فئة قليلة من البشر لا يرضيهم أن يعيش الناس في تفاهم وسلام
بقلم: محمد السيد

ما الذي يجعلك تحاورني بالرصاصة؟ كيف الوصول إليك لأتفق معك على أن مصلحتنا جميعاً تكمن في أن نتواطأ على قضية واحدة، هي أن نوقن بالشراكة العادلة في هذه الأرض، وأن السبيل إلى ذلك لا يمكن أن يكون إلا بالحوار الهادئ بالكلمات الدافئة.. لأن الرصاصة إذا أطلقتها، فسوف تفوّت عليّ وعليك كل فرص الأمان..

إن مساحات الحوار الهادئ شاسعة، إذا أردنا أن نتفاهم ونتحاور على اقتسام العيش، قبل أن ندخل دهاليز الظلام والأسئلة التي لا جواب لها إلا الفصام المخضب بدمائنا جميعاً، وقبل أن تأتوننا تحملون علامات التاريخ المدمى، مطلية بلافتات الخداع، وقبل أن يعتلي "نيرون" طائرة الحريق، ويركب جنده صهوات الآلات الراعبة، وتمضون جميعكم إلى تحطيم الإخاء الإنساني في العراق، في فلسطين.. في أفغانستان.. في كل مكان. نقول قبل ذلك كله: كان بالإمكان أن نجلس للحوار، بدل تكسير الإنسان في الأرض، الذي يفتح سرادقات العزاء والبكاء على امتداد الأرض، ويحشر الناس بين خيارين أحلاهما مرّ.. الردّ الصادع.. أو الاستكانة المميتة للإنسان..


عاطفة إنسانية


كان الناس يؤملون أن يستيقظ العقل، وأن تثور عاطفة الرحم الإنسانية، فيقف الجميع، ويتنادون للحوار الدافئ، غير أن صوت الآلات المتغولة، كان أعلى، كان أقوى، وضاع النداء.. ولكن هل فات الأوان؟ وإذا كان الجواب: لا.. فحق لنا أن نسأل: أين هي مساحات الحوار؟ وإلى أين؟
صحيح أن تباعد المسافات الجغرافية، واختلاف العادات والخبرات والمطامع والمطامح تجعل المفارقات موجودة بين الناس، إلا أن الإنسان بصيغته العامة وحاجاته الرئيسة، يبقى إنساناً مشتركاً في كثير من الحاجات والتركيبات النفسية والميول والتحركات، سواء كان شرقياً أم غربياً.. هذا فضلاً عن أن الإنسان المعاصر أصبح متشابهاً في كثير من الأمور أكثر من ذي قبل، إذ أصبحت العادات والوسائل المعيشية، والتفاعلات الإنسانية والسياسية تنتقل بواسطة الأقمار بين مختلف مناطق العالم بلحظات.


عناصر الالتقاء


وبناء على ما تقدم يجدر بنا القول: إن مساحات الحوار، وعناصر الالتقاء، كثيرة بين الناس، وهم بجمهورهم العام ينزعون إلى المهادنة والتعايش، وإدارة أمور الفكر والسياسة فيما بينهم بالحوار والنقاش السلمي، وإبداء الحجة مقابل الحجة، للوصول في النهاية إلى الرأي السليم، والاتفاق على المشتركات، وللإعلام في هذا دور عظيم إذا خلصت النوايا.
إلا أن هناك فئة قليلة من البشر في هذا العالم، لا يرضيهم أن تسير الحياة بالناس، هذه السيرة من الحوار والتعايش والتفاهم والجدال بالتي هي أحسن، لتحسين نوعية الحياة، ولتبسيط المعقد فيها، وتسهيل المرور إلى النهاية بشكل هادئ ومطمئن.


إثارة العداوات


إن هذه الفئات المتمثلة بأصحاب الثراء العريض في الغرب، الذي ينمّون ثرواتهم على حساب إمداد الجميع بآلة الحرب، وتزويدهم بآلة الفساد؛ من الأفلام والأزياء، وحتى الصورة الداعرة الفاجرة التي تثير السعار الغريزي، إلى التحليل الإخباري، والخبر الصحفي، والمقال الفكري، التي تثير جمعيها الحزازات، وتقلق الكيانات، وتقلب الهدوء إلى ضجيج قاتل، وإن أصحاب دعوات النظام العالمي الجديد، والعولمة المريبة، وأحادية الرأس العالمي، واتفاقيات المرور الحر للبضاعة وبالتالي لليد العاملة، وأصحاب مصانع السلاح، ومالكي الشركات العابرة للقارات، وأصحاب دور الأزياء العالمية، لاسيما القابعين في الخفاء، يخططون، ويحركون، ويديرون آلة السياسة العالمية لتخدم أهدافهم النهائية.
إن هؤلاء جميعاً، يقفون خلف الآلة الإعلامية الهائلة، التي تضخ ليل نهار فكر إثارة العداوات العنصرية، والكيل بألف مكيال في القضايا والأحداث.
إنهم هم الذين يغذون الكلمات الإعلامية والصور الإعلامية التي تحاول إقناع الناس بالمساواة بين الإرهاب والإسلام، كما تقول المستشرقة الألمانية "آنا ماري ميشيل"، وهم وراء الأقلام التي أوجدت نظرية صراع الحضارات وأن الإسلام هو العدو القادم..
وهم الذين يقفون خلف تحرك الناس في الغرب ضد كل ذي سحنة شرقية أو عربية أو إسلامية لمجرد حدوث عمل من أعمال العنف.
ولقد حاول الإعلام الإسلامي ويحاول من خلال ممتلكاته البسيطة في هذا المجال إدارة حوارٍ معتدل، لإيجاد أرضية سليمة بين البشر للتفاهم، وذلك على مدى أكثر من عقدين من الزمان، إلا أن ضجيج الآلة المعادية للإنسانية، المدعومة من أصحاب النفوذ هناك، حال دون وصول الصوت الهادف، غير أنّ نداء العقل، وصيحة الحوار يجب أن يستمرا في العرض، وعلى الإعلام الإسلامي والعربي أن يركزا على تلك الدعوة الدافئة، ولكن بقوة وصوتٍ عالٍ.