المقاربة النصية

--------------------------------------------------------------------------------
الطاهر مرابعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
نقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
الأثنين 22 أكتوبر 2007
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ





المقاربة النصية
الطاهر مرابعي




- قراءة في مقرر اللغة العربية للسنة الثانية ابتدائي-
مدخل

تطمح هذه الدراسة إلى بلورة مجموعة من المفاهيم النظرية التطبيقية التي يقدمها علم اللغة الحديث كأساس للمقاربة النصية تحقيقا للقراءة الفاعلة ، وغير بعيد عن مقرر اللغة العربية للسنة الثانية ابتدائي ، تترامى أطراف نظريات لسانيات النص كعلم يؤسس للمنظومة النصية ، وعلى أساس هذه المعطيات تم تفصيل توجهات البحث ، كدراسة وصفية تأتي أكلها من ناحيتين :
- فهي من ناحية إعادة تأصيل للأساس التصنيفي للمقرر .
- كما أنها قراءة في آليات الأداء التربوي الناجع الذي ينبغي للمعلم أن يسلكه .
تطرح لسانيات النص في صورة مجملة ثلاثة مستويات ، تعتبر حلا في منظورها لمقاربة أي نص ، وتأتي هذه المستويات على الترتيب : المستوى الدلالي / المستوى النحوي / المستوى الفونولوجي ، إضافة إلى مستوى لم نر ضرورة التطرق إليه على أساس عفوية أدائه من جهة ووضعية المرحلة التعليمية من جهة أخرى ، وإن كان حضوره ملموسا بشكل ما تحت لازمة ّ أقرأ وأميز ّ ، هذا المستوى هو المستوى الصرفي الذي تتناوله الدراسات الحديثة بمصطلح المورفيم .MORPHEME
هذا وقد حاولت هذه الدراسة الاعتماد على آخر ما تطرحه النظريات اللغوية المعاصرة والتي وجدت من نصوص القراءة حقولا خصبة لها .

I المقاربة النصية
المصطلح ولآفاق :
يرجع مدلول مصطلح المقاربة في اللغة إلى الدنو والاقتراب ، مع السداد وملامسة الحق ، فيقال : قارب فلان فلانا إذا داناه ، كما يقال : قارب الشيء إذا صدق وترك الغلو ومنه : قرب ، أي : أدخل السيف في القراب[1].
وبإعادتنا تركيب اللفظ للازمته ( المقاربة النصية ) نستطيع القول بأن هذه الملازمة تعني بصورة إيحائية ّ الدنو من النص والصدق في التعاطي معه بعيدا عن الحكم المسبق عليه .
بعودتنا إلى مدلول المصطلح ككل في عرف الاستعمال النصوصي اللغوي نجد أن المصطلح يقابل بمصطلح آخر هو الدراسة اللغوية للنص أو " لسانيات النص "[2] ، وبما هي دراسة لغوية ، فهذا يعني أنها لا تتخذ من الأحكام المسبقة منهجا لها .
فهل يعني أن من المناهج ما يتخذ منطلقات بعينها غير منهج اللغة في الدراسة ؟
والإجابة بطبيعة الحال تكون إيجابا ، لأن الكثير من الدراسات تتخذ من المعايير المسبقة ضوابط لتفصيل طبيعة النص ثم الحكم عليه ، ومن أمثلة ذلك النقد الإيديولوجي والنقد الأدبي اللذان يعتبران تصورا مسبق للنص ، لهذا برزت بعض النداءات للبدء في " النقد اللغوي للنص الجديد ".
كيف تكون دراسة النص مقاربة ؟
تكون دراسة النص مقاربة عندما تحاول " ملامسة سطحه " و " الدنو منه بصدق " دون الحكم المسبق عليه ، أي بجعل الدراسة اللغوية المنغلقة أساسا لذلك[3].

II المقاربة النصية وآليات التحليل
إذا كانت لسانيات الجملة تعتمد على مجموعة من المستويات التي ترى من خلال فرضياتها أنها السبيل للإمساك ببنية الجملة والإفادة بتحليلها ، فإن لسانيات النص تعتمد على المستويات نفسها ، لكن مع التعالي بها إلى ما يتجاوز حدّ الجملة أي – النص – وبعيدا عن مناقشات النص والخطاب والجملة وتحديداتها الدقيقة نبت في تحديد مستويات التحليل النصي التي تم إقرارها ضمن الدليل التربوي نفسه .
تتحدد مستويات التحليل اللغوي بالنسبة للسانيات النص على أساس النقاط التالية :
- المستوى الفونولوجي ( الصوتي )
- المستوى النحوي ( التركيبي )
- المستوى الدلالي[4]
من خلال تفحص المستويات المذكورة سابقا ، تتبين لنا آليات المقاربة النصية من منظور لسانيات النص ، وعلى هذا الأساس يمكننا تأطير عملية التحليل اللغوي باعتبار النص بنية دلالية مجردة كما يرى هالداي و روقية حسن[5] ، وقولنا بالبنية الدلالية يقتضي لا محالة اعتبار كل التخصصات انجازات نصية ، تكون الإحالة إلى نظمها المعرفية من خلال النظم اللغوية نفسها[6] إن فرضية كهذه تسعي لإثراء الرصيد اللغوي عند التلميذ ، هذا الرصيد الذي يتم اكتسابه عن طريق تشغيل المستويات التحليلية السابقة وجعل النص حقلا خصبا لها ، دون البحث عن الحقيقة خارجه ، طالما أن المعرفة العلمية الدقيقة بالنسبة للتلميذ مسألة معقدة ، كما أن الهدف من القراءة ذو طابع لغوي تواصلي بالدرجة الأولى .
تهدف القراءة كحصة مبرمجة في المقرر إلى تعليم التلميذ اللغة من جهة وإلى إكسابه آليات الفهم والاستيعاب وكذا اكتشاف السمة التركيبية التي ينبني عليها النص من جهة أخرى، وهذا إعدادا له لمرحلة الإنتاج والابتكار التي يحاول فيها محاكاة النماذج المثالية عبر إعادة تركيب النظم اللغوية .
يمكن اعتبار حصة القراءة الثانية التي تستهلك ثلاثين دقيقة من الوقت مرحلة إعادة استدراك لبنى النص اللغوية والتركيبية التي تم تحليلها من خلال حصة المناقشة الأولى ، لذلك فإن رهان أدائها مميزة متعلق بمدى الاستفادة من السابق والقدرة على تحقيق اللاحق ( كتابة ، تعبير ) ، وحرصا على الأداء الحسن لهذه المستويات ، سنحاول تناولها كل على حدة، مع تمييز خصائص كل مستوى بما يخدم الوظيفة التعليمية التي نطمح للوصول إليها .

III النص ومستويات التحليل
سوف نحرص من خلال ما سيتم تقيمه تحت هذا العنوان على ترتيب المستويات التحليلية بحسب تموضعها في مصنف القراءة للسنة الثانية ، آخذين بالطرح المقدم من طرف اللغويين

1 / المستوى الدلالي ( أشرح ) :
تأسس علم الدلالة كعلم يبحث في خصائص الكلمة المفردة وتحولاتها عبر التاريخ ليضع أسسا لنظرية المعنى ، وتفرع عنه دراسات مختلفة ( تاريخية ووصفية ومقارنة ) ومن ضمن ما يطرح هذا الحقل خاصية الترادف اللغوي التي لم تحض بتأييد الكثير من اللغويين من منطلق أن هذه الظاهرة ( الترادف) مسألة غير موضوعية[7].
ومن جهتنا نلمس تلك الميزة الواضحة ، إذا لا يمكن اعتبار كلمتين مختلفتين مهما كان الأمر متساويتين في المعنى ، فرغم ذلك التقارب إلا أن لكل وحدة لغوية مدلول يختلف عن الأخرى ، فبشيء من التأمل نجد أن كلمة (وفد) تحمل من الطاقات الدلالية ما لا تحمله كلمة ( جاء ) أو ( أقبل ) ، هذا فضلا عن تلك الطروحات التي ترى بإمكانية شحن المفردات المألوفة بدلالات غير مسبوقة كما يشيع استعماله اليوم في بعض النصوص الروائية والشعرية .
من هذا المنظور يبدأ التأسيس لمفهوم الدلالة السياقية كإجراء معقول للكشف عن المحتويات الدلالية للكلمات ، ومن وجهة نظر اللسانيات المعاصرة فإن الدال أو الصورة السمعية لا يشكل أكثر من رمز صوتي أو كتابي لمدلول يمثل الصورة الذهنية ، وهو بذلك يختلف عنه تماما إذ لا نلاحظ أية علاقة حتمية أو طبيعية بين الصورة السمعية والصورة الذهنية ، فتظل السمة التواضعية أساس العلاقة .
ومن هذا المبدأ يمكننا اعتبار الشرح الترادفي نقلا لرمز لغوي ( سمعي أو كتابي ) إلى رمز آخر ، بدل استحضار الصورة الذهنية التي لا يمكن لها أن تتهيأ إلا بالتوظيف السياقي الذي يفتح أفق الخيال لتمثل الفكرة .
إن أول ما يثير انتباه الملاحظ لمصنف القراءة للسنة الثانية هو ذلك التوظيف المقصود لنظرية السياق ، تمثلا كاملا ، إذ تجري معظم المفردات على المنوال التداولي
داخل الجملة ، وهنا ينبغي الإشارة إلى أهمية هذا العمل كونه يرسخ الكلمة كمدلول ومفهوم ، ومن الأداء الحسن للمعلم والكامل أن يصاحب هذه النظرية في عمليته التربوية عند تعرضه للكلمات الغامضة ، بأن يوظفها في جمل تعبر عن محيط التلميذ الذي يتطلع إلى الاهتمام به بمجرد سماع المثال ومنه يتوصل إلى التركيبة المفهوماتية للدليل اللغوي (الكلمة ) .

2 / المستوى النحوي ( التركيبي ) – الصيغ – :
من المعلوم أنه يقصد بالمستوى النحوي الجانب التركيبي لوحدات الجملة التي تشكل بدخولها في هذا التجانس نسقا اعتدنا على تسميته " الوظائف النحوية " ولقد استوفت الدراسات اللغوية العربية الجملة حقها من هذه الناحية وتمكنت من خلال النحو من ضبط قواعد ومعايير غاية في الدقة ، تمكنت من خلالها من تفصيل الأدوار الوظيفية للكلمات .
غير أنه وعلى مستوى النص لم يكتب لهذه الدراسة تقف عليه مما حذا بالدراسات المعاصرة إلى التنويه بضرورة الاهتمام بنحو النص ، خاصة بعد ظهور جهود هاريس الذي قدم من خلال تحليل الخطاب " نماذجا تجاوزت نحو الجملة "[8]
يمكن تحديد نحو النص من وجهة نظر لسانيات النص على أساس أنه نقل لمستوى نحو الجملة إلى نحو النص[9] ، وليس يعني بالضرورة قولنا " نحو النص " ظاهرة الإعراب وما يترتب عنها من توابع ، ولكن يقصد من ذلك " الجانب التركيبي " الجمل في تعالقها وتشكيلها للمعنى ، وهنا نذكر بفرضية البنية الكبرى Macro Structure التي ترى باحتواء كل نص جوهرا ظاهرا[10] يمكن الوصول إليه وتثبيته بعد ذلك من خلال البنيات الثانوية التي تتوزع عبر أنحائه .
وبما أن الدراسة الحالية موجهة بإزاء نصوص تلاميذ السنة الثانية فإنه من الضروري التأكيد على حضور نحو الجملة كخطوة أولى قبل الانتقال إلى مستوى النص ، إذ يعتبر الإمساك ببنية الجملة من خلال معرفة كيفية اشتغالها وطريقة تركيبها خطوة هامة نحو استيعاب بنية أكبر تتشكل من خلال النص، ويعاد تركيبها من خلال "التعبير "وتمارين الكتابة .
ضمن المصنف نعثر على آلية تربوية موظفة لخدمة هذا الغرض ، تقع تحت عنوان – صيغ – وعقب كل نص قراءة نلاحظ توظيف صيغة بعينها ، مستخلصة من النص نفسه ، يأتي استخراجها منه تحويرها ومقتضيات الصياغة كصورة تمرينية لإكساب التلميذ مهارة اتخاذ مواقفه اللغوية عند الحاجة ، وتدور مجمل هذه الصيغ حول آليات البناء النصي ( تعالق البنيات ) والتي تتلخص في صورة عامة في أدوات الربط والنفي والاستفهام والضمائر ...
ينبغي على الممارسة التربوية قبل الشروع في انجاز تمارين الصيغ البدء في تقديم خاصية الصيغة وميزتها ثم حقل اشتغالها في عجالة ، حتى تكون انطلاقة الانجاز على بينة وتقويم الخطأ لاحقا على قناعة .
وقبل إنهاء عنصر المستوى التركيبي ينبغي الإشارة إلى الدور الذي تقدمه الأسئلة المتضمنة تحت لازمة – أجيب – والتي تصب في دورها في هدف تشكيل البنية الكبرى من خلال استقصاء الوحدات الدالة في بنية النص وحتى لا يفوتنا إغفال عنصر أساسي صار من البديهيات في نظريات القراءة والتلقي ، بل حجر أساس لها فإننا نشير إلى أهمية العنوان[11] ودوره ، حتى أن الدراسات الأسلوبية جعلت منه أحد أهم مفاتيح النص ومداخله
ويأتي الربط بين دور الأسئلة ، مجال بحث البنيات الثانوية والعنوان كدليل للنص لإثبات ذلك التعالق ، أو لنقل لتحصيل حاصل .

3 / المستوى الفونولوجي – الصوتي – ( الإملاء ، الخط ) :
ترتكز الدراسات الصوتية في مجملها على آلية الأداء اللغوي ( الكلام ) أو التمثيل للمنظومة اللغوية الجماعية ، وهذا يعني حتمية التمايز تبعا للفروقات الصوتية الفردية ، غير أن الدراسة العلمية لهذه الظاهرة قادرة على الإحاطة بتلك الفروقات التي لا تمثل أية مشكلة ما لم ترتبط بعاهات نطقية بعينها ( مجال علم الأرطوفونيا ) .
كانت للدراسات الصوتية العربية السبق في مجال هذا العلم مجسدة في " علوم القراءات والترتيل " ، التي حرص المسلمون بحرصهم على القرآن الكريم على ضبطها تنظيرا
وتطبيقا ، غير أن ما تقدمه الدراسات الغربية في مجال البحث الصوتي اليوم تجاوز بخطوات كبيرة ما توقفت عنده الدراسات العربية ، وتعد الكتابة الصوتية[12] أبلغ معالم هذه القفزة.
بعد هذه الإشارة الخاطفة لمجال الصوتيات نعود إلى مصنف اللغة العربية للسنة الثانية ابتدائي لنركز على القسم الذي يستثمر من المجال الصوتي آلية التوظيف .

أ / الإملاء ( أقرأ وأميز ) :
إذا أخذنا بمقولة إدوارد سابير التي ترى بأن الأشكال الكتابية رموز الرموز[13] ، فإنه يمكن لنا تفسير الظاهرة الصوتية اللغوية على أنها رموز نطقية تواضعية ( دوال) تتجسد مرة أخرى عن طريق رموز كتابية صامتة ، وحين ذلك نضطر إلى تأكيد ضرورة تمييز النطق رسما كما تميز صوتا .
من خلال مقرر اللغة العربية الذي نحن بصدد دراسته نستشف هذه الخاصية التي تجعل من محور التمييز الصوتي مبدأ أساسيا في طريق التمييز الرسمي ( الإملاء ) ، إذ ينبغي للتلميذ إدراك الخصائص الصوتية المختلفة للحروف ولظواهر المد والتنوين ، وكذا تحديد ضوابط الحرف المنطوق الذي لا يرسم في مثل أسماء الإشارة وضوابط الرسم التي لا يحددها الصوت في مثل ألف الجماعة .
يتهيأ للأداء اللغوي السليم للمعلم إمكانية توفيق المتعلم إلى الاسترشاد بتلك الميزات الصوتية التي سبقت له الخبرة بها عن طريق القراءة والجو التواصلي في القسم وفي مستوى أكثر استيعابا يتلقى التلميذ خصائص الأداء الصوتي من خلال الجمل ، ثم لاحقا من خلال النص .

ب / الخط ( أحسن خطي ) :
تعتمد مرحلة الكتابة وتحسين الخط بشكل منطقي على الدليل الصوتي الذي تعلمه التلميذ وتلقاه قبل إدراكه لتفصيلات الحروف ورسمها ، بل إن الوظيفة الاجتماعية نفسها تفرض تلقي الملفوظ خارج المدرسة ، قبل الحرف المرسوم ، من هذا يمكننا اعتبار

وضعيات تشكيل الحروف مراحل دخيلة على ثقافة التلميذ.
يتسلسل الأداء الصوتي بالنسبة للتلميذ من الحرف إلى الكلمة إلى الجملة البسيطة ويشارك في تشكيل قدرة التعاطي مع الكتابة جانبان :
- الجانب الصوتي الذي تمثله القراءات المتعددة للجملة أثناء الدرس والتي بموجبها تتميز دلالات الفونيمات .
- الجانب الخطي الذي ارتسم في ذاكرة التلميذ بعد تمرنه عدة مرات على الكتابة .
يمكن للأداء الصوتي للمعلم أن يساهم في حد كبير في تنمية القدرة على الفهم والكتابة ، لكن لن يتأتى ذلك إلا بعد تمثل القراءة للضوابط الأدائية التي تحدد مصير الكلمة والجملة بل والمعنى ، عبر ظواهر النبر والتنغيم[14]... ، من هذا التأسيس فإنا نفترض مرحلة القراءة والتحليل تفترض مرحلة أداء صوتي لا متناه ، يستقي التلميذ منها مادته الصوتية ويميز بها خصائص البنية الفوقية Super Structure.

IV فعالية القراءة والإنتاج
محورية نص القراءة :
بعد تحريك مستويات التحليل الثلاثة السابقة التي تم شرحها يكون النص قد استوفى حقه من الدراسة اللغوية وفق آخر ما تطرحه النظريات التحليلية للسانيات النص ، وليس بعد هذا إلا بالعودة إلى نقطة مهمة تتعلق بالجانب الصوتي .
فبما أننا قد تجاوزنا مستوى الجملة إلى النص فإن طريقة الاهتمام بالجانب الصوتي سوف تنتقل من وضعية إلى أخرى ، وهنا تطفو على السطح خصيصة البنية الفوقية SUPUR STRUCTURE، إلى جانب إشكالية المعنى التي ترتبط بخصائص صوتية (النبر التنغيم ...) .
فعلى مستوى البنية الفوقية يمكن للقراءة الأدائية أن تميز نصا حواريا من نص وصفي وهو ما يزيد من جمالية التلقي ، والتنبيه إلى خصائص كل نوع بطريقة إيحائية ، فوضعيات الأحداث في تسلسلها وحبكتها وأشكال حوارها ميزة تزيد القراءة التمثيلية لها فرادة وجمالا .
من منطلق أهمية نص القراءة ومحوريته بالنسبة لمختلف الفعاليات اللغوية التي تجري من حوله ( كتابة ، تعبير ، إملاء ) ثم إدراج جوانب مهمة تثري الموضوع وتفتح آفاقه ، وسيأتي ذكرها في النقاط التالية :

أ / التعبير وتفعيل القراءة :
تختلف وظائف نصوص القراءة في كتاب السنة الثانية بحسب مواضيعها ، وتتراوح عموما بين التواصلية / العلمية والإيحائية ، إضافة إلى مجموعة من المنظومات ذات الهدف التربوي ، وتجمع هذه المنظومات بصورة عامة أشكالا تجديدية في منظور الحداثة العربية تمس أساسا بجانب البناء والروي ، هذا عن خصائص النصوص المقررة ، لكن كيف تتبلور فاعليتها مع التعبير ؟
مباشرة بعد استكمال جوانب التحليل المتضمنة في الكتاب ، يكون التلميذ قد استوعب مسائل ( الصياغة ، التركيب ، الصوت ، الرسم ) ، كما تهيؤه نصوص المحفوظات من خلال التداعي اللاشعوري للدوال ( الكلمات) إلى الدخول في مرحلة الإنتاج والتوليد الدلالي أثناء التعاطي مع التعبير .
فماذا يمكن أن يكون التعبير ؟
موضوع التعبير يمكن أن يكون صورة تستقبلها العين أو كلمة تلتقطها الأذن ، أو فكرة تثير الفضول أو ظاهرة تسترعيها العين ... ، بهذه الصورة يمكننا نعدد إمكانيات وفرص لا حصر لها لإثارة موضوع ما ، ومن ناحية الأداء التربوي يمكن أن يكون حادث سقوط مطر خرج القسم أو صورة مطرية على الجدار ، أو إماءة لقشعريرة بدن موضوع تعبير يستقطب فكرة واحدة ويصورها بأكثر من صورة .
إن أية عملية تأطير لمادة التعبير ينبغي أن تصاحب التفكير الحسي للتلميذ في هذه المرحلة كجعله شخصية افتراضية لموضوع ما ، يتخذ من مجال إدراكه لها ومعايشته لأحداثها بنية من بنيات نصها ، أو بوضعه بإزاء وقائع معلومة تتابعاتها، كما هو مبرمج في كراريس التمارين ( ترتيب أحداث بالصور ) ، وما يبقى للتلميذ بعد ذلك إلا استحضار الرصيد اللغوي المكتسب من خلال الآليات الثلاثة المذكورة أنفا وإعادة تركيبه بصورة خاصة .
تنازعت مسألة القدرات التعبيرية لدى الأفراد مدرستان ، ترى الأولى منهما اختزال هذه القدرات ( المدرسة الفرنسية السويسرية ) ، وترى الثانية إمكانية ظهور طاقات تعبيرية بعينها خلافا للمعتاد ( المدرسة التوليدية لتشومسكي )[15] ، وبمعاينة بسيطة منا للواقع الإبداعي نلمس الحضور الفعلي للفرضية الثانية على اعتبار نتائج التحويل الدلالي الباهر الذي أفرزته الثورة الحداثية ، من هذا المنطلق ينبغي لنا أن نثق في مثل هده القدرات على أن نتوقعها بحسب المستويات التي تنتجها .

ب / حقول النص وآليات التشفير :
تتمظهر القراءة والكتابة في فعلين أساسين هما الصوت / النطق والرمز / الرسم ، ويمكن من ناحية مبدئية اعتبار تداخلهما من حيث القراءة هي تأمل في الحرف المرسوم ونطق له ، كما أن الحرف المرسوم هو تفعيل للصوت وتمييز له ، وبعودتنا إلى مقولة إدوارد سابير السابقة التي تلخص الأشكال الكتابية على أنها " رموز الرموز " فإنه يمكن
اعتبار الحرف رمزا من الدرجة الثانية ، وبالتالي الصوت رمز من الدرجة الأولى، وحين ذاك نقول :
ما وجه رمزية الحرف ؟
بالعودة إلى ثنائيتي سوسير اللغة / الكلام نتفق على أن اللغة بصورة مجملة منظومة مفهوماتية وهمية لا تجد طريقها إلى التجسيد الا من خلال ظاهرة النطق ( الكلام ) وحينها لن يكون الكلام هو الصورة الذهنية بذاتها ، ولكن يكون رمزا يعبر به عنها ويعبر به بعد ذلك عند حالات الضرورة برموز أخرى تتشكل كحروف مرسومة تثبت ما قد يتعرض للإهمال والنسيان ، وفي كل الحالات فإن تلازم الظاهرتين (الصوت والرسم ) صار ضرورة حضارية في المجتمعات المعاصرة ، وعلى هذا الأساس ينبغي تمكين التلميذ من الآليتين معا ، فمرحلة القراءة التي تستحوذ على قسم كبير من الجانب الصوتي فيما يبدو ، هي في الواقع قراءة مستمرة للحرف في شكله وترتيبه ونطقه ، أو أنها كتابة وهمية تصورية ، وبعد هذه العملية الخفية مباشرة تأتي مرحلة التمرين الحقيقي لإعادة اختبار الكم الممارساتي المكتسب بحاستي – البصر والسمع – ولا يمكن ملاحظة هذه الخاصية بدقة إلا عبر ظواهر صوتية رسمية بعينها ، عندما تتداخل خاصية الرسم والنطق في مثل حرفي (الدال والذال ) و ( الضاد والظاء ) و( الراء والزاي ) ، إذ يشكل الصوت الدقيق فاصلا في تحديد الرمز المستدعى للتسجيل وفصله عن شبيهه النطقي والرسمي تصورا وانجازا .

ج/ من التجريد إلى الحسي :
يمكن ولوج باب هذا العنوان الجزئي بنقطة استفهام نجملها في الصيغة التالية :
ما هو التعبير ؟
يصر علماء المعرفة على اعتبار التعبير مظاهر فيزيقية تستقبل عن بواسطة الحواس[16]، وهو تعريف يخرج عن زاوية القصد والوعي إلى اللاوعي والسهو ، كما أن في كلمة فيزيقية من التجريد و اللاتحديد ما يعدد من جوانب التعبير وكيفياته ، غير أن
الذي يهمنا نحن في هذا الجانب هو التعبير الشفوي أو الكتابي ، وما سوى ذلك من تعابير فإنها تساهم في تفعيل دور المعلم مع تصرفات التلاميذ وكيفية تفسيره لها من حيث تكون مساعدة على التعاطي مع الجوانب الفارقية .
من جملة المظاهر الفيزيقية التي هي من التعبير " الكلمة المنطوقة والمرسومة " وهي تبعا
لذالك تستقبل إما بواسطة الأذن أو بواسطة العين،وهنا لابد "للكلمة المنطوقة و المرسومة " من مثير يستفزها لتتحقق،ولن يكون هذا المثير إلا صورة أو صوتا.
بهذا يكون ما تلتقطه الأذن و ما تسترعيه العين " مثيرا " يستقطب رد فعل هو
" التعبير " ويكون في صورتين :
* التعبير الشفوي.
* التعبير الكتابي.
وعلى أساس ضعف القدرات الذهنية للتلميذ في هذه المرحلة فإ ن دور المعلم في حصة
التعبير الشفوي ،يعتبر أساسيا ،وذلك من خلال تدخله في تحديد عناصر الصورة (المشهد)
التي تمثل بؤرة الحدث ومركزه .
تترامى الأطراف الدالة في المشهد وهي في تصور التلميذ أحداث عائمة ينبغي ضبطها
والإمساك بها ، فتكون الحاجة حينها إلى " المصطلحات والكلمات الجديدة " من جهة كما
تكون الحاجة إلى ضبط سيرورة الحدث ،الذي سبق تمثل له من خلال نص القراءة ، الذي سيكون بدوره ركيزة أساسية في بناء نص جديد .
وتأتي مرحلة التعبير الكتابي ألتي تمثل الجانب المميز لتحضر فيها كافة الفعاليات
مساهمة في هذا الإنجاز .
تستقطب حصة التعبير الكتابي من حصة التعبير الشفوي طريقة استنطاق المشهد
وصناعة الحدث ، ومن حصة الكتابة (صيغ ، إملاء ،خط ........) آلية تنسيق الكلمات
ورسم الحروف ، ومن نص القراءة مثل الأحداث ووقائعها ، لتتفاعل جميع هذه المعطيات
مشكلة قدرات إنمائية مميزة ترفع من المستوى الأدائي للتلميذ .



خاتمــــة :
تعد طريقة العمل التربوي وسيلة لا بديل عنها لمواكبة الطرح المقدم في كتاب القراءة ،
وعلى أساسها يتحدد مدى نجاح المشروع المقرر ، وبالتزام المعلم بالكيفيات التربوية
التي تم تناولها في هذا البحث أي في ظل الممارسة الواعية ،يمكن لنا أن نطمئن
لإمكانية النجاح والفعالية .
يصبو هذا البحث للوصول بكل من يهتم بالقضايا اللغوية والإشكاليات التربوية
إلى اقتراح فرضيات ، يرى أنه قد تم اختبارها بما فيه الكفاية من أجل طرحها
ومعاينتها كبدائل مهمة ونافعة يمكن أن تعوض إلى حد ما ظاهرة الفتور والضعف
حيال اللغة العربية وتصل إلى مواكبة الطروحات الجديدة ، ومجمل هذه الفرضيات
التي ترتبط بمستويات التحليل في النقاط التالية :
- أن مفردات اللغة لا تعرف قيمتها الحقيقية إلا من خلال السياق .
- أن البنية النصية تحقق فعلا " تعالقا " يتجلى في المستوى التركيبي للنص ككل
وأن المعنى فيها أبين في الكل منه في الجزء.
- إن الصوت ميزة أدائية يرتهن بها مصير المعنى ووجهته كما يرتهن بها مصير
المستوى التعليمي و نجاعته .
وليس لهذه الفرضيات أن تنطلق من عدم بل هي قيد التجريب والإثراء من زمن
لكن يبدو انه من الضروري تأكيدها كذالك ،ترسيخا لضرورة الممارسة الواعية عند
معلمينا ، حتى تجد طريقها إلى النجاح .


الهوامش

--------------------------------------------------------------------------------
[1] - المنجد في اللغة والأعلام ، دار الشروق ، بيروت ، الطبعة الثلاثون ، مادة ( قرب )
[2] - منذر عياشي ، الكتابة الثانية وفاتحة المتعة ، المركز الثقافي العربي ، الطبعة الأولى ، 1998 ، ص 149
- م . ن ، ص 147
[3] - م . ن ، ص 148
[4] - منذر عياشي ، الكتابة الثانية وفاتحة المتعة ، ص 119
[5] - سعيد يقطين انفتاح النص الروائي ، المركز الثقافي العربي ، الطبعة الثانية ، 2001 ، ص15
[6] - منذر عياشي ، الكتابة الثانية وفاتحة المتعة ، ص 156
[7] - محمد الأنطاكي ، الوجيز في فقه اللغة ، دار الشروق بيروت ، ( د ، ط) ، ص 399
[8] - صبحي إبراهيم الفقي ، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق ، دار قباء ، الطبعة الأولى ، 200 ، ص 51

[9] - منذر عياشي ، الكتابة الثانية وفاتحة المتعة ، ص 119

[10] - صبحي إبراهيم الفقي ، علم اللغة بين النظرية والتطبيق ، 59 – 60

[11] - م.ن ص61
[12] - عبدالعزيز السويل ، أين الألفبائية الصوتية العربية ، مجلة الفيصل ، العدد 110 ماي 1986
[13] - محمود السعران علم اللغة ، دار الفكر العربي ، 1997 ، ص51
[14] - صبحي ابراهيم الفقهي ، علم لغة النص بين النظرية والتطبيق ، ص63
[15] - ميجان الرويلي ، السعد النازعي ، دليل الناقد الأدبي ، المركز الثقفي العربي ، الطبعة الثانية ، 2000، ص 126
[16] - صلاح فضل ، أساليب الشعرية المعاصرة ، دار الأدب ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1995 ، ص15
الطاهر مرابعي