تشائين ، و سأحذرك من الأخطار ، و لكن إعذريني لن أفعل أكثر من ذلك .
    شكرته ثم تابعت طريقها ...
    بعد ساعة أو نحوها شاهدت غزالا ، فرحت برؤيته ثم قالت له :
    -أنت الغزال ، أليس كذلك ؟
    - نعم ، أنا الغزال و لكن من أنت ؟
    - أنا زبرجد ، يقولون أنني إبنة الملك ، و لكنني لم أر والدي قط ، و لم أر حتى والدتي ، كنت أعيش في غرفة فيها كل أسباب الراحة ، و تعلمت القراءة و الحساب و العلوم من بطون الكتب ، و على أيدي ألطف المعلمات ، و لكنني لم أكن مرتاحة أبدا ، فقد كنت متشوقة على الدوام لمعرفة العالم خارج غرفتي .
    - مسكينة أنت يا زبرجد ، كنت إذاً سجينة و أسيرة ، لقد أدمعت عيني ، و أشكر ربي أنني أعيش حرا طليقا .
    - تعال إلى جانبي ، أرجوك يا غزال ، تعال لنلعب معا .
    - أنا آسف يا زبرجد ، فقد أخبرتني أمي ألا أثق ببني البشر .
    - يضعونك في قفص ، كما العندليب ؟
    - بل يذبحونني إذا وقعت بأيديهم ، و يأكلون لحمي ، و يزينون جدرانهم بجلدي و قروني .
    - أنا لا أقوى على قتل حشرة يا غزال ، و لا أملك سكينا لأذبحك ، و أحب كل المخلوقات التي قرأت عنها ، أرجوك إقترب مني ، لنلعب معاً .
    - لقد صدقتك و أشفقت عليك ، سأرافقك عن بعد ، و سأحذرك من الأخطار ، و لكن إعذريني لن أفعل أكثر من ذلك .
    شكرته ثم تابعت طريقها...
    بعد ساعة أو تزيد شاهدت عنزة تقف منتصبة على شجيرة ، تأكل أوراقها بشراهة ، تسألها زبرجد :
    - أنت العنزة زوجة التيس أليس كذلك ؟
    تتراجع بعيدا عنها ثم تجيبها بصوت مرتعش :
    - نعم أنا العنزة و زوجي التيس ، فمن أنت ؟
    - أنا زبرجد ، يقولون أنني إبنة الملك ، و لكنني لم أر والدي قط ، و لم أر حتى والدتي ، كنت أعيش في غرفة فيها كل أسباب الراحة ، و تعلمت القراءة و الحساب و العلوم من بطون الكتب ، و على أيدي ألطف المعلمات ، و لكنني لم أكن مرتاحة أبدا ، فقد كنت متشوقة على الدوام لمعرفة العالم خارج غرفتي .
    - مسكينة أنت يا زبرجد ، كنت إذاً سجينة و أسيرة ، لقد أدمعت عيني ، و أشكر ربي أنني أعيش حرة طليقة .
    - تعالي يا عنزة لنلعب معا ، أرجوك !.
    - أنا آسفة يا زبرجد ، فقد أخبرتني أمي ألا أثق ببني البشر .
    - يذبحونك أم يضعونك في قفص ؟
    - لا هذا و لا ذاك ، بل يضمونني إلى قطيع ، و يحرسونني بكلابهم الشرسة خشية الهروب ، ثم يسرقون لبن أطفالي ليتغذوا به .
    - أنا لا أملك قطيعا ، و لا أحب اللبن الحليب ، فلا تخشي مني أي سوء ، ارجوك تعالي إلى قربي لنلعب معا .
    - لقد صدقتك و أشفقت عليك ، و سأرافقك عن بعد ، و سأحذرك من الأخطار ، و لكن إعذريني لن أفعل أكثر من ذلك .
    تشكرها زبرجد ثم تتابع طريقها ...
    تشاهد حمار الوحش المخطط ، تفرح به ، تسأله :
    - أنت الحمار الوحشي المخطط أليس كذلك ؟
    يجيبها :
    - نعم أنا الحمار الوحشي المخطط ، و أنت من تكونين ؟
    - أنا زبرجد ، يقولون أنني إبنة الملك ، و لكنني لم أر والدي قط ، و لم أر حتى والدتي ، كنت أعيش في غرفة فيها كل أسباب الراحة ، و تعلمت القراءة و الحساب و العلوم من بطون الكتب ، و على أيدي ألطف المعلمات ، و لكنني لم أكن مرتاحة أبدا ، فقد كنت متشوقة على الدوام لمعرفة العالم خارج غرفتي .
    - مسكينة أنت يا زبرجد ، كنت إذاً سجينة و أسيرة ، لقد أدمعت عيني ، و أشكر ربي أنني أعيش حراً طليقا .
    - إذاً ، تعال لنلعب معا ، أرجوك !
    - أنا آسف يا زبرجد ، فقد أخبرتني أمي ألا أثق ببني البشر .
    - يذبحونك أم يضعونك في قفص ، ليتسلوا بشدوك، أم يسرقون لبنك ؟
    - أنا لا أملك صوتا كالعندليب بل إن صوتي قبيح ، و لا لحما قابلا للأكل و لا لبنا يستسيغونه ، إنما يضعونني في قفص كبير ، في حدائق حيواناتهم ، ليسلوا أطفلهم بالفرجة عليّ . و لكنني سأرافقك عن بعد و أحذرك من الأخطار .
    في المساء ، أحست زبرجد بالجوع و شعرت بالبرد ، فأخذت تبكي جزعة ، إقتربت منها العنزة و دعتها لتاول اللبن من ثديها مؤكدة لها أنها ستستسيغه لأنه طازج ، و اقترب منها الحمار الوحشي فأخذ ينفخ عليها من زفيره الحار ، و التصق بها الغزال يمنحها الدفء من جلده .
    - لكم أحبكم يا اصدقائي !
    قالت لهم ذلك ثم إستسلمت للنوم .
    *****
    في الصباح الباكر ، إقترب منها العندليب ، حط فوق كتفها ، ثم قال لها محذرا :
    - جميع من في القصر يقتفون أثرك و يريدون إعادتك إليه !
    أجابته مرتاعة :
    - و لكنني لا أرغب بالعودة إلى القصر ، و لا إلى الأسر ، و لا إلى العيش بين أربعة جدران ، لقد عرفت طعم الحرية و لن أرضى عنها بديلا ، أرجوكم يا أحبتي أغيثوني !
    يدعوها حمار الوحش أن تركب فوق ظهره ثم يجري بها بعيدا بعيدا ..يحرسهما كل من الغزال و العنزة .
    في الطريق يبلغها العندليب ، الذي لا زال واقفا فوق كتفها ، بما سمعه حول قصتها ، عن حلم ابيها الملك ، و عن تفسير المنجمين لحلمه ، و عن إخفائها في القبو طيلة حياتها خشية أن يقتلها والدها الملك ، ثم عن إكتشاف أمر فرارها ، مما اضطر أمها الملكة لأن تخبر والدها الملك بحقيقة ما جرى ، فطلقها لفوره ، و حوَّل وصيفتها إلى المطبخ تقشر البصل و الثوم ، ثم أمر بإرجاعك يا زبرجد إلى القصر مهما كلف الأمر ، و هو عازم على قتلك لأن المنجمين قالوا له أنكِ سوف تضلين السبيل .
    علق الحمار الوحشي ضاحكا :
    - ألا ما أغبى هؤلاء الناس حتى لو كانوا ملوكا ، لأنهم يصدقون المنجمين و لا يحتكمون للعقل ؛ ضل السبيل تعني أضاع الطريق ؛ فهل كل من أضاع طريقه يرتكب معصية ؟!
    تجيبه زبرجد :
    - أنا لا أعرف أبي الملك ، و لا أمي الملكة ، لم أرضع من لبنها ، و لم أشعر بحنانها أو دفء أحضانها ، فأنا لا أنتمي إليهما ، أنا لا أنتمي إلى القصر ، أنا لا أحب القصر و لا أحب الأسر ، لقد نلت حريتي و سأحتفظ بها ، أما أنت يا أمي العنزة فقد أسقيتيني من لبنك و أنتم يا إخوتي الحمار و الغزال و العندليب ، فقد منحتموني الحماية و الدفء ، و سأنطلق معكم يا أهلي الأحرار بعيدا عن كل قصور الدنيا .



    رباطة جأش

    حكاية للأطفال

    نزار ب. الزين*

    " مهداة إلى الأديبة المبدعة ميساء البشيتي :

    أنعم الله على تاجر الأقمشة عبد الرحمن ، بخير النساء ( و هو اسمها ) ، زوجة شابة لم تتجاوز الرابعة عشر ، بارعة الجمال ، لطيفة المعشر ، سيدة بيت من الدرجة الأولى رغم صغر سنها ؛ فمنحها كل حبه و غمرها بكرمه و رعايته ، و ظلت أيامهما عسلا ، لولا أن رأى ذات ليلة حلما جعله دائم السرحان ، فقد رأى فيما يراه النائم ، شيخا وقورا بملابس بيضاء ، يأمره بأن يلبي فريضة ربه الخامسة .

    قال له الشيخ : " لقد أنعم عليك ربك بالرزق الوفير ، و بالزوجة الصالحة ، فما يقعدك عن طاعة ربك و الحج إلى بيته العتيق ؟" .

    أصابته حيرة شديدة ، ما كان يؤرقه ليس فكرة الحج التي لاقت لديه استحسانا كبيرا ، ما أرقه هو زوجته الطفلة ، فهي حامل في أولى أشهرها ، و هي صغيرة على تحمل مشاق السفر الطويل ، و هي أيضا يتيمة ، فقد توفي والداها بعد أن زفت إليه بشهرين إثر جائحة مرضية ، و ليس لديها إخوة أو أخوات أو أعمام و عمات أو أخوال و خالات ، فليس من يودعها عنده من المحارم.

    ثم جاءه الفرج على شكل فكرة لمعت في راسه ، فجاره الملقب بالهندي ، جار في السوق و في السكن ، و منزله بجوار منزله و لا يفصل بينهما سوى الجدران ، و هو رجل طيب و متدين و خلوق ، و زوجتاهما متصاحبتان و تتزاوران ؛ إذاً لماذا لا يوصيه بزوجته و يتكل على الله ؟!

    و هذا ما كان ..

    توكل عبد الرحمن على ربه و التحق بقافلة متوجهة إلى الأراضي المقدسة ، أما زوجة الجار ، فكانت تقضي معظم يومها عند خير النساء ، و لا تتركها إلا مع غياب الشمس ..بينما كان زوجها الهندي يؤمن لها كل لوازمها من السوق .

    و ذات مساء ، انصرفت الجارة ، و نسيت خير النساء أن تغلق الباب وراءها بالرتاج ، و بينما كانت تصعد إلى الطابق الثاني حاملة صينية رصت فوقها طعام عشائها ، إذا بها تسمع صوت حركة غريبة مريبة آتية من ناحية باب الدار ، كانت قد وصلت إلى غرفتها فوضعت الصينية على الأرض على عجل ، و هرعت نحو النافذة المطلة على الساحة ، فشاهدت شخصا فارع الطول ، ضخم الجثة ، أسود البشرة ، يقتحم الساحة ، ثم يبدأ بالصعود نحوها .

    أصيبت برعب شديد ، و لكنها تمالكت نفسها ، و نادت بأعلى صوتها : " من هناك ؟ " ، فأجابها صوت أجش : " أنا ابن عمك مرجان الجوعان ! " ثم أكمل صعوده الدرج غير هياب ، و ما أن شاهد صينية الطعام حتى دفع خير النساء بعيدا و جلس القرفصاء ، و أخذ يلتهم ما في الصينية بدون استئذان ..

    ظلت خير النساء مرتبكة و لا تدري ما تفعل ، حاولت التسلل لغرض الهروب ، فانتتبه إليها و منعها ، ثم أمسك أحد الأطباق و أخذ ينقر عليه : و هو يغني بصوت أشبه بالنهيق ، ثم أمرها بأن ترقص على إيقاع كلمات أخذ يرددها :

    " طبق .. طبق

    ياعيني على الطبق

    أكلنا ما فيه

    حتى ما فيه انمحق

    قُدَّامي منثور و حبق

    و بدر بنوره لليل فلق

    بنت عمي …

    مليانات يديك أساور

    مليانات ذانيك حلق

    و صدرك بالألماس

    عم يبرق برق

    و يا الله يامرجان

    انفر على الطبق

    جاءتك السعادة على طبق "

    أحست خير النساء بخطورة ما يقول ، و أنه طامع في ما تملكه من مصاغ ، و أنه لن يتورع عن ذبحها لتحقيق مآربه ، و بصعوبة لملمت شجاعتها ..

    ثم …

    أخذت ترقص و تغني بأعلى صوتها ، مقتربة من نافذة غرفتها كلما سنحت لها فرصة :

    " يا جارنا الهندي

    تعال شوف شو عندي

    عندي عبيد اسود

    رايد يقتلني "

    لم ينتبه إلى كلماتها ، بل تابع يردد غناءه القبيح " يا الله يا مرجان … انقر على الطبق .... جاءتك السعادة على طبق ! " ؛ بينما استمرت خير النساء ترقص و تغني :

    " يا جارنا الهندي

    تعال شوف شو عندي

    عندي عبيد اسود

    رايد يذبحني "

    انتبهت زوجة الجار ، إلى صوت جارتها خير النساء ، اقتربت من نافذتها أكثر ، فتأكدت مما تقوله خير النساء : " يا إلهي إنها تستغيث بنا !" همست في سرها ...

    ثم ….

    سارعت إلى زوجها تخبره ، الذي اقترب بدوره من النافذة فسمع ما سمعته ..

    فما كان منه إلا أن استل سيفه من غمده ..

    ثم …..

    صعد إلى سطح داره حافي القدمين، و منه قفز إلى سطح جاره عبد الرحمن …

    ثم ……

    تسلل على رؤوس أصابعه ، حتى بلغ موقع الصخب .

    و بينما كان ذلك الوحش الآدمي ، لا زال منهمكا بالقرع على الطبق و هو يغني " طبق ..طبق .. " ، و قد بلغت به الحماسة و النشوة مبلغها ، عاجله الهندي بضربة من سيفه أخرسته إلى الأبد .


    من حكايات عمتي

    العصفور يتحدى ابن السلطان

    حكاية للأطفال

    بقلم : نزار ب. الزين*


    ديك و دجاجات و صيصان ، في بستان الأمير رعد ابن السلطان ، بعد أن مشوا طويلا بحثا عن الحبوب و الديدان ، أحسوا بالشبع و امتلاء البطون ، فوقفوا فوق مرتفع صغير من الأرض يتسامرون .

    مرت قربهم إوزة فضولية فسألتهم :

    - ياه..... ديك و دجاجات و صيصان مجتمعون ، عن أي شيء تثرثرون ؟

    أجابها الديك غاضبا :

    - قفي عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقولي : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون ؟"

    اعتذرت الإوزة ثم رددت ما أمرها به :

    - الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون !

    ابتسم الديك ، و رحب بها قائلا :

    - تفضلي ، و معنا احلسي ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق .

    ثم مرت بعد دقائق بطة ، استبد بها الفضول حين شاهدتهم يتحدثون ، فسألتهم :

    - ياه ..... ديك و دجاجات و صيصان و إوزة مجتمعون ؟ عن أي شيء تثرثرون؟

    صرخ في وجهها الديك آمرا :

    - قفي عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقولي : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس مع جماعته يتسامرون ؟"

    اعتذرت البطة ثم رددت ما أمرها به :

    - الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس مع جماعته يتسامرون !

    ابتسم الديك ، و رحب بها قائلا :

    - تفضلي و معنا اجلسي ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق !

    ثم هبط قربهم عصفور ، اجتذبه الجمع فقال :

    - ياه .... ديك و دجاجات و صيصان و إوزة و بطة مجتمعون ؟ عن أي شيء تثرثرون ؟

    صرخ الديك في وجهه آمرا :

    - قف عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقل : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون ؟"

    فاعتذر العصفور ثم قال :

    - الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون !

    ابتسم الديك ، و رحب به قائلا :

    - شرفتنا ، إجلس معنا ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق !

    ثم هبط إلى جوارهم غراب أسود ، نظر ناحيتهم ثم قال :

    - ياه .... ديك و دجاجات و صيصان و إوزة و بطة و عصفور ، كلكم مجتمعون ؟ عن أي شيء تثرثرون ؟

    صرخ في وجهه الديك آمرا :

    - قف عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقل : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون ؟"

    فاعتذر العصفور ثم قال :

    - الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون !

    ابتسم الديك ، و رحب به قائلا :

    - شرفتنا ، إجلس معنا ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق !



    *****

    بينما هم يتعارفون و يتسامرون ، إذا بشبكة تُلقى فوقهم و بأسرها يقعون ، حاولوا التملص من خيوطها دون جدوى ، فالأمير رعد ابن السلطان الذي كان يتسلى بمتابعة أحاديثهم ، قد أحس بالجوع ، فقرر أن تكون وجبته من الطيور .

    أمسك بالديك ، خلصه من الشبكة ، و نادى عبده (مسعود) ليحضر السكين و يذبحه ، فصرخ الديك باكيا متوسلا و هو يقول :

    - سيدي ، أنا من يجعلك كل صباح تنهض من نومك العميق لأداء صلاة الفجر ، فلحمي سينفعك لأيام أما صوتي فسيفيدك على الدوام ...

    اقتنع رعد إبن السلطان بكلام الديك فسرَّحه إلى البستان .

    أمسك الآن بالدجاجات فأخرجهن واحدة إثر الأخرى من خيوط الشبكة ، و إذ هم عبده مسعود أن يبتدئ بذبح أكبرهن سنا ، صاحت باكية متوسلة و هي تقول :

    - سيدي ، نحن من نقدم إليك كل يوم طبقك المفضل من البيض الطازج ، تأكله مقليا أو مسلوقا أو مشويا ، أو تصنع منه العجة أو الطاجن و أطيب الكيكات و الفطايرات ، أرجوك حافظ على حياتنا لنحافظ لك على غذائك الذي تحب ، أما هؤلاء الصيصان فهم فلذات أكبادنا و ليس فيهم في هذا العمر غير العظام ، سرحنا و سنيقى طول العمر نقدم لك البيض الطازج .

    ضحك رعد ابن سلطان ، ثم سرح الدجاجات و الصيصان إلى البستان .

    أمسك الآن يالإوزة فخلصها من خيوط الشبكة ، ثم ناولها لعبده مسعود ليذبحها ، فصرخت نائحة و هي تقول :

    - سيدي ، أنا و أخواتي الإوزات و صديقتي البطة و أخواتها البطات ، ننظف لك البحيرة من الديدان و الطفيليات ، و نقدم لك كل يوم عرضا شيقا من الرقص فوق الماء ، نسري به عن هموموك و نسليك في أوقات فراغك ، أطلق سرحنا و سوف نزيد ساعات عروضنا ، فنزيدك متعة و سرورا .

    ضحك الأمير رعد مقتنعا بما قالته الإوزة ، ثم سرحها و صديقتها البطة .

    أمسك الآن بالغراب ، فبكى و ناح و هو يقول :

    - سيدي ، إن لحمي أزرق و مر الطعم ، ثم إن كتبكم تقول أن الغراب مصدر شؤم ، فسرحني ياسيدي قبل أن يصيبك بسببي أي مكروه أو يلحق بك خراب .

    ضحك رعد إبن السلطان ثم سرح الغراب .

    لم يبق في الشبكة الآن غير العصفور ، الذي زقزق و بكى ، ثم ناح و شكى ، و هو يقول :

    - سيدي ، أنا صغير ضئيل و لحمي قليل قليل ، و لن أشبعك إذا أكلتني ، أرجوك سرحني كما سرحت من سبقني !

    ضحك رعد إبن السلطان ، ثم قال له :

    - إلا أنت يا عصفور ، أنت صغير صغير ، و لكن قيمتك أفضل من بعير .

    ثم التفت إلى مسعود آمرا :

    - إنتف ريشه ، فسوف آكله نيئا بعراميشه* ..

    *****

    انتصبت مائدة العَشاء ، بما لذ و طاب و راق ، و بعد أن تناول العسل و القشدة و الخبز الرقاق ، بالزيت و الزعتر بالسماق .

    و قبل أن يشعر بالامتلاء ، قدم له عبده مسعود طبقا مغطى ، ما أن رفع غطاءه حتى وجد العصفور لا يزال حيا منتوف الريش، فقذفه إلى فمه لقمة واحدة ، و إذ هم بمضغه أصابته حزقة* مفاجئة ، فانزلق العصفور إلى جوفه ، مسببا للأمير غصة كادت تخنقه ، لولا أن تخلص منها بشرب كمية كبيرة من الماء .

    ثم أحس الأمير رعد إبن السلطان بالحاجة إلى القيلولة ،توجه إلى فراشه الوثير ، و قبل أن يتمدد فوقه أحس فجأة بالغثيان ، فهُرع إلى الحمام ، ملقيا ما بجوفه دفعة واحدة ، و إذا بالعصفور المنتوف يخرج مع ما أخرجه الأمير من قاذورات معدته ، و قبل أن يتمكن من الإمساك به ، حلق عاليا و هو يزقزق فرحا ، ثم وقف على حافة إحدى النوافذ العالية ، و هو يقول للأمير شامتا متشفيا :

    - انا عصفور صغير و لكن فعلي كبير ، إن كنت فعلا أمير ، إمسكني و أرني الشطارة كيف تصير .

    حاول الأمير و عبده مسعود و عبيده الآخرون ، أن يمسكوا به ، و لكنه كان ينسل من بين كل ما استخدموه من أدوات كما ينسل الماء من بين الشقوق، ثم اكتشف نافذه مفتوحة فتوجه نحوها ثم انطلق بعيدا عن القصر .

    *****

    عندما اقترب المساء أحس العصفور المسكين ، الذي اصبح بدون ريش يكسو جسمه ، أحس بالبرد ، فتوجه إلى البومة الحكيمة مستنجدا مستشيرا ، و بعد أن أدى التحية بكل احترام ، خاطبها قائلا:

    - أيتها البومة يا حكيمة الطيور ، أنا عصفور بن عصفور ، أوقعني سوء الطالع ، بيدي من كان بلحمي طامع ، و لكن بقدرة رضا الوالدين ، و إيماني بالشهادتين ، تمكنت من الخلاص ، من سجن مبطن بالرصاص ، إلا أنني فقدت ريشي فأنا بردان ، فماذا تقترحين يا حكيمة الزمان ؟

    أجابته البومة الحكيمة :

    - إبحث عن خياطة اسمها أم الخير ، فهي تحب عمل المعروف و صنع الخير !

    و ظل العصفور يسأل هنا و هناك ، إلى أن اهتدى إلى بيت الخياطة أم الخير ، فوقف على نافذة غرفتها و أخذ يزقزق ، التفتت أم الخير نحو العصفور ، ففرحت بوجوده و رحبت به ، لأنها تحب الطيور ، فسألته :

    - ما سبب الحضور ، يا أحلى الطيور ؟ فأجابها :

    - يا خالتي أم الخير ، سمعت أنك تحبين عمل المعروف و صنع الخير ، لقد أوقعني سوء الطالع ، بيدي من كان بلحمي طامع ، و لكن بقدرة رضا الوالدين ، و إيماني بالشهادتين ، تمكنت من الخلاص ، من سجن مبطن بالرصاص ، إلا أنني فقدت ريشي فأنا بردان ، فهلا خيطت لي ثوبا من القطن أو الكتان .

    ضحكت أم الخير ، ثم قدمت له بعض الحبوب و بعض الماء ، و بينما كان يزدرد الحبوب و يشرب الماء ، كانت أم الخير تخيط له بنطالا و معطفا ، كما خاطت له قلنسوة يدفئ بها رأسه ، جربها فكانت مناسبة لمقاسه ، فاقترب فجأة من يد أم الخير فلثمها شاكرا ، بينما كان يزقزق فرحا ، ثم ودعها و انطلق يركب الرياحَ .

    *****

    منذ صباح اليوم التالي الباكر ، وبينما كان صديقه الديك يؤذن لصلاة الفجر ، تقدم نحو القصر ، ثم دخل من النافذة التي هرب منها ، ثم وقف على حافتها ، و أخذ يزقزق موجها كلامه للأمير ساخرا متشفيا :

    يللَِلي... و اليوم عيدي

    يلللي... و لبسي جديدِي

    يلللي .. و بنطالي أحمر

    يلللي .. و قميصي أخضر

    يللي ... و شالي المشرشر

    يلللي ... و أميري الأفجع

    يلللي........ ياكل ما يشبع

    ويلي ويلي.... .و ما رحم صغري

    ويلي ويلي .....كاد يقصف عمري

    ويلي ويلي.. و دخلني بجوفه

    ويلي ويلي .. و بلعني بريقه

    و يلللي...... نجاني ربي

    و ييلي... ما اتهنى بلحمي

    و يلللي ... و اليوم عيدي

    و يلللي.. و لبسي جديدي

    غضب الأمير رعد إبن السلطان ، و أمر عبيده أن يمسكوا هذا المشاكس الشيطان ، و لكن العصفور صفق بجناحيه و طار ، و انطلق سابحا في الفضاء مع الأحرار ...

    و توتة توتة ، خلصت الحدوته !
    _________________
    إذا الشعب يوما أراد الحياة*** فلا بد ان يستجيب القدر
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

  3. #3
    سلم يراعك استاذ نزار
    هشام

  4. #4
    شكرا أختى الفاضلة ريمة على منقولك الجميل
    و هذه رواية للأطفال و ليست قصة
    فهى طويلة جدا
    و لكنها تقدم المعاني السامية للطفل
    دمت رائعة

  5. #5

    رد: منوعات قصص أطفال/نزار الزين

    مرور وتحية ونترقب عودتك معنا لعالم التاليف للاطفال استاذ نزار
    محبتي
    #00FF00
    إمضاء / عبدالرحمن سالم سليمان
    مع أرق التهانى ودوام التوفيق والنجاح

المواضيع المتشابهه

  1. قسم - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-22-2016, 10:48 AM
  2. ثلاثية أطفال الحجارة .. نزار قباني
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-26-2012, 09:24 AM
  3. دلع - أقصوصة نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 05-31-2011, 10:21 PM
  4. سباحة أطفال الصين
    بواسطة فتى الشام في المنتدى استراحة الفرسان
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-07-2010, 04:50 AM
  5. عيب - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 08:42 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •