نظرات فى كتاب الوطن والمواطنة
مؤلف الكتاب هو حسن الصفار من أهل عصرنا وموضوع الكتاب هو خرافة اخترعها الكفار اسمها المواطن والمواطنة وهو أمر ليس جديد بل كانت ديدن الحكام الكفرة الظلمة لاخضاع الناس لحكمهم حيث أصبحت كلمة الوطن لا تعنى سوى الحاكم وأما كونها تعنى البلد أى أهل البلد فهذا ضرب من المحال فى عرف الحكام فمعنى أن تضحى من أجل وطنك فى الحرب أن تضحى من اجل بقاء الرئيس أو الملك على كرسيه ومعنى أن تضحى بمالك معناه أن تعطيه للحكام أو هم يأخذونه دون إرادتك من راتبك أو معاشك بينما هم لا يدفعون هم ومن معهم أى الحاشية شيئا مثلك ومعنى أن نشد كلنا الحزام هو أن يشد الجوعى الحزام على بطونهم الجائعة أكثر حتى يأكل الحاكم ومن معه ومعنى أن ندفع الخراج والجزية والضرائب هو أن ندفعها للحكام كى يوزعوها على أنفسهم وليس على المواطنين
هذا هو معنى نحن فدى المليك بالروح بالدم نفديك يا الله الملك الوطن تحيا
وأما الوطن للجميع والمواطنون سواء فى الحقوق والواجبات وهى ما يسمى المبادىء الحاكمة للدساتير فيهدمها مباشرة فى الدساتير انتخاب رئيس او وجود ملك سلطاته كذا وكذا ومجالس نواب أو شيوخ مهمها وسلطاتها كذا وكذا وجهاز مهمته كذا فكلها هدم للمبادىء الحاكمة فهى تكرس حكم النخبة حكم المجرمين أى لا تجعل المواطنين سواء قهى تخص طائفة قليلة جدا من الناس بحقوق ليست لهم فى الرواتب والحوافز وفرض الضرائب على من يريدون
حسب الوطن والمواطنون نحن أولاد الأراذل لا نستحق سوى حياة العبيد وأما أولاد الأكابر وهم المجرمون حقا وصدقا فهم يستحقون حياة السادة ينتهكون أعراضنا يأخذون أموالنا يفتلوننا يسجوننا باعتبارنا الإرهابيين أو المعتدين عند المطالبة بالحقوق
الصفار هنا كعادة فقهاء السلطة إما رغبة أو رهبة يكتب الكتاب ليكرس المصيبة وفى المقدمة قال :
"مقدمة:
أودع الله تعالى في هذا الإنسان غرائز وميول ورغبات، وبهذه الغرائز والميول يشق الإنسان طريقه في هذه الحياة، وهذه الغرائز إنما تحتاج إلى توجيه وتقنين، ولذا فوجودها ضروري للإنسان مثلاً غريزة حب الذات هذه الغريزة وجودها ضروري لحياة الإنسان لأنه بهذه الغريزة يحمي الإنسان نفسه، وبها يدافع عن وجوده، كما يطور من خلالها ذاته ويرتقي بها نحو التقدم والنجاح، إذاً لا بد من غريزة حب الذات أن تكون حاضرة في حياة الإنسان، لكنها تحتاج إلى توجيه وإرشاد وتقنين لكي لا يتجاوز الإنسان بها الحدود مثال آخر الغريزة الجنسية، والتي بها يكون استمرار التناسل البشري، وبقاء النوع الإنساني، فهذه أيضاً غريزة أخرى لا بد من وجودها في حياة الإنسان، لكنها تحتاج إلى توجيه وإرشاد وتقنين لكي تكون في مسارها الصحيح والطبيعي وهكذا سائر الغرائز والميول ومن الغرائز المودعة في نفس الإنسان حب الإنسان لوطنه وبلاده، وهي موجودة في نفس كل إنسان، انه يحب بلده، يحب وطنه، يحب الأرض التي ولد فيها ونشأ عليها وتربى وترعرع في ربوعها، هذه الغريزة الطبيعية في حب البشر لأوطانهم، لاحظها العلماء أيضاً بالنسبة لكثير من أنواع الحيوانات، وهي من ضروريات هذا الوجود الإنساني على هذه الأرض يقول الإمام علي (عمّرت البلدان بحب الأوطان) فلولا هذه الغريزة ووجودها في نفس الإنسان لما عمرت وازدهرت البلدان ولما ارتقى هذا الإنسان إلى كمالاته الحضارية التي شهدتها هذه الأرض والتي لا تزال تشهدها، وسيبقى إعمار الإنسان لهذه الأرض تبعاً لوجود هذه الغريزة في نفس الإنسان وحياته، والتي بسببها نرى هذا الميل والانشداد الواضح والقوي لبلد هذا الإنسان ووطنه"

أول الأخطاء هنا هو وجود غرائز فى النفس منها حب الوطن فالإنسان يولد بلا أى شىء فى نفسه فنفسه كما نسب لعلى بن أبى طالب صفحة بيضاء أى يولد بلا أى علم وفى هذا قال تعالى "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
فالغريزة التى يسميها الجنسية لا وجود لها حتى أكثر من عشر سنوات فلو كانت موجودة فى النفس كغريزة لظهرت من أول يوم ولكنها تتأخر سنوات حتى يبلغ الإنسان أى تظهر علامات الرجولة أو الأنوثة كما قال تعالى "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح"
وأما نسبة القول لعلى عمّرت البلدان بحب الأوطان فيخالفه أن تعمر بحب متاع الدنيا من قبل الناس ومنه حب الشهرة أو لمنع الموت وهو الخلود كما فعلت عاد "أتبنون بكل آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون"
العمار الاقتصادى فى صوره المختلفة يكون فيما عدا حالة المسلمين يكون سببه دنيوى فأوتاد فرعون بنيت باضطهاد بنى إسرائيل الذين استعبدهم ليبنوا له ما يريد ومن ثم فالعمار الكفرى قال الله تعالى فيه" "أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"
هل كان المظلومون الجائعون يبنون تلك البلاد عن طريق الحب قارنوا بناء ما يسمى العاصمة الإدارية فى بلد كمصر هل هو ناتج من الحب أم من الإكراه موظفون يمثلون سبعين فى المئة من جملة موظفى الشعب يقبضون رواتبهم على أساسى2014 بينما نحن فى 2020 م تخصم نصف حوافزهم ومكافأتهم وغيرها منذ ذلك التاريخ وهم لا يقدرون على الحياة إلا بالديون وظلم بعضهم البعض بالدروس الخصوصية والكشوف الخصوصية ورفع أسعار العمالة والمنتجات فى دورة لا تنتهى من المعاناة حتى الآن غير الموظفين خفض الدعم لهم والعديد منهم منعت معاشاته بحجج مختلفة مواطنون يبنون وتهدم بيوتهم حاليا المساجد التى كان على الدولة أن تبنيها وبناها المواطنون تهدم الآن بحجة أنها مخالفة للبناء ؟ لماذا لم تبنوها أنتم أم أنت لا ترحمون ولا تتركون رحمة الله تنزل ؟
تحدث الصفار عن ماهية الوطن والمواطنة فقال:
"ما هو الوطن ؟ ما هي المواطنة ؟
جاء في تعريف مسمى (وطن) في لسان العرب لأبن منظور القول بأن وطن: الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله، والجمع أوطان وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها، وطن بالمكان وأوطن أقام، وأوطنه اتخذه وطناً يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها، وأوطنت الأرض ووطنتها توطيناً وأستوطنها أي اتخذتها وطناً أما في الاصطلاح السياسي المعاصر فيقصد بالوطن " الجهة التي يقيم فيها الشخص دائماً أو التي له بها مصلحة أو فيها مقر عائلته والمواطنة - المواطنية: هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماءه إلى وطنه في القرآن الكريم لم يستعمل لفظ (وطن)، ولكن قد يستعمل لفظ (بلد)وهناك سورة في القرآن باسم سورة (البلد) وهي السورة رقم (90) في المصحف الشريف، يقول تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } ومنها ] بلدة وبلاد [ كقوله تعالى: { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } وقوله تعالى: { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ } كما استعملت لفظة (ديار) يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا }ومن الحديث الشريف يمكننا الاستشهاد بالحديث المتداول والمشهور وهو: "حب الوطن من الإيمان"فمن المظاهر الإيمانية للإنسان أن يحب وطنه – وبلده"
كل ما استشهد به الصفار من الوحى ليس فيه أى كلمة عن حب الوطن ولا عن المواطنين وأما الرواية التى تنسب للنبى(ص) فلم يقلها أبدا لأن حسب القرآن الرجل ترك وطنه ولم يعد إليه حتى بعد أن عاد إليه فاتحا فلو كان الحب معناه العودة لمكان المولد والعيش فيه لعاد وبقى فيها فلو كان الحب واجبا لعاد إليها فحب مكة واجب على كل مسلم لوجود البيت الحرام ولكن ليس واجبا أن يعيش فيها ومن ثم لا ارتباط بين حب مكة والعيش فيها ومن ثم لا رابط بين مكان المولد وبين الحياة فيه وإنما الرابط الذى يحكم المسلمين فهو حبل الله كما قال تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"
ثم تكلم الصفار عن حب الوطن مستشهدا لخب الناس لأوطانهم وليس بكلام الله الذى هو كلمة الفصل فيما بيننا فقال:
"حب الوطن:
حينما نطالع التاريخ الإنساني للشعوب والمجتمعات، نجد في صميم ثقافتها وآدابها مساحة واسعة عبرت من خلالها تلك الشعوب والمجتمعات عن حبها وعشقها لبلدانها وأوطانها، وعن تعلقهم بتراب الأرض الذي نشأوا منه وتربوا فيه وكانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه وتطرحه في الماء إذا شربته وكذلك كانت فلاسفة اليونان تفعل ذلك وقال الشاعر في هذا المعنى :
بعفة زاد في بطون المزْاود
نسير على علم بكنه مسيرنا
من الترب نسقاها لحب الموالد
ولا بد في اسفارنا من قبيصة
كما أن حب الإنسان لبلده ليس له علاقة بتلك الميزات الخاصة لكل بلد من البلدان، فلربما تكون ميزات بعض البلدان من المنظور الاقتصادي أو الموقع الجغرافي أو حتى الجمالي الطبيعي أو غير ذلك أكثر من بعض، وربما يكون لهذا البلد أو ذاك أقل الحظ من هذه الميزات، ولكن البلد كبلد يحبه مواطنوه ويتعلقون به وينشدون إليه وكما يقول الشاعر:
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

وكنا الفناها ولم تك مألفاً
هواء ولا ماء ولكنها وطن
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها
فحتى لو كان مناخ هذا الوطن وتضاريسه ليس بأحسن من غيره من البلدان بل حتى لو كان أسوأ من غيره لهذه أو تلك من الأسباب، حتى لو كان كذلك، لكفى أن يعشقها الإنسان لمجرد أنها مسقط رأسه، ولأن جذوره ضاربة في أعماقها، فهو في حالة انشداد دائم نحوها، وهو يميل إليها كل الميل دون سواها قال الشاعر :
إلى وسلمى أن يصوب سحابها
احب بلاد الله ما بين منعج
وأول أرض مس جلدي ترابها
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وقال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى أحد الرزق ومن الكلام القديم: لولا الوطن وحبه لخرب بلد السوء
والوطن يرتبط في وجدان الإنسان بذكريات طفولته ومرحلة صباه وفترة شبابه وهي ذكريات عزيزة غالية، يقول ابن الرومي :
مآرب قضاها الشباب هنالكا
وحبب أوطان الرجال اليهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم"
الاستشهاد بكلام الشعراء وحب الكفار أماكن ولادتهم لا قيمة له فنحن كمسلمين ليس لنا شىء نستشهد إلا وحى الله ومن ثم فمن يدافعون عن الوطن والمواطن يعرفون أنها يدافعون عن خرافة عن أكذوبة ليست فى صالح الناس لأن الله لم يأمر بها

ثم تحدث الصفار عن أن سبب الجهاد كات الطرد من الظن فقال :
"الإخراج من الوطن وتشريع الجهاد:
أن يعيش الإنسان في ربوع وطنه، وأن يتمتع بالحياة في بلده ومسقط رأسه فذلك حق طبيعي، لا يحق لجهة أن تصادره ويندد الله تعالى بالمتسلطين الكافرين الذين يُلجئون المؤمنين المواطنين إلى ترك أوطانهم لا لشيء إلا لتميزهم العقيدي والديني فاختلاف العقيدة والدين لا يبرر الحرمان من الوطن ومصادرة حق الإنسان في العيش في وطنه فقوم نبي الله لوط (ص) توعدوه والمؤمنين به بأن يخرجوهم من بلادهم نكاية بهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله وخالفوا السلوك المنحرف الشاذ لقومهم: { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } ونبي الله شعيب (ص) كذلك شهر أمامه المتسلطون سلاح الإبعاد عن الوطن لإخضاعه لآرائهم الفاسدة بالإكراه { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }ويبدو أن هذا هو منهج جميع المتسلطين الكافرين تجاه الأنبياء والمؤمنين يقول تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } وهنا يشرع الإسلام الجهاد والقتال للإنسان دفاعاً عن هذا الحق الطبيعي: حق العيش في الوطن، ويدعو إلى إعلان الحرب على المتسلطين الذين يحرمون المواطنين الأبرياء من نعمة الحياة في بلادهم وديارهم يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا } ويقول تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } وهذه الآيات الكريمة من سورة الحج تعتبر أول تشريع للجهاد في الإسلام"
بالقطع لم يقل الله أن سبب الجهاد هو الإخراج فقط وإنما قال " بأنهم ظلموا "فشمل الظلم هنا أى فعل جرمه الله كالتعذيب وانتهاك الأعراض والإخراج من البيوت وقتل الناس وحرقهم ... ولذا فسر الله الآية بأنه العدوان بكافة أشكاله فقال " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه لمثل ما اعتدى عليكم"
وبين الصفار أن العلاقة بين الدين وحب الوطن وثيقة فقال :
"الدين وحب الوطن:
هناك علاقة وثيقة بين التدين وحب الوطن، لأن الدين الحقيقي ينعكس أثره على علاقات الإنسان مع الأشياء من حوله، فتصبح تلك العلاقات قويمة واضحة، لذلك يكون حب الوطن جزءاً من الإيمان ومظهراً من مظاهره وفقاً للحديث الشريف ((حب الوطن من الإيمان))
ولماذا لا يحب الإنسان وطنه ولا ينشد إليه ؟ وقد ابتنى جسمه من غذائه وارتوى من مائه، واستنشق عبير هوائه ؟ إن في ذلك دلالة على حالة من اللؤم وعدم الإنصاف بينما يكون التعلق بالوطن والمحبة له أثر لتجذر الكرامة في نفس الإنسان يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ((من كرم المرء حنينه إلى أوطانه)) وهذا رسول الله (ص) حينما اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه مكة المكرمة والهجرة إلى المدينة المنورة، عبر عن مشاعره الجيّاشه تجاه موطنه، وأبرز مدى تعلقه به، وألمه لفراقه كما عن ابن عباس أن رسول الله (ص) عند خروجه من مكة وقف على الحَزوَرَة (سوق بمكة) فقالنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك))
وذكر ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري في كتابه تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام في باب بعنوان (الشوق والحنين إلى الأوطان والوله إلى الأهل): أنه قدم أبان بن سعيد على رسول الله (ص) فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة ؟
- فقال تركتهم وقد جيدوا، تركت الإذخر وقد اعذق، تركت الثمام وقد خالص، فاغرورقت عينا رسول الله (ص) وكان يقال: ((ميلك إلى مولدك من كرم محتدك)) وحينما يتحدث الإمام زين العابدين علي بن الحسين عن جهاد جده المصطفى (ص) وجهوده يشير إلى فراق الوطن والغربة عنه كمفردةٍ بارزةٍ في معاناة الرسول الكريم (ص) يقول في الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجادية: ((وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النأي عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه لإعزاز دينك)) وأيضاً في دعائه لصحابة رسول الله ((ص) يطلب الإمام زين العابدين لهم من الله الأجر والشكر لتحملهم عناء الهجرة عن أوطانهم فيقول: ((واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم)) ويعلق أحد العلماء الأعلام على هاتين الفقرتين من دعاء زين العابدين بقوله: مع أن النبي (ص) والصحابة هاجروا إلى المدينة قاعدة الإسلام ومركز دولته وعبر عنها الإمام بأنها (بلاد الغربة) وروي انه ((ص) لما خرج منها (مكة) مهاجراً التفت إليها وظن انه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبرائيل وتلا عليه قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم فنزل جبرائيل فقال له: أتشتاق إلى مكة ؟ قال: نعم فأوحاها إليه "

كما قلنا إن حب الوطن موضوع لا أساس له فالله لم يأمر به ومن ثم يحاول علماء الحكام أن يلتمسوا أى شىء للضحك به على الناس ومن ثم يستندون لروايات تعارض القرآن وهى:
"حب الوطن من الإيمان" الرواية تعارض عدم وجود نص بهذا فلو كان الحب واجب لعاد المسلمون المهاجرون لبلادهم جميعا وتركوا دولة المسلمين مع كفر أهل بلادهم ولكن الواجب على المسلمين كان هو ترك أوطانهم التى اضطهدوا فيه والسكن فى بلد المسلمين حتى ينالوا ولاية الله والمسلمين وهو قوله تعالى " والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا"
وأما القول " من كرم المرء حنينه إلى أوطانه " فهو خبل لنفس السبب فهو تخريب لدولة المسلمين التى بنيت على هجرة المضطهدين فلو حن كل واحد منهم وعاد لبلده الكافر وترك دولة المسلمين لكفر لنفس السلل االذى أمر الله به وهو الهجرة لدولة المسلمين
وأما القول "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك" فليس فيه دليل على ارتباط الدين بحب الوطن فالقائل ربط حبه لها بحب الله لها ولو كانت دليل على وجوب البقاء فيها لكان عاد إليها بعد الهجرة وأقام فيها ولكن المسلم دولته حيث يوجد المسلمين
بعد هذا تكلم الصفار عن حدود البلد فقال :
"حدود الوطن:
تقع حدود الوطن في وعي الإنسان المسلم بين ثلاث دوائر متداخلة:
الدائرة الأولى: الانتماء العقيدي، فالأمة الإسلامية أمة واحدة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي } وبلادهم وطن للمسلمين جميعاً ،وكل أرض تحت سلطة المسلمين فهي دار الإسلام وكان المسلمون سابقاً يعيشون هذا المفهوم العقيدي للوطن كواقع فعلي، حيث لم تكن هناك كيانات سياسية متعددة، ولا حدود جغرافية فاصلة، ولا تمايزات إقليمية تعوق حركة المسلم في بلاد المسلمين، وكان المسلم يتنقل من طنجة في الشمال الإفريقي إلى جاكرتا في جنوب شرق آسيا دون جواز سفر، أو تأشيرة دخول، ولا يقف عند حدود جمركية، ولا يحتاج إلى تبديل عملة نقدية لكن الدولة الإسلامية قد تجزأت اليوم إلى خمسين دولة، بسبب الانحراف والابتعاد عن تعاليم الإسلام، ولسيطرة التخلف ومؤامرات الأعداء وأصبحت الحدود المفتعلة بين الدول الإسلامية حاجزاً ضخماً يحول دون وحدة هذه الأمة وتكاملها السياسي والاقتصادي
بل أصبحت ألغاماً متفجرة تنشب بسببها الحروب الطاحنة والصراعات الدامية بين فترة وأخرى وقريب جداً ما حصل من حرب ضروس بين العراق وإيران استمرت ...ويمكن القول بكل مرارة وألم أن الوطن الإسلامي بحدوده العقائدية أصبح الآن مجرد ذكريات عزيزة من تاريخنا الماضي وحلم وأمنية نتطلع إلى تحقيقها في المستقبل...

الدائرة الثانية: الكيان السياسي: حيث يعيش كل إنسان ضمن دولة يحمل جنسيتها، وترتبط قضايا حياته ومستقبله ومصيره بهذا الكيان، وإذا كان الإنسان المسلم يتمنى أن تندمج هذه الكيانات الإقليمية ضمن كيان إسلامي واحد كبير، فإن ذلك لا يعني أن لا يتحمل مسئولية تجاه هذا الكيان الذي يعيش ضمنه، ويتأثر بواقعه وأوضاعه ويشترك مع سائر المواطنين فيه سلباً وإيجاباً إنه المصداق الأبرز والأقرب للوطن حسب الواقع المعاش
الدائرة الثالثة: الوطن العرفي: وتعني البلد والمنطقة التي ولد الإنسان ونشأ فيها مدينة كانت أو قرية، وإليها عادة تنشد مشاعر الإنسان ويتركز حنينه وشوقه، فحتى لو انطلق ضمن الدائرة الثانية يبقى منجذباً إلى هذه الدائرة فنرى مثلاً أن المواطن عندنا قد يعيش ضمن أي منطقة من مناطق الوطن بداعي الدراسة أو الوظيفة أو أي سبب آخر لكنه يظل يتحين الفرصة للعودة إلى مدينته أو قريته والتي قد تكون أقل تطوراً وعمراناً من المنطقة التي أقام فيها
وهذه الدوائر الثلاث متداخلة والانتماء والولاء لكل دائرة منها لا يتناقض مع الولاء والانتماء للدائرة الأخرى بل يتكامل
بيد أن بعض التوجهات السطحية والمتطرفة قد تدفع باتجاه التناقض والتعارض بين هذه الدوائر، لكن الوعي السليم، والنظرة الواقعية تجعل الإنسان مواطناً صالحاً وفياً ضمن هذه الدوائر جميعاً
وكما يقول أحد المفكرين: " إن الانتماء الأكبر لا يعني إنكار وجود انتماءات ثانية وصغرى وفرعية فتلك حقيقة تشهد عليها الفطرة السليمة لدى الإنسان، فلدى المسلم السوي، الذي يمثل الانتماء الإسلامي هويته الأولى وجامعته العظمى، إحساس فطري بأن له انتماءات وولاءات صغرى وفرعية، تلي الانتماء الإسلامي، ولا تتعارض معه فالأمة الإسلامية كالجسد
الواحد، لكن لهذا الجسد أعضاء، لا ينفي تميزها وتفاوتها وحدة هذا الجسد
والفطرة الإنسانية تشهد على أن للإنسان منا ولاء وانتماء إلى "الأهل" بمعنى الأسرة والعشيرة وإلى "الشعب" في الوطن والإقليم الذي تربى ونشأ فيه وإلى "الأمة" -الجماعة- التي يتكلم لسانها ويشترك معها في الاعتقاد الديني ثم إلى الإنسانية التي خلقه الله وإياها من نفس واحدة تشهد الفطرة السليمة لدى الإنسان السوي على ذلك دونما تناقض أو تعارض بين هذه "الدوائر" في الولاء والانتماء " فهي أشبه ما تكون بدرجات سلم واحد، يفضي بعضها إلى بعض، وتدعم إحداها الأخرى، بشرط أن تخلو مضامينها من الشطحات العنصرية ونزعات الغلو في التعصب، التي تقطع الروابط بين هذه الدوائر فلا مشكلة في تعدد دوائر الانتماء، طالما قام وربط بينها الانتماء الأكبر وهو الانتماء إلى الإسلام فالإنسان إذا عاد إلى فطرته السليمة فإنه سيجد حنيناً خاصاً إلى المكان الذي ولد فيه، وولاءاً للوطن الذي ضمن له الرعاية والحماية والخدمات، وانتماءاً للوطن الأكبر الذي كونت ذكريات انتصاراته وطموحاته وآماله وآلامه مخزون التاريخ والتراث "

يقول الصفار ان انتماء المسلم حاليا متوزع على الأمة الإسلامية وعلى الدولة التى يعيش فيها وعلى أسرته وهو كلام يخالف كلام الله فالانتماء لله وحده أى لدين الله وليس فى دين الله أن يكون للمسلم انتماء لدولة كافرة تحكم بدين غير دين الله إلا أن يكون المسلمون عاجزون عن الهجرة لعدم وجود دولة لهم أو عاجزون عن الهجرة فى حال وجودها وفى هذا قال تعالى "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا"
هنا مكان من أقام فى دولة أخرى حتى لو ولد وعاش فيها وهو قادر على الهجرة لدولة المسلمين جهنم
وأما الانتماءات الفرعية فهى انتماءات داخلة فى احكام الإسلام فالأسرة انتماء لقوله تعالى " ادعوهم لآباءهم" والانتماء مثلا لوزارة أو مؤسسة ما طلب الله وجودها موجود لقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى" وهذه الانتماءات ليست انتماءات خارج الإسلام ولكنها توجب على المسلم واجبات وتجعل له حقوق على هذه الدوائر المتعددة ولكنها كلها داخل الإسلام
وكما قلنا فأحكام الإسلام قد تجعل المسلم يعادى أهله الكفار ويقاتلهم إن قاتلوا المسلمين كما قال تعالى :
"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين"
وقال :
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم"
إذا كل شىء مفصل فى القرآن عن هذه العلاقة ومن ثم لا يوجد\ دوائر ولا خبل كمما قاله فى الفقرة فالمسلم محكوم بدين الله وحده فإن عارضته قوانين البلد التى يهيش فيها وجب عليها أن يبعد عن طاعتها وإن عارضه حبه لأهله الكفار الذين يعتدون على المسلمين وجب عليه أن يقاتلهم ردا على العدوان