البناءُ العالي المُكتمل:
الشخصُ الذي تُعجَبُ به في أي بابٍ يُشبه البناء الجميل المُكتمل، يراه الناس وقتَ اكتماله
لم يروا مُقدماته ولا أسسَه، وكذلك لم يروا منظرَه ولا نقصه قبل أن يكتمل. أو يُشبه الجبال الرواسي ترى أعلاها ولا ترى أسفلها مع أنه الأصل والأساس
فهكذا: خلف كلِّ فالحٍ قلبٌ يرجو ويطلبُ وجوارحُ تسعى وتعملُ، ونقصٌ، وتجاربُ كثيرة وإخفاق(1)
لكنّه - فقط- لم يتعجّل الاكتمال، ولم يُعجزْه الإخفاقُ، وصَبرَ، وبقِي يحاول، ويبني صرحَه حجرا على حجر، ويمشي خطوة خطوة، يسقط فينفُض التراب وينهض من جديد ويواصِل السعي ..حتى وصل إلى الحال الذي أعجبك..
* نفسُ ذلك الشخص الذي تُعجَب به وترجو أن تكون مثلَه
لو كنتَ رأيت بداياته لم يكن ليثيرَ اهتمامك.. تماما كهذا البناء الجميل وقت إعداده قبل اكتماله…
فحينما ترى أُمًّا ربّتْ صالحين وصالحات، أو ترى بطلا رياضيّا، أوطالبَ علم متميّزًا، أو مهندسا ناجحا ،أو شخصا مُتقنًا للغة أجنبيّة ،أو حافظَ قرآن ماهرا به يتلوه كلّه من صدره كما تتلو الفاتحة
تقول: أريد أن أكون مثلَه =فلابد أن تستحضر السبيل الذي سلكه لتعرف: كيف صار ولماذا، فتتطلبه وتسعى فيه وتصبر، ولكنّ كثيرا من الناس يريد أن يكون مكان البطل وقت المَغنَم/ استلام الجائزة ،دون أن يسلُك طريقه الشاقّة إلى تلك البطولة ! وهذا لن يكون.
ولو كان لَما بقيَ للنجاح طعمٌ، ولا فَرحةٌ
فإنّ التعب والبذل في الإعداد =هو سِرُّ الفرح عند التتويج والجزاء، ومما لا ينقضي منه عجبي أن أرى كثيرا من الناس يطلبون مطالب عالية ويريدون وصفةً سحرية/سرية/سريعة تُوصِل إليها دون تعب أو تخطيط أو سعي! وهنا يظهرُ النّصابون في كل مجال ليصطادوا أولئك الطمّاعين الذين يريدون شيئا لم يدفعوا ثمنه ولم يطلبوا طرقَه المشروعة ويدفعون للنصابين عِوضًا ما؛ كسرابٍ بقيعة يحسبُه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، فيكون جزاؤهم: أن يخسروا ما يملكون ولا يُحصِّلون ما يُريدون وما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسهم
****************
(1) (الإخفاق: ألا تُحصّل ما تطلب، وفي الحديث" وما من غازيةٍ أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم" ومعنى الإخفاق هنا: أن يغزوا فلا يغنموا شيئا، وكذلك كلُّ طالبٍ حاجة لم يظفر بحاجته فقد أخفق ، ومنه : أخفق الصائد ، إذا لم يقع له صيد، ولفظ الإخفاق في هذا المعنى هو الصواب وليس لفظَ "الفشل"منقول