قراءة نقديّة في قصص كاتب الأطفال جيكر خورشيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
السّلسلة الثانية.
ــــــــــــــــــــ
الحلقة الرّابعة(04)
ـــــــــــــــــــــــــ
قصّة مقصّ:
قصّة (مقصّ) من أحدث ما أصدره جيكر خورشيد من قصص، قصّة غنائية صدرت عن دار (ناهد الشوا الثقافية) بكندا، وهي تشترك مع قصّة (قناديل الغابة) في أنها ليست مجرّد قصّة سرديّة، بل هي قطعة فنيّة مغناة، يتعرّف الطّفل من خلالها على وظائف المقصّ في كلّ مجالات الحياة، وهو يترنّم ويغنّي:
هذا مقصّ.. ذاك مقصّ * * قصّ يقصّ قصقص مقصٌّ !
وهو ليس مجرّد غناء وترنّم بل يحمل فوائد لغوية يتلقّاها الطفل بشكل غير مباشر، حيث يَعْمِد الكاتب إلى وضع جملة من مشتقات كلمة مقصّ (الاسم والفعل ومشتقاتهما..)، بعدها ينتقل إلى تعريف الطّفل ببعض وظائف المقصّ بالطريقة الذاتية، غناء وتعليم بشكل غير مباشر طارحا السُّؤال:
ماذا يجزّ مقصّ الرّاعي غنّام ؟ ويكون الجواب:
يجزّ.. يجزّ.. صوف الخراف والأغنام
يقرأ الطّفل كأنّه يرقص، وهذا الأسلوب الحكائي الغنائي يتناسب مع الفئة الطفولية التي بين 3 و6 سنوات وربّما أقلّ من ذلك وأكبر بقليل، ويمكن للأمّ أو المربيّة أن تقرأ للطفل القصّة وهي تتغنّى وهو يسمع ويردّد معها، وفي ذات الوقت يستفيد من ذلك أنّ نزع الصوف يعبّر عنه بكلمة (جزّ) وهي كلمة قليلة الاستعمال جدا في الوسط الحضري، بينما تستعمل أكثر في البادية، كما نلاحظ أيضا ذلك التناغم المقصود في اسم الرّاعي مع اسم الحيوانات التي يرعاها (غنّام)، وهو اسم موسيقي وله إيحاء وظيفي مهم.
والأمر نفسه نجده في المشهد الثاني:
ماذا يقصّ مقصّ الخيّاط عيّاش؟ ! * * يقصّ.. يقصّ.. الخيطَ والقماش.
وظيفة الخياط أنّه يتعامل مع الخيط والقماش، بالنّسبة للفئة الدنيا من الصّغار تعتبر معلومات مثيرة ومفيدة، ربما خطر ببالهم السؤال عنها في لحظة من لحظات حياتهم، وهنا دور الأم والمربي أن يفتح مجالا للحوار، مستغلا هذا المرتكز الغنائي الفنّي؛ ليزوّد الطّفل بمعلومات تفيده في حياته فضلا عن التّسلية والمتعة التي يحظى بها.
ويتحدّث عن مقصّ الحلاق الذي يقصّ الشعر، ومقصّ معلّمة الرّسم حنان الذي يقصّ الأوراق بإتقان، ومقصّ البستاني الذي يقصّ أوراق البستان والعامل الذي يقطع الأسلاك المعدنية باهتمام، وأيضا مقصّ الممرضة سماح الذي يقصّ الشاش المعقم الذي تضمّد به الجراح..
وتأتي الخاتمة المذهلة بسؤال محيّر، لا يجيب عنه في الصّفحة نفسها، بل يكون الجواب في الصّفحة الموالية:
وكيف يقصقص الخوف والقلق والأحزان ؟
إنّه سؤال جوهري يمسّ اهتمام الطّفل مباشرة ويبقى معه إلى أن يكبر ويشيخ، الخوف.. القلق.. الأحزان ؟ ما الذي يدفعها ويذهبها ؟
ويكون الجواب الرّائع المدهش غير المتوقّع في ذهن الطّفل:
"عندما يحضن الإنسان أخاه الإنسان "
قصّة مختزلة تحمل في طيّاتها قيمة إنسانيّة رائعة، تمت معالجتها بأسلوب فنّي بديع.. !
الرّسومات بإمضاء الرسّامة سهيلة خالد، وهي تمثل الحياة في بساطتها وسهولتها، وجسّدت وظيفة المقص، بطريقة عفوية يحبّها الأطفال، ويهوون الاستغراق في التعرّف على تفاصيلها الدّقيقة.

قصّة بهاء ولعبة الاختباء:
طبعت قصّة (بهاء ولعبة الاختباء) عام 2018 في الفترة نفسها مع قصّة (لبيب)، وتشبهها في أسلوبها وفكرتها، والأولى عبارة عن مغامرة بين البطل وجدّته، والثانية مغامرة بين البطل وجدّه، وبينهما أيضا نقاط مشتركة من حيث الأسلوب وطريقة السّرد مع قصّة (مقصّ).
الفئة المستهدفة في هذه القصص يمكن تقديرها بين ثلاث وستّ سنوات، ولذلك نجد عدد صفحاتها قليلا، وحجم المنتج الكتابي محدودا جدا، بحيث لا يتجاوز في الغالب السّطر والسّطرين في كلّ صفحة، وهذه القصص عبارة عن سلسلة ضمن مجموعة (أماكن)، لها رسالة محدّدة وأفكار خاصة.
في قصّة (بهاء ولعبة الاختباء) تأخذ الجدّة حفيدها (بهاء) في جولة إلى البستان، وهناك تقترح عليه أن يلعبا لعبة الاختباء، وتلك أروع لعبة تستفزّ الأطفال وتستهويهم، وتمضي القصّة بشكل انسيابي رائع يعتمد فيه الكاتب على أسلوب السّجع، حيث يقول في مطلع القصّة:
"رحت أتنزّه مع جدّتي عفراءْ.. بينما كانت الشمس مشرقة في السّماءْ"
وهذا أسلوب مؤثر جدا على الطّفل الصّغير، لاسيما على مثل الفئة العمرية المذكورة، فكلمتا عفراء والسّماء بينهما نغم موسيقي مشترك، يداعب الأذن، ويلامس شغاف القلب، ويجعل الطّفل يرقص وهو يقرأ، أو يتمايل يمينا وشمالا، ويقفز من الطّرب، وتستمر القصّة على نفس المنوال إلى أن يقول الكاتب:
" ماذا تخبّئ شجرة التوت بين أغصانها الخضراء؟
تخبّئ.. تخبّئ.. عصفورا يجيد الشّدو، والغناء ! "
وهنا نلاحظ أنّ الكاتب أضاف إلى السّجع فنيّة (التّكرار) وهو ملازم للترنّم والإنشاد، والغناء، وله دور فعال في التحفيز على القراءة أو الاستماع وحتّى الحفظ السّريع، والشيء نفسه يتكرّر مع المشهد الموالي:
"وماذا تخبئ خلفها..تلك الصّخرة الصّماء ؟
ويأتي الجواب المفاجئ:
" تخبّئ.. تخبئ.. سحليّة حمراءْ "
ظهور حيوان لطيف في القصّة يروي ظمأ الطّفل، ويستجيب لتطلعاته وفضوله، ثمّ يتصاعد الإغراء وتطوير الأحداث عندما يبين الكاتب سبب اختباء السحليّة خلف الصخرة السّوداء:
" هربت من أفعى سوداء "
يا للهول أفعى سوداء.. !! إنّه نوع من الشدّ القويّ لانتباه الطّفل، والسّيطرة على انتباهه، وأن يجمّع كلّ أحاسيسه ومشاعره وتفكيره ليُتابع أحداث القصّة وينفعل بها.. !
وفي الختام تأتي الجملة المنتظرة التي يحبّها الأطفال كثيرا بعد يوم مرهق من اللّهو واللّعب، تقول الجدّة في مرح:
" وماذا أخبّئ أنا في سلّة الغذاء ؟"
فيأتي جواب بهاء في فرح وسرور:
"تخبّئين.. تخبّئين .. الطّعام اللّذيذ والماءْ"
وهكذا تنتهي جولة بهاء مع جدّته في البستان وممارسة لعبة الاختباء الرائعة، التي كانت عبارة عن استكشاف لبعض مكوّنات الطبيعة؛ تنتهي بجلسة الغداء للأكل والشرب وتنفّس الصّعداءْ.. !
قصّة لبيب:
هي النّسخة الثانية لقصّة بهاء، ولكن مع الجدّ هذه المرّة، تعتمد السجع والتكرار، والأسلوب الغنائي كما أشرنا من قبل، وهو أسلوب مناسب جدّا لهذه الفئة الدنيا من عمر الطفولة، السّجع يبدأ من العنوان:
(لبيب وجدّه نجيب)..
وجولة أخرى في الحقل، لكن الرّاوي هذه المرّة ليس البطل، إنّه راوٍ من خارج أحداث القصّة ( الكاتب)، يقول في بدايتها:
"سافر لبيب إلى قرية جدّه نجيب..فاستقبله جدّه بالابتسامة والترحيب.."
لكنّ الوقت كان متأخرا فطلب منه جدّه أن ينام ثمّ يذهبان في الصّباح الباكر إلى الحقل:
" نام لبيب بعد أن شرب كأس الحليبْ"
وفي هذا إشارة تربويّة مهمة إلى ضرورة شرب الحليب بالنّسبة للأطفال، ثم ينهض لبيب مع مطلع النهار على صوت العندليب:
"وفي الصّباح الباكر غرّد
العندليب، فاستيقظ لبيب
واستيقظ جدّه نجيب.."
وتمضي القصّة على هذا النّحو، جولة في الحقل جميلة، فأكلا في الحقل اللّوز والزبيب، وشاهد لبيب صفّا من النمل العجيب، يأخذ من قمح الحقل فحذّر جدّه من ذلك، لكن الجدّ قال له برحابة صدر وتدفّق كرم وهو يضحك:
" دع النّمل يأخذ ما يريد، فهذا الحقل كريم ورحيب، وللنمل فيه رزق ونصيبْ "
ويلفت انتباهنا في القصّة بعض الكلمات التي تعتبر مفتاحيّة؛ لوّنت بألوان مختلفة، لتخالف لون الخط العادي (الأسود)، من هذه الكلمات: (قرية، الابتسامة، التّرحيب، العندليب، اللّوز، الزّبيب، تهذيب، شركاء، صديقكم.."
كلمات قد تترك أثرا طيبا يطبع في نفس الطّفل وينغرس فيها، ليحقّق زادا لغويّا ومعاني جديدة توسّع مداركه.
القصّة للتسلية بالدّرجة الأولى وتصلح أن تكون لحكايات ما قبل النّوم ترويها الأمّ أو الأب، أو الجدّة للصّغار فتكون أنغامها خير معين على النوم الهادئ والأحلام السّعيدة.
ـــــــ
يُتبــع