"التَّناصْ "

{ 1ـ 2}
بين الحين والحين تنفجر علي صفحات الجرائد والمجلات قضايا السرقات الأدبية ـ قصة00 قصيدة 00 مسرحية أو حتى أغنية 00 الخ ، ويتنافس النُقَّاد والكُتَّاب في توضيح الفرق بين السرقة الاقتباس وتوارد الخواطر إلي آخر هذه المسميات دون حسم للمسألة أو اللجوء إلي التحليل العلمي المنهجي ، علي اعتبار أن النقد الحديث أصبح له مدارس و مناهج قائمة علي نظريات في الشرح والتفسير والتحليل والتأويل النقدي لكافة أنواع الإبداع يستخدمها النُقَّاد أداة في أساليبهم النقدية وهذه النظريات أسست لمصطلحات نقدية شاعت غرباً وشرقاً ومن بينها "التَّناصْ " الذي كان موضوع محاضرة الندوة الأسبوعية بيت ثقافة شربين بمحافظة الدقهلية ـ جمهورية مصر العربية ـ ألقاها الدكتور / فهمي عبد الفتاح أستاذ الأدب بكلية التربية جامعة المنصورة
يقول في كتابه
{ دراسات في الأدب واللغة } : " مصطلح التَّناصْ
مصطلح حديث أستخدم في الستينيات في أوربا بعد أن أشارت إليه "جوليا كرستينا "كمصطلح " النص المغلق " 1965
ـ النص ترحال للنصوص وتداخل نصي معها ، ففي فضاء معين تتقاطع وتتنافي ألفاظ عديدة مقتطعة من نصوص أخري ـ
وهو تطوير لفكرة الحوارية عند ميخائيل باختين 1895 ـ 1929و التَّناصْ في حوارية
" باختين " ينتسب إلي الحوار ولا ينتسب إلي اللغة علي اعتبار أن اللغة أداة توصيل
فهو يستبعد العلاقات المنطقبة من دائرة الحوار ية ، وإذا أريد لهذه العلاقة أن تصبح حوارية يجب أن تتجسد من حروف ملفوظة تتمثل في كلمة لتعبير وأن يكون لها مؤلف أي خالق لهذا التعبير ، تبين هذه الكلمة موقفه وهو موقف محدد ذي معني تجاه إنسان آخر بشرط أن نحس فيه بوجود صوت لإنسان ربما هو المخاطب أو السامع أو المتلقي أو القارئ ، أي يصدم فيها صوتان اصطداماً حوارياً مع ملاحظة أن المخاطبة تكون مع الآخر بخلاف حديث النفس أو المناجاة الداخلية
والملاحظ هنا ، استخدام
" باختين " لكلمة حوار بدلاً من النصْ ربما أن الحوار يحدث بين المبدع والمتلقي من خلال النصْ ، أثناء تفاعله معه 0
والحوارية هنا ظاهرة ملازمة لكل خطاب إنساني ، ولا يستثني من ذلك إلا أبونا آدم عندما خاطب الملائكة وأنبأهم بأسمائهم
كما أمره الله الذي علمه الأسماء كلها وهو أمر غيبي عنهم فلم يكونوا علي علم بهذه الأسماء الملفوظة
فقد خاطب سيدنا آدم عالماً بكراً خالياً من المخلوقات البشرية فكيف إذاً انتقلت كلماته إلي العالم البشري إن لم يكن قد أنجب ذرية متكلمة في حوارية متعددة اللغات واللهجات ستظل تتكلم إلي أن تقوم الساعة عندئذ يحصد الإنسان ما قاله اللسان 0
فالكلمة إذاً كانت قبل آدم
" في البدء كانت الكلمة 0000 "
والرسالة المحمدية بدأت في غار حراء بحوار استهله جبريل 00 اقرأ 000 قال عليه الصلاة والسلام " ما أنا بقارئ00" ماذا كان سيقرأ؟ 00 الكلمة 00
"اقرأ باسم ربك الذي خلق 000 "الآية سورة العلق

ويرجع شيوع مصطلح التَّناصْ خاصة بعد ان استخدمه " رولان بارت 1910 ـ 1975 في مقال بعنوان " من الأثر الأدبي إلي النص " ثم نظرية " النص "

ومن تعريفاته للنص " هو نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء من اللغات الثقافية السابقة أو المعاصرة التي تخترقه بأكمله وكل نص هو تناصْ ، والنصوص الأخرى تري فيه بمستويات متفاوتة وباسكال ليست عصية علي الفهم بطريقة أو بأخرى ، إذ نتعرف علي ما فيه من نصوص الثقافات السالفة والحالية ، فكل نصْ ليس إلا نسيجاً من خيوط كلمات وأفكار سابقة كتبها المبدع في نصه الحالي ، تعرض موزعة في النص كقطع ومدونات
"[/color]
،فمكونات النص ونسيجه ما هو إلا استشهادات لنصوص سابقة كمواد متاحة للاستعانة بها عند الكتابة
ويقول الجاحظ :
" الأفكار ملقاة علي قارعة الطريق ، الاختلاف يكون في طريقة تناولها فطريقة التناول تختلف من مبدع إلي آخر "
وتقول العبارة النقدية الشهيرة " ما الليث إلا عدة خراف مهضومة " أي أنه التهم مكوناته من غير جنسه فنتج شيء آخر
هكذا الأدب خلق شيء أدبي لم يكن موجوداً من مكونات ثقافات سابقة وحالية متاحة وموجودة أمام المبدعين قبل إبداعهم
{ 2ـ 2 } التَّناصْ في النقد العربي القديم
يتبع