الجزء الأول من الباب الحادي عشر من كتاب (تلاش) للأديب الباكستاني (ممتاز مفتي)



الجزء الأول من الباب الحادي عشر
طاجن الأرز (1)
فإذا سلمنا بأن الإسلام الرائج بيننا ليس الإسلام القرآني ، وإنما هو الإسلام الذي شكله " محترفو الدين " الأميّون مما اخترعوه من عند أنفسهم من روايات وتقاليد واعتقادات وأوهام وخرافات ، فهناك بالتالي عدة أسئلة مخيفة هي :
1 – هل نحن - الذين نعتقد أننا مسلمون – مسلمون فعلاً ؟!!.
2 – هل يعدّ الشخص مسلماً إذا اقتصر على أداء الصلاة والصيام فقط ؟!!.
3 – هل الإسلام مجرد طقوس إذا أداها الإنسان نال الحرية المطلقة في أن يكذب ، ويخدع ، وينافق ، مما يطلق عليه العالم المتحضر " دبلوماسية " ، وأن يستعين بـ " اللف والدوران " مما يسمى في أيامنا بـ " السياسة " ؟!!.
4 – أليس السكوت عن قول الحق أمام الحكام الأنانيين ، و " محتكري الدين " الأميين وخرافاتهم ، جريمة أخلاقية ؟!!.
عش العصفورة :
سادتي ، هذه الأسئلة مخيفة فعلاً ، ولم نتجشم نحن عناء التفكير فيها بجدية ، فإذا ما فعلنا اهتزت الأرض تحت أقدامنا ، وسقطنا لمجرد الاهتزاز كما يسقط فرخ العصفور . لقد بنى كل واحد منا لنفسه " عشاً " ملأه ببعض الاعتقادات عن نفسه ، وجعل منها وسيلة لطمأنة نفسه وإشباعها وإشعارها بالأمان ، هذه الاعتقادات ترضينا عن أنفسنا ، ومن الضروري أيها السادة أن يرضى الإنسان عن نفسه لكي يستطيع الحياة ، فنحن نشكو من الظروف وليس من أنفسنا ، حتى ولو كان سلوكنا غاية في الاعوجاج وعدم الاستقامة ، وأنا أؤكد لكم أن قادتنا وأئمتنا ووعاظنا ودعاتنا غاضبون منا عاتبون علينا ، لأننا لا نسير وفقاً للمبادئ الإسلامية ، وفي نفس الوقت راضون عن أنفسهم تماماً ، ولم يخطر ببالهم أبداً أنهم بالفعل جعلوا من الإسلام مجرد " طقوس " عن حسن نية .
والحقيقة أن حسن النية هذا ناتج عن الاعتقاد الساذج الذي يمكن أن نسميه " تفكير في غير محلـه " ، وأبرز مظاهر هذا التفكير الساذج لدى أئمتنا هو أنهم يعتقدون أنهم يعرفون ، يعلمون ، يقولون " نحن علماء " ، ومن يعتقد أنه " يعرف " ، لا تتولد لديه الرغبة في مزيد من العلم والمعرفة ، ولا يشعر بضرورة الاستماع إلى الآخرين . أما الاعتقاد الساذج الثاني فهو أنهم يقولون لأنفسهم : بما أننا " نعرف " ، فيجب علينا أن " نعرّف " العامة – الذين لا يعرفون – السير على الطريق المستقيم .
سادتي ، مثل هـذا يحـدث دائمـاً ، ومع كل دين ، فيكون " الوحي " في البداية ، ثم " الثــورة " ، ثم تعـم " الخرافــات " في النهايـة . تكون الأمور " الإلهاميـة " أولاً ، ثم " الثورة " البناءة،وبعد ذلك تنشق الأرض عن " محتكري الدين "،وتظهر " الطقوس " ، و " المعجزات " ، و " الكرامات " ، و " الخرافات " ، وما أجمل " الطرفة " التي أبدعها " صاحب ذوق " عن ظهور " محتكري الدين " ، يقول :
طنين :
تسلل " دبور " ذات ليلة إلى قريـة الفراشات ، سألته الفراشات : من أنت ؟. قال : " الدبور " : أنا فراشة . فدهشت الفراشات ، إذ لم يحدث أن رأوا أبداً فراشـة " تطنّ " هكذا . قالت الفراشات : سيدي ، انتظر هنا حتى نستشير " كبارنا " .
قالت " عواجيز " الفراشات : أخبرونا ، ذلك الذي يقول عن نفسه إنه " فراشة " ، كيف شكله وملامحه ؟. قالت الفراشات : منظره عجيب ، لونه أصفر ، وله " طنين " . ولما أطلّت " عواجيز " الفراشات على هذا القادم أصابتهم حيرة كبيرة . قال : إنه مخلوق غريب ، ولا يبدو من شكله أنه فراشة . عندئذ قالت فراشة " عجوز " : لا تتعجلوا يا إخواني ، فربما كان فراشة فعلاً . قالت فراشة " عجوز " أخرى : لا يا أختي ، إنه مختلف عنا تماماً ، ويحدثنا كأنه يتوعدنا . فقالت الفراشة الأولى : يا إخواني ، إن الأمور كلها تتغير هذه الأيام ، ولهذا لا يمكن القطع بشيء ما . قالت الفراشات : ماذا نفعل إذاً يا سيدتنا ؟!!.
قالت الفراشة " العجوز " : اذهبوا إليه وقولوا له : يا أختنا الفراشة ، اذهبي إلى المدينة وانظري ، هل الأنوار فيها مضيئة أم لا !!. وذهبت الفراشات بالفعل إلى " الدبور " ، وطلبن منه أن يذهب إلى المدينـة وينظـر إن كانت مصابيحهـا مضيئـة أم لا . وبعد نصف ساعة عاد " الدبور " وهو يطـن ، وقال : نعـم ، الأنـوار كلهـا في المدينة مضيئة تتلألأ (2) ، وأكثر " الفراشات " في العالم الإسلامي اليوم على نفس النمط ، تطنّ بصوت مرتفع معلقة بكل ثقة أن الأنوار في المدينة مضيئة ، وتتلألأ بفضل الله وكرمه .
سادتي ، لا عجب في أن يحدث مثل هذا مع كل دين ، ومثلما تأتي كل حكومة جديدة عندنا بـ " زبانيتها " ، كذلك يأتي كل دين جديد بـ " محتكريه " و " حماته " ، والموضوع ببساطة يا سيدي أن هـؤلاء " الحمــاة " يعملـون دائمـاً على أن يجعلوا من العامة " نعاجــاً " ، حتى يدوم احتكارهـم للدين ، فحـين ظهـرت " الهندوسيــة " جاء معها " البراهمة " ، ثم أقام " منو " (3) سلطة " البراهمة " على أسس مستقلة ، فقسم المجتمع الإنساني إلى طبقات في أصـل الخلقـة ، واختـرع ما يسمى بـ " المنبوذين " ، لكي يمنح " البراهمة " درجة الآلهة ، وجعل جزءاً كبيراً من المجتمع الهندي في طبقـة دنيئـة ، وحكم بأن " المنبوذين " ، وكل من هم ليسوا " هنادكة " نجس لا تجوز مخالطتهم .
نجس العقيدة :
وتعرفت على المعنى الدقيق لكلمة " منبوذ " حين كنت أعمل بالتدريس في المدرسة الحكومية المتوسطة بمنطقة " دهرم ساله " عـام 1932م ، فقـد كانت أكثريـة سكان منطقة " دهرم ساله " وضواحيها من الهندوس ، ولم يكن بالمدرسة سوى طالبين اثنين من المسلمين ، ومشكلتي أنني أشعر بالعطش كثيراً ، فأحتاج إلى بعض جرعات من الماء كل عدة ساعات ، وذات يوم كان الطالب المسلم الوحيد في الصف الذي أدرّس له غائباً ، فطلبت من طالب هندوسي أن يحضر لي كوب ماء ، فأحنى الطالب رأسه واقفاً . سألته : لماذا لا تحضر لي كوب ماء !!. قال : يا أستاذ ، إن هذا سوف ينجس عقيدتي .
أخذت أشرح للطالب الهندوسي أن يا بني ، إن عقيدتك تصير نجسة إذا شربت أنت الماء من يدي ، وليس إذا سقيتني أنت الماء . وبالرغم من شرحي له ، إلا أنه رفض أن يحضر لي كوب ماء قائلاً : يا أستاذ ، إن هذا سوف ينجس عقيدتي . واستوعبت الأمر ، وعرفت أن عقيدة الهندوسي تنجس إذا أكل أو شرب من يد مسلم في المناطق ذات الأكثرية المسلمة ، بينما تنجس هذه العقيدة في المناطق ذات الأكثرية الهندوسية إذا أطعم هندوسيّ مسلماً أو سقاه !!!.
وحين ذهبت إلى " دهلي " (4) عاصمة الهند للمرة الأولى بعد التقسيم دهشت كثيراً . ما هذا الذي أراه !!. هل هذه هي " دهلي " ، أم أنني في بلد آخـر !!. هل تغير الهندوس !!. كلا ، كلا ، هذا مستحيل ، لا يمكـن للهنـدوسي أن يتغـير . هل تخـلى الهندوسي عن عقيدة " التنجس " هذه !!. كلا ، كلا ، وكيف يمكن هذا !!. لقد كانت عربات اليد عليها الماء البارد تمرّ من أمامي في كل سوق من أسواق " دهلي " ، كوب الماء البارد بعدة ملاليم ، ولا يوجد على العربة سوى كوب فارغ واحد يشرب منه الجميع !!. سألت رجلاً هندوسياً : ما هذا الذي يجري يا أخي ؟!!. قال : يا سيدي ، " العقيدة شيء ، والتجارة شيء آخر " .
إذلال الإنسان :
سادتي ، الموضوع ببساطة أنه كلما زاد التعليم ، وارتقى العلم ، صار من غير الممكن أن يعبد أحد صنماً ، يمكن أن تعبد المال ، تعبد السلطة والجاه ، ولكن ليس صنماً أو تمثالاً ، وهناك أمر آخر وهو أن الله تعالى قد كرّم الإنسان تكريماً عظيماً ، وجعله أشرف المخلوقات ، وسخّر الكائنات كلها لهذا الإنسان ، ولهذا يقول الله تعالى في القرآن الكريم أن انظروا إلى هذه الكائنات ، وتأملوا فيها . إن هناك طاقات ضخمة كامنة فيها ، فسخروها . أي شرف عظيم هذا الذي منحه الله للإنسان .
وقد جعل الهندوس طبقة كبيرة من بني الإنسان هدفاً للإذلال والتحقير ، حتى أنهم لا يقبلون مجرد لمسهم ، ودعك من اللمس ، فإن ظل هؤلاء ينجس الهندوسي إذا أصابه ، ويلزم الهندوسي عندئذ " التطهر " حتى يتخلص مما أصابه من نجس بسبب الظل ، وهذا الإذلال والاحتقار للإنسان ينافي مبادئ الفطرة ، ومبادئ الأخلاق ، ومبادئ الإنسانية ، ولا يمكن لدين أو شعب أو حكومة تعمل على إذلال الإنسان أن تبقى وتدوم في عصرنا الحاضر . يقول " روبرت بريفالت " في كتابه " صناعة الإنسانية " : " لا يمكن أن يستمر نظـام إنساني بني على أسس خاطئة ، حتى ولو استماتت المحاولات بالخداع والمكر في الحفاظ عليه " . في الأزمنة الغابرة محت الفطرة من الوجود أولئك الذين أذلّوا الإنسـان واحتقروه ، وهذا يقيناً هو مصير المجتمع الهندوسي ، تأسيساً على هذا المبدأ الفطري .

الناسور :
1 – الهند بلا شك بلد كبير .
2 – الهند بلا شك بلد قوي .
3 – الهند بلا شك لديها إمكانية التصدي لأي خطر خارجي عليها .
لكن هناك " ناسوراً " بداخلها هـو " عداوة الإنســان " ، و " عداوة الإنســان " هذه " ناسور " يمتلئ قيحاً ودماً ، ولا يتوقف نزيفه ، وسوف ينفجر هذا " الناسور " يوماً مقطعاً أوصال السلطة الهندية .
أيها السادة ، أنا لا أقول إن مفكري العالم لا يشعرون بمأساة الهند هذه ، فإن مفكري الهند ومثقفيها من الهندوس أنفسهم يعرفون هذه الحقيقة ، وإن كانـوا لا يتحدثـون عنها ، وعلم " النجوم " من العلوم الرائجة في الهند ، ومنجمو الهند يعرفون أن هذا هو مصير الهند ، لكنهم لا يستطيعون التفوه بشيء في هذا الخصوص ، فهم لا حيلة لهم (5) ، وقد عرف الجميع هذه الحقيقة ، لدرجة أن المفكرين في عصرنا يتناولون الهند بالتحليل على صفحات الجرائد ، ويعلنون في صراحة أن " التفتت " هو مصير الهند ، وهذا مقتطف من صحيفة إنجليزية صدرت في يوليو 1994م :
" إن شخصية غاندي ونهرو ، وحلمهما الجميل في أن تنتظم القوميات الهندية المختلفة في عقد واحد بدأ يتحطم وبشدة ، والهند منذ عدة سنوات تبدو دولة متصارعة ، طفت على سطحها الخلافات الطائفيـة ، وتتراجع السيطرة على " مارد الإقليمية " ، وهو ما يهدد وجود البلاد وكيانها ، حتى أصبحت الهند على شفا حفرة من التمزق والتفسخ " .
العلمانية :
سادتي ، لم أستطع إلى اليوم أن أستوعب ماهية الإسلام ، فأئمتنا يقولون إن الأمر في غاية السهولة واليسر ، أطلق لحيتك ، وحف شواربك ، وصلّ في المسجد ، واستمع إلى الخطب ، واجعل سروالك فوق كعبيك ، وصم ، وأخرج زكاتك ، وحج بيت الله ، وعندئذ ستصير مسلماً حقاً ، وسيتولد النقاء والطهارة والصفاء في روحك ، وتستحق عندئذ الجنة . وبعض المؤمنين بالقرآن وإرشاداته يقولون إن الإسلام لا يهدف إلى أن يستحق الإنسان الجنة ، إذ أن تطهير الروح في حد ذاته هدف لكل مذهب ودين ، فقد ظهرت عشرات الأديان في الدنيا ، وكل واحد منها هدف إلى إرضاء الإله ، أو الله ، وإلى تطهير الروح ، والإسلام ليس كعامة الأديان ، بل على العكس من ذلك ، الإسلام نوع من التحدي للأديان ، إذ أن المذاهب والأديان الأخرى تتسم بقدر كبير من ضيق الأفق ، لدرجة تجعل الدين أمراً لا يقبله المثقفون والمفكرون ، والأديان الأخرى لا تسمح بالبحث العلمي ، وهكذا اضطر الباحثون العلميون إلى تبني أسلوب ينم عن عدم رضاهم عن الدين ، وبالتالي ظهرت " العلمانية " إلى حيز الوجود ، وأصبحت مخالفة الدين بمثابة " تقليعة " من التقاليع . والحقيقة أن هذا السلوك ليس ضد الدين نفسه ، وإنما ضد " محتكري " الدين الذين يتصورون أنفسهم " حماة " له ، فيصدرون أحكاماً من عند أنفسهم بأن افعل هذا ، ولا تفعل هذا ، وأن التفكير ذنب ، والبحث كفر ، وأعلن العلماء والمفكرون المسيحيون صراحة أن الدين أكبر عقبة في طريق التطور ، فقال علماء الغرب إن :
1 – الدين لا يسمح للأطفال بالتفكير المبني على العقل .
2 – الدين يزرع الخلاف بين الناس .
3 – الدين عدو السلام .
4 – الدين ليس إلا دوامة من العقاب والثواب .
يقول مفكرو الغرب إن الإنسان في عصرنا وصل إلى مرحلة يطلق عليها المنجمون " مرحلة الأمن والسلام " ، ولهذا يجب علينا أن نقتلع " عفريت " الدين من بيننا ، وهذا الجو من العداوة للدين لم يظهر إلا بسبب " محتكري الدين " الذين يقوى شأنهم ، ويتعاظم يوماً بعد يوم .
العقبة الكئود :
لما قدم الإنجليز إلى الهند في عباءة " شركة الهند الشرقية " (6) شعروا على الفور أن المسلمين هم أكبر عقبة في طريقهم ، واقترحوا في تقاريرهم الأولى برنامجاً للتخلص من هذه العقبة ، من هذه المقترحات أن يتم تشجيع وتقوية الخطباء الجهلة ، ومساعدة " محتكري الدين " ، ومنها أيضاً أن يتم نشر التعليم الغربي في البلاد ، كما يتم إعداد منهج تعليمي تتم من خلاله عملية " غسيل مخ " لشباب المسلمين ، واستمالتهم إلى الأفكار العلمانية .

اللغة :
وكانت أول مشكلة واجهت الإنجليز هي أن اللغة التي يتكلمها معظم أهل الهند تتغلغل فيها اللغة العربية والفارسية التي ظلت اللغة الرسمية أيام حكم " البتهان والمغول " ، وبسبب هذه اللغة كان الارتباط العاطفي لمسلمي الهند قوي للغاية مع فارس والبلاد العربية ، ومن هنا يصبح من الضروري القضاء على هذا الارتباط ، ولن يتأتى هذا إلا بتوطيد أركان اللغة الأردية التي نشأت من خليط من اللغات الهندية المحلية (7) .
وهكذا أيها السادة بدأنا بالأردية حتى وصلنا إلى الإنجليزية ، وأصبح الواقع اليوم أننا لا لغة قومية لنا ، وأصبحت اللغة الأردية التي نعترف بها رباطاً بين أهل البلاد تقف في حالة بائسة خارج مقر الحكومة ووزاراتها وإداراتها (8) ، أما داخل هذا المقر ، وفي أروقة الوزارات والإدارات فإن كل ما حدث هو أن السيد " الأسود " تربع على عرشها بدلاً من السيد " الأبيض " (9) ، وتبين أن السيد " الأسود " أكثر حباً للمنصب من السيد " الأبيض " ، ولا تزال اللغة الإنجليزية هي لغتنا الرسمية ، وأصبح مجتمعنا مجتمعاً طبقياً ، وعاصمتنا عاصمة طبقية ، تحكمها – وبشدة - الدرجات الوظيفية ، وسكانها يعتبرون إلحاق أبنائهم بالمدارس الأردية أمراً يتنافى مع مكانتهم ، والأولاد ينظرون باحتقار إلى " الثانوية العامة " (10) ، ويتمنون دراسة ( O . Level – A . Level ) في مدارس اللغات والمدارس الأجنبية ، ومدارس اللغات عندنا تنتشر بشكل مبالغ فيه مثلما تنتشر الفراشات في فصل الأمطار ، وأثمرت جهود السيد " الأبيض " ، فالشباب عندنا ينظرون إلى حضارتهم على أنها أمور لا يقبلها العقل ، ويخجلون من دينهم .
الموسيقى :
ولا يقتصر الأمر على الدين فقط ، وإنما يمتد ليشمل كل موروثنا الحضاري ، فيرونه أموراً مضحكة تثير السخرية ، ووصل الأمر بهم إلى درجة أنهم اعتادوا على ترديد الأغاني الإنجليزية ، والتلفزيون عندنا يقدمهم لنا بأصواتهم القبيحة التي لا تعرف لها رأساً من عقب ، ولا تستطيع أن تحدد لها معالم أو ملامح . لقد كانت موسيقانا تعتمد على الطرب واللحن ، وهو ما يؤثر على القلب بشكل مباشر ، أما الموسيقى الإنجليزية فهي موسيقى الإيقاع ، تدفع إلى التراقص بالسيقان ، والجميع يعرفون أن أهل الغرب أنهكوا أنفسهم بهزّ سيقانهم ، وبالرغم من ذلك فإن شبابنا لا يزال يتعلم " هزّ السيقان " .
العصر الذهبي للسلام :
يقول الناس إن " مفتي " متفائل للغاية فيما يتعلق بمستقبل باكستان ، ويرى أن مستقبلها عظيم ورائع ، وستكون باكستان مركزاً للعالم الإسلامي في عصر النهضة القادمة . قال أحد الأساتذة إن " مفتي " يحدثنا عن الأولياء والدراويش . يقول إن " الولي البنّاء " قادم ، وسوف يزخرف باكستان ويجملّها . أيها السادة ، من أكون أنا حتى أدعي مثل هذا القول ، إنهم أسلافنا العظماء الذي قالوا هذا الكلام قبل قرون ، قالوا إن النهضة القادمة ورد ذكرها في الحديث الشريف .
والمنجمون المهرة قالوا هذا قبل سنوات ، قالوا إن هناك مجموعة جديدة من النجوم ظهرت في الأفق ، وهذا ينم عن أن عصراً ذهبياً ستعيشه الأرض قريباً ، وعندها سيحل السلام والأمن والأمان ، والسكينة والاطمئنان ، وهناك حدة في عصرنا هذا ، فيه حركة ، وتسرع ، واضطراب ، وقلق ، ومرارة ، وصراع ، وحروب ومناوشات ، وهكذا فإنه لا يبدو في الظاهر ما يوحي بأن عصراً من السكينة والاطمئنان سيحل على الأرض ، ولكن إذا كنا مقتنعين بما قاله أسلافنا العظمـاء فإن هذا معناه أن مثل هذا العصر القادم لن يكون بفضلنا ، وإنما سيكون رغماً عنا ، وفي مثل هذه الحالة يكون علينا أن نضع في اعتبارنا المؤشرات الدالة على ذلك .
هوامش



1 - في الأصل " بلاؤ كي ديكـ " ، و " بلاؤ " أكلة مشهورة في شبه القارة الهندو باكستانية ، وتعني الأرز " البسمتي " المطبوخ بطريقة معينة مع اللحم أو الدجاج ، أما لفظ " ديكـ " فيعني الإناء الضخم الذي يطبخ فيه لعدد كبير من الأفراد ، وهو يشبه ما يستخدم في مطابخ الجيش ويسمى " أزان " .
2 - لو كان " الدبور " فراشة فعلاً لما ترك أنوار المدينة وعاد إلى الفراشات ثانية ، فالنور يجذب الفراشة إليه ، وتنجذب هي بفطرتها له ، فتظل تطوف حوله ولا تفارقه .
3 - منو من مصلحي الديانة الهندوسية ، وهو أول من حدد طبيعة الطبقات في الديانة الهندوسية ومكانة كل واحدة منها ، وله كتاب شهير في شرح الديانة الهندوسية هو " منو سمرتي " .
4 - دهلي هي المدينة التاريخية المعروفة ، والتي كانت حاضرة الثقافة والعلوم في عهد الحكم الإسلامي لشبه القارة الهندو باكستانية على مدى أكثر من ألف عام ، ثم اتخذت منها الحكومات الهندية المتعاقبة بعد التقسيم عاصمة لها ، وعمرت بجانبها العاصمة السياسية للبلاد ، وهي ما تسمى " نيو دهلي " أو " دهلي الجديدة .
5 - لا أدري هل يصح من المؤلف الاستدلال على قضية كهذه بعلم النجوم ، وما يقوله المنجمون .
6 - شركة الهند الشرقية أنشأتها بريطانيا في الهند عام 1600م في عهد السلطان المغولي جلال الدين أكبر الذي حكم من عام 963هـ / 1556م حتى عام 1014هـ / 1605م من سـلاطين الدولـة المغوليـة العظـام ، والتي حكمت من عـام " 933هـ / 1526م – 1274هـ 1857م ) ، وكان إنشاء هذه الشركة بغرض التجارة ، ولكن لم يلبث شأن هذه الشركة أن تعاظم ، وتغلل نفوذها ، وقوي أثرها في البلاد حتى سيطرت على شبه القارة الهندية برمتها ، واحتلت إنجلترا البلاد عام 1857م بعد سحق الثورة التي قادها آخر السلاطين المغول بهادر شاه ظفر ( توفي عام 1862م ) للتخلص من نفوذ شركة الهند الشرقية هذه .
7 - اللغة الأردية هي اللغة القومية لباكستان ، وإحدى اللغات القومية في الهند أيضاً ، وقد اهتم الإنجليز باللغة الأردية بقصد القضاء على وجود اللغة الفارسية في البلاد ، حيث كانت لغة الثقافة والحضارة الإسلامية ، واللغة الرسمية للدولة المغولية ، ولها مكانة في قلوب مسلمي الهند ، وقد ألغاها الإنجليز من التعامل في المصالح الحكومية في البلاد رسمياً عام 1832م ، أي قبل احتلالهم للبلاد رسمياً عام 1857م . وبالتالي كان تشجيع الإنجليز للغة الأردية تشجيعاً موجهاً للخلاص من مظاهر الحضارة والثقافة الإسلامية في شبه القارة الهندو باكستانية ، وهو ما يقصده الكاتب هنا .
8 - أي أن اللغة الأردية بقيت كما هي خارج الصفوف ، ولم تعترف بها الحكومات الباكستانية المتعاقبة كلغة رسمية للبلاد ، وبقيت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في باكستان ، حتى بعد أن شبت باكستان ، وبلغت من العمر أكثر من خمسين عاماً ، لكنها بالرغم من ذلك لم تعترف بالأردية كأداة تعبير رسمية لها ، فإذا تحدث الباكستانيون فيما بينهم قسمتهم اللغات الكثيرة التي رضعوا خليطها منذ الصغر ( البنجابية والسندية والبلوتشية والبشتو ) ، وبقيت اللغة الأردية بمثابة اللغة الاحتياطية التي تلجأ إليها باكستان عند الضرورة فقط ، رغم أن حياة باكستان كلها ضرورات قصوى ، ولا منقذ لها من هذه الضرورات إلا اللغة الأردية ، فلماذا إذاً تصر باكستان على أن تبقى الإنجليزية لغة رسمية للدولة ، بينما لغتها القومية تجري في شوارع البلاد وحواريها وبيوتها حافية القدمين ، حاسرة الرأس ، تحقق التواصل للشعب مع الحياة ، دون أن يجرؤ أحد على أن يتخذ قراراً شجاعاً بإنزالها منزلتها اللائقة بها ، والتي تستحقها عن جدارة ؟!!.
9 - يقصد بالسيد الأسود " الباكستاني " ، وبالسيد الأبيض " الإنجليزي " .
10 - في المدارس الثانوية الحكومية التي تتخذ من الأردية أداة للتدريس بها .
الجزء الثاني من الباب الحادي عشر من كتاب (تلاش) للأديب الباكستاني (ممتاز مفتي)



الجزء الثاني من الباب الحادي عشر
طاجن الأرز
المؤشرات :
خذ باكستان على سبيل المثال ، فلقد كافح مسلمو الهند لسنوات طوال من أجل تأسيس باكستان ، لكن الظروف لم تكن مناسبة لذلك في فترة من الفترات ، ولم يكن هناك وقتئذ أمل في قيام باكستان ، فالهندوس لا يريدون تقسيم البلاد ، ويهتفون بحياة الهند المتحدة ، وتآمر الإنجليز مع الهندوس مذ قدموا إلى شبه القارة ، ووقف الهندوس دائماً إلى جانب الإنجليز ، وساعدوهم ، والحقيقة أن الهندوس باعتبار السلوك هم " أفضل محكومين " ، و " أسوأ حكام " .
في مثل هذه الظروف قيّض الله تعالى للمسلمين من يقودهم ، ولا شك أن القائد " محمد علي جناح " (11) كان زعيماً عظيماً ، وقائداً ممتازاً ، لكن اختياره ليقود المسلمين من أجل تأسيس باكستان كان اختياراً غير موفق ، فقد كان " محمد علي جناح " صاحب شخصية راقية ، وملتزماً بالمبادئ والأصول .
أيها السادة ، أخبروني بالله عليكم ، هل استطاع زعيم سياسي ملتزم بالمبادئ والأصول أن يحقـق نجاحـاً في ميـدان السياسـة ؟!!. خاصـة إذا كان في موجهة سياسيين مخضرمين مثل " البانديت نهرو " ، والسيد " بتيل " (12) . لقد كان قيام باكستان معجزة بمعنى الكلمة ، ومع ذلك فإنه مما يلفت الأنظار ويثير الانتباه أننا ، أنا ، وأنت ، كلنا نحاول تحطيم باكستان منذ ثمانية وأربعين عاماً مضت (13) ، فنحن نأكل من هذه المائدة التي أنزلها الله علينا " باكستان " ، مستمرون في التهامها ، وقد أعمانـا الحـرص والطمـع ، وأذهب عقولنـا ، فجعلنا من أنفسنا " فراعنة " في تعظيم ذاتنا ، وأصبحت أصوات " أنا " ، " أنا " ، " أنا " تسمع في كل مكان . إننا نتناحر ، ويحارب بعضنا بعضاً طمعاً في السلطة ، مثلما يتناحر الأطفال من أجل الحصول على لعبة من اللعب ، ولا تزال المائدة ممتلئة طعاماً .
وبالرغم من محاولاتنا المستميتة لم تمت باكستان ، ولا تزال المائدة كما هي بالرغم من جشعنا وشهيتنا المفتوحة على التهامها ، فهناك زيادة مستمرة في أعداد السيارات التي تجري في الشوارع ، والمحلات والأسواق تمتلئ عن آخرها بالبضائع ، ومباني مراكز البيع والشراء ترتفع في الفضاء وتنتشر مثلما ترتفع الفراشات وتنتشر في موسم الأمطار ، ومن الصعب أن تشق طريقك في الأسواق بسبب شدة الزحام ، ومراكز البيع والشراء تزدحم بالوجوه التي تزينها المساحيق ، والعيـون السابحـة في الكحل والإثمد ، والضفائر الملونة بالصبغات المعطرة ، والشفاه الملونة بالطلاء ... بيع وشراء في كل مكان ، وحمى التسوق في ارتفاع متواصل ، والقادمون من الهند إلى باكستان يصيحون فاغرين فاهم : يا إلهنا (14) ، هل هذه بلد أم مهرجان كبير !!!.
بهجة الحياة :
عندما زرت " دهلي " ذهبت لأشتري كاباً عن العلاج بما يسمى بـ " الهميو ببتهي " (15) ، وهناك تقابلت مع سيدة سيخية تمتلئ نشاطاً . سألتني بالبنجابية : جئت من باكستان ، أليس كذلك ؟. أدهشني ذلك كثيراً ، إذ كيف عرفت هذه السيدة أنني جئت من باكستان !!. سألتها : كيف عرفت أنني جئت من باكستان ؟. قالت : تعال نتحدث خارج المحل في ناحية من السوق ، فأنا أستطيع أن أعرف الباكستاني بنظرة على وجهه !!. سألتها : هل أنت ساحرة ؟!. ابتسمت قائلة : نعم . قلت : أخبريني بالسر في ذلك إذاً . قالت : إن من تعلو وجهه ابتسامة ، وتبدو فيه الحياة ، ويمتلئ نشاطاً يكون باكستانيا " وإن تشابه في الشكل من غيره من أهل الهند " . قلت : أنت أيضاً بهذا الاعتبار باكستانية . ابتسمت ، كانت ابتسامتها تنطق بكلام لم تقله .
كانت أسواق " دهلي " مزدحمة ، والمارة يروحون ويغدون ، وعملية البيع والشراء على أشدها ، لكن كانت هناك مسحة حزن تعم المكان ، ولا تلمس فيه تلك الروح التي تلمسها في أسواق باكستان .
ثعابين الأرض السبخة :
وهناك أمر آخر ، فقد كانت المنطقة التي أقيمت عليها مدينة " إسلام آباد " الجميلة منطقة سبخة خربة ، ويمر منها طريقان ضيقان قادمان من مدينة " راولبندي " ، واحد منهما يؤدي إلى منطقة " نور بور " ، والثاني يؤدي إلى منطقـة " سيد بور " ، وكانت " نور بور " و " سيد بور " في تلك الفترة منطقتين سياحيتين ، وقد ساعد على هذا سقوط الأمطار عليهما بكثرة ، وكان لا بد من المرور على المنطقة التي تقع بها " إسلام آباد " حالياً من أجل الوصول إلى " نور بور " و " سيد بور " ، وكانت منطقـة " إسلام آباد " هذه منطقة خربة بور كما قلت ، فلا شجرة ، ولا نبتة ، فإذا ما سألت أحداً من أهل المنطقة لماذا لا يزرعونها ، أجابك بأنها منطقة لا يمكن أن تنبت فيها شجرة ، كما لا يمكن زراعتها ، لأنها أرض سبخة ، وتسكنها الثعابين وحيوان " ابن عرس " . واليوم عندما ترى " إسلام آباد " لا يمكن أن تصدق أنها هي نفسها تلك الأرض السبخة ، إذ تمتلئ أشجاراً ونباتات مستوردة من الخارج .
سادتي ، أخبروني ، أليست هذه معجزة ؟. إنها ليست معجزة واحدة ، وإنما معجزات متعددة ، منطقة سبخة أصبح يطلق عليها الآن " مدينة الورود " ، تنوء أشجارها بأحمال الفواكه ، فيهزها الناس ، ويملأون أكياسهم من فاكهتها ، ومع ذلك لا تزال الأشجار يانعة تتدلى منها قطوف الفواكه ، " طاجن " لا يتوقف الناس عن تناول ما به من طعام ، لكنه لا ينتهي .
طاجن الأرز :
جاء في كتاب " التذكرة الغوثية " أن درويشاً قدم إلى مدينة من المدن ، وبمجرد وصوله إليها قال للناس : أحضروا لي إناءاً ضخماً ، فدهش الناس ، إذ ماذا سيفعل الدرويش بالإناء . على أية حال أحضر الناس بطريقة أو بأخرى إناءاً كبيراً ، فقال الدرويش : اجمعوا حطباً لإشعال الموقد ، وأشعـل الناس الموقد ، فقال الدرويش : ضعوا هذا الإناء على الموقد ، واحتج الناس قائلين : يا سيدنا الشيخ ، ما فائدة أن نضع إناءاً فارغاً على الموقد ؟!. قال الشيخ : لا تجادلوا ، وافعلوا ما أقول لكم . ووضع الناس الإناء على الموقد راغمين .
وفي اليوم التالي كشف الناس الغطاء عن الإناء ، ولشد ما كانت دهشتهم وحيرتهم ، إذ وجدوا الإناء مليئاً بالأرز المطبوخ . قال الدرويش : ابعثوا من ينادي في المدينة ليأت المحتاجون لتناول الطعام في عش الدرويش وقتما شاءوا . وبدأ الناس يتوافدون على كوخ الدرويش ، ووقف الدرويش بجانب الإناء ، يملأ لكل من يأتي طبقه ، وبعد عدة أيام تزاحمت المدينة كلها على الإناء ، ويظل الدرويش يوزع الأرز على الناس طيلة النهار ، وعند الليل يضع الغطاء على الإناء ، وعندما يرفع الناس الغطاء في اليوم التالي يجدونه مليئاً بالأرز كما كان .
وذات يوم جاء أحد الزهاد ووقف أمام الدرويش . قال الدرويش : لماذا تقف محدقاً فيّ هكذا يا سيدي !!. خذ نصيبك من الأرز واذهب . قال الزاهد : أنا لم آت من أجل الأرز ، إنما جئت لزيارتك ، فقد نزلت على المدينة رباً لها ، ونوزع الأرزاق على الناس بلا حساب . قال الدرويش : يا سيدي ، إنه " هو " الرزاق ، وما أنا إلا مقسم فقط ، مجرد مقسم .
سادتي ، إن أحوال باكستان المادية رقيقة للغاية ، والغلاء على أشده ، ومع ذلك أيها الأصدقاء انظروا ، انظروا وتأملوا ، كيف أن محلاً من بين كل أربعة محلات في مدن باكستان يتعامل في الطعام والشراب ، والناس يأكلون ، يأكلون " الكباب " ، يأكلون " الكوارع " و " الكرشة " و " الممبار " ، و " لحم الرأس " ، والإناء ممتلئ كما هو ، الحكام والمسئولون " يأكلون " من جانب ، و " زبانيتهم " يأكلون من جانب آخر ، " المتربعون على كراسي المسئولية " يأكلون من جانب ، و " الشعب " يأكل من جانب آخر ، كلوا يا إخواني ، كلوا ، فهذا الإناء لن يفرغ أبداً .
سادتي ، لو أني قلت أن الإسلام ليس " ديناً " ، فهل تصدقوني !!. لن تصدقوني في الغالب ، لكنكم لو درستم القرآن الكريم لظهر لكم جلياً أنه ليس في الإسلام أمر من الأمور التي توجد بشكل أساسي في كل دين ، الأمور التي تصبغه بصبغة الدين .
هل الإسلام دين ؟!.
1 – لا يوجد دين يهتم بالعقل ، ويعلم التفكر والتدبر ، بل على العكس ، كل دين يطالب بالإيمان به دون معرفة ، ويأمر بأن لا نشك فيه ، وألا نعتمد على العقل ، لأن عقولنا غير ناضجة ، أما الإسلام فهو على عكس كل هذا ، إنه يقول إن العقل نعمة عظمى من الله تعالى ، وعلينا أن نستخدمـه ، علينا أن نفكر به ، نتأمل ونستوعب ، وعلينا ألا نؤمن ونحن مغمضي العينين ، وإذا ثارت الشكوك في قلوبنا لا نكبتها ، وإنما نتفكر فيها ، ونسأل الذين يعلمون .
2 – لا يوجد دين يهتم بالحياة الدنيا ، يقولون إن هذه الحياة سراب ، خدعة بصرية ، فانية ، ولا ينبغي أن نتعلق بها ، لأن الحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة . أما الإسلام فهو على عكس كل هذا ، إنه يقول إن هذه الحياة في غاية الأهمية ، وأن الحياة الآخرة " نتيجة " تترتب على هذه الحيـاة الدنيا . إن حياتنا هذه شجرة تتدلى منها ثمرتها في الآخرة ، وكما تكون الشجرة تكون ثمرتها ، وعلينا أن نعيش في هذه الحياة ونتوافق معها ، ونخلق بداخلنا توازناً من أجلها ، وأن نطمئن فيها ، ونطلب العلم ، ونصنع لأنفسنا مكانة فيها ، ونجمع من ثروتها ، ونأكل منها ، ونعطي الآخرين ، أي أن الموضوع كله متوقف على كيف نقضي حياتنا الدنيا هذه .
3 – كل دين يولد التعصب ضد الأديان الأخرى ، كل دين يقول : أنا الصادق ، والآخرون كاذبـون . خذ الهندوسية على سبيل المثال ، يقول أتباعها إن الهندوس فقط هم الأطهار ، أما باقي الأديان ومتبعوها فهم نجس ليسوا أطهار ، ويجب على الهندوس الابتعاد عنهم ، فإذا تناول الهندوسي شيئاً من أيديهم تنجس إيمانه ، ولا يجب أن يقع ظل غير الهندوسي على الهندوسي ، فإن حدث ذلك كان على الهندوسي " التطهر " . أما الإسلام فهو على عكس كل هذا ، إنه لا يعلّم التعصب ضد الأديان الأخرى ، بل يؤكد على احترام عقائد غير المسلمين ورموزهم ومقدساتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم ، ويعطي غير المسلمين حقوقاً متساوية مع المسلمين ، ولا يعدّهم نجساً . يقول المشاهير إنه بناءاً على هذا يصبح من الخطأ أن نعتبر الإسلام ديناً ، لأنه لا يوجد في الإسلام أمر من أمور الأديان " مما تحدثنا عنه " !!.
هل الأمر هكذا ؟!!.
لكنكم ستفاجئون مما سأقول الآن ، وتتساءلون : هل يكون الأمر هكذا فعلاً !!!. فنحن جميعاً رغم أننا مسلمون نجهل هذا الكلام ، حتى وإن كنا نعرفه فإننا لم ننعم النظر فيه أبداً ، وبالتالي لم نفهمه ، على أية حال لقد دهشت بشدة حين قرأت القرآن ، لم تكـن دهشتي من قبيل " هل يكون الأمر هكذا فعلاً !!. " ، وإنما من قبيل " كيف يكون هذا " ، وشلّ تفكيري من شدة الحيرة ، ولا أدري كم من الوقت مضى عليّ وأنا على هذا الحال . ولم يكن هذا بسبب مني أيها السادة ، ولكن كان الأمر محيراً إلى هذا الحد فعلاً ، والحكاية هي أن هدف الإسلام ليس تعليم الإنسانية للأفراد فقط ، أو جعل أبناء طائفة ما داخل المجتمع نموذجاً طيباً للإنسان ، أو الارتقاء بالمسلمين فقط إلى أعلى مستويات الإنسانية ، وإنما هدفه هو الارتقاء ببني الإنسان عموماً إلى أرفع المستويات الإنسانية ، أياً كان الدين الذي يدينون به ، وزرع كل الصفات الإنسانية السامية بداخلهم .
يقول الله تعالى في القرآن الكريم إننا لا نخلق الإنسان فقط ، وإنما نمنح الإنسان الوعي والشعور بمكانته أيضاً ، وأكثر من ذلك أننا نبلغه هذه المكانة أيضاً . ويبدو وكأن الإنسانية والأخلاق والمدنية جزء من الإسلام ، كأنها حواري وأزقة في منطقته ، كأنها شخصية المسلم ذاته . أيها الأصدقاء ، لقد أصاب صديقي " فقير جند " حين قال لي متعجباً : كيف إلهك هذا ، إنه يشكل حزباً خاصاً به من جانب ، ومن جانب آخر لا يمد يد العون لحزبه هذا ، يقصد المسلمين ، إنه لا يقويهم ، لا يشد من أزرهم ، لا يعتبرهم رجاله ، على العكس من ذلك ، ينظر إلى المسلمين وغير المسلمين بعين واحدة ، لا يعلّم المسلمين الهتاف ضد الأديان الأخرى ، ولا يلقنهم دروس التعصب ضـد أحد ، يرزق الجميع ، أخذ على نفسه العهد بتبليغ الإنسانية كلها إلى الهدف المنشود ، ينزّل القرآن على المسلمين ، ويخاطب به الناس جميعاً ، ونبينا الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي كان تجسيداً لأحكام الله وأوامره ، وقرآناً يمشي على الأرض ، ينظر إليه العالم كله على أنه " أعظم إنسان " ، وليس " أعظم مسلم " .
أيها السادة ، إن شئتم الحق لم أستطع أن أستوعب ماهية الإسلام ، لي صديق درس الإسلام بعمق ، ذهبت لزيارته ذات يوم ، وقلت له : يا صديقي ، اشرح لي ما هو الإسلام . ضحك قائلاً : أنا نفسي لم أستطع فهمه ، فكيف أفهمك إياه . قلت : ألم تخرج بنتيجة لكل دراساتك المتعمقة للإسلام !. قال : بلى . قلت : ما هي ؟. قال : أحببت الله ، وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم ، وما عدا ذلك لم أستطع أن أفهمه !!.
تنظيم عجيب
أيها السادة ، إن الإسلام تنظيم فريد ورائع حقاً :
1 – فلا هو مجرد عقائد .
2 – ولا هو مجرد طقوس .
3 – وليس للمشايخ ولا لعلماء الدين فيه مكانة استثنائية ، مثلما هو حال القساوسة والكهنة ومن على شاكلتهم في الأديان الأخرى ، والذين حظوا بأهمية خاصة .
4 – ولا يجيز الرهبنة .
5 – ولا يجيز إيذاء النفس في سبيل إقناع الآخرين ، كما أنه لا يعلّم اعتزال الدنيا والبعد عنها .
6 – على العكس من كل هذا فإن الإسلام يقول عيشوا ، لكن ليس وأنتم مغمضي العنين ، تعلموا منا سليقة الحياة ، ثم عيشوا ، عيشوا بأقصى طاقاتكم ، عيشوا ودعوا الآخرين يعيشون أيضاً .
7 – يقول أئمتنا ودعاتنا إن الإسلام " دستور للحياة " ، وهو ما أسمعه أنا منهم منذ زمن طويل ، لكني لم أكن أفهم معناه ، ولم أسأل أحداً عنه ، وكيف أسأل ، لأنني إن فعلت سيقول الناس كيف تقول عن نفسك أنك من كتّاب الأردية ، ولا تفهم معنى كلمـة " دستور وضوابط " .
أيها السـادة ، هناك كثير من التعبيرات لا أفهمها ، ولكني حفاظاً على ماء وجهي أعتقد أنني أفهمها ، وبينما كنت أقرأ في كتاب من كتب التداوي بما يسمى بالطب " الهميو بيتك : العلاج بالمثل " ، إذ فهمت الأمـر كله ، فلقد كتب ذلك " الدرويش " الألماني " هانمان " (16) قائلاً : " لا تتداوى بالهوميو باتك " ، وإنما عش بطب " الهوميو باتك " .
الفعل والعيش :
وكأن حجاباً زال فجأة من على عينيّ ، وكأن شخصاً ما همس في أذني قائلاً : " بعض الأمور تقال ، وبعضها يعاش " ، أليس كذلك !!. لنفترض أنك تريد أن تقلي بيضة ، فهذا فعل ، ولهذا تضع سمناً في المقلاة ، ثم عندما يسخن السمن تضع البيضة . وهكذا تكون قد أعددت بيضة " عيون " ، ومعها ينتهي الفعل . أما الأمور التي تعاش فإنها لا تنتهي ، لنفترض أنك أحببت سيدة ما ، فتتذكرها بالليل وأنت مستلق على فراشك ، وتتمثل صورتها ، وتزفر زفرات حارة ، وربما تتغنى ببعض الأشعار ، وبعد ذلك لا يمكن أن تفتح كتاباً ما لتقرأ فلسفة " أرسطو " مثلاً . فالعشق يا سيدي ليس فعلاً ، إنما أمر يعاش ، إنه مرض ، إذا أصابك لا يزول عنك صباحاً أو مساءاً أو ليلاً أو نهاراً ، وهكذا الأديان كلها ، عبارة عن طقوس ... أمور تفعل وتؤدى ، تذهب إلى المعبد ، وتؤدي طقوساً بعينها ، وهكذا تؤدي الفرائض الدينية ، وما عدا ذلك فإنك تعود إلى عملك وتنشغل به كما تحب ، وعلى العكس من ذلك فإن الإسلام ليس أمراً يفعل أو يؤدى ، بمعنى أن تؤدي عدة فروض وبعدها تلتفت إلى عملك بسهولة ويسر ، كلا ، الأمر ليس هكذا ، فالإسلام مثل المحبوبة ، يقول : عشني صباحاً ومساءاً وليلاً ونهاراً ، عشني دائماً ، افعل ما أريده أنا ، ولا تفعل شيئاً لا أرضى عنه .
اعتبرني لك :
على سبيل المثال يقول الإسلام أن أقيموا علاقاتكم مع الله ، وأحبوه ، واعرفوه ، واعتبروه منكم ولكم ، مثلما تعتبرون الأخ والأخت والأم والأب والأصدقاء منكم ولكم ، والعلاقة ليست فعلاً ، وإنما سلوكاً واتجاهاً ، والسلوك قائم طيلة الوقت ، ويظل دوماً يدق مثل بندول الساعة .
فإن كنت تظن أنك عندما تقف على السجادة خمس مرات في اليوم لتؤدي الصلاة فإنك بذلك تقيم علاقـة مع الله تكون قد أخطأت الفهم ، فالعلاقة ليست حوض ماء ، إنها نهر ، نهر جار ، فإن كنت تريد إقامة علاقة مع الله فتعلق بإصبعه ، وسر حيث سار ، فإذا ما تناولت طعاماً اجعله بجانبك ، قل له : لقد أنعمت عليّ اليوم بنعم كثيرة ، وإذا ما لعبت " الكريكت " (17) أوقفه بالقرب منك ، فإذا ما ضربت الكرة ضربة ، أحرزت نقطة ، ولن يسألك أحد كيف ضربت هذه الضربة ، وإذا ما أويت إلى فراشك ليلاً اجعله بجانبك ، وقل ما أحسنك يا صديقي ، لقد ساعدتني ورافقتني في كل لحظة ولمحة ، ما أحسنك من رفيق ، سبحان الله .
وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة مع الله ، مثلما هي مع الأم ، إذا تعبت لجأت إلى حضنها وقلت : " هدهديني يا أمي ، ربّتي عليّ يا أمي ، فإن في تربيتك عليّ سحر لا أدري ما هو ، إنه يزيل كل آلامي " . وإذا أردت تناول الطعام فاجلس بجانبها على الأرض وليس على " ترابيزة السفرة " ، لأن فيها تكلف ، ولا بد أن تتجنب التكلف ، لأنه إن كان هناك تكلف قام حاجز بينك وبين الأم ، ويبتعد " هو " عنك . وتجنب الترفه والتنعم ، وإلاّ ابتعد " هو " عنك ، فلا تدعه يبتعد ، ولا تجري وراء إمارة ، وإلاّ ازدادت المسافة بينك وبينه كثيراً .
هوامش
11 - محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان ، كان من عائلة أرستقراطية كبيرة بمدينة كراتشي ، وعمل بالمحاماة ، فكان محامياً بارعاً ، وقد استطاع العلامة محمد إقبال ، صاحب فكرة إنشاء وطن مستق للمسلمين في شبه القارة الهندية ( باكستان ) أن يقنع محمد علي جناح في تولي زمام أمور المسلمين سياسياً ، ويقود كفاحهم من أجل قيام وطن مستقل لهم ، وهو ما تحقق بالفعل بعد وفاة العلامة محمد إقبال ( توفي عام 1938م ) على يد القائد محمد علي جناح في الرابع عشر من أغسطس عام 1947م .
12 - السيد بتيل سياسي بارع من الساسة الهنود وقت التقسيم .
13 - يقصد منذ قيام باكستان عام 1947م وحتى تاريخ كتابة السطور .
14 - في الأصل بهكوان ، وهو الإله عند الهنادكة .
15 - هوميو بيتك ، مصطلح يقابل مصطلح آلو بيتهك ، وآلو بيتهك تعني العلاج بالطب الغربي ، وهو الطب الرائج لدينا ، بينما يعني مصطلح هوميو بيتهك العلاج بتركيز مستخلصات الأعشاب بنسب محددة توجه أساساً لتقوية مراكز الدفاع في الجسم فتعمل على حماية الجسم مما قد يصيبـه من أمراض ، وتخلصه مما يكون قد أصابه منها ، وهذا النوع من العلاج أقل أضراراً جانبية من نظيره الغربي ، وإن كان أقل سرعة في جلب الشفاء ، ويروج هذا النوع من العلاج في شبه القارة الهندو باكستانية جنباً إلى جنب مع الطب الغربي ، والعلاج بالأعشاب .
16 - مخترع هذا النوع من الطب ، والذي يعتمد أساساً على تقوية مراكز الدفاع في الجسم ، فيعطي أدوية ليست كيميائية ، وبتركيز معين يتناسب مع كل مركز من هذه المراكز .
17 - من اللعبات المعروفة والشهيرة في شبه القارة الهندو باكستانية وبعض دول أوروبا ، وتعد باكستان واحدة من أبطال العالم في هذه اللعبة ، وتؤدى هذه اللعبة بكرة صغيرة ومضرب ، ومن أشهر لاعبي العالم في هذه اللعبة اللاعب الباكستاني المعروف " عمران خان " ، وقد دخل ميدان السياسة بعد اعتزاله اللعبة .
الجزء الثالث من الباب الحادي عشر من كتاب (تلاش) للأديب الباكستاني (ممتاز مفتي)



الجزء الثالث من الباب الحادي عشر
طاجن الأرز
عظمة الفقر :
الأم تكون أقرب ما تكون إلى ولدهـا في الفقـر ، و " هو " أيضاً كذلك ، وفي رواية " افلونس " يصيب الأمومة نحس الثروة والغنى ، ونحن أيها السادة لم نعرف إلى اليوم عظمة الفقر ، وكل زعيم يأتينا يعلن الحرب على الفقر قائلاً " سنقضي على الفقر من الوجود تماماً ، سنقتلعه من جذوره " . كثيراً ما أفكر بيني وبين نفسي قائلاً : يا إلهي ، إنك عظيم بطبيعة الحال ، وفوق ذلك أنت فريد وعجيب ، ومدلل أيضاً ، صحيح أنك خلقت الإنسان عجيباً ومدللاً ، ولكنك أنت أيضاً عجيب ومدلل أيضاً ، ونحن وإن كنا لا نستطيع استيعاب كلامك أنت ، إلا أننـا لا نستطيـع استيعـاب كلام نبيك الخاتم عليه الصـلاة والسلام أيضاً ، مع أنه " الإنسان " المثالي . أقول لنفسي : لماذا لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام - وهو سيد الكونين - يجد ما يطبخه ؟!(18) . لماذا كان ينام على الحصير ؟!. لماذا كان يعيش في بيت من الطـوب اللبن ؟!. وذات مرة لم يكن في طعامـه سوى تمرتين ، فإذا بسائل يطرق الباب قائلاً إني جائع ، فيعطي رسول الله السائل تمرة ، ويأكل هو تمرة . أقول لنفسي : لماذا اختار سيد الكونين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفقر وفضّله ؟(19) . أكان ذلك لقلة في الفهم ؟!. أكان ذلك لنقص في العقل ؟!. حاشا لله ، على العكس ، فقد كان صلى الله عليه وسلم تجسيداً للعقل والفهم الكامل ، فلماذا إذن ... ؟!.
لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم تجسيداً للعقل الكامل فإن علينا أن نعترف إذن أن هناك عظمة ما في الفقر ، وإلاّ لما اختاره سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، لا بد أن تكون هناك ميزة كبرى في أن تكون من العامة ، وتعيش حياة بسيطة ، وإلاّ لما عاش محمد صلى الله عليه وسلم هذه الحياة البسيطة ، ولما لبس الملابس البسيطة ، ولما جلس كالبسطاء على الحصير، ولما سكن في بيت متواضع من الطوب اللبن .
أيها السادة ، إنني أعرف تماماً أنه حيثما حلت الثروة في بلد ما رحل عنه الله (20) ، فليس في أوروبا أحد يذكر الله ، والدين هناك يعدّ أمراً غير ضروري ، وقد خلت الكنائس من عمّارها وزوارها ، وإذا كانت بعض الكنائس لا تزال عامرة فذلك لأن قساوستها يحافظون على مكانتهم من خلال العمل على جذب الزوار إليها .
المأكل والملبس والمسكن :
سافر ابني " عكسي " إلى تشيكوسلوفاكيا للحصول على درجة الدكتوراه ، وكان يراسلني من هناك . كان يقول : يا والدي ، ما أجمل الكنائس هنا في مدينة " براغ " (21) ، لكنها قفر ، بلا زوار ، والأقفال الصدئة قابعة على أبوابها ، بينما يجلس الله يا أبي على باب كل كنيسة يرمق المارة بنظرات يملؤها الأمل في أن يعرج أحدهم ناحيته ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، كل واحد هنا مشغول بنفسه .
ومع ذلك فإن الله لم ييأس من عباده ، كانت هذه دولة من الدول الشيوعية التي نفت الله خارجها ، وقال حكامها الشيوعيون : من يكون ذلك الله الذي يرزق البشر !!. إننا نحن الذين نهيئ لهم المأكل والمشرب والملبس والمسكن ، إننا نحن الذين سنقضي على الفقر ، نحن الذين سنغير ذلك النظام الذي يقسم الناس إلى من " يملك شيئاً " ومن " لا يملك شيئاً "(22) ، وحين جثموا على صدر البلاد تسرب من ذاكرتهم كل ما قالوا ، ولم يعودوا يذكرون سوى : " لم يبق إلاّ نحن ، نحن الذين نفعل كل شيء ، نحن الذين نقول إننا سنوفر المأكل والمشرب والملبس والمسكن " .
حين زار وفد من أدباء باكستان روسيا " الاتحاد السوفييتي السابق " تلبية لدعوة الروس لهم كانت السيدة " بانو قدسية " (23) ضمن هذا الوفد ، وقد استقبل الوفد في روسيا استقبالاً حافلاً ، ورحبوا بأعضائه ترحيباً كبيراً ، وأقيمت لهم الموائد العامرة ، ووضعت لهم برامج سياحية لزيارة البلاد .
طشقند :
ثم سـأل الروس كل عضـو من أعضاء الوفد الباكستاني : هل هناك مكان تريد أن تزوره ؟. وتناول كل عضو من أعضاء الوفد اسم مكان يريد أن يراه ، فلما سألوا السيدة " بانو قدسية " قالت لهم : أريد أن أرى " طشقند " . فقالوا لها : يا سيدتي ، إن " طشقند " مكان لا يستحق الزيارة ، اختاري مكاناً آخر . فقالت " بانو " : أريد أن أرى " طشقند " ، فإن أمكن أن تدبروا لي زيارتها فبها ونعمت ، وإلاّ فإنني سأبقى هنا في " موسكو " ، وحاول الروس أن يثنـوها عن عزمها ، لكنهـا أبت : إما أن تذهب إلى " طشقند " ، أو أن تبقى في " موسكو " . واضطر الروس إلى اصطحابها إلى " طشقند " ، ولكن في حراسة مشددة .
وفي " طشقند " رأت " بانو قدسية " الأقفال قابعة على أبواب المساجد ، وبيوت العناكب تغطي محاريبها ، والقباب متهدمة ، والخفافيش شيدت أعشاشها بداخلها .
وفي البيوت والمنازل عانقت عواجيز " طشقند " السيدة " بانو " ، كانت عيونهن تمتلئ رعبـاً ، وسواعدهن ترتعد . كن يسألنها بصـوت خفيـض قائلات : هل أنت قادمة من " بيت الله " ؟!. ثم يقبّلنها ، وظللن يقبلنها حتى خارت قواها ، والدموع تسيل بغزارة من عيونهن جميعاً .
رأت " بانو " هناك جواً قاتماً ، والسيدات العواجيز يؤدين الصلاة في آخر حجرة في البيت ، بينما الشباب يقومون بمراقبة المكان من الخارج وحراسته ، حتى لا يلحظ واحد من المخابرات أن هناك من يؤدي الصلاة ، وأخفوا المصاحف . كانت القلوب تكاد تتوقف عن خفقانها كلما دق الباب ، فهذا يعني أن أحداً قادم يمثل خطراً . لقد نفى الذين يوفرون المأكل والملبس والمسكن الله خارج البلاد .
وقد جاء في بلادنا " باكستان " نحن أيضاً أحد الحكام على هذه الشاكلة ، كان زعيماً بالميلاد ، كان عالماً ، ذكاؤه خارق ، ويعرف من أين تؤكل الكتف ، ولهذا ما أن اعتلى السلطة حتى رفع شعار المأكل والملبس والمسكن (24) .
الإناء المليء بالأرز :
يحكى أن درويشاً مجذوباً نزل بمدينة من المدن ، وما أن دخلها حتى أمر الناس أن يحضروا إليه إناءاً ضخماً ، ثم أمر بتجهيز موقد مناسب لهذا الإناء الضخم ، وأمر بإشعاله بالأخشاب والحطب ، واشتعل الموقد ، فأمر الدرويش الناس أن يملأوا الإناء ماءاً ، وأن يحكموا غطاءه ، ويضعوه على النار ، وفي صباح اليوم التالي كشف الناس الغطاء فإذا بالإناء مليء بالأرز ، وأعلن في المدينة كلها أن يأتي المحتاجون لينالوا حاجتهم من الطعام مجاناً ، وأقبل أهل المدينة كلهم بمجرد سماع الإعلان ، وملأوا أطباقهم أرزاً ، وفي اليوم التالي عندما كشفوا غطاء الإناء وجدوه مليئاً بالأرز كما كان ، واشتهر أمر الدرويش المجذوب في المدينة كلها ، وكان مريدوه يملأون أطباق الناس أرزاً ويوزعونه عليهم ، ويبقى الإناء مليئاً كما هو لا ينقص شيئاً ، وكان هناك درويش يقف بين المحتاجين ، ولم يكن في يده طبق ، وظل واقفاً طيلة النهار يرقب ما يحدث ، فسأله مريدو الدرويش المجذوب :
* لماذا تقف هكذا خالي اليد ؟! أحضر لنفسك طبقاً وخـذ من الأرز كما تشاء .
لكن الدرويش قال لهم :
· لست محتاجاً .
وأدهش هذا الرد مريدي الدرويش المجذوب ، فالرجل يقف ، وينظر إلى ما يحدث أمامه ، لكنه لا يتناول شيئاً ، فأخبروا درويشهم المجذوب بالأمر ، فقال ائتـوني به ، فجاءوا به إليه ، فسأله :
· ما الحكاية يا سيدي ، تظل واقفاً طيلة النهار أمام إناء الأرز ، لكنك لا تأكل منه شيئاً .
قال الدرويش :
· إنني لا آتي هنا لتناول الأرز ، ولا لمشاهدة هذا الإناء الممتلئ دائماً .
فسأله المجذوب :
· فلماذا تأتي هنا إذن ؟!.
قال الدرويش :
· آتي لزيارتك ، فقد صرت كالرب لأهل المدينة ، وتقسم الأرزاق بينهم .
وعندئذ تغير لون وجه المجذوب ، وظهرت علائم الخوف عليه ، فصاح قائلاً :
· ألقوا بالإناء بعيداً ، وأطفئوا النار .
ثم حمل عصاه ، ورحل عن المدينة (25) .
القصعة الباكستانية :
بعض أصدقائي يقولون : يا مفتي ، هذه القصة من اختراعك أنت ، ولا أصل لها . وأنا أقول إنها في الحقيقة " قصة باكستان " ، فالناس هنا يتوافدون مجموعات على الإناء ، فيأكلون ، وينصرفون ، وتأتي مجموعة أخـرى ، فتأكل وتنصـرف ، وهكذا يتداعـون على هذه " القصعة " ، لكنها لا تنتهي ، ويبدو لك الحال في الظاهر غاية في السوء ، لكن السيارات تملأ الشوارع ، ويزداد عددها يوماً بعد يوم ، والمحلات والدكاكين تزخر بالبضائع ، وتمتلئ بها عن آخرها ، وحمى التسوق في ازدياد ، والحفلات في الفنادق على أشدها ، ووجوه السيدات تزداد نضارة ، وتنطلق من أعينهن السوداوات سهام وأشعة ، ودرجات المكانة الاجتماعية والوظيفية في ازدياد ، والفارق بين الحـالتين " حـالة الدرويش وحـالة باكستـان " هو أن الذي جاء بـ " القصعة " في الحالة الأولى هو الدرويش المجذوب ، بينما الذي جاء بالقصعة في حالة باكستان هو الرب الجليل ، ولقد كنا نتحدث عن الفقر ، أما موضوع " القصعة " هذا فقد جاء عرضاً .
يا إلهي ، أين أنا :
سادتي ، هناك بعض خصائص الفقر التي يعرفها الجميع وإن كانوا لا يعترفون بها ، ولم أكن أنا أيضاً أعترف بها ، فأنا أعيش في مدينة الطبقات الاجتماعية والوظيفية " إسلام آباد " منذ عام 1972م ، حيث ترى " الجرسونات " و " الطباخين " و " الخفراء " يتجولون هنا وهناك ، إذ " البهوات " و " الهوانم " جالسون داخل " الفلل " و " القصور " ، لا تراهـم إلا مصادفة في غدوهم ورواحهم في سياراتهم ، أو في الفنادق والمطاعم والنوادي والحفلات ، فإذ رأيت المدينة من خارج البيوت حسبتها قفراً وخراباً ، لكن إن رأيتها من الداخل بدا لك النشاط والحركة .
ذات يوم ضللت طريقي – على ما أذكر – ودخلت في حارة من الحارات ، ولشد ما كانت دهشتي مما رأيت ، يا إلهي ، أين أنا ، ما هذا المكان ! لا يمكن أن تكون هذه هي " إسلام آباد " التي أعرفها ، إنها مدينة أخرى ، فالأسرّة الخشبية المتواضعة (26) منصوبة وسط الحارة ، والناس يجلسون عليها يدخنون " النرجيلة " ، يتحدثون ، ويضحكون ، ويقهقهون ، وأطفال شبه عراة يلعبون حول هذه الأسرّة ، ويثيرون صخباً وضجيجاً . أما السيدات فيجلسن عن كثب ينظفن " العدس " مما به من شوائب ، بينما تطل الفتيات الشابات من نوافذ البيوت وشبابيكها ، مما يوحي بأن هذه ليست " حارة " ، وإنما " عائلة " واحدة . وبسؤالي عرفت أن هذه مساكن صغار الموظفين في " إسلام آباد " .
هذه الحركة ، وهذا النشاط ، وهذه السعادة ، وهذه القهقهات ، وهذه الصلات والروابط والتقارب بسبب الفقر ، وكأن الله تعالى يجلس هو الآخر في هذه الحارة " يدخن النرجيلة " (27) ، ويسعد بمراقبة خلقه هؤلاء .
أيها السادة ، لا تزال في مدينة " إسلام آباد " بعض الحارات على هذا النمط حتى اليوم ، فإذا كنت تريد أن ترى الله فلا حاجة بك إلى الذهاب إلى المسجد ، فلن تجد الله فيه ، وإنما ستجد " مقاولي الدين ومحتكريه " يجلسون فيه . إن أردت لقاء الله اذهب إلى أحياء الفقراء ، فالله يجلس هناك ، واسمه يدوي في كل أرجائها ، هناك في البيوت تجد القرابة والأعمام والأخوال والأصدقاء والأحباب ، هناك العطف والمواسـاة والحب ، هناك حب الوطن بآماله وآلامه .


يا بنيّ :
سادتي ، كان " صوفي غلام مصطفى تبسم " (28) عالماً كبيراً ، وكان شاعراً . ذات مرة أخطأ فكتب يقول :
· هؤلاء الأبناء لا يباعون ولا يشترون في المحلات .
· فلماذا تبحثين عنهم في الأسواق .
وكان يجب أن يقول :
· هؤلاء الأبناء لا يوجدون في القصور والفيللات .
· فلماذا تبحثين عنهم في إسلام آباد (29) .
سادتي ، هؤلاء الأبناء من بركات الفقر .
لو لم يتم إيقاف هجمات الأبطال في حرب 1965م (30) لكانت صورة باكستان على غير ما هي عليه الآن ، ولكن من أوقف هؤلاء !. إنهم " الموظفون " أصحاب المصالح الذين بيعوا بالدولارات .
سادتي ، لا أجد في نفسي المقدرة على تقديم صورة صحيحة لعظمة الفقر ، ولكني أعرف بعض الأمور :
1 – الله يكون أقرب ما يكون في الفقر .
2 – الفقر يعلّم التعاطف مع الآخرين ، ولا تزال الروابط الأسرية قائمة عندنا بفضل الفقر ، وقد تفسخت هذه الروابط في أوروبا ، وهم في طريقهم إلى التخلص مما بقي منها ، وحيثما لا توجد الأسرة لا توجد روابط ، فالإنسان هناك ليس حيواناً اجتماعياً ، وإنما حيوان طبقي .
3 – الفقر يخلق لدى الإنسان عاطفة خدمة الآخرين .
4 – يقول المشاهير إن العظماء الذين ظهروا في هذه الدنيا من العلماء والمحققين ورجال المجتمع والفنيين كانوا دائماً من الطبقات الفقيرة ، ولم تقدم الطبقات الغنية حتى يومنا هذا رجلاً عظيماً ، إنما قدمت المرفهين المعربدين .
البيض والسود :
5 – يقول العلماء التجريبيون إن الناس كلما زاد ثراؤهم قلّت مقدرتهم على الإنجاب ، والخصوبة في أوروبا وأمريكا في تراجع ، فلا وجود للأسرة أصلاً من جانب ، ومن جانب آخر تتراجع الخصوبة ، ومن جانب ثالث فإن الفتيات الصغيرات بسبب الحرية اللامحدودة التي يمنحها لهن الآباء والأمهات يبحثن عن رفيق يقضين معه الليل ، وهن في ذلك يفضلن الرجل الأسود " الزنجي " على الرجل الأبيض ، ولا أدري ما السبب في ذلك ، البعض يقول إن هناك متعة جنسية كبيرة في معاشرة السود لما يتمتعون به من قوة حركية تتحول إلى طوفان أثناء اللقاء !! والبعض الآخر لا يعترف بهذا قائلاً إن الجسم الأسود يكون مضغوطاً مصمتاً ، والمسام فيه قريبة من بعضها البعض ، وهو ما يجعل الجسد أكثر قوة ومتانة وحيوية وطاقة . وسواء كان ما يقوله هؤلاء أو هؤلاء صحيحاً فإن الواقع يقول إن التقاء البيض بالسود يتزايد ويلقى مزيداً من القبول ، والرجل الأبيض يخشى أن تتحول أوروبا وأمريكا بعد خمسين عاماً إلى مناطق لا يبدو فيها سوى السود ، ومن الممكن أن يأتي يوم يضطـر الإنسان لكي يشاهد رجلاً أبيض إلى الذهاب إلى حديقة الحيوان .
سادتي ، أرجو المعذرة ، فقد خرجت عن قضباني مرة أخرى (31) ، وحدث نوع من الخروج عن المسار .
الواقي الذكري :
فمن ناحية تتراجع الخصوبة لدى الأغنياء ، بينما تتزايد لدى الفقراء ، فقد لا تجد في بيت الفقير طعاماً ، لكنك ستجد فيه ثمانية أطفال يملأون المكان ضجيجاً وصخباً ، وتاسعهم في الطريق إليهم . يقول مشاهير الغرب : انشروا الواقي الذكري ، وزعوه مجاناً ، ألزموا أطفال المدارس أن يحمل كل واحد منهم في جيبه " واقياً ذكرياً " ، ولا أدري ماذا ستكون نتيجة ذلك . ما زلت أذكر أنني حين كنت طالباً في الصف السـادس أشـرت على أحد أصدقـائي بعد أن أنجب ابنه الثالث بـ " الواقي الذكري " ، فما كان منه إلاّ أن سمى ابنه " ابن الواقي " (32) .
سادتي ، إن قائمة حسنات الفقر طويلة ، فالفقر يخلق قوة التحمل ، ويولد طاقة المقاومة ، ومسئولية النجاة ، يخلق المجاهد ، وفي النهاية أقدم لكم اقتباسات مما كتبه رجـل من أغنى بلاد العالم ، من اليابان ، وقد أسلم حديثاً . يقول :
" الواقع اليوم هو أن اليابان أكثر دول آسيا تقدماً في مجال الصناعة ، وقد غيّر التقدم التقني المهول وما ترتب عليه مجتمعنا كلية ، وسيطرت وجهة النظر المادية على كل شيء ، ولأن الموارد الطبيعية في بلادنا قليلة ، لهذا فإننا نعتمد بالدرجة الأولى على العمل الشاق والاجتهاد والكفاح ، فنشقى كثيراً من أجل الاحتفاظ بمستوى الحياة الذي وصلنا إليه ، وهذا هو السبب الوحيد الذي يبقي على صناعتنا وتجارتنا حية ، ولهذا فإننا منهمكون في سباق مادي لا أثر فيه ولو من بعيد للروحانيات " .
إن كفاح اليابانيين منصب على تحقيق المصالح الدنيوية فقط ، ولا وقت لديهم أصلاً للتفكير في قضايا الغيبيات وما وراء الطبيعة ، فلا دين لهم ، ولا مستوى روحاني ، وإنما يسجدون لتلك الآثار التي رسمتها مادية الغرب على وجه الزمان ، وكانت نتيجة هذا السباق ذي الاتجاه الواحد أن اليابان يتزايد إفلاسها روحانياً يوماً بعد يوم ، وأرواحهم مريضة يائسة تئن داخل أجسادهم القوية في ملابسها الجميلة .
" إنني على يقين وثقة أن العصر الحاضر يعد عصراً فاصلاً في مسألة نشر الإسلام في اليابان ، فلقد ارتقت الدول المتقدمة على وجه اليقين ، ولكنه تقدم مزعوم ، لأن هذه الدول مصابة بخواء روحي ، والإسلام هو الوحيد الذي يمكنه ملء هذا الفراغ الذي يشعر به أهل هذه الدول ، فإذا ما اتخذنا خطوات مؤثرة وفعالة تجاه نشر الإسلام في اليابان فإنني أشعر أنه خلال عدة أجيال قليلة ستحتمي اليابان كلها بأحضان الإسلام ، وإذا ما فتحت هذه القلعة فإنني أستطيع التنبؤ بمستقبل زاهر للإسلام في بلاد الشرق الأقصى ، وستكون اليابان المسلمة بمثابة الرحمة للإنسانية كلها " .
هوامش
18 - في الأصل " ان كا جولها كيون تهندا رهتا تها : لماذا كان موقد " محمد " يظل منطفئاً " ، وهي ترجمة حرفية قد لاتفي بالمعنى المقصود الذي أثبتناه ، ومع ذلك فإن مثل هذا التعبير الكنائي موجود ف العربية مثلما ورد في الأثر أنه كان يمر الهلال والهلال ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار .
19 - ورد في الأثر أن الله تعالى خيّر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أن يغنيه ، ويجعل له مثل جبل أحد ذهباً ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين .
20 - ربما قصد لا يذكر الله في مثل هذا البلد إلا قليلاً ، فقصد برحيل الله قلة ذكر الله ووروده على الألسنة وفي القلوب ، فكأنه رحيل الله ، والآية القرآنية التي تقول في سورة الإسراء ، آية " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " ربما تقرب المعنى الذي قصده المؤلف هنا .
21 - عاصمة تشيكوسلوفاكيا حينئذ .
22 - فقير وغني .
23 - أديبة من أديبات الأردية المعروفات ، تكتب القصة القصيرة ، وهي زوجة الأديب المعروف إشفاق أحمد رحمه الله ، وقد أشرنا إليها سابقا ً .
24 - الإشارة إلى " ذو الفقار علي بوتو " رئيس وزراء باكستان في السبعينيات من القرن العشرين ، وهو والد السيدة " بينظير علي بوتو " التي تولت رئاسة الوزارة في باكستان في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين ، وقد انتهى حكم ذو الفقار علي بوتو بانقلاب من الجيش قاده الجنرال ضياء الحق الذي اعتقل ذو الفقار علي بوتو وحكم عليه بالإعدام .
25 - سبق أن ذكر الكاتب هذه الحكاية بنفس العنوان في صفحات سابقة بتغيير في الأسلوب ، وهو ما يرجح أنه ليس خطئاً مطبعياً ، ولذا التزمت ترجمتها ثانية .
26 - الأسرّة في تصور الناس في شبه القارة الهندو باكستانية نوعان رئبسيان ، الأول وهو سرير النوم ، ويطلق عليه اللفظ الإنجليزي BED ، وأما السرير الآخر وهو المقصود هنا فهو ما يطلقون عليه ( جار بائى ) ، وهو عبارة عن أربعة قوائم من الخشب تمثل الأرجل ، يصلها ببعضها لوح خشبي ، ثم يشد هذا السرير بالخيوط والحبال بدلاً مما نسميه عندنا ( المللا ) ، وتوضع فوقه مرتبة خفيفة للغاية ، وقد يكتفى بمجرد ( ملاءة ) ، ويستخدم هذا السرير عادة في فصل الصيف حيث ينام الناس في صحن البيت أو فوق الأسطح بسبب الحرارة الشديدة .
27 - لا أظن إلاّ أن ممتاز مفتي أساء التعبير ، وتعدى الحدود ، وقد ترجمنا ما كتب للأمانة العلمية .
28 - صوفي غلام مصطفى تبسم من شعراء الأردية المعروفين .
29 - البيتان في النص باللغة البنجابية وترجمتهما كما ذكرنا وهما :
· ايـ بتر هتان تــ نئين وكديــ ** كيون لبدى بهرين بازار كريــ
· ايــ بتر بنكليان اج نئين لبديــ ** كيون لبدى سلامان باد كريــ
30 - نشبت هذه الحرب بين الهند وباكستان في الخامس من سبتمبر عام 1965م ، ورجحت فيها كفة باكستان إلى حد ما .
31 - يشبه نفسه بالقطار الذي خرج عن القضبان .
32 - في الأصل استخـدم الكاتب الكلمـة الإنجليزية المستخدمـة في الأردية للدلالة على الواقي الذكري وهي " كندوم " ، فلما أشار الكاتب - على حد قوله - على صديقه بالكندوم سمى صديقه ابنه " ابن كندوم " .

د . إبراهيم محمد إبراهيم