ثقافة المقاومة هى العلاج الناجع لكل أمراض الحياة السياسية ، لابد من ثقافة المقاومة أيا كانت النتائج ، لابد من شحذ كل العقول الواعية والمدركة بمصيرها ومسيرها ، واستبعاد الفكر التلفيقى التبريرى من ساحة المقاومة .
إن ثقافة المقاومة وفى الوقت الحاضر_ والتى تعلو فيه أصوات الندامة ونواح العبيد _هى فرض عين وليس فرض كفاية ، إنها ضرورة ملحة ، بها تستمر الحياة ، إنها كالطعام والشراب ، فالعدو يقضى على شىء ، يقضى على كل مظاهر الحياة ، يقتل وبشراهة وتلذذ ، الأطفال والرجال والنساء ، يمثل بجثثهم ، ويسومونهم سوء العذاب ، لأنهم يدافعون عن شرفهم وعن وجودهم وعن أرضهم وعن كرامتهم وعن حريتهم ،يدافعون عن إنسانيتهم المهدورة وتاريخهم المهان .
إن ثقافة المقاومة هى السلاح الباتر لكل محاولات الإستسلام والتسليم .
إن ثقافة المقاومة فكرة راسخة فى عقول ووجدان كل أمة ، إنها تعبير عن إرادة الحياة ، إرادة الوجود.
إن ثقافة المقاومة لا تنحصر فى البعد الحربى أوالعسكرى ، بل تعنى كل ما يمثل الوجود والبقاء من ثقافة وفنون وآداب .
التسميم السياسى ، أول مرض من أمراض الحياة السياسية ، يحا ول الملفقون نشره والسعى وبكل قوة وبأس ، طرحه فى الساحة والإلحاح عليه بل وتدبيج النظريات النقدية والتنظيرية !!!!!!!!
إنها غسيل المخ الجماعى والإدراك الفردى نحو غاية محددة سلفا ، ألا وهى إعلاء قيم بديلة لقيم تاريخية فى الإدراك الجماعى ، وغرسها بديلا عنها ، بل وهدم كل ما يمت لها بصلة ، وإنشاء قيم تتوائم مع مقاصدهم الإستعمارية ، وتضخيمها بصورة ملحة وإهمال القيم التاريخية المترسبة فى الوعى الجمعى أى أنها محاولة جادة وحثيثة فى تزييف الوعى والقضاء عليه.
وأقول وبثقة :إنه صراع وجود لا صراع حد ود.
وكنت مدهوشا _ وأثناء دراسة التاريخ المصرى القديم ، فى كلية الحقوق جامعة القاهرة _، والمحاضر الأستاذ الدكتور / محمود السقا ، أستاذ فلسفة القانون آنذاك 1972/1973وهو يؤكد لنا (أن ا لأسكند ر المقدونى وغزوه لمصر ، خشى كهنة مصر ،على المعابد والحضارة المصرية من هدمها وهى التى تشكل العقل الجمعى والضمير الفردى والوجود الحضارى ، فحاولوا أن يوهموه أنه أحد ألأرباب المقدسين ، وذهبوا به إلى صحراء سيوة ..)))
ولكن بعد هلاكه ، وفترة التزاوج السيا سى وما قامت به كليوباترا ُثم إنتحارها فى ظروف غامضة ، كان هدم المعابد المصرية الهم الأول والأخير ، ومحاولة نشر النموذج اليونانى ، إنها تدمير للماضى العريق وقضاء مبرم على الوعى القومى وغرس قيم بديلة ومحو اللغة ونشر الثقافة البديلة ، وتخلص السبل المرادة فى التسميم السياسى فى عدة مراحل ::
مرحلة أولى : التعامل مع أدوات حمل العدوى الفكرية .
مرحلة ثانية : إختيار النخب/ الصفوة من أهل البلد /المثقفين والتعامل معهم ومد حبل الوصال والتشجيع على الحصول على المكاسب والمكانة وذلك لإضعاف الأسس والمرتكزات السياسية والفكرية والدينية وإختراق المفاصل المتحكمة فى الجسد السيا سى والعقل المثقف وحتى يتكلموا بلغته (((العدو)) ويعددوا مناقبه وحسناته ومميزاته وتحسين وجهه القبيح ، وأن ما هو كائن خير آلاف مما سيكون ، وأن المواجهة خسارة فا د حة والرضاء بالواقع،،،، محتوم ،،،،،، وما لنا قد رة على القتال !!!!!!!!وإزالة التوترات والأحقاد ومحاولة نشر السلام والتفاوض البناء مع العدو المغتصب .
مرحلة ثالثة : الهجوم المركز والمستمر على الجماهير فلقد استوت الطبخة المسمومة ، فلقد أصبح الجسد مترهلا متورما ، والمفاصل فقدت القدرة على التماسك ، وتفتييت الوحدة الوطنية هو الهدف المنشود ، وخلق العملاء والدعاية المباشرة، وفى الصميم ،والندوات والمؤتمرات ونشر الكتب بل بيعها برخص التراب بل توزيعها مجانا ، استغلال الأذناب الفكرية وإفشاء التحلل الجنسى وإثارة النعرات الطائفية والحروب الأهلية والهدم للمقدسات والسحق والمحق للوطنيين .

ولا أنسى ما سطرته يراع الدكتور النويهى فى كتابه( الإتجاهات الشعرية فى السودان) سنة 1957 طبعة معهد الدراسات العربية العالية ، جامعة الدول العربية .
{{ فرض هذا الإستعمار عليهم نفسه بقوة النار والحديد ولم ينجح إلا بعد أن قتل منهم عشرات الألوف من الأبطال الذين استشهدوا ببسالة نادرة المثال أمام قوته العسكرية الطاغية ، تلك القوة التى استغل المستعمر علومه الحديثة الناضجة كى يتفنن فى اختراع آلات الدمار لم يقو البدو على صدها .
ولا نظننا مخطئين حين نعتقد أن هذا العامل الوطنى هو جماع كل تلك الأسباب والدوافع ، ففيها التقت جميعا وتعاونت وتفاعلت فيهم ،حين حاقت بهم الهزيمة العسكرية ، بذلوا جهدهم فى الإحتفاظ بعزة نفوسهم ، ومدواة جروحهم المكلومة ، فلم يجدوا سوى التشبث بعروبتهم من ناحية ، والتمسك بدينهم الإسلامى من ناحية أخرى ، وعاونهم على ذلك أن كلا العروبة والإسلام هو فعلا عظيم الأثر فى تقوية العزة النفسية .}}}
عبدالرؤوف النويهى
المحامى بالنقض