منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14
  1. #1

    الطبقة الحاكمة في أمريكا: تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية (1)

    الطبقة الحاكمة في أمريكا
    تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية


    ستيف فرايزر و غاري غرستل

    ترجمة: حسان البستاني

    بيروت: الدار العربية للعلوم/ الطبعة الأولى 2006

    حجم الكتاب: 375 صفحة من الحجم فوق الوسط


    المحتويات

    المقدمة: ستيف فرايزر و غاري غرستل

    الفصل الأول: مأزق النُخب الحاكمة في أمريكا الثورية ص 35
    غاري جاي. كورنبليث وجون إم. مورين

    الفصل الثاني: سُلطة الرقيق في الولايات المتحدة 1783ـ1865 ص 73
    آدم روثمن

    الفصل الثالث: تُجَّار وصناعيو الشمال قبل الحرب ص 103
    زفن بيكر

    الفصل الرابع: تعاليم عصر الثراء وحقائقه ص 135
    ديفيد ناسو

    الفصل الخامس: نفوذ الثروات الطائلة المُخفق ص 163
    ألن داولي

    الفصل السادس: إعادة إحياء الأثرياء إدارياً ص 197
    جاكسون ليرز

    الفصل السابع: مؤسسة السياسة الخارجية ص 233
    غودفري هودسون

    الفصل الثامن: النُخب المحافظة والثورة ضد الصفقة الجديدة ص 269
    مايكل ليند

    الختام: الديمقراطية في أمريكا ص 309
    ستيف فرايزر و غاري غرستل

    تنويه يساعد في القراءة

    لقد قرأت الكتاب مُسبقاً، ووجدت أن المشاركين فيه، يخاطبون فيه أبناء الولايات المتحدة، أو ليقرأه مختصون في السياسة والتاريخ. فلم يخطر ببالهم أن سيكون الكتاب بين أيدي القراء العرب، والذين سيحتاجون دليلاً لتفهم ما يعنيه المشاركون في الكتاب.

    فوجدت من الضروري تثبيت بعض الدلائل التي تساعد القارئ غير المختص وغير المطلع على تفاصيل تطور الأداء السياسي الأمريكي.

    الاستقلال وضم الولايات

    بدأت حرب الاستقلال ممهدة بمطالبات ثورية بين عامي 1760ـ 1770 للاستقلال عن بريطانيا، ثم تصاعدت تلك المطالب عندما انعقد مؤتمر فيلاديلفيا في 14/7/1775، وتشكيل جيش قاري بقيادة جورج واشنطن، ليحارب البريطانيين ومن يعاونهم من الجيوش المحلية، ومن ثم إعلان الاستقلال في 4/7/1776. الذي صاغه (جيفرسون).

    بعد أن انهزمت بريطانيا في الحرب اعترفت باستقلال الولايات المتحدة على الأراضي الواقعة غرب المسيسبي، ثم اعترفت بها (الدولة المغربية ـ السعدية) كأول دولة في العالم تعترف بالولايات المتحدة. وفي عام 1787 وُضع أول دستور للولايات المتحدة.

    بعد الاستقلال شنت الولايات المتحدة حروب كثيرة للتوسع غرباً، وبعد سلسلة طويلة جداً من الحروب مع السكان الأصليين (الهنود الحمر) تضاعفت المساحة الواقعة عليها الدولة. ثم اشترت عام 1803 (لويزيانا) من فرنسا. ثم تجددت الحرب مع بريطانيا عام 1812، كما توغلت القوات الاتحادية خارج حدودها مما دفع إسبانيا للتنازل عن فلوريدا وغيرها من الأراضي الواقعة على الساحل وذلك عام 1819. وضمت الولايات المتحدة (تكساس) إليها عام 1845. ثم سيطرت الولايات المتحدة على الشمال الغربي عام 1846 طاردة بريطانيا منها. وفي الحرب الأمريكية ـ المكسيكية استطاعت القوات الاتحادية أن تنتزع (كاليفورنيا) وجزء كبير من غرب أمريكا من المكسيك وذلك عام 1848ـ 1849. وقد تم شراء (ألاسكا) من روسيا عام 1867. وفي عام 1893، تم القضاء على المملكة الهندية في (هاواي) وضمها للولايات المتحدة. وفي عام 1898 أعلنت الولايات المتحدة أنها قوة عظمى فسيطرت على الفلبين و (بورتوريكو) وجزيرة (غوام)، استقلت الفلبين بعد 50 عام وبقيت الأخريان تحت الإدارة الأمريكية.

    الحرب الأهلية

    سيرد في الكتاب، ذكر انتخاب (ابراهام لنكولن) عام 1860، وقد أدى محاولة فرض قانون إلغاء العبودية، أن انقسمت الولايات المتحدة قسمين: قسم مع إبقاء العبودية والرق، حيث كان هناك 4 ملايين من الرقيق، من أصل 30 مليون سكان الولايات المتحدة. فحاولت سبع ولايات إعلان استقلالها وانضمت 4 ولايات أخرى لها. اندلعت الحرب الأهلية واغتيل (إبراهام لنكولن) وانتصرت القوات الاتحادية عام 1865.

    أسماء رؤساء الولايات المتحدة بالتسلسل

    1ـ جورج واشنطن (1789ـ1797). 2ـ جون آدمز (1797ـ 1801).
    3ـ توماس جيفرسن (1801ـ 1809). 4ـ جيمس ماديسن (1809ـ1817). 5ـ جيمس مونرو (1817ـ 1825). 6ـ جون كوينسي آدمز ( 1825ـ1829). 7ـ أندرو جاكسون (1829ـ1837). 8ـ مارتن فان بورين (1837ـ 1841). 9ـ وليام هنري هاريسن (1841ـ1841). 10ـ جونتايلر (1841ـ 1845). 11ـ جيمس بولك 1845ـ1849. 12ـ زكريا تايلور (1849ـ1850). 13ـ ميلارد فيلمور (1850ـ1853).
    14ـ فرانكلين بيرز (1853ـ 1857). 15ـ جيمس بيوكانان (1857ـ 1861). 16ـ أبراهام لنكولن (1861ـ1865). 17ـ أندرو جونسون (1865ـ 1869). 18ـ أوليسيس غرانت (1869ـ1877). 19ـ روثر فورد هايز (1877ـ 1881). 20ـ جيمس أبرام غارفيلد (1881ـ 1881).
    21ـ تشيستر ألن آرثر (1881ـ 1885) 22ـ جروفير ستيفين كليفيلند (1885ـ 1889). 23ـ بنجامن هاريسن (1889ـ 1893) 24ـ جروفير ستيفين كليفيلند (1893ـ 1897) 25ـ وليام مكينلي (1897ـ1901)...

    26ـ ثيودور روزفلت (1901ـ 1909). 27ـ وليام تافت (1909ـ 1913)
    28ـ وودور ويلسون (1913ـ 1921) 28ـ وارن هاردينغ (1921ـ1923). 29ـ جون كوليدج (1923ـ 1929) 30ـ هيربيرت هوفير (1929ـ 1933). 31ـ فرانكلين روزفلت (1933ـ 1945). 32ـ هاري ترومان (1945ـ 1953). 33ـ دوايت أيزنهاور (1953ـ 1961).
    34ـ جون كندي (1961ـ 1963). 35ـ لندون جونسون (1963ـ 1969)
    36ـ ريتشارد نيكسون (1969ـ 1974) 37ـ جيرالد فورد (1974ـ 1977). 38ـ جيمي كارتر (1977ـ 1981) 39ـ رونالد ريجان (1981ـ 1989) 40ـ جورج بوش الأب (1989ـ 1993) 41ـ بيل كلينتون (1993 ـ 2001).

    42ـ جورج بوش الابن (2001ـ 2009) 43ـ باراك أوباما (2009ـ )، 44ــ ترمب

    هذا باختصار شديد ما نستطيع تقديمه لمساعدة القارئ في ربط الحوادث والأشخاص...

  2. #2
    الطبقة الحاكمة في أمريكا (2)


    المقدمة: ستيف فرايزر و غاري غرستل

    (1)

    يفضح الكتاب كيف مارست الأقليات الصغيرة من الأثرياء وذوي الامتيازات قدراً كبيراً من النفوذ، وبثبات، في الولايات المتحدة التي قامت على مفهوم حكم الشعب؟ ففي سلسلة من المقالات الرائعة، يتفحص متبحرون طليعيون في السياسة الأمريكية تاريخ النُخب الاقتصادية الحاكمة الذين تظهر بصماتهم على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.

    ونادراً ما قام كتابٌ في النصف الثاني من القرن العشرين بتوفير نظرة بهذه الشمولية عن الطرق التي اعتمدتها طبقة الأغنياء والنافذين للتأثير من خلال ثرواتها ونفوذها في التجربة الأمريكية في الميدان الديمقراطي.

    أحد الألغاز الثابتة للسياسة الأمريكية منذ أيام المؤتمر الدستوري وحتى إدارة بوش يتمثل بكيفية تمكن النخب الثرية من ممارسة تأثيرها القوي في الحياة العامة في بلدٍ ديمقراطي. وفي هذا الكتاب، يتناول بعض أفضل المؤرخين الأمريكيين هذه المسألة مقدمين مجموعة من الرؤى الجديدة تتعلق بماضي وحاضر الولايات المتحدة الأمريكية.

    والطبقية هي ميزة الحياة الأمريكية التي لا يجرؤ أحدٌ عن الإفصاح عنها، ولكن هذه المقالات تقطع مسافة طويلة في اتجاه شرح تأثيرها في السياسة الأمريكية.

    (2)

    هذا الكتاب قائمٌ على مفارقة أربكت المؤرخين والمواطنين بشكل عام منذ أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية: كيف يُمكن لأمة مُكرسة للحرية والمساواة أن تكون بالرغم من ذلك باعثاً لهرميات عظيمة من السلطة والنفوذ والثروة تُضعف أسس ذلك التعهد الاستثنائي؟

    والأكثر أهمية في هذه المفارقة أن البلد ديمقراطي، والحكم هو للشعب. ومع ذلك، لم يتسلم الشعب مقاليد الحكم، بل النخب، والنبلاء، ومؤيدو التمييز الطبقي، وذوو الامتيازات الطبقية. أحياناً يبدون وكأنهم يمارسون الحكم فيما مصالح الشعب نُصب أعينهم، وأحياناً لا يبدون كذلك.

    وتنطوي بعض التعابير مثل (الطبقة الحاكمة) أو (النخبة الحاكمة) على تعارضٍ وتضارب. فهي لا توحي بأنها تنتمي الى مفردات السياسة الأمريكية وتاريخها. بعد كل ذلك، فإن انفتاح المجتمع الأمريكي، ومرونته، وتعدديته تتحدى كل ما هو مماثل ل (الطبقة الحاكمة) بحصريتها، واستمراريتها، وصعوبة الدخول فيها.

    وهناك شيءٌ ما ولا يمكن وصفه يرتبط بمفاهيم مُعينة كالأولاد من زيجاتٍ سابقة الذين تم استقدامهم من العالم القديم في دول البحر الأبيض المتوسط، وما نشأ عنهم من طبقة أرستقراطية، وطبقة حاكمة مالكة للأراضي، وطبقات اجتماعية عسكرية، وعائلات ذات علاقة بالسلالات الحاكمة. وهناك اعتقادٌ أمريكي شعبي وراسخ هذه الأيام أن تلك الطبقات غير موجودة، أو أنها في طريقها للزوال.

    (3)

    في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شاع اتفاقٌ جماعي أن ما يحكم الولايات المتحدة، هي الأحداث، و"التاريخ" وقوى السوق الموضوعية، وليس الطبقات أو النُخَب.

    ويستحيل فهم أي من المراحل المميزة العظيمة في التاريخ السياسي الأمريكي، أو فهم الأحداث التي مرت بها الديمقراطية في أمريكا دون الوقوف وجهاً لوجه ضد " الأمريكيين المؤيدين لبريطانيا "، و " مؤيدي الحكم القائم على المال ", و "المصرف المَسِخ " و " الاستعباد "، و" بارونات اللصوصية "، و " أعضاء الطبقات الاجتماعية المهيمنة " و " الودائع المالية "، و " الملكيّين الاقتصاديين"، و " مؤسسات الدولة " و " النخبة المتنفذة " أو " المركب العسكري ـ الصناعي".

    ولو ألقينا نظرة شاملة على معالم المأساة الوطنية. فكل رئيس للولايات المتحدة سبق (جون كندي) تمتع بشهرة حيوية ثابتة ترتبط ذكراه بحملة عنيفة ضد نخبة مُغتصبة أو مُحصنة. فقد أطاح (جورج واشنطن) و (جيفرسون) بأتباع الملَكية البريطانية وواجها من ثَمّ محاولات قيام ثورة أرستقراطية مُضادة من قبل الأمريكيين المؤيدين لبريطانيا الذين نشئوا في أمريكا.

    وشن (أندرو جاكسون) حرباً ضد (مصرف مسخ) تجرأ على احتكار موارد أمة قليلة الخبرة. وطهر (لنكولن) الاستعباد ومنع الرق. وأطلق (تيدي روزفلت) العنان لوعيد بلاغي منمق ضد أولئك (الأشرار ذوي الثروات الطائلة)، والذين كانوا يشترون أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وكأنهم خنازير. ووعد (وودروو ويلسون) بالاضطلاع بشؤون (الودائع المالية). وطرد (فرانكلين ديلانو روزفلت) الصرافين من الهيكل. وهاجم (أيزنهاور) النفوذ المتعجرف ل (المركب العسكري ـ الصناعي).

    (4)

    ولم تكن العظمة والنبوغ تقتصر على رجال السياسة، بل امتدت لتصل الى المؤرخين والفلاسفة والمفكرين، والذين أشغلهم بنيان المجتمع الأمريكي وكيفية تركز السلطة وتناقلها بين أفراده.

    شكك (جون أدامس) بإمكانية الوثوق بصوت الشعب لاختيار نخبة جديرة بالاحترام، ومؤهلة للخدمة العامة، سيما وأن الشعب قد ضلله الدجالون والمراؤون والمتملقون والمخادعون. لم يكن أدامس يشكك بأن الاستقرار الاجتماعي يقتضي دائماً " أن يعرف كل شخص موقعه ويعمل على المحافظة عليه ". فقد يعتقد في الواقع أن " السؤال الكبير الذي سَيُطرح دائماً هو من سيعمل؟ وكان الجواب واضحاً: معظمهم سيعملون وسيحسدون تلك النسبة من "الأشخاص المُفضّلين " المتمتعين بامتيازات والذين يقومون في أوقات فراغهم بالتفكير وممارسة الحكم.

    وإن كلاً من جيفرسون، وهاميلتون، ومفكرين سياسيين آخرين من الجيل الثوري، فكروا كما فكر أدامس بأن الحكم الجمهوري لم يكن أمراً مضموناً للحيلولة دون قيام نزاع بين القوى الشعبية ومختلف النخب ـ المالكة للأراضي، والتجارية، والمالية ـ وتخوف ماديسون من أن يحاول النفوذ الاقتصادي يوما التحكم بالسلطة السياسية، وكان مقتنعا بأن الحزب المناهض للمنحى الجمهوري " كان أكثر تحيزاً الى الأثرياء منه الى طبقات المجتمع الأخرى".

    (5)

    ترسخ مفهوم أو مجموعة من المفاهيم عند كثير من المنتقدين للتشكيل الأولي لطبيعة الحكم في الولايات المتحدة، عبر عنها مجموعة واسعة من الكُتّاب والمفكرين: بأن البلد كان تقريباً تحت رحمة جماعة صغيرة من الرجال ذوي الثروات الطائلة الذين كسبوا تأثيراً سياسياً إضافياً دون مساعدة الناس واتخاذ قرارات ديمقراطية.

    فظهرت أعمال الكُتاب في المجلات والروايات والجرائد، وبرزت أسماء لكتاب منتقدين أمثال: هنري جورج، ووليام لويد، وإدوارد بيلامي، وبعضهم من اليساريين أمثال جاك لندن (صاحب العُقب الحديدية) وجون دوس باسوس، استمروا بمهاجمة الغرور المبالغ فيه والشهوة والغرائز الاستبدادية لمورغان وهاريمان وروكفيلر وآخرين بارزين من الطبقة الحاكمة.

    يتبع في هذا الفصل

  3. #3
    وصف تقريبي للطبقة الحاكمة في أمريكا حديثا

    (1)

    عندما سقط النظام القديم أخيراً نتيجة للانهيار الاقتصادي عام 1929، عاين المفكرون الأضرار وراقبوا المستقبل، انصرف المفكرون لوصف النظام الحاكم في الولايات المتحدة، وطبيعة أركانه. فظهر عدة مؤلفات من مفكرين عارفين عما يكتبون.

    فمن كتاب (عائلات أمريكا الستين) حاول مؤلف الكتاب (فيردناند لندبيرج) وضع خارطة للترابطات القائمة بين أجيال النخبة في البلد. كما نشر (ماثيو جوزفسون) في تلك المرحلة كتاب (الرأسماليون الذين جمعوا ثرواتهم من أعمال الاستثمار والاستغلال) مبتكراً عنواناً يلخص السمة الأخلاقية لمؤيدي حكم القلة أولئك، وقد وُجِّه الى معظمهم اللوم نتيجة لكارثة الركود الاقتصادي الكبير، وكان كتابه سرداً تاريخياً لأسلافهم في القرن التاسع عشر. وتوالت الكتابات الواصفة لطبقة الحكم باغتصاب البلاد باقتصادها وشعبها الموزائيكي.

    تراجعت حدة الانتقاد بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تنته، فقد نشر (سي رايت ميلز) كتاب (نُخبة السلطة) في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، وتتبع فيه تشابك وتفاعل الهرميات العسكرية والصناعية والاقتصادية والسياسية. وكانت الطبقة الحاكمة قد اكتسبت سمعة سيئة خلال الحرب الباردة داخل أمريكا، ولم يستخدم (ميلز) هذا التعبير لكي لا يُتهم بمعاداة الدولة!

    (2)

    إذا كان وصف الطبقة الحاكمة ملائماً لمرحلة الانهيار الكبير في عام 1929، فإن وصفاً جديداً قد ظهر في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، أطلق عليه المفكرون أمثال (شلزينغر) مصطلحا جديداً هو: (المؤسسة الحاكمة)، ويبدو أنه أكثر اعتدالاً من سابقاته.

    وقد تكون وراء تلك التسمية، نشاطات مفكرين ورجال أعمال ساهموا في وضع خطة (مارشال) لإعادة إعمار أوروبا، كما وقفوا وراء إنشاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ووضع الخطط لوقف الزحف والتوسع الشيوعي.

    وعلاوة على ذلك، فإن المفكرين البارزين في مرحلة ما بعد الحرب بمن فيهم دانيال بيل وديفيد ريسمن و روبرت دال وغيرهم، لم يميزوا هذا المستوى من الهرمية. وعليه فقد مجَّدوا فكرة اللاطبقية أو الطبقية المتوسطة المتجانسة للمجتمع الأمريكي.

    كما أعلن دانيال بيل نهاية عصر الأيديولوجيات، لأن الفئات المقموعة من العمال قد اختفت من الوجود في أمريكا. ولم تعد البرجوازية المستبدة تستطيع أن تقوم بدورها السابق. وقد تم ابتكار نظام تقاطعي أكاديمي، رافق اللامركزية في الحكم لإبعاد تغول المركز.

    (3)

    والسقوط المفاجئ للمؤسسة إبان الهزيمة الكاملة في فيتنام أعاد إشعال التساؤلات الانفعالية حول طرق استخدام السلطة وإساءة استعمالها، في الماضي والحاضر. وقد ظهرت كتابات تقاوم فكرة الحلول الرأسمالية وجنون الاضطهاد، وكان من بين الكُتَّاب: نعوم شومسكي ووليام دومهوف وأوجين جينوفيز وإريك فونر، وباربارا إرنريتش وغيرهم.

    فقد جادل (فونر) على سبيل المثال، بأن الحزب الجمهوري يحاول إعادة الاسترقاق والاستعباد، لكن هذه المرة خارج الولايات المتحدة، حتى وإن استدعاه ذلك لشن الحروب وسفك الدماء!

    ومن جهة ثانية، وغداة الهيمنة الفكرية المحافظة التي واكبت ظهور (رونالد ريجان) فقد ظهرت مجموعة من الكتب تتحدث عن أشخاص بعينهم أمثال: (روكفلر، وغولد، وهاريمن) باعتبارهم رموز لنخبة معينة حاكمة.

    وقد حذر الرئيس (جورج دبليو بوش) من أن انتقاد خفض الضرائب عن الأثرياء سيعيد البلاد الى الحديث عن الصراع الطبقي!

    (4)

    يقول المؤلف: في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، تصورت النُخَب نفسها طبقة متصلبة يقوم مركزها الاجتماعي على النسَب، والاستيلاد، وأشكال متنوعة من الحصرية الاجتماعية. وهي ترث رأس المال الثقافي وتنال الاحترام من أولئك غير المُنعم عليهم من عامة الناس.

    ومع الزمن باتت حدود تلك الطبقة غير واضحة، فالوافدون الجدد إليها من خارجها، جعل المؤسسين إليها يتعاملون مع الوافدين بامتعاض وهم يمثلون دور المنفتحين إليهم.

    يتساءل الكاتب: ماذا يعني التوق الى حكم الأمة؟
    عنى هذا الأمر في بعض الأحيان أن يصبح المرء أحد الحكام السياسيين في أمريكا: النُخبة الفدرالية التي وضعت الدستور وهيمنت على الحياة السياسية في العقد الأخير من القرن الثامن عشر، أو مالكو المزارع الجنوبيون الذين سيطروا على مجلس الشيوخ في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن التاسع عشر ومارسوا سياسة اقتصادية وطنية بإطالة أمد الاسترقاق.

    ولكن النُخب الاقتصادية عموما لم تكن قادرة على الحكم بطريقة مباشرة. فقد كان عليهم القتال لترسيخ هيمنتهم في نظام كان ديمقراطياً في الشكل وعدائياً في الغالب لثرواتهم وادّعاءاتهم. وغالباً ما كانوا قادرين على تحقيق أهدافهم بواسطة ممثلين سياسيين لم يشاركوهم الأصل الطبقي، وقد يكونون منفتحين أو لا على المعتقد أو الرشوة. وهكذا، فقد كانت نُخبٌ قليلة قادرة على افتراض أن الحكم السياسي ينجذب إليهم بشكل طبيعي بفضل ثرواتهم أو منزلاتهم الاجتماعية.

    (5)

    تشكل الهزيمة في فيتنام، وفقدان الولايات المتحدة تفوقها الاقتصادي العالمي في السبعينيات من القرن العشرين، وانتخاب رونالد ريجان عام 1980، والانتقال الصعب الى اقتصاد مرحلة ما بعد الصناعة المعتمد على المعلوماتية، المرحلة الأحدث للأمة في ما يتعلق بأزمة النُخب وتعاقبها.

    وتُظهر إحدى الدراسات مُلقية نظرة عامة على مشهد الثروة والسلطة المتبدل في هذا الوقت، ويُظهر كيف أن النخب المرتبطة بالصناعات النفطية، والزراعية، والعسكرية، والمواد الأولية، في المنطقتين الجنوبية والجنوبية الغربية، استقلوا عن البنية السياسية الليبرالية والتحموا حول الحزب الجمهوري مُكرسين دورهم لتحرير الرأسمالية من نظام الدولة.

    وقد حذر كثير من المفكرين، من أن هذا النهج الفكري في إدارة الدولة سيجعل من النخب الحاكمة أن تنحى منحىً غريباً في التعصب الديني والاهتمام بالمصالح الشخصية والفئوية الضيقة، مما سينمي من ظهور طبقة ترتد على هذا النهج وتتوسع من خلالها الهوة بين الأغنياء والفقراء.

  4. #4
    الفصل الأول: مأزق النُخب الحاكمة في أمريكا الثورية

    غاري جاي. كورنبليث وجون إم. مورين

    الصفحات من 35ـ 48 من الكتاب

    أصبحت الثورة الأمريكية ساحة قتال بين قوتين كبيرتين ناشئتين: الحصرية (أي التي تنشد حصر السلطة داخل مجموعات بعينها) والمتنامية لدى النُخب الأمريكية؛ والمساواتية (أي: التي تطالب بالمساواة بين البشر) وتلك القوة انبثقت من (الطبقة الوسطى) بصفة خاصة.

    في العام 1760، لم يكن هناك أي (أمريكا) أو (جنوب) أو (شمال). ونادراً ما كان مزارعو الرز في (كارولينا الجنوبية وجورجيا) يتفاعلون مع مزارعي التبغ في (فرجينيا وميريلاند). وفي كارولينا الشمالية، وهي المستعمرة الوحيدة التي تواجدت فيها كل هذه الثقافات، كانت النتيجة نزاعاً مريراً بين هذه الثقافات وليس هوية مشتركة بين المزارعين الذين يقتنون الرقيق.

    وفي عام 1760، وبعد استيلاء الإمبراطورية البريطانية على مستعمرات فرنسا، تطلع المستعمرون بأمل الى مستقبل من السلام والازدهار، وابتهج العديد من المستوطنين بارتقاء ملكٍ جديد شاب العرش، هو (جورج الثالث)، وكان لآرائه في ما يتعلق بالفضيلة والتقوى صدى إيجابياً حاراً. وفي غضون خمسين عاماً وبشكل غير متوقع، دخل هؤلاء في نزاع يائس مع الجيش والأسطول البريطاني البحري نفسه الذي قادهم الى تحقيق الانتصار على فرنسا.

    إضفاء الطابع الإنجليزي

    منذ ثورة إنجلترا عامي (1688ـ 1689)، حققت الدولة البريطانية قدرة عسكرية لا مثيل لها في تاريخ شعوب جزرها. وكان الأسطول البحري الملكي الأقوى في العالم. وبالرغم من كون الجيش الإنجليزي أقل عدداً بكثير من جيش فرنسا، أو الإمبراطورية الهابسبورغية (النمسا والمجر اللتان كانتا متحدتان)، أو روسيا، أو حتى بروسيا (تأسست عام 1157 وانتهت عام 1918 من ألمانيا وبولندا سابقاً)، تمكن الأسطول الإنجليزي من القيام بالمهام الموكلة إليه في النزاعات الدائرة في أمريكا الشمالية والتي بدأت عام 1754 وامتدت الى الهند.

    هذا الوضع وفر للمملكة المتحدة نظاماً مالياً كان الأقوى في العالم، وفرض الاحترام من الجميع.

    خلال تلك الفترة ارتفع سكان المستعمرات الأمريكية الشمالية من 210 آلاف نسمة الى 1.6 مليون نسمة سنة 1690. وفي نفس السنة تم إهمال الموظفين الحكوميين وعدم اعتبارهم ذوي شأن معين، وحتى على صعيد حياتهم اليومية فلم يقم أحدهم إلا في منزلٍ متواضع، وكان العديد منهم يقوم بأعمالهم بأيديهم لضآلة رواتبهم وشأنهم. ولم يكن للمستعمرات موازنات، من هنا فإن المستعمرات الإنجليزية تخلفت عن غيرها من المستعمرات (الفرنسية والإسبانية مثلاً).

    وبالمقارنة بين مستعمرات إنجلترا وإنجلترا نفسها، فقد كان في بريطانيا 1% ممن يحتلون المراتب الأولى في الثراء يتحكمون بحوالي 45% من ثروة المملكة المتحدة، و10% منهم يتحكمون ب 82% من الثروة. في حين كان 1% من أثرياء المستعمرات يتحكمون ب 13% من ثرواتها، و10% منهم يتحكمون ب 51% من الثروة.

    عَمَّ التشابه في الحياة داخل المستعمرات الإنجليزية في أمريكا، مع الحياة في بريطانيا، فاستعار سكان المستعمرات أنماط الاستهلاك والسلوك الاجتماعي، وحتى السياسي، فانبثقت كُتل معارضة، تحذر من عدم القدرة على السيطرة على الفساد، ودخلت مصطلحات جديدة لحياة السكان السياسية هناك، فظهر ما يسمى بالنظام الجمهوري بين عامي 1700 و 1740. ثم ظهرت هواجس من كبت الحريات، كما ظهر تصميم للتراتب الطبقي والاجتماعي الخ.

    الثورة

    اعتقدت عائلات النُخب في أمريكا الشمالية أنها كانت تخدم الشعب، مستمدةً الكثير من شرعيتها من السلطة الملكية (البريطانية طبعاً). وفي المستعمرات الملكية، منحت المناصب العامّة ألقاباً للأشخاص الذين تولّوها. ف (سعادته) و (محترم) مستمدة من الملك، المصدر الأول والأخير للامتيازات والمقامات العامة في أنحاء الإمبراطورية كافة.

    إن أي اعتراض على السياسة البريطانية قد يكلّف قائداً استعمارياً أي فرصة أخرى للتمتع بالرعاية الملكية. ومن جهة ثانية، قد يؤدي القبول الكامل للمطالب الملكية الى إثارة غضب الجماهير. وبين عامي 1763 و 1776، كان كل مسئول عام مجبر على الاختيار في ما بين هذه البدائل الكريهة. وغالباً ما كان أولئك الذين باتوا مخلصين للملك مجبرين على التخلي عن مناصبهم ومعرّضين للنفي. أما الذين باتوا وطنيين فقد كان عليهم الاحتكام للشعب في ما يتعلق بنوعية الشرعية الصادرة عن الملك، آملين في أن تسمح لهم ثروتهم الخاصة وموقعهم الاجتماعي بالاستمرار باحترام الناس.

    لقد أدى توسع المستعمرات البريطانية في أمريكا بعد هزيمة فرنسا في (لويزيانا) وغيرها من المستعمرات الفرنسية، وضمها الى الممتلكات البريطانية، الى دعم الجيش التابع الى الحكومة البريطانية والذي كان مكوناً من 10 آلاف فرد، بالإضافة الى تدني رواتب الموظفين الحكوميين، لقد أدى كل ذلك لابتكار قانون (الختم) الذي يُعتبر المُحرك المباشر للثورة الأمريكية.

    وقانون الختم هذا، سنه البرلمان الإنجليزي ووافق عليه مجلس اللوردات، بفرض ضرائب على الأمريكيين، من كل أصنافهم، مزارعين، صناعيين، تجار، محامين، أطباء، الخ. وكان ذلك في عام 1764، على أن يُطبق في 1/11/1765، وقد بوشر في إنشاء دائرة لتوزيع الأختام، ودوائر فرعية في الولايات، وتسمية الأشخاص الموالين للتاج البريطاني لتوزيع الأختام عليهم.

    لقد استفز هذا القانون الشعب بطبقاته الوسطى والأدنى، وقام الناس بحركات احتجاج واسعة، تظهر رفضهم القطعي لهذا القانون، ففي 14/8/1765 بمظاهرة قادها (إبنيزر ماكينتوش) وهو صانع أحذية، وتوجهوا الى مبنى جديد، أشيع أنه سيكون (مبنى) الختم، وقاموا بهدمه. وهاجموا بيوت موزعي الأختام في المقاطعات، وقبل موعد تطبيق القانون بأيام، لم يكن هناك أي شخص مستعد للقبول بتلك المهمة، في 12 ولاية (وكانت الولايات 13) إلا جورجيا التي ما لبثت أن انضمت لباقي الولايات.

    كان بإمكان العنف تحقيق نتائج مثيرة، ولكن كان بإمكانه أيضاً الخروج عن نطاق السيطرة. ففي 26/8/1765، قامت جماهير (ماكينتوش) بهدم قصر نائب الحاكم ورئيس المحكمة العليا في (بوسطن) (توماس هانشينسن)، اعتقاداً منهم أنه أحد واضعي قانون (الختم).

    وقد لوحظ في المظاهرات المدمرة التي انتقلت عدواها من بلدة الى أخرى، أن البيض الذين كانوا يرفعون شعار (الحرية) في مظاهراتهم، يلتقوا في الشوارع مع مظاهرات للعبيد منادين بالحرية!

    تم إلغاء القانون قبل موعد تطبيقه، ولكن المظاهرات وأعمال الشغب لم تتوقف، فتشكلت نواة للجيش الأمريكي، وانهارت السلطات الملكية البريطانية عملياً، وكان الثوار ينفذون حكم الإعدام بمن يتيقنوا أنه يسرب معلومات تجمع الجنود الثوار، فاستقال كل حكام الولايات التابعة للتاج البريطاني.

    تشكلت مجموعات إدارية شعبية في كل بلدة ومدينة ومقاطعة مكونة من الطبقة الوسطى لإدارة الثورة، وتمهد للإستقلال، إلا في خمس مستعمرات (نيويورك الى ميريلاند) التي كانت تمانع في الانفصال عن الإمبراطورية البريطانية.

    كانت الخصومات الطبقية خافتة، باستثناء ما كان يتعلق بالموالين الأثرياء للتاج البريطاني. وخلق المؤتمر الأول للمستعمرات التي تشكلت منها الولايات المتحدة في ما بعد، والذي عقد في (فيلاديلفيا) خريف عام 1774 (الاتحاد) وهي لجان انتخابية على المستوى المحلي كُلفت مهام فرض عقوبات وتأديب لمن يرفض الثورة.

    كل تلك الأجواء صنعت مبررات لحرب ثورية ووضع الدستور فيما بعد.

  5. #5
    الدستور: من الثورة المُضَّادة الى الثورة

    الصفحات من 48ـ 64 من الكتاب

    قبل أن نبدأ بتلخيص ما جاء في هذا الباب، سيكون من الجدير التذكير بأنه كان هناك مجموعتان مؤثرتان في تشكيل مستقبل أمريكا: المجموعة الأولى وهي (الكوزموبوليتانية) وهي مجموعة جذبتها أطماعها وأحلامها لتقيم في أمريكا، أو أنها كانت من أجيال الموظفين الذين كانوا يتولوا إدارة المستعمرات البريطانية ومنها أمريكا. والثانية: هي السكان الأصليين، ولا نعني السكان ذوي الأصول الهندية، بل من وُلدوا هم وآباؤهم وربما أجدادهم في الولايات المتحدة.

    اكتشفت المجموعتان أن الشجار فيما بينها سيقوض وحدة المجتمع ويبدد أحلامه في الاستقرار والنهوض، فكان لا بُد من التفكير في دستورٍ يُنظم شكل الحياة السياسية المستقبلية في تلك البلاد.

    اجتمع خمسٌ وخمسون في فيلادلفيا( بين شهري أيار/مايو و أيلول سبتمبر 1787) كان ثلثاهم من الأثرياء، وثلاثة أخماسهم تحدروا من عائلات أرستقراطية، وكان مُعظم هؤلاء من أعضاء الكونجرس، وكان ثلاثة منهم جنرالات في الجيش الذي نشأ إبان حرب الاستقلال ومنهم (جورج واشنطن).

    أهم النقاط التي أثيرت في وضع الدستور

    1ـ كانت الولايات التي دخلت في مناقشات الدستور 13 ولاية، هي: بنسلفانيا؛ وجورجيا؛ و كونيتيكت؛ وديلاوير (ثاني أصغر ولاية مساحة)؛ وماساتشوسيتس؛ وميريلاند؛ وفرجينيا؛ و نيوهامشاير؛ ونورث كارولينا؛ وساوث كارولينا؛ ونيويورك؛ و رودآيلاند (أصغر ولاية مساحة)؛ ونيوجيرسي.

    2ـ كان لتلك الولايات مجالس تشريعية، مكونة من مجلسين (نواب وشيوخ) عدا بنسلفانيا وجورجيا حيث كان لها مجلس واحد. وكانت أعداد أعضاء المجالس في الولايات مختلفة فمنها ما يصل الى مائتين (بنسلفانيا) ومنها أقل من مائة.

    3ـ تم الاتفاق على أن يكون هناك مجلس تشريعي أولي، واحد مكون من 65 عضواً.

    4ـ أعطى المجتمعون بعد إحصاء السكان، لكل 13 ألف ناخب عضواً واحداً. في حين أعطي الرقيق ثلاثة أخماس الصوت للواحد! يعني إذا كان عدد الرقيق في ولاية خمسون ألفاً، فإنهم يحسبون وكأنهم ثلاثين ألف.

    5ـ ظهرت أصوات تحذر من الإفراط في الديمقراطية، لأن ذلك يخلق مجتمعاً يسوده الأشرار، فدهماء الشعب من السهل تضليلها أو شراء ذممها.

    6ـ اتفق الجميع على أنه إذا وافقت تسعة ولايات من أصل ثلاث عشرة، فإن الاتحاد سيكون ملزماً، حتى للولايات الأربع التي لم توافق عليه.

    وافقت إحدى عشر ولاية عدا اثنتان منهما نيويورك. لم يكن الذين وقعوا تلك الوثيقة والذين أعلنوا الاتحاد واثقين من عدم انفراطه مبكراً، وأصبح يُطلق عليهم بعد ذلك التاريخ (الفيدراليون).

    الرؤية الفدرالية وانقسام النخبة

    نشد الفيدراليون والجمهوريون خلق ولايات متحدة قوية وثرية قادرة على التنافس بنجاح على الصعيد العالمي في مواجهة قوى جبارة أخرى. لكنهما مع ذلك كانا ينظران الى مسودة القانون الاتحادي باعتبارها خاطئة في المسائل السياسية وبذرة تخريب للمؤسسة الجمهورية بأكملها.

    وقد ظهرت رافعتان فلسفيتان تتبنى أولاهما النموذج الإنجليزي، والثانية تريد الابتعاد عنه. كان يقود التبشير بالنموذج الإنجليزي (الكسندر هاملتون1755ـ 1804) والذي يُطلق عليه فيلسوف تأسيس الولايات المتحدة، وهو شاب محامي ولد من أمٍ غير شرعية. أصبح المستشار الخاص لجورج واشنطن، ثم أصبح في عهده وزيراً للخزانة.

    والتيار الآخر، قاده (جيفرسون1743ـ1826) و (ماديسون1751ـ 1836) وكلاهما أصبح رئيساً للولايات المتحدة. وهما من أسسا الحزب الديمقراطي ـ الجمهوري عام 1792، قبل أن يصبح الحزب الديمقراطي، بعد انشقاق مجموعة من أعضائه ليؤسسوا الحزب الجمهوري عام 1854، والذي أوصل أول رئيس له للبيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة (إبراهام لينكولن) عام 1860، وكان الانشقاق على هامش قضية الرق والعبودية، كما سنرى.

    كان برنامج هاملتون يعتمد على الضمانة المركزية لديون الولايات (منفردة) تحت ضمانة مركزية، تعزز من ثقة الدائنين، وتجمع الرأسماليين في كل الولايات المتحدة تحت مركزية واحدة، تسهم فيها الأموال المركزية في دفع عجلة التعليم والزراعة والصناعة، وبنفس الوقت يكون جريان الأموال تحت الإدارة المركزية.

    اعترض كلٌ من جيفرسون و ماديسون على البرنامج، باعتبار أن بيع سندات حكومية لآخرين محليين وبأسعار مغرية وفوائد عظيمة، سيخلق طبقة من المضاربين الذين سيثرون ثراءً فاحشاً على حساب أموال الدولة.

    وفي عام 1791، أوصى هاملتون بدعم الصناعيين، لتطوير الصناعة، لأن اقتصاداً متنوعاً من شأنه التوسع بسرعة وثبات أكثر من اقتصاد يعتمد على الصادرات الزراعية، والتي اعتبرها بأنها لن تدوم.

    أما ماديسون وجيفرسون، اعتبرا تلك الدعوة ابتعاداً عن قيم الجمهورية ومحاكاة للملكية البريطانية، فبالإضافة لتوصيات هاملتون بموضوع (الدَين) فإن ذلك سيكون مبعثاً للفساد. وصرح ماديسون تصريحه المشهور (إن المواطنين الذين يؤمنون غذاءهم وملابسهم... هم الأساس الأفضل للحرية العامة والحصن المنيع للسلامة العامة).

    فاز هاملتون في معظم معاركه، حتى عام 1792 عندما انقسم الكونجرس الى كتلتين كتلة مع هاملتون وكتلة مع (جيفرسون وماديسون) وهي التي أصبحت من يومها (الحزب الديمقراطي).

    شعر الجميع بأن التفتت والانفصال أصبح قاب قوسين، فانتبه جيفرسون وماديسون الى كبح جماح هاملتون وسيره في تَسيد الطبقة الأرستقراطية الموالية لإنجلترا، وبنفس الوقت الى منع حدوث الانفصال والتفتت فاقترحا إستراتيجية من ثلاثة محاور:

    المحور الأول: البنية الصارمة للدستور الفدرالي، وقد استطاعا من خلال هذا المحور كسب ثقة جورج واشنطن وعدم تحمسه المطلق لهاملتون.

    المحور الثاني: اللجوء الى انتخابات تهتم بالمناطق للابتعاد عن أغلبية مصطنعة، وسيكون الاحتكام لتلك الانتخابات النزيهة وممثلي الولايات هو البديل عن خداع الأعضاء ببلاغة الخطباء. وبالمقابل، فإن ماديسون استطاع أن يكسب عبر الصحف ووسائل الإعلام جمهوراً واسعاً من الطبقة الوسطى عندما قال (إن أعداءنا اعتقدوا أنه يمكن إدارة الحكومة من خلال أبهة الطبقات الاجتماعية فقط، وتأثير المال والرواتب، وما تخلقه القوات المسلحة من ذعر.... إن البشر قادرون على حكم أنفسهم ويكرهون السلطة الموروثة بصفتها إهانة للمنطق وإساءة لحقوق الإنسان).

    استطاع هذا التيار بهذا المحور أن ينجح، فقد تم انتخاب (جيفرسون) عام 1796، رئيساً للولايات المتحدة، بعد ثلاث جولات انتخابية مضنية.

    المحور الثالث: بعد أن اعترى اليأس كل من جيفرسون وماديسون صاغ محورهما الثالث المتمثل بإعطاء الولايات (منفصلةً) حقوقها في التشريع والإدارة، ما لم ينص الدستور (الصارم) على غير ذلك. فقد أعلن جيفرسون أنه (كلما تولت الحكومة المركزية سلطات غير مفوضة بها كانت أعمالها غير موثوقة، عقيمة، ودون أي جدوى).

    انتصر تيار جيفرسون وماديسون، واعتزل هاملتون السياسة وذهب لممارسة المحاماة حتى وفاته عام 1804

  6. #6
    سلطة الرقيق في الولايات المتحدة (1783ـ1865)

    آدم روثمن
    (1)


    (كيف يمكن لأقلية من المواطنين نيل ما يريدونه مرةً بعد مرة في ظل نظام حكم يزعم اعتماد الديمقراطية؟) فقد أصبحت هذه المسألة أساسية لاكتشاف (سلطة رقيق) في الولايات المتحدة منذ أواسط الثلاثينات من القرن التاسع عشر.

    هكذا بدأ الكاتب تساؤله، ولم يكن يقصد أن الرقيق هم من يحكمون، بل أن مالكي الرقيق وبفعل الثروات التي يجنونها من وراء امتلاكهم للرقيق. وقد كتب (جون غورهام بالفري) عام 1846، بأن غالبية كبيرة من مناصب الدولة العليا، بما فيها ثلاثة أرباع المناصب في الجيش والأسطول البحري، كان يشغلها مالكو الرقيق... وأن الاسترقاق هو الديكتاتور الأكبر، فبالرغم من أن عدد المقترعين (1846) كانوا ثلاثة ملايين، من بينهم مئة ألف فقط ممن يملك الرقيق، فإن السلطة الفعلية في الولايات المتحدة لهؤلاء.

    توسعت سلطات مالكي الرقيق كثيراً، وزادت أملاكهم، وتطاولوا على الأراضي المجاورة لهم وقلصوا مساحات السكان الأصليين لدرجة العدم، ولم يعيروا اهتماما للانتقادات التي كانت تظهر بالكتابات والخطابات التي تغمز في جانبهم. حتى لو كلفهم ذلك ابتعادهم عن الشأن السياسي والمواقع السلطوية، فالاقتصاد بيدهم والرقيق في المزارع والمناجم والمصانع والصادرات التي تعزز رأسمال البلاد هي بفعلهم، وبقي وضعهم المتعجرف هكذا حتى انتخاب (ابراهام لنكولن) عام 1860.

    بعد انتخاب لنكولن انسحبت 11 ولاية جنوبية من الولايات المتحدة وشكلت اتحاداً جديداً، قاد الى الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات، منذ 1860ـ 1865، انتهت بهزيمة الولايات الجنوبية ومقتل لنكولن، وهزيمة أنصار الاسترقاق.

    (2)

    تشكلت الطبقة المالكة للرقيق في الولايات المتحدة انطلاقاً من علاقاتها التطورية مع أشخاص آخرين في المجتمع الأمريكي والعالم الأطلسي الأوسع. وهي لم تكن مجمدة في التاريخ بل كانت ناشطة ومتغيرة باستمرار. وكان في عام 1790 حوالي 8 آلاف أسرة تملك رقيقاً، رغم هروب الكثير من الرقيق في حرب الاستقلال (الثورة) فقد بقي حوالي 700 ألف من الرقيق وهو عدد يساوي 18% من سكان الولايات المتحدة آنذاك.

    كان الاسترقاق متفشياً في كل مناحي المجتمع الأمريكي، وكان له فلاسفته المدافعين عنه. وكان سبعة من الرؤساء الأحد عشر الأولين، يملكون رقيقاً ومن بينهم (جورج واشنطن) نفسه. وكان واشنطن أحد كبار مزارعي التبغ في فرجينيا، وكان متأرجحاً في مسألة امتلاك كائنات بشرية، وقد عبر عن ذلك بقوله إنه يرغب بإعتاق ما يملك من رقيق.

    كانت صادرات القطن واحدة من أسباب موجبات الاسترقاق، فقد زاد انتاج القطن الأمريكي من 23 ألف طن عام 1800، الى حوالي 750 ألف طن عام 1860، وهو يشكل ثلثي إنتاج العالم من القطن، وكان يشكل نصف صادرات الولايات المتحدة الإجمالية. ويذهب ثلثا هذا المحصول الى بريطانيا، التي كانت تجيد تصنيعه وتسويقه لكل أنحاء العالم.

    وقد أعلن عضو مجلس الشيوخ (جيمس هنري هاموند) عام 1858، مستشعراً الهجمات التي كانت توجه لمالكي الرقيق، ورابطاً إياها بإنتاج القطن وصادرات الولايات المتحدة منه (لا، إنكم لا تجرؤون على شن الحرب على القطن... القطن هو ملك)*1

    وإذا كان القطن ملكاً، فإن قطاعات التبغ والسكر والرز تشكل الحاشية لهذا الملك.

    لقد زاد عدد الرقيق خمس مرات، فأصبح عددهم 4 ملايين، من أصل 30 مليون عدد سكان الولايات المتحدة عام 1860.

    كان حوالي 70% من مالكي الرقيق، يملكون أقل من عشرة من الرقيق، و3% فقط يملكون خمسة عشر رقيقاً فأكثر. وكان أكثر مالك للرقيق في عام 1850 (ناتانييل هيوارد) إذ كان يملك (1834) رقيقاً.

    (3)

    في الوقت الذي كان أعداء الاسترقاق يهاجمون أنصاره، ويصفونهم بالجشع وحب جمع المال على حساب الأخلاق. كان أنصار الاسترقاق يعددون مزاياه، فيذكرون الإنتاج المتزايد وأثره على اقتصاد البلاد، ويذكرون المزايا التي يتمتع بها مالكو الرقيق من حيث حياتهم الأرستقراطية، وتشجيعهم للفن والأدب وغيره، كما أن الرقيق أنفسهم كانوا يعيشون في أجواء إنسانية ترعاهم وتصون حقوقهم!

    كما أن أنصار الاسترقاق اكتشفوا الفائدة التي يجنيها أبناء الولايات الشمالية الذين يتظاهروا بأنهم ضد الاسترقاق، فقد كانت معظم الصادرات الآتية من الجنوب (المناصر للاسترقاق)، تمر عبر وسطاء ومصدرين من الولايات الشمالية، وهم يستفيدون من هوامش إنتاج الرقيق!، كما أن بريطانيا أو غيرها من الدول الأوروبية تستفيد هي الأخرى من تلك المنتجات التي يصدرها مالكو الرقيق. وقد دعوا السكوت عن تلك المسألة بالعبارة (خيط القطن يُبقي على الاتحاد متماسكا).

    كان الأدباء يبينون وجهات نظر مالكي الرقيق، والكيفية التي يتعاملون بها معهم، ويكفي قراءة رواية (كوخ العم توم) لمؤلفها (هارييت بيشر ستوو) للتدليل على ذلك.

    (4)

    هل كان للرقيق وجهات نظر أو نشاطات مُضادة؟

    لم يصل الى صفحات الكتب الوثائقية شيءٌ يُذكر عن ثورة العبيد التي قامت في سنة 1811 إلا تاريخها. وهذا سهل الفهم لمن أراد البحث عن أسباب حجب مثل تلك المعلومات، فقد يكون هناك من حاول أن يؤرخ لها، ولكن لم يُسمح بنشره، وهذا جليٌ أيضاً في تراث المجتمع الأمريكي في ما يخص حروب البيض مع الهنود الحمر، السكان الأصليين للبلاد، فلم تعرف البشرية عن تلك الحروب سوى الصور التي كانت تُقدم بأفلام (الكاوبوي) لتبين مهارات الأبيض بالقتل!

    كان مالك الرقيق يمر على أكواخ الرقيق مرتين في اليوم، في الصباح وقبل النوم. وكان يمر مرة بشكل مفاجئ أسبوعياً. وكانت العقوبات تتدرج من حرمان من الطعام والاستراحة الى الجلد أو البيع. وقد كتب أحد الرقيق (إن لم تكن في مكانك الخاص عندما يصل قاشرو الأرز (البيض) فهم سيجلدونك حتى تصبح أسود وأزرق)*2

    لكن المطالبة بإنهاء الاسترقاق، توحي بأنه كان هناك نشاطات واسعة يقوم بها الرقيق ومن يناصرهم من غير الرقيق. وقد عبر الشاعر (هنري تيمرود) من تشارلستون عام 1861، (أي إبان الحرب الأهلية التي خاضها لينكولن لتحرير العبيد) في قصيدة ((نشوء العِرْق)):

    ... في النهاية، نحن
    أمةٌ بين الأمم؛ والعالم
    سيرى قريباً مرفأً بعيداً
    وعلما آخر.. مرفرفاً*3





    هوامش من تهميش المؤلف
    *1ـ Congressional Globe, Senate, 35th Cong., appendix (1858), 70.
    *2ـ Sally Hadden, Slave Patrols: Low and Violence in Virginia and the Carolinas (Cambridge, Mass,: Harvard University Press, 2001) 71
    *3ـ The Poems of Henry Timrod (New York: E. J. Hale& Sons, 1872), 10

  7. #7
    الفصل الثالث: تُجَّار وصناعيو الشمال قبل الحرب

    زفن بيكر*

    ص 103


    خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، انحلّت بشكلٍ دراماتيكي العُرى الوثيقة للمجتمع القوي الذي كان قد تشكل من نُخب الاقتصاد الشمالي في أمريكا. وظهرت انقسامات جديدة في صفوفه جعلت العمل السياسي أمراً صعباً أكثر فأكثر. وبرز هناك من يتحدى سلطة المجتمع القديمة، وقويت تلك التحديات بعد الثورة الصناعية وبالذات بعد عام 1830. وسنمر باختصار على تلك القوى:

    المزارعون الجنوبيون:

    بعد الهجرات المتتالية من أوروبا الى شمال الولايات المتحدة، وانخراط هؤلاء بتجارة أو صناعة على هامش الزراعة وبالذات القطن والسكر، فقد قويت العلاقة فيما بينهم وبين مزارعي الجنوب، فاستحسن هؤلاء الاسترقاق طالما أنها تصب في مصلحة زراعة الجنوب وبالتالي مصلحتهم (في التصدير وصناعة النسيج). من هنا اكتشف المزارعون بالجنوب أن لهم أنصاراً إستراتيجيون. فأخذ التمرد على نُخب الشمال المسيطر تاريخياً يأخذ شكلاً علنياً.

    التجّار

    كان التجار، الى حدٍ بعيد، الشريحة الأكثر أهمية في النُخب الاقتصادية الشمالية قبل الحرب الأهلية. وفي السنوات التي تلت الثورة، كان التجار الذين جمعوا ثرواتهم من خلال استفادتهم من تمويل بنوك أوروبا أولاً كونهم أتوا أصلاً في مهمات تجارية ممولة من رأسماليين أوروبيين لنقل محاصيل أمريكا الغنية لأوروبا والاتجار بها، ففضلوا البقاء في أمريكا وبالذات في شمال الولايات المتحدة. كما استفادوا من الحروب التي كانت تدور في أوروبا وفيما بعد في أمريكا، ليتفننوا في جمع المال والتحكم بأسعار السلع.

    كان 69% من سكان (بوسطن) الأكثر غنى تجاراً ويدفعون 37% من ضرائب بوسطن عام 1848، كما كان 1% من سكان فيلادلفيا يملكون 50% من موجودات المدينة تجاراً. وحوالي 9 آلاف من سكان نيويورك (1.4%) تجاراً يملكون 71% من موجودات المدينة*1، ومن المفارق أن 84% من سكان نيويورك لا يملكون أي ثروة حقيقية هامة.

    لم يكتفِ تجار الولايات المتحدة بنوعٍ واحد من المهن (التجارة)، بل كان سبعة من ثمانية من كل التجار لهم علاقة بالتصنيع (مساهمات مالية)، رغم احتقارهم لمهنة الصناعة. وكانت لهم أساطيل من السفن فمثلاً كان تاجر اسمه (جوزيف بيبودي) من سكان مرفأ (سالم) يملك أسطولاً من ثلاثٍ وثمانين سفينة. كانت سفن التجار تجوب العالم من سومطرة الى بيونس آيرس.

    تزاوج أبناء كبار التجار فيما بينهم، لزيادة رأس المال للأسرة، وسكنوا في أحياء منفصلة، وكانوا يتباهون بأثاث بيوتهم وسجادها والتحف التي يحصلون عليها من سفرهم. وكان للنساء دورٌ كبير في تنظيم شبكات النسب والتفاخر به. ففي بوسطن كانت علاقات النسب بين أغنى العائلات تشكل 76% من جميع الزيجات، وكان الأنسباء يديرون مصالح الأثرياء، وتترك لهم حرية اتخاذ القرار، ففي رسالة لأحد تجار بوسطن (باتريك ترايسي) لوكيله (نسيبه) الذي كان يمثله في الهند يقول فيها (اتكل على حكمك ولا تنتظر توجيهات مني)*2.

    لم يقتصر نشاط النساء على تأمين شبكات النسب، بل زاد اهتمامهن بأقمشة ملابسهن وإبداء تذوقهن للموسيقى والفنون المختلفة، لإضفاء طابع أرستقراطي خاص بتلك الطبقة من الناس.

    الصناعيون والحرفيون والعمال

    بدأت الثورة الصناعية في أمريكا متأخرة بعض الشيء عن مثيلاتها في أوروبا، ولكنها بدأت قوية وسريعة، حيث ازدهرت صناعات النسيج على هامش زراعة القطن الواسعة، وظهرت صناعة الأصباغ، والغراء، وامتد النشاط ليصل الى سكك الحديد وما يتطلب هذا النوع من النشاط ازدهار نشاط التنقيب عن الحديد وصهره، والتنقيب عن الفحم الحجري ومصادر الوقود، وكان نصيب النسيج والحياكة وما يتعلق بها الأكبر في بداية الثورة.

    قام (اسحق سينجر) باختراع وصناعة ماكنة الخياطة التي لا تزال تحمل اسمه وتنتشر في كل أنحاء العالم، كما قام (روبرت إدوين دييتز) باختبارات على حرق مواد عضوية لتحويلها الى وقود صالح للإضاءة. وقام (بيبر كوبر) بصناعة الغراء، حتى أصبح هؤلاء الثلاثة من أكثر سكان أمريكا ثراءً.

    لم يمنع اشتراك التجار الأثرياء ومساهماتهم المالية في الصناعة، من أنهم يستهزئون من الصناعيين وتحقيرهم بحجة أنهم لا تُعرف لهم أصول، ولم تشفع لهم ثرواتهم الطائلة لكي يقبلوا في علية القوم. ويذكر المؤلف مثالاً لتلك السخرية، ما روي عن المليونير (كوبر: صانع الغراء)، حيث كان يميل الى الملابس البسيطة ويسكن في الأحياء الشعبية، فعندما زار أمير ويلز نيويورك دُعي (كوبر) ليكون من ضمن المستقبلين له، وتم إقناعه بلبس (بدلة) تليق بمثل تلك المناسبة، ففعل وبالغ في الأناقة حتى بدا مثاراً لاشمئزاز أمير ويلز وضحك الآخرين عليه.

    كان احتقار الأثرياء (التجار) للصناعيين لا يتوقف عندما يطلقون عليهم (ميكانيكيين) لتصغير شأنهم، بل زاد عن ذلك بكثير، حيث أحس التجار أن التفاف المهاجرين والهاربين من الرق حول الصناعيين، سيهدد مستقبل هؤلاء الأثرياء في إدارة شؤون أمريكا.

    لم يستسلم الصناعيون لسخرية الأثرياء، بل قابلوهم بحملات مضادة، واصفين الصناعة في أمريكا بأنها (شجرة تطرح البَق) يأكل إنتاجهم التجار الذين لا يعملون شيئاً سوى استغلال جهود الآخرين. فقاموا بتنظيم النقابات والاتحادات ومعاهد التدريب، والاهتمام بالفن والفلسفة والسياسة، والاصطفاف مع مناهضي الاسترقاق، كونه هو من يحمي هؤلاء المستغلين.

    وهكذا انقسم المجتمع في الولايات المتحدة حول الرق ك (ساتر) يتمترس خلفه المتصارعون من الصناعيين والتجار.








    هوامش من تهميش المؤلف
    *زفن بيكر: (أستاذ تاريخ في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب الولاية الثرية: مدينة نيويورك وتماسك البرجوازية الأمريكية، وصاحب كتاب (التاريخ العالمي للقطن).
    *1ـ Seven Becket, The Moneyed Metropolis: New York City and the Consolidation of the American Bourgeoisie (New York: Cambridge University Press, 2001), 19
    *2ـ Quoted in Jaher, Urban Establishment, 23

  8. #8
    الفصل الرابع: تعاليم عصر الثراء وحقائقه

    ص 135

    ديفيد ناسو *

    (1)

    السيدة (لايتفوت لي) وهي الأرملة الثرية بطلة رواية (الديمقراطية) التي وضعها (هنري آدامز) عام 1882، انتقلت الى واشنطن لأن الملل كان يعذبها، فمنذ وفاة زوجها قبل خمس سنوات، فقدت ولعها بمجتمع نيويورك؛ وهي لم تعد مهتمة بأسعار الأسهم أو بالأشخاص الذين تمارس التجارة معهم؛ فقد باتت جادة. كانت منزعجة من أصحاب الملايين في نيويورك الذين كدّسوا ثروات طائلة ولا يدرون ما يفعلون بها.

    هكذا، بدأ الكاتب بمقدمة بحثه، ليشبه تلك السيدة براكب في سفينة أراد الدخول الى غرفة المحركات والحديث مع المهندس. وهذه الرغبة لم تقتصر على بطلة الرواية الخيالية، بل تجاوزتها للكثير من الموسرين الذين انتبهوا الى الحياة السياسية بعد أن شبعوا من ملذَّات الحياة.

    يتحدث الكاتب، عن أصنافٍ من الأثرياء في الولايات المتحدة، الذين جمعوا ثرواتهم بمعدلات تفوق أثرى أثرياء أوروبا عشرات المرات، وبوقت سريع. وذكر أن أشهر تلك الأصناف ما عمل بالاستثمار بسكك الحديد، والصناعة والمناجم وتوضيب اللحوم الخ.

    وكانت ثرواتهم مثار لنقاش كل الطبقات، السياسية الحاكمة أو العمالية أو الفكرية أو الصحفية الخ. وكانت ثرواتهم تنمو باطراد وبمعدل مثير، فبينما كان حديثو النعمة وأبناؤهم مضطجعين في أحضان الرفاهية، كانت أموالهم تتضاعف بسرعة أكبر مما يمكن إنفاقه.

    (2)

    تصاعدت حملات الانتقاد لأصحاب الثروات الطائلة، حتى وصلت الى أروقة الكونجرس، وكواليس الأحزاب والنقابات العمالية. فكان لا بُد لأصحاب تلك الثروات أن يتجمعوا لاتخاذ ما يُبعد خطر أولئك الأعداء. وبالرغم من أن العداء كان في البداية بين أصحاب تلك الثروات فيما بينهم، من باب المنافسة، أو على هامش تضرر مصالح فئة من أخرى كتضرر أصحاب المزارع الجنوبية من الرسوم الطائلة التي يفرضها عليهم المتحكمون بسكك الحديد؛ أو تضرر أصحاب الأفران من زيادة رسوم نقل الفحم الحجري أو المواد الى أفرانهم، فإن تلك العداوات تم تذليلها وتطويعها لتوجه ضد السياسيين والمشرعين وضد الحركات العمالية والسياسية.

    كان لا بُد من ظهور مُنظرين ومفكرين لأصحاب الثروات لكي يوقفوا النظرات الحاسدة لثرواتهم، والتي لم تتوقف عند الحسد بل امتدت لتعيق جمع تلك الثروات.

    كان الجشع وشهوة المال، هو تفسير الآخرين لجمع هؤلاء لثرواتهم. في حين ظهر من يرجع تلك الثروة لتوفيق الله ورضاه على هؤلاء الناس، وعندما تقارن أفعالهم ومجونهم وعربدتهم بما لا يرضي الله، كان الصحافيون الساخرون يقولون: لماذا لا يرضى الله عن الفقراء والمحتاجين ويرزقهم؟

    ظهر (هربرت سبنسر) الفيلسوف البريطاني كمرشدٍ ودليل لطبقة أثرياء الولايات المتحدة، فهو صاحب كتاب (الرجل ضد الدولة) وهو صاحب مقولة (البقاء للأصلح) وإن كان الرجل من مذهب (اللاأدرية) التي تؤمن بنظريات دارون وتطورها، فقد كان بنظرياته خير نصير للأثرياء.

    تأثر (أندرو كارنيغي) بأفكار هربرت سبنسر، وطور عليها، وأندرو هذا اسكتلندي مهاجر من فقر مدقع الى الولايات المتحدة، وعمل بالصلب والسكك حتى أصبح من كبار الأثرياء، ووكيل لوزارة الحربية. فلم يقبل بفكرة الحظ والتوفيق من الله ولم يقبل أن يُسمى أمثاله باللصوص والجشعين، بل دافع عن ذلك بقوله: إن الموهبة وحسن إدارة الأفراد لأموالهم هي من تجعلهم أكثر ثراء من غيرهم.

    (3)

    كَثُرت استجوابات لجان التحقيق للأثرياء عن مصادر رزقهم، وعن القلق الذي تتركه ثرواتهم على المجتمع والدولة. وقد أجاب أحدهم (جاي غولد) : (أظن أن لا داعي للخوف من الرأسماليين على حريات الشعب. فالرأسمالي محافظ ومرتعب؛ ولكن ما عليكم الخوف منه هي الجماهير العريضة من غير المثقفين والجهّال)*1

    في عام 1886 حصل أكثر من 1400 إضراب عن العمل، لأكثر من 400 ألف عامل، و(هو العام الذي شهد 1أيار/مايو 1886 الذي يحتفل به عمال العالم كعيد للعمال).

    كانت حجج أصحاب الثروات عندما خفضوا أجور العمال 10%، من أن العمل هو سلعة كأي السلع، يخضع للعرض والطلب. ونحن لم نخترع هذه القاعدة بل وجدت منذ القِدم.

    لقد دفعت الإضرابات والتي تضرر منها أصحاب الثروات، الى التفكير الفوري بإنشاء مصانع للأسلحة والذخيرة وإنشاء المليشيات التي تجبر العمال على الانتظام بعملهم، طالما أن الجيش الحكومي والحرس الوطني لا يقوم بمهامه!

    في عام 1890 انضمت 6 ولايات جديدة للولايات المتحدة هي (واشنطن وداكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية وأيداهو ومونتانا ووايومنغ) وهي ولايات غنية بالفضة، مما شجع على تمرير قانون يعتبر سك الفضة كعملة موازية للذهب، وهذا خلق حِراكاً جديداً*2

    هذا الحراك أدى تجييش كبير من أنصار إبقاء الذهب كضامن رئيسي للعملة، الى تبرع (ستاندرد أويل) بمبلغ ربع مليون دولار، ومؤسسة روكفيلر بمبلغ مثيل، وساهم كارينغي ليس بالمال فحسب بل بطباعة خمسة ملايين نسخة من كراس معد للعقول الساذجة، فنجح مرشحهم في انتخابات 1896 (وليام مكينلي) وانهزم الديمقراطيون. *3

    من يومها، انتبه أصحاب الثروة على ضرورة تمثيلهم بقوة في المجالس التشريعية بالولايات (منفردة ومجتمعة) وانتبهوا الى رشوة الصحافيين وشراء الذمم وإقامة دور النشر ومراكز الدراسات الموجهة.



    هوامش من تهميش المؤلف

    *ديفيد ناسو: أستاذ تاريخ، ومدير مركز العلوم الثقافية في مركز (كاني) للتخرج. مؤلف أربعة كتب، بما فيها الرئيس (حياة وليام راندولف).
    *1ـ Jay Gould testimony, United States Congress, Senate, Committee on Education and Labor, Report upon the Relations between Labor and Capital (Washington, D.C.: Government Printing Office,1885), 1089
    *2ـ Richard Hofstadter, The Age of Reform (New York: Vintage Books, 1955), 104
    *3ـ Strouse, Morgan,355; Chernow, Titan,388; Mark Hanna to Andrew Carnegie, October17,1896, Vol. 39. Library of Congress

  9. #9
    الفصل الخامس: نفوذ الثروات الطائلة المُخفق

    ص 163

    ألن داولي*


    (1)

    افتتن الكُتّاب في المجادلة بين (سكوت فيتزجيرالد) و (آرنست همنغواي) حول مكانة الثروات الطائلة في المجتمع الأمريكي، وأعادوا تلك المجادلة مئات المرات:

    سكوت فيتزجيرالد: اسمح لي بإخبارك شيئاً عن الأغنياء.. هم مختلفون عنك وعني.

    آرنست همنغواي: أجل.. لديهم مزيدٌ من المال.

    وهذه الإشارة رغم قلة كلماتها، إلا أنها تنطق بلسان مجلدات عدة حول الطبقات في أمريكا.

    بدأ قادة الصناعة في عصر الثراء رحلة تحويل أنفسهم من مجرد كادحين لجمع المال الى نماذج مثالية في المجتمع ينعمون بكل ما توفره الطبقة الأرستقراطية من رفعةٍ في المقام ومنحٍ عديدةٍ أخرى، وغير مكتفين بما حققوه من ثراء، فقد سعت السلالات الحاكمة الشهيرة لآل (روكفيلر) و (مورغان) و (ألدريتش) الى احتكار النفوذ السياسي. وسعى الجيل الجديد من العائلات الثرية المرتبطة بشركات صناعية ومالية الى إخضاع مصير بلدهم لمشيئة طبقتهم.

    (2)

    أشارت التغيرات الهامة في نهاية القرن التاسع عشر الى تماسك طبقة أرستقراطية وطنية وزعت اهتماماتها بين (وال ستريت) و (واشنطن). وبدأ عصر الثراء والاتحادات الضخمة كتلك التي حصلت بين (ستاندرد أويل) التي يملكها (جون روكفيلر) وإمبراطورية الفولاذ التي يملكها (أندرو كارنيجي) الى تأسيس أول مؤسسة بالعالم رأسمالها (مليار) دولار عام 1901. وقد دعا المراقبون تلك الشركة باسم (الاحتكار) ووصفوا جمعها للأموال بأنه كحمم البراكين التي تنفث مالاً غزيراً*1

    يشير المؤلف الى اختلاف بين الطبقة الأرستقراطية والنُخبة، فيقول عن النخب بأنهم أولئك الذين ارتقوا الدرجات العليا من سلم النجاح في القانون، والتربية، والسياسة، والأعمال، وأي حقل آخر. فقد كانوا المحركين الذين ظهرت أسماؤهم في لائحة القادة. وبشكل مغاير، كانت الطبقة الأرستقراطية مؤلفة من مجموعة العائلات المترابطة التي نعمت بقيادة اجتماعية واحترام ثقافي في المجتمع ككل.

    والمجموعتان متداخلتان في الدرجات العليا*2، لكن متطلبات الانتساب الى إحداها مختلفة. فبالنسبة الى النخب، كان مفتاح الانتساب متمثلاً بالموثوقية التربوية والعلاقات الشخصية، في حين أن ولوج الطبقة الأرستقراطية كانت تتطلب نوعية السلالة، والتربية، والمال الذي كل ما كانت كميته كبيرة كان الأمر أفضل.

    (3)

    والانتقال الى الرأسمالية المالية يؤكد تأثير الثروة الطائلة على تشكيل الطبقة الأرستقراطية. ولو أخذنا (جاي. بيربونت مورغان) أول من جمع مليار دولار في العالم وهو مصرفي كبير مغرور كان بجرة قلم قادرا على تأمين أو إلغاء أرزاق الآلاف. وإبان حالة الذعر التي أصابت أثرياء الولايات المتحدة في عام 1907، حيث كانت الشركات تتكبد الخسارة تلو الأخرى في (وول ستريت)، وكان معظمها على شفير الإفلاس. دعا هؤلاء عند منتصف الليل لاجتماع في قصره الرائع، والذي لن ينسى من دخله فخامة موجوداته.

    أقفل الأبواب، وسلم الحاضرين نسخاً مكتوبة لخطته، وكان يكتفي بالقول لكل واحدٍ منهم (هنا توقع) ويضيف بحزم (هاك القلم). لقد أنهى حالة الذعر، ويدلل هذا السلوك على الصلة الوثيقة بين القطاعين المالي والصناعي*3

    وبالرغم من أن أحداً لم يعتبر (جاي. بي. مورغان) فاتناً، فقد كان نهماً في جمع الكنوز الفنية وملء قصره بزخارف الثقافة الأوروبية الرفيعة، ووصف أحدهم المشهد قائلاً: (في إحدى الغرف، كانت هناك تطاريز رسومية رفيعة وعالية معلقة على الجدران، ونُسَخ نادرة للكتب المقدسة ومخطوطات مضاءة عن القرون الوسطى تملأ الخزائن؛ وكانت في غرفة أخرى تلك المجموعة التي تتناول فنانين مثل كاستانيو، وغيرلاندايو، وبيروجينو، وغيرهم.

    وفي إطار التحول للثروات الموروثة، تحول الجوهر الأساسي لمكاسب عصر الثراء الى إرث ذهبي. وبهدف احتمائها من نوبات السوق التنافسية، عززت العائلات (البارونية) الكبيرة (آل روكفيلر، وهاريمان، ومورغان وغيرها) ثرواتها من خلال زيجات مصاهرة كانت النسخة الاجتماعية لتشابك مجالس الإدارات المتحدة.

    كان الى جانب المال، يوجد تفكير أقرب للعنصرية التي تمجد البيض ومن ثم البروتستانت، وتعتبر العرق الأنجلوسكسوني هو الأجدر بأن يملك العالم، فلم تكن الطبقة الأرستقراطية احتراما للكاثوليك الأيرلنديين (كآل كيندي مثلاً) ولا اليهود*4.

    (4)

    لم تتوقف الطبقة الحاكمة عند حدود الولايات المتحدة، فقد شرعت بسلسلة من عمليات الضم الاستعماري والتدخلات العسكرية في الحرب الإسبانية الأمريكية التي بدأت عام 1898، ثم في أمريكا اللاتينية وكوبا وبنما والفلبين. وقد سارت الولايات المتحدة على خطى بريطانيا، ومع ذلك لم تنس أن تغلف نشاطاتها الاستعمارية بغلاف إنساني، وقد عزز كُتاب أمريكيون ذلك التوجه بكتاباتهم، فيكتب (راديار كيبيلنغ) بعد العصيان المسلح لأهل الفلبين ضد المحتل الأمريكي، بأن سكان الفلبين لم يصبحوا بعد مستعدين لحكم أنفسهم! [ هذا ما يحدث في العراق وأفغانستان بعد مرور حوالي ثمانية عقود].

    وقد كان لالتحام المال والسياسة والحرب صورٌ متجسدة في المكسيك مثلاً شركات (روكفيلر ومورغان وستيلمن و دودج). وفي منطقة الكاريبي (مورغان وستيلمن) وفي أمريكا الوسطى (يونايتد فروت) وكذلك في كوبا.

    أما في الفلبين فقد كان الحاكم فيها (وليام تافت) والذي عينه (روزفلت) قد كتب يقول (أوصل الجيش الأمريكي الفلبين الى مرحلة باتت فيه حقلا جاهزا ومغريا للاستثمار والعمل. ولكن لجعل هذا الأمر ممكناً، يجب أن تكون هناك قوانين للتعدين وقوانين للمساكن والأراضي والعمل المصرفي والعملات)*5. و(تافت هذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة)





    هوامش من تهميش المؤلف:

    · ألن داولي: أستاذ تاريخ في كلية نيوجيرسي. هو مؤلف كتاب الطبقة والمجتمع المحلي: الثورة الصناعية في لين 1967. وهو مؤلف كتاب النضال من أجل العدالة: المسؤولية الاجتماعية والدولة الليبرالية 1991. وكتاب تغيير العالم: التقدميون الأميركيون في الحرب والثورة 2003.

    *1ـ Beyond Markets and Hierarchies: Toward a New Synthesis of American Business History Review 108( April 2003) 404-433
    *2ـ The distinction follows Baltzell, Protestant Establishment 7-8; Batzell also identifies members of upper class by the overlap of names between Whos Who and The Social Register.
    *3ـ Quote from Thomas Lamont, Across W0rld Frontiers (New York: Harcourt, Brace, 1951), 39
    *4ـ Aldrich, Old Money, 275; Baltzell, Protestant Establishment, was written in part, to alert members of upper class to the inevitable disappearance of any resolutely Protestant Establishment in a society with successful Catholics and Jews.
    *5ـ Taft to Root, August 18/19

  10. #10
    مشكلة الطبقات الثرية الحاكمة


    بالرغم من نجاحهم، شعر زعماء الرأسمالية الأمريكية المتوّجين بإكليل المجد بأنهم متقلقلون. فقد وصف والتر ليبمان، وهو أحد المراقبين الأكثر إدراكاً للمشهد الأمريكي، مأزقهم قائلاً: (( اكتسبوا ثقافة تحقيق النجاح؛ قِلّةٌ منهم دُرِّبوا على ممارسة السلطة. وهم لا يُدخلون في حسابهم الاحتفاظ بنفوذهم وتسليمه الى أبنائهم. فهم يعيشون ليومهم)...(كلهم قلقون في شأن كيفية الحؤول دون تداعيهم))*1

    يقول الكاتب: قد يكون الأثرياء والمقتدرون موضع حسد، ولكنهم قد لا يكونون موضع تبجيل. فقد يُطاعون دون أن يُجَلّوا. لقد لخص محامي الشعب (لويس برانديس) بجلسة سماع واسعة النطاق للكونجرس بسخرية لاذعة بأن المصرفيين الأثرياء يستخدمون أموال أشخاص آخرين ليزدادوا ثراءً. إنه امتياز أخذ البيض الذهبي الذي وضعته إوزة شخص آخر*2

    لم يستطع أحد أن يرفع صوته في وجوههم مثل (ثيودور روزفلت) عندما قال: (من بين كل أشكال الطغيان، فإن الأقل جاذبية والأكثر ابتذالاً هو طغيان الثروة بذاتها، وطغيان الطبقات الثرية الحاكمة.*3

    ونشأت مجموعة أخرى من المشاكل في مجال الشؤون الخارجية. ففي الوقت الذي ظهرت فيه رغبات أصحاب الثروات الطائلة للتوسع خارج الولايات المتحدة، لجمع المزيد من الأموال، مستخدمين في ذلك هيبة الدولة وإمكاناتها العسكرية، وصف مناهضو هذا التوجه بأنه يهدد الديمقراطية. وسيرهق دافعي الضرائب، واشتركت في تلك الجهود الرافضة لهذا التوجه عصبة النساء العالمية للسلام والحرية.


    وتمثلت مشكلة أخرى واجهت الطبقات الثرية الحاكمة بمعاملة اليد العاملة، فقد كان أرباب العمل يضغطون على موظفيهم ويرهقونهم لدرجة إلحاق الضرر بصحتهم وسلامتهم في غالب الأحيان، كما حدث في الميدان الصناعي و لا سيما الحريق الذي شب في شركة (تراينغل شرتوايست في نيويورك 1911.

    وكان قمع العمال يأتي بأشكال مختلفة منها (مليشيات) خاصة بالشركات، أو بواسطة أجهزة الحكومات المحلية، أو حتى الجيش، ولا يتوقف هذا داخل الولايات المتحدة، بل يتعداها الى ما وراء الحدود (بنما، المكسيك، الفلبين).

    كما كان هناك صراعٌ دائم بين الأغنياء القدماء (الحافظين) وحديثي النعمة (النائلين)، فالقديم يكره الوافد الجديد للطبقة ويحاربه، وما أن تمر عشرة سنوات أو أكثر حتى يُضاف حديثو النعمة الى القدماء ويقومون بتمثيل نفس الدور.

    إصلاح، حرب، وثورة، 1912-1921

    حاول أصحاب الثروات الطائلة تحسين الصور المأخوذة عنهم، في إنشاء منظمات خيرية تهتم بصحة الفقراء وتعزيز مستوياتهم الثقافية، والابتعاد عن التعامل المباشر في قمع العمال، وخصوصا بعد الوحشية التي حدثت في مجزرة (لادلو).

    وبازدياد الاستياء العمالي ومشاكل اجتماعية أخرى، اخترقت الجماعة الراقية الصفوف للمشاركة في حركات الإصلاح الاجتماعي. ومولوا مؤسسات خيرية. إلا أنه لم يمض وقت طويل حتى وقعت تلك المؤسسات بشبكاتها الواسعة في شرك السياسات الانتخابية.

    ولمنتقدي السياسات الإصلاحية الذين اتهموا القائمين بها بأنهم يتجهون الى طريق الاشتراكية، جادل روزفلت تكراراً: (الإصلاح الاجتماعي ليس نذيراً للاشتراكية بل عاملاً للحؤول دون بلوغها)*4

    في الحرب العالمية الأولى، ساد قلقٌ حيال الحرب يتعلق بواقع (جاي مورغان) وشركاه كانت الوكيل الأمريكي الرسمي لعقد الصفقات مع الحكومة البريطانية. وحصل (مورغان) على 30 مليون دولار كعمولة لصفقة مباشرة أجراها الحلفاء بقيمة 3 مليار دولار، وكسب ملايين عدة على قرض أنغلو فرنسي بقيمة 500 مليون دولار.

    وظهرت نزعات تخص الجانب العنصري واستحداث قومية (أمريكية) من خلال رسم مواصفاتها من قِبَل الطبقة الثرية الحاكمة، فأُغلقت الأبواب في وجه السلافيين والإيطاليين واليهود بين عامي 1921 و 1924*5

    الإقطاعية المتحدة, 1922ـ 1932

    في دراستهما بعنوان (الشراكة الحديثة والملك الخاص 1932) وصف (أدولف بيرل) و (غاردينز ميتر) النظام المتحد الذي تطور في العشرينات من القرن العشرين بأنه المرادف العصري للنظام الإقطاعي الذي تبدو فيه الشركات وكأنها حلت مكان الدولة بوصفها النموذج المهيمن على النظام السياسي*6

    وقد شملت المساعي للتخطيط المتحد، والاتحادات التجارية على مستويات عليا على طراز إنشاء لجنة التداول الخاصة عام 1919 وهي اتحاد مالي بين مؤسسات عملاقة تضم (ستاندرد أويل؛ و دوبون؛ وجنرال إلكتريك).

    في عام 1929 بلغت عملية توزيع الثروة قمة كبيرة جداً من عدم المساواة، عندما كانت الهوة بين الأغنياء والفقراء أوسع منها في أي وقت آخر من القرن العشرين. وأخذت أشكال الترف والبذخ من جميع أوجهه تطال كل الجوانب، حتى تلك التي كانت تحاكي سلوك الأوروبيين الذين كانوا يكثروا السفر والسياحة في مستعمراتهم القديمة لزيادة رصيدهم الثقافي الخاص بالاطلاع على عادات الشعوب وطرقه في الحياة في الفن والثقافة وغيرها... فكثرت السفن التي تبحر لهذا الغرض لتجوب بحار العالم.

    وما أن وقعت الأزمة المالية الكبرى في عام 1929 بانهيار الأسواق المالية حتى حل الذعر في كل أنحاء الولايات المتحدة. ولقد دعا الرئيس (هوفر) 400 شخصية مالية كبرى الى البيت الأبيض في كانون الأول/ديسمبر 1929. وقد نجح في ذلك بتصويب أوضاع العمال والإسهام في جمع مبالغ طائلة من الأموال لدعم الشركات المهددة بإعلان الإفلاس.

    بعد الخروج من الأزمة عادت عملية انتقاد الطبقة الثرية وشحذ السكاكين للهجوم على 60 عائلة كبيرة لأنها بالغت في تأثيرها في إدارة البلاد والهيمنة عليها. وقد ساعد الرئيس (فرانكلين روزفلت 1932) في تقليم أظافر تلك العائلات وإدخال وتطعيم الطبقة الحاكمة من العناصر السياسية الاحترافية من الطبقة الوسطى.

    فهل سيعود نفوذ تلك العائلات مرة أخرى؟


    هوامش منتهميش المؤلف:
    *1ـ Quoted in Aldrich, Old Money, 36
    *2ـ Louis Brandeis, Other People's Money and How the Bankers Use It (1914; New York: Harper& Raw,1967),12
    *3ـ Quoted in John Milton Cooper, The Warrior and the Priest: Woodrow Wilson and Theodore Roosevelt (Cambridge, Mass: Belknap Press of Harvard University Press, 1983), 116
    *4ـ Quoted in Cooper, The Warrior and the Priest, 113; Garraty, Right Hand Man, deals with Perkins's career.
    *5ـ See Gary Gerstle, American Crucible: Race and Nation in the Twentieth Century (Princeton University Press, 2001)
    *6ـ Berle and Means, The Modern Corporation and Private Property, 1,356.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •