كتب محمد عز الدين المعيار الإدريسي
عبر الفيس

جوانب من شخصية
العالم الأديب و الأستاذ الخطيب محمد باعلي رحمه الله
لا شك أن من حق العلماء على زملائهم وطلابهم ، أن يخصوهم بعد رحيلهم بكتابات تعرف بهم ، و تُذَكِّر بما نشروا من علم، و كونوا من أجيال، وبما أعطوا من مثال في خدمة الدين والوطن...
لكن يلاحظ - للأسف الشديد - أن أكثر الناس مقصرون في هذا الباب، وربما انتظروا أن تقوم بهذه المهمة جهات أخرى ، مع أن الأصل أن يهتم أهل كل حقل من حقول العلم والأدب والفن بإخوانهم وزملائهم إناثا وذكورا...
من هذا الاقتناع كنت أتمنى، لو أن أحد طلبة الأستاذ العالم الأديب محمد باعلي - وما أكثرهم - حمل القلم و خط شيئا عن أستاذه،على غرار ما كان القدماء يفعلون في معاجم شيوخهم وفهارس ما رووا عنهم ...
وبعد اليأس من وقوع شيء من هذا القبيل، خلال الأيام القليلة الماضية، التي تلت وفاة الرجل رحمه الله، خفت أن أكون مقصرا في حقه ، إن أنا لم أقم بهذه المهمة التي تعينت ولم تبق نافلة كما كانت من قبل ... على الرغم مما أعلمه من صعوبة الكتابة عن الأستاذ باعلي لما كانت تتسم به حياته من تكتم وانغلاق عن الذات، إلا في حدود ضيقة جدا، ومع عدد من أصدقائه المقربين إليه ...
ولد الأستاذ محمد باعلي بمدينة مراكش من أب ينتحل الطريقة الدرقاوية نزح من قبيلة آيت إيمور إلى مدينة مراكش وامتهن حرفة بيع الخضر و تولى مهمة الأذان بالمسجد الكبير بباب دكالة - قريبا من بيت سكناه بدرب الجديد حيث عرفنا الراحل لأول مرة ...
تابع دراسته بمعهد بن يوسف بمراكش ، ثم بعد حصوله على شهادة الباكلوريا التحق بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط وكان متفوقا في دراسته، ظل يحتل الرتبة الأولى في فوجه طيلة سنوات الإجازة، و كان من زملائه في هذه المرحلة نوابغ لهم اليوم أسماء وازنة في الساحة الفكرية والأدبية
و كان قد بدأ مسيرته الدراسية أديبا رقيقا، ذواقة للنصوص الأدبية شعرا ونثرا ، وفنانا مولعا بالموسيقى، يعزف على آلة العود ببراعة كما حكى بعض من كانوا قريبين منه في هذه المرحلة من حياته...
ويبدو أن ذلك النبوغ و التفوق ، و هذه الطبيعة الرقيقة ، كادتا توردانه المهالك وتوقعانه في حبائل جماعة متطرفة، كانت تنشط بمدينة فاس، حين أوهموه أنه أخطأ الطريق السوي باشتغاله بالأدب والموسيقى، وترك سبيل المومنين و هو الحافظ لكتاب الله ...
خلال هذه المدة عين أستاذا بمعهد ابن يوسف بمراكش، ثم بعد مدة اجتاز بتوفيق مباراة الدخول إلى دار الحديث الحسنية بالرباط، التي تخرج بها ضمن الفوج التاسع سنة 1974 محتلا الرتبة الأولى كعادته متقدما على نخبة من خيرة العلماء والباحثين الشباب في ذلك الوقت ومنهم من ذاع صيته لاحقا، وسجل رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا في موضوع "ابن تيمية وموقفه من التصوف " ولعل لهذا الاختيار صلة بما تقدمت الإشارة إليه من تحول مفاجيء في حياته ...
يتبع



جوانب من شخصية العالم الأديب و الأستاذ الخطيب
محمد باعلي رحمه الله تابع (2)
ترجع معرفتي بالأستاذ محمد باعلي رحمه الله إلى أواخر الستينيات من القرن الماضي وكانت من جهة واحدة ومن بعيد ...
كنت يومئذ طالبا بالسلك الثاني من الثانوي في حين كان هو حديث عهد بالتعيين أستاذا للأدب العربي بمعهد ابن يوسف بمراكش
كنت لا تراه يمشي إلا وحده، قاصدا في مشيه، رافعا رأسه، لا يلتفت ذات اليمين ولا ذات الشمال وكان بعض من يعرفونه يتغامزون وربما همس بعضهم إلى بعض قائلا : أصابته عين ، فيرد عليه الآخر : بل سحر ...
والظاهر أنه كان يمر في هذه الفترة من ظروف خاصة مع ما كان يتحلى به من حياء وورع، ثم جاءت تجربة فاس فيما بعد، فأثر كل ذلك عليه ، و تجلى واضحا في سلوكه ، فلم يعد له ذلك التألق المعهود من قبل، ولا بقي له ذلك الطموح المبشر بكل خير ا ...
مرت سنوات لم أر الأستاذ منذ مغادرة الثانوية بعد نيل شهادة الباكلوريا فانقطعت عني أخباره مدة من الزمان ، إلى أن التقينا على غير موعد بكلية اللغة العربية – أوائل الثمانينيات زملاء في هيئة التدريس، وهنا ستتوطد العلاقة بيننا، ونكتتشف أبا علي الإنسان الطيب الفاضل ... وسرعان ما وجدنا أنفسنا في صف واحد داخل الكلية عندما تقدمنا للعمادة بطلب تنظيم مباراة المساعدين التي استجابت لها الإدارة بعد جهد جهيد في قصة تطوى ولا تروى لما صاحبها من أخطاء فادحة في الإعلان والتنظيم ... المهم أن النجاح كان حليفنا في المباراة نحن الإثنين من بين نحو أربعين مرشحا ومرشحة ومعنا - في الناجحين - أستاذ نا محمد بازي رحمه الله والزملاء الأساتذة : محمد البايك ومحمد الطالبي وعبد الحميد محيي الدين بارك الله في أعمارهم وكانت فرصة لتقارب كبير بيننا وبين الأستاذ باعلي انفتح فيها على بعضنا وفتح لنا قلبه قبل بيته رحمه الله
يتبع