معاقبة المواطن على ذنب لم يقترفه: رفع الدعم عن المشتقات النفطية ليس قدراً


بقلم: النور


وضعت الحكومة اللمسات الأخيرة على مشروع قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وتنحصر المسألة الآن في اختيار التوقيت المناسب لإصدار القرار، وتنفض الحكومة يديها من الالتزامات المتوجبة عليها، وتتخلى عن وظيفة أساسية للدولة بالانحياز إلى جانب الطبقات الفقيرة والكادحة وذوي الدخل المحدود.

وبات بحكم المؤكد أن الإجراءات التي حُذّر منها وأثير حولها الجدل قد تأخذ طريقها للتنفيذ، وخاصة تلك الإجراءات التي تضع الملامح الأساسية »للبرلة« الاقتصاد الوطني، وتغير من كنهه وتبدل ماهيته وتلتف على مضمونه. ويبدو واضحاً وجلياً أن مطرقة رفع الدعم عن المشتقات النفطية ستقع على رأس الفقراء والمعوزين والذين دخلهم كفاف يومهم بالدرجة الأولى، ويشكل هؤلاء نسبة كبيرة في المجتمع السوري، وستصيب هذه الإجراءات منهم مقتلاً وستؤدي حتماً إلى مزيد من تدهور أوضاعهم المعيشية وبالتالي زيادة إفقارهم.


بدأت المكنة الإعلامية الحكومية بالتسويق لمشروع القرار وتقديم الذرائع غير المقنعة إطلاقاً حول إيجابياته. وتزعم المصادر الحكومية أن رفع سعر ليتر المازوت إلى 12 ليرة بدلاً من 7،30 ليرة، وسعر ليتر البنزين إلى 40 ليرة بدلاً من 30 ليرة، وأسطوانة الغاز إلى 250 ليرة بدلاً من 145 ليرة، وطن الفيول إلى 7500 بدلاً من 6500 ليرة، سيحقق وفراً قدره (61 مليار ليرة) تقترح الحكومة توزيعها، إما بزيادة على الرواتب والأجور تتراوح بين 15 و20%، أو منح كل أسرة مبلغ 12 ألف ليرة سنوياً، علماً أن عدد الأسر هو 3،4 ملايين أسرة، مع تشكيل صناديق لدعم الصناعة والزراعة وللرفاه الاجتماعي.

والسؤال: لماذا يعاقَب المواطن بإجراءات مؤلمة كهذه على ذنب لم يقترفه؟

إن مشروع القرار الآنف الذكر هو بحد ذاته عقوبة للمواطن، أما الذنب الذي لم يقترفه المواطن فهو عجز الحكومة عن تأمين موارد إضافية لتغطية نفقات دعم المشتقات النفطية والبالغة نحو 350 مليار ليرة في العام القادم، وفشلها في القضاء على التهريب، علماً أن قيمة الدعم الإجمالية هي قضية إشكالية وخلافية بين أعضاء الفريق الاقتصادي وبعض الخبراء والاقتصاديين.
كانت الحكومة قد أشاعت أننا مقبلون على قرارات مصيرية، والآن تحاول وصف ما سيجري بأنه قدر لا محيد عنه، ومنذ العام 2004 والحكومة تُعِدُّ ما يلزم، وتجري الدراسات وتطَّلع على تجارب الدول الأخرى، بهدف اقتناص الفرصة والانقضاض على الدعم. وكان أول غيث قراراتها المؤلمة والصعبة والمصيرية مشروع قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية وترك المواطن عرضة للسوق ووحشيتها.
من نوافل القول التعريج على ارتفاع تكاليف الحياة والزيادة المذهلة المرتقبة في الأسعار لحظة إعلان القرار. وعلى الضفة الثانية لم نجد مبرراً لهذا القرار المرتقب سوى تطبيق وصفات وسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين. ويغدو الإجراء المنتظر التالي هو الخصخصة بالتأكيد، وإلا ماذا يعني اتخاذ قرارات غير شعبية كهذه القرارات؟!
لا نعتقد أن المواطن سيقف مكتوف الأيدي ويقبل بقرارات ترافقها الآلام، وتمس مصالحه وقوت يومه، ولن يكون مغلوباً على أمره في الدفاع عن حقوقه ومكتسباته، وإذا كانت الحكومة جادة في التشاركية وطرح المسألة على النقاش العام فعليها أن تستمع إلى الآراء الأخرى، وأن تكون منحازة للضعفاء اقتصادياً، وألا تحابي الشرائح والطبقات الغنية على حساب الفقراء.