أيتها الشام الحبيبة ...
هشام الخاني

مهما فعل الحاقدون، ومهما طغى الأعداء المغرضون فإن الواقع الحق يشهد بأن كل شبر بمن يقطن فوقه من الناس في أي من مناطق الشام هو شامي الدم والهوية والانتماء. وإن هذه الحقيقة لا يشعر بها إلا الذين صفت قلوبهم وعلموا حتمية النسيج الواحد لبلاد الشام تحت ظلال وحدة فريدة في الدم والعقيدة واللغة وتحاب القلوب. ولابد للذي يريد أن يستشعر حقيقة كلامي أن ينسلخ تماما عن الواقع السياسي، وعن الحال العصبي الذي يتبناه الكثيرون في كل شأن بعيد عن الحق، وأن يغوص بصدق ونقاء في أعماق الترابط الإنساني لبلاد الشام من كل ناحية وشأن. فلئن فعل فلابد أن يحس بالأثر الكبير لوحدة الدين والدم والمصير، وأن يتذوق حلاوة البركة التي سور الله بها هذه البلاد لأنها الكفيلة بجمع البشر والشجر والحجر معا إن لم يتوان الناس متباغضين ويبدلوا قيمهم ومبادئهم.

ليست الأيام والليالي القاسية، التي نعيشها مؤرقين متلهفين تجاه الشام ومصائبها الكثيرة، بأقسى مما نجد اليوم في نفوسنا متألمين متلهفين داعين لأهلنا في بيروت الحبيبة. وإن الوجد الذي يغشى قلوب المخلصين يزيد الألم ألما بما حدث من قتل ودمار، ويحاكي ألم الفاقة والحاجة والجوع والخوف والدمار مما شهدته الشام وتشهده حتى بتنا نبكي الأحباء هنا وهناك .. نذوق المصيبة من كل مكان وليس من نصير إلا الله.

لقد جربت الشام خلال قرن من الزمن كل أنواع الاجتهادات الزائفة في الأنظمة التي ابتدعها البشر تحت عناوين التقدمية والفئوية وما يتبعها. ورغم أن التاريخ غير البعيد ينادي بأعلى الصوت يقول: "لقد كنتم خير أمة اخرجت للناس إذ كنتم معتصمين بحبل الله، وما أيام الخير والعز منكم ببعيد وأنتم سادة الأرض" .. إلا أن الوقر الذي ألم بالآذان نتيجة البعد عن المبادئ الخيرة قد استحكم، فجعل الصمم قاطنا فيها والناس في غفلتهم نائمون. أما المفسدون والمغرضون فقد رضوا بالثبات الذي تمكن من الأمة إذ وجدوا فيه السلاح السحري الماضي حيث لا كلفة ولا ذخيرة.

جربنا كل الوعود من البشر وابتداعاتهم وشعاراتهم وزيفهم فما وجدنا من نتاجها إلا الخزي والنكوث .. فهلا جربنا وعد الله ؟!!! ... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"- (النور).
....